التحذير من خطورة سب الدين والذات الإلهية
من إعداد فضيلة الأستاذ: شوقي الفلالي
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه....
أما بعد عباد الله يقول ربنا سبحانه وتعالى ممتنا على عباده بنعمة اللسان فقال {الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآَنَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ } وقال { أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ}.
عباد الله لقد انتشرت في مجتمعات المسلمين عامة، ومجتمعنا المغربي خاصة، ظاهرة شنيعة وعادة قبيحة، تشمئز منها القلوب وتقشعر منها الأبدان وتتزلزل لها الأرض وتتفطر منها السماوات؛ عادة ليس كباقي العادات، هو ذنب لكن ليس كباقي الذنوب، هو معصية لا كباقي المعاصي، إنه ذنب{ يَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا} مريم 90 عادة تعود عليها بعض الرجال أو لنقل أشباه الرجال فاستأنس بها زوجاتهم وتعود عليها أبناؤهم فبدأوا يستعملونها عند غضبهم وفي مخاصماتهم.
إنها عادة سب الدين والملة وسب الرب عز وجل ،إنّه منكر سبّ الخالق جلّ في علاه وسبّ دينه الحقّ الذي ارتضاه للعالمين ؛ وأي منكر أفظع وأيّ جريمة أشنع من أن يصبح سبّ الخالق سبحانه وسبّ دينه، يجري على ألسنة النّاس صباح مساء، وفي كلّ مكان؟،
فلا يكاد المار من أي مكان عام دون أن يسمع من بعض الناس ما يخدش شعوره الديني، وعاطفته الروحية، ومن أسوا ما يتردد وينبعث من ألسنة الكثيرين، التفنن في سب الدين والرب، حتى أصبحت هذه الظاهرة أمرا عاديا، وسلوكا مألوفا، لا يلفت انتباها، ولا يحرك ساكنا.
الخالق سبحانه يُسبّ على أرضه وتحت سمائه!
• في الملاعب يُسبّ الإله ويسبّ الدّين إذا ضَيّع أحد اللاعبين فرصة لإحراز الهدف، ويسبّ إذا انحاز الحَكم إلى أحد الفريقين!
• في الطّرقات يسبّ المولى سبحانه بسبب خلاف في الأولوية، أو اصطدام مفاجئ، أو زحام مؤقّت!
• في الأسواق يسبّ العليّ الأعلى جلّ شأنه بسبب خلاف بين التّجّار حول الأماكن المحجوزة لعرض السّلع!، أو بسبب سوء تفاهم بين البائع والمشتري حول جودة السّلعة أو السّعر!
• فماذا بقي من الدين ؟ بعدما أصبح كثير من الشّباب لا يجد الواحد منهم ما يردّ به على من عكّر مزاجه إلا أن يسبّ الله ويسبّ دينه، ولا يجد ما يعبّر به عن سخطه إذا حصل ما لا يعجبه إلا أن يحرّك لسانه بالتّطاول على خالقه سبحانه؟
• بل ماذا بعدما صار بعض الشّباب يرون سبّ الإله سبحانه وسبّ دينه رجولة وقوة شخصية؟
• وماذا بعدما أصبح بعض الآباء لا يجد الواحد منهم ما ينفّس به غضبه على زوجته وأولاده إلا أن يسبّ الخالق ويسبّ الدّين؟.
• وماذا بعدما صار بعض المسؤولين في الإدارات والمؤسّسات العامّة والخاصّة لا يجدون وسيلة لإظهار حزمهم وتقريع الموظّفين وتخويفهم إلا أن يسبّوا الواحد الأحد تقدّس شأنه ويسبّوا دينه الحنيف؟
• وماذا بعدما فُجعنا بأطفال في سنّ الرّابعة والخامسة يتعلّمون سبّ الخالق وسبّ الدّين قبل أن يحفظوا سورة الفاتحة، ويجري هذا المنكر على ألسنتهم عشرات المرّات كلّ يوم؟
وقد لانصدق أنه يوجد في أمتنا ومجتمعنا المغربي من يسب الله الذي خلقه فسواه وجعل له عينين ولسانا وشفتين لكن هذا هوالواقع ! فما غر هذا الإنسان بربه حتى يسبه وينقص من قدره {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} أكيد أن الذي غر هذا الإنسان حتى أصبح يتمادى في سب الذات الإلهية قد غره جهله بالله، وبعظمته وقدره { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} { مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا} نوح 13-14
لكن الذي غر مثل هؤلاء هو إمهال الله له وحلمه به ، فلو شاء الله لأخرص لسانه على التو، أو أفقده سمعه وبصره، أو مسخه الله وجعله عبرة لمن يعتبر، أو خسف به الأرض أو أرسل عليه صاعقة من السماء ، ولكنه يمهله ولا يهمله لعله يتوب، لعله يرجع إلى رشده {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ } النحل 45/47
كيف يجرأ الإنسان على سب الذات الإلهية وقد خلقه وأحسن صورته {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا } النحل {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} التين
كيف يجرأ الإنسان على سب الرب وهو لم يكن قبل شيئا مذكورا، ولم يكن يعلم شيئا وجعل الله له السمع والبصر واللسان قال تعالى {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } النحل 78
كيف يجرأ الإنسان أن يسب الله الذي كان يرعاه ويحفظه لما كان جنينا في بطن أمه تسعة أشهر. كيف يجرأ الإنسان على سب الله والرسول ﷺ يقول "إنِّي أرَى ما لا ترَونَ وأسمعُ ما لا تسمَعون، أَطَّتْ السماءُ وحق لها أن تَئِطَّ؛ ما فيها موضِعُ أربعِ أصابِعَ إلا ومَلَكٌ واضِعٌ جبهَتَهُ لله ساجدًا".
كيف يجرأ الإنسان على أن يسب الرب وينقص من قدره وهذا الكون الذي يعيش فيه إنما هو كون الله ومِنْ صُنْعِ الله وخلقه {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} لقمان 11
من أنت وما حجمك في ملك الله الشاسع الواسع، والكون بعظمته يسبح لله ويقدسه {يٌسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا }الإسراء 44
بل حتى إبليس الذي تكبر واستكبر وعصى الله تعالى لم يجرأ على أن يسب ربه بل {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} ص 82
هذا الذي يسب ويستأسد عندالخصومة وعند الغضب بسب الدين والملة والرب، على من يستأسد ؟
على الكريم الذي خلقه فسواه،أم على الجبار القادر على ان يسلط عليه بلاء لم يكن بحسبانه فيتمنى الموت ولا يجده لكنه سبحانه حليم رحيم يمهلك ولا يهملك.
بل كيف يجرأ هذا الإنسان على سب الدين الذي ارتضاه الله تعالى للعالمين قال تعالى {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}
وقال ايضا {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} آل عمران
إن هذا الدين الذي يسبه بعض الناس هو الدين الذي أتمه الله وأكمله وجمله لنتعبد به له قال تعالى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} المائدة
أما بقي للإنسان عند الغضب إلا ان يؤذي الذات الإلهية ، فإلى كل من هذا ديدنه وجرمه إليهم هذه الآية الكريمة {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا}الأحزاب 57
عباد الله :لقد نهانا الله تعالى ان نسب آلهة المشركين حتى لا نكون سببا في سب الرب وحتى لا يسب المشركون وهم على شركهم ليسوا بمسلمين رب الأرض والسماء قال تعالى {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَسُبُّواْ اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ}الأنعام 18
ولعل قائلا يقول لم يكن القصد سب الرب الخالق، وإنما كانت كلمة خرجت ساعة الغضب، ياهذا اسمع إلى هذا الحديث الصريح المليح فعن أبي هريرةرضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ (وإنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن سَخَطِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَهْوِي بها في جَهَنَّمَ سبعين خريفا) البخاري
فالكلمة أمرها خطير، كل ما يخرج من فمك فأنت مسؤول عنه أمام الله ، إن كان خيرا فخير وإن كان شرا حوسبت عليه{ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}
ففي حديث معاذ ابن جبل رضي الله عنه قال "فقلت: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال ﷺ :"ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم" أخرجه الترمذي.
فاللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه .... أما بعد عباد الله :
لقد عظم علماء الأمة شأن الحُكْم فيمن يسبّ الله أو يسبّ دينه، وبينوا أن مسألة سبّ الله ودينه مسألة مجمع على كفر فاعِلها سواء أكان جادا أم مازحا، هادئا أم غاضباً.
وهذه جملة اقوالهم : قال إسحاق بن راهويه "قد أجمع المسلمون أن من سبّ الله أو سبّ رسوله ﷺ أنه كافر بذلك، وإن كان مقراً بما أنزل الله". وقال القاضي عياض: "لا خلاف أن من سب الله تعالى من المسلمين كافر".
وقال ابن حزم: "وأما سبّ الله تعالى، فما على ظهر الأرض مسلم يخالف أنه كفر مجرد" وقد أفتى الإمام مالك رحمه الله "أنّ من سبّ الله تعالى ثمّ تاب، وجب عليه أن يعيد حجّة الإسلام إن كان حجّ من قبل"
عباد الله: من أجل استئصال ومحاربة ظاهرة سب الدين والملة والرب، لا بد من تضافر الجهود كل من موقعه: الأئمة والخطباء والوعاظ والآباء والأمهات والمربين والمدرسين حيث إنه لا بد أن نغرس معاني الإيمان في نفوس أبنائنا وبناتنا ونعلمهم أن سبّ الدين وشتم الذات الإلهية من نواقض الإيمان.
إن محاربة هذه الظاهرة هي مسؤولية مشتركة، فالمواطن عليه مسؤولية الاستنكار والنصح بالتي هي أحسن، والمسؤولون في الدولة يقع عليهم الحزم في المتابعة والعقاب، والمنتخبون مطالبون بسن تشريعات وقوانين أكثر قوة ووضوحا في هذا المجال، والمربون والآباء عليهم ثقل المسؤولية بغرس حب الله والدين في نفوس هؤلاء التلاميذ من البنات والبنين وتوجيههم التوجيه الصحيح وتربيتهم التربية السليمة، فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته.
فاللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا ما أبقيتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا يا أرحم الراحمين.
اللهم صل على سيدنا وعلى آل سيدنا محمد......
اللهم انصر جلالة الملك محمد السادس نصرا مقرونا بالهداية والتوفيق وأيده بتأييدك وأعزه بطاعتك اللهم كن له على الحق مؤيدا ونصيرا ومعينا وظهيرا اللهم اجعل بطانته صالحة تعينه على الحق إذا ذكر وتذكره إذا نسي اللهم شد أزره بالصالحين من أمته اللهم أصلح ولي عهده المولى الحسن وأنبته نباتا حسنا وبارك اللهم في صنوه المولى الرشيد يا رب العالمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا