مقادير زكاة المحصول الفلاحي بالكيلو بالمقارنةمع الوسق الفقهي - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

مقادير زكاة المحصول الفلاحي بالكيلو بالمقارنةمع الوسق الفقهي

بحث من إنجاز فضيلة الفقيه عبدالله بنطاهر

هل يمكن تقدير النصاب في زكاة الفلاحة بـ(الكيلو) المعمول به اليوم بنصف طُنٍّ تقريبا؟ (مجرد اقتراح)

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله و آله وصحبه

وبعد :كثير من الناس اليوم يسألون عن قدر النصاب في زكاة الفلاحة بـ(الكيلو) المعمول به اليوم، وكثير من الفقهاء يكون جوابهم: خمسة أوسق، وهو ما يساوي 38 عبرة، والعبرة هي المعمول بها عندنا في المغرب في بيع الحبوب ويسميها البعض (الثمن)، وهذا ما يجعل سؤال الناس في واد، وجواب الفقهاء في واد آخر؛ ولا بد من بناء رابط بين سؤال الناس وجواب الفقهاء هنا، وسأحاول -إن شاء الله- جسر هذه الهوة من خلال هذا الجواب والله الموفق للصواب.

أولا: ما يجري به العمل اليوم في تحديد الأشياء في المبادلات التجارية وغيرها يختلف حسب ما يلي:

1) إما أن يكون بالعدد، مثل العملات والأرغفة ولبنات البناء وأمتار المنازل وكل ما يتم المبادلة فيه بالعد.

2) وإما أن يكون بالثقل أي: الكيلو الذي يستهدف ثقل الأشياء لا حجمها. 

3) وإما أن يكون بالحجم مثل الصاع والوسق والعبرة والصندوق...

4) وإما أن يكون بالجزاف ويكون غالبا في شراء البهائم...

والذي يهمنا هنا الوسائل التي تستهدف الثقل (الكيلو)، والتي تستهدف الحجم (الوسق والعبرة). 


 ثانيا: ما تجب فيه الزكاة في المذهب المالكي من المنتوج الفلاحي هو مما يقتات ويدخر؛ أي يصلح للاعتماد عليه في القوت اليومي في عيش الإنسان، كما يصلح للادخار بذاته أياما أو شهورا أو سنوات من غير تعرضه للتلف، والمقصود الادخار الطبيعي، وليس الادخار الاصطناعي الذي يتم بواسطة الآلات والأجهزة كالثلاجات؛ ولهذا فإن ما يجب فيه الزكاة عند المالكية في الفلاحة هو عشرون صنفا وتقسم في مجموعات إلى أربعة أنواع: 

1) الحبوب وتشمل: القمح، والسُّلْت، والشعير، والذُّرَة، والدُّخن، والْأُرْزُ، والعَلَس.

2) الثمار: وتشمل: التمر، والزبيب.

3) القطاني السبعة وهي: الحمص، والفول، واللُّوبِيَا، والعدس، وَالْجُلُبَّان، والتُّرْمُس، وَالْبَسِيلَة. 

4) ذوات الزيوت الأربع وهي: الزيتون، والسِّمْسِمُ، وَالْقُرْطُم، وَحَبُّ الْفُجْلِ(1).

ثالثا: النصاب الذي يشترط تحقيقه في المحصول الزراعي والإنتاج الفلاحي حتى تجب فيه الزكاة على صاحبه هو خمسة أو سق؛ لما أخرج الأئمة مالك والبخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-: أن النبيﷺ قال: «ليس فيما دون خمسة أَوْسُق صدقة»(2). والوسق هو ستون صاعا، والصاع أربعة أمداد بمد اليد المتوسطة؛ فيكون مقدار خمسة أوسق من الأمداد هو: ألف ومائتا مدٍّ؛ وذلك بضرب أربعة أمداد في 60 صاعا، النتيجة 240 ثم تضرب في خمسة: يخرج 1200، وهذا يساوي 38 عبرة الجاري بها العمل اليوم. 

هذا النصاب فيما يخص الوزن بناء على اعتبار حجم أصناف ما تجب فيه الزكاة وهو بمقدار واحد لا يختلف؛ أما باعتبار ثقلها بوزن (الكيلو غرام) فيختلف باختلاف أصنافها، وحتى أتأكد من الأمر ميدانيا قمت بوزن الـمُدِّ بالكيلو في اثني عشر صنفا من الأصناف السابقة المتوفرة لدينا، والتي يقتاتها الناس، فخرجت النتيجة حسب الجدول التالي:

ر.ت     النوع      الـمد       الصاع         الوسق      5 أوسق

1       القمح     500 غ    2.000 غ    120 كيلو    600 كيلو

2       الذرة     500 غ    2.000 غ    120 كيلو    600 كيلو

3       الشعير   375 غ    1.500 غ   90 كيلو       450 كيلو

4       الأرز    540 غ    2.160 غ   129.600    648 كيلو

5      التمر     450 غ    1.800 غ   108.000    540 كيلو

6      الزبيب  400 غ    1.600 غ    96.000      480 كيلو

7      الزيتون 420 غ    1.680 غ    100.800    504 كيلو

8     العدس   500 غ    2.000 غ    120 كيلو     600 كيلو

9     اللوبيا   500 غ    2.000 غ    120 كيلو     600 كيلو

10   الجلبان 500 غ    2.000 غ    120 كيلو     600 كيلو

11   الحمص 485 غ   1.940 غ    116.400    582 كيلو

12   الفول   430 غ    1.720 غ   103.200    516 كيلو

 ومن خلال هذا الجدول يتبين لنا أن نصاب الزكاة في المنتوج الفلاحي يتراوح ما بين 450 كيلو بالنسبة للشعير، إلى 648 كيلو بالنسبة للأرز؛ فإذا أخذنا هنا بالدليل الشرعي: (الأخذ بأقل ما قيل)(3) نقول بأن النصاب 450 كيلو، وهو الأحوط، كما يمكن تحديده تحديدا تقريبيا في 500 كيلو في الجميع أي: نصف طُنٍّ وهو الأوسط.


رابعا: لا تجب الزكاة في المعتمد عند المالكية في غير العشرين المذكورة؛ وفي غير المعتمد  قال ابن حبيب وابن الماجشون وابن العربي بوجوب الزكاة في الثمار كلها فواكه وخضر وغيرها وهو مذهب الحنفية(4)؛ واستدلوا بعموم قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [البقرة: 267]، وقوله تعالى: {وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكْلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حِصَادِهِ} [الأنعام: 141]، وما روى البخاري ومسلم واللفظ له أن النبيﷺ قال: «فيما سقت الأنهار والغيم العُشُورُ، وفيما سُقِيَ بالسانية(5) نصفُ العشر»(6)، ولفظ «ما» في الحديث من ألفاظ العموم.

قال ابن العربي: "وأقوى المذاهب في المسألة مذهب أبي حنيفة دليلا، وأحوطها للمساكين، وأولاها قياماً بشكر النعمة؛ وعليه يدل عموم الآية والحديث"(7)، وقال أيضا: "وأما أبو حنيفة فجعل الآية مرآته فأبصر الحق، وقال: إن الله أوجب الزكاة في المأكول قوتا كان أو غيره"(8).

أما كيفية إخراج زكاة الخضر والفواكه فلا مشكل فيه عند الحنفية؛ لأنهم لا يقولون بالنصاب في زكاة الحرث والفلاحة عموما؛ فالفلاح عندهم يزكي القليل والكثير، أما حديث خمسة أوسق فقد أولوه بزكاة عروض التجارة؛ لأن قيمتها في عهد رسول اللهﷺ هي مائتا درهم، وهي نصاب زكاة الفضة(9)، وحكى القاضي عياض عن داود: "أن كل ما يدخل فيه الكيل يراعى فيه النصاب الخمسة أوسق، وما عداه مما لا يُوسَق ولا يدخل فيه الكيل، ففي قليله وكثيره الزكاة"(10).

ولكن المشكل عند من قال بوجوب زكاة الخضر والفواكه من المالكية بشرط بلوغ النصاب وهو خمسة أوسق؛ كيف يقدرون فيه خمسة أوسق؟ مثلا: البطيخ أو الدلاح كيف نستخرج منها خمسة أوسق؟

والحل لهذا المشكل أن نستخرج قدر الأوسق الخمسة بالكيلو غرام الجاري به العمل اليوم كما سبق في الجدول؛ وعلى هذا نخرج بنتيجة: أن نصاب الزكاة في الخضر والفواكه يحوم حول (500 كيلو غرام)، بمعنى أن من كان يحصد من الخضر والفواكه نصف طُنٍّ تقريبا فأعلى (والطُّنُّ يعادل 1.000 كيلو غرام) تجب عليه الزكاة عند من قال بذلك من المالكية كابن حبيب وابن الماجشون وابن العربي.

هذا فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فسبحان الله، {إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ}[الجاثية: 32](11).  

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهامـــــــــــــــش:   

(1) الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي: (1/447).

(2) الموطأ: كتاب الزكاة: باب ما تجب فيه الزكاة، وصحيح البخاري: كتاب الزكاة: ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة، وصحيح مسلم: فاتحة كتاب الزكاة. 

(3) عرفه الباجي في كتابه إحكام الفصول في أحكام الأصول تحقيق عمران العربي: (ص: 953) فقال: "وهذا باب له تعلق بباب الإجماع وتعلق باستصحاب الحال؛ وذلك إذا اختلف العلماء في إيجاب شيء، فأوجب بعضهم قدرا ما، وأجب سائرهم أكثر منه، كان ما أوجبه أقلُّهم إيجابا مجمعا عليه، وما زاد عليه مختلفا فيه، والأصل براءة الذمة؛ فيجب استصحاب حال الأصل فيما زاد على المجمع عليه حتى يدل الدليل على زيادة عليه، وهذا باب من استصحاب الحال"، وعرفه د. مصطفى البُغا في كتابه أثر الأدلة المختلف فيها في الفقه الإسلامي: (ص: 634) .فقال: "الأخذ بالأقل معناه: أن توجد أقوال في مسألة، وليس هناك دليل يُرجِّح أحدها، وتكون هذه الأقوال ضمناً متفِقة على قسط معين فيما بينها وهو الأقل، ومختلفة فيما زاد عنه؛ فيُتمسك بهذا القسط الذي هو أقل الأقوال".  

 (4) انظر: النوادر لابن أبي زيد: (2 / 109) والتبصرة للخمي: (3 / 1075)، وأحكام القرآن لابن العربي: (2/ 283)، والمبسوط للسرخسي الحنفي: (3/3)، وفتح الباري لابن حجر: (3/ 311).

(5) السانية الدَّلْو الْكَبِير وأداتها الَّتِي يَسْتَقِي بهَا وَبِه سميت الدَّوَابّ سانية لاستقائها بهَا. انظر: مشارق الأنوار للقاضي عياض: (2/ 223).

(6) صحيح البخاري: كتاب الزكاة: باب العشر فيما يُسْقَى من ماء السماء، وصحيح مسلم: كتاب الزكاة: باب ما فيه العشر أو نصف العشر.

(7) عارضة الأحوذي شرح سنن الترمذي: (2/98)، وفتح الباري لابن حجر: (3/ 350).

(8) أحكام القرآن لابن العربي: (2/ 283).

(9) المبسوط للسرخسي الحنفي: (3/3).

(10) إكمال المعلم للقاضي عياض: (3/ 460)، وفتح الباري لابن حجر (3/ 350).

(11) جاء في حلية الأولياء لأبي نعيم: (6/323) أنه: "قلما يفتي الإمام مالك بشيء، إلا تلا هذه الآية".


  خادمكم عبد الله بنطاهر

16 جمادى الأولى 1440هـ 23 / 1 / 2019م.

مدرسة الإمام البخاري للتعليم العتيق أكادير

دعواتكم رأس مالي ورصيد اعتمادي

منقول من كتابي (أجوبة وفتاوى فيما استجد في العصر من الظواهر والقضايا)

مرقون ينتظر فرصته للطبع إن شاء الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا