خطبة عيد الأضحى دور العيد في إصلاح المجتمع - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

خطبة عيد الأضحى دور العيد في إصلاح المجتمع



من إعداد فضيلة الفقيه عبدالله بن طاهر التناني 

تذكير :وكعادته دائما في خطبه ومنشوراته جزاه الله خيرا

 يطلب منا أمرين: 1) الدعاء له -بعد الإخلاص- عن ظهر الغيب.2) غض البصر - بعد الإصلاح- عما فيها من العيب.

تاريخ إلقائها: 27 رمضان 1427ﻫ 10/10/2006م

الله أكبر (سبعا). الله أكبر ما فرح المسلمون بالعيد فنالوا محبة الله ورضاه، وأشرقت بأنوار الطاعة القلوب والجباه. الله أكبر ما تعطر بنشر الذكر المجالس والأفواه، وتوجه المؤمن إلى مولاه في سره ونجواه، الله أكبر ما أعز الله من أطاعه واتقاه، وأذل من خالف أمره وعصاه. 

الحمد لله الذي من على هذه الأمة ببعثة خير البرايا، وجعل التمسك بسنته عصمة من الفتن والبلايا، أحمده سبحانه وتعالى وأشكره على النعم والهدايا، وأسأله الثبات على السنة والسلامةَ من المحن والرزايا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له عالم السر والخفايا، والمطلع على مكنون الضمائر والنوايا، وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله كريم الخصال وشريف السجايا، عليه من الله أفضل الصلوات وأزكى التسليمات وأشرف التحايا، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم تكشف فيه النفوس عما فيها من الأسرار والخبايا…

أما بعد فيا أيها الاخوة المؤمنون! أوصيكم ونفسي ألا بتقوى الله وطاعته.   .....التكبير....

ها نحن اليوم في عيد الأضحى وقد شرع الله لنا فيه آدابا وسننا، تجعل دور العيد في الإصلاح كبيرا، فآداب العيد ليست مجرد طقوس وعادات نزين بها يوم عيدنا فحسب، بل هي عبادات تترك آثارها في النفوس، فتطهر مظهر المسلم ومخبره، وتصلح قلب المسلم وقالبه، فإذ ما سلطنا الأضواء الكاشفة على عيد المسلم نجده حقا مدرسة تربوية كبرى! 

فتعالوا بنا اليوم نرفع الستار عن فوائد هذه المدرسة المباركة، نجلس في فصلها الدراسي الذي عقده لنا معلم الأمة الأولﷺ، نستعرض عيد المسلم فنستفيد من آدابه وسننه.

وأول آداب عيد الأضحى بعد صلاة الفجر في وقتها هو النظافة بحيث يغتسل المسلم ويتنظف، ويزيل ما به من الأدران والأوساخ، ثم يلبَس أجود ما يجد من الثياب، ويتطيب بأجود ما يجد من الروائح الطيبة، إظهارا للنعمة، لأنه سبحانه وتعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، روى الحاكم بسند لا باس عن أنس رضي الله عنه قال: "أمرنا رسول اللهﷺ في العيدين أن نلبس أجود ما نجد، وأن نتطيب بأجود ما نجد".

والنظافة هدف أسمى للإسلام يجب على المسلم أن يكون نظيفا طيلة السنة كلها، فالنظافة ليست مشروعة في العيد فحسب، بل الإسلام دعا لنظافة أطراف المسلم بالوضوء، ودعا للغسل في كل أسبوع وعند الجنابة، وحث على تنظيف الفم والأسنان، وعلى تنظيف الشوارع من الأزبال، فقالﷺ : "حق على كل مسلم أن يغتسل كل جمعة يغسل رأسه وبدنه" وقالﷺ: "السواك مطهرة للفم مرضات للرب" وقالﷺ: "نظفوا ساحاتكم ولا تتشبهوا باليهود".

ثم بعد النظافة بالغسل والثوب الجديد والطيب الجيد، يكون قلب المسلم أهلا لذكر الله تعالى، يكون لسانه أهلا لترديد ذكر الله، {ألا بذكر الله تطمئن القلوب} والقلوب لا تصلح إلا بالطمأنينة والإيمان، فيشرع المسلم في التكبير والتهليل: الله أكبر لا إله إلا الله. متوجها في جو إيماني إلى المصلى، ناشدا الفوز والفلاح، لقوله سبحانه وتعالى: {قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى} وقد جاء في الأثر : "زينوا أعيادكم بالتكبير".

وفي المصلى يؤدي المسلم صلاة العيد، والصلاة هي عماد الدين ودورها في الإصلاح بينه الله تعالى إذ قال: {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر}؛ فالمسلم عندما يفرح يكون من مظاهر فرحه الصلاة: صلاة العيد وسجود الشكر، وعندما يحزن أو يصاب بمصيبة يفزع أيضا إلى الصلاة، وقد كانﷺ إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة: صلاة الاستسقاء والكسوف والخسوف الجنازة. لأن الإسلام يريد أن يرتبط المسلم بربه في أفراحه وأتراحه، في مأساته ومسراته.

وبعد الانتهاء من صلاة العيد المزدانة، بالتكبيرات يجلس المسلم ليستمع للخطبة، ودور الخطبة في الإصلاح وتجديد الإيمان واضح، فهي مجلة إسلامية أسسها الرسولﷺ لينشد فيها المسلم الحلول لمشاكله، تستعرض واقعه، وتعرض مجتمعه على ميزان شرع الله سبحانه، في لقاء مبارك بين المؤمنين، واللقاء لقاح القلوب والنفوس بمادة الإيمان، ولا يتحقق هذا اللقاح إلا عن طريق التوعية والإرشاد، ولهذا شرع الإسلام الخطبة في لقاءات المؤمنين الشرعية: في اللقاء الأسبوعي لأهل الحي يوم الجمعة، وفي اللقاء الدوري لأهل المدينة في عيدي الفطر والأضحى، وفي اللقاء السنوي للأمة كلها في عرفات الله.

وبعد ذلك يسرع المسلم لذبح أضحيته بعد التأكد من ذبح إمامه في الصلاة، والأضحية ليس مجرد لحم وكباب؛ بل هي تدل على أمور كثيرة نكتفي منها بما يلي: فهي أولا: عبادة وقربة، وثانيا: تضحية وذكرى وثالثا: إحسان وصدقة.

أما كونها عبادة فلما يتعلق بها من أحكام شرعية مما يجب ويستحب ويجوز ولا يجوز، نمتثل فيها قول الله تعالى: {لَنْ يَنَالَ الله لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ}، ونقتدي فيها برسول اللهﷺ الذي قال: «ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم، وإنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع من الأرض فطيبوا بها نفسًا»؛ 

فيجب أن تكون خالية من العيوب التي تؤثر في وفرة لحمها، وجودة مظهرها، فلا يجزئ التضحية بالعوراء أو العرجاء، أو المريضة التي لا يرجى برؤها، أو العجفاء المهزولة، أو العضباء التي ذهب أكثر من نصف أذنها أو قرنها، قال رسول اللهﷺ: «أربع لا يجوز في الأضاحي: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ضِلْعها، والعجفاء التي لا تُنْقِى» أي لا شحم فيها. ولا يجوز أن يعطي الجزار شيئًا منها أجرة له على عمله، ولكن إذا دفع إليه شيئًا منه لفقره أو على سبيل الهدية فلا بأس، فعن عن علي بن أبي طالب قال: «أمرني رسول اللهﷺ أن أقوم على بدنة، وأن أقسم جلودها وجلالها، وأن لا أعطي الجازر شيئًا منها، وقال: نحن نعطيه من عندنا»، ولا يجوز كذلك أن يبيع شيئًا من الأضحية لحمًا كان أو جلدًا أو غيرهما. 

وإذا كان لكل عبادة وقت محدد فإن وقت ذبح الأضحية يكون بعد صلاة العيد لقولهﷺ: «من صلى صلاتنا، ونسك نسكنا، فقد أصاب النسك، ومن ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى»، وفي رواية أخرى: «إن أول نسكنا في يومنا هذا الصلاة ثم الذبح، فمن ذبح قبل الصلاة فتلك شاة لحم قدمها لأهله، ليس من النسك في شيء» أي: فمن ذبح قبل الصلاة لم تجزئه الأضحية ولزمه بدلها.

أما كونها تضحية وذكرى فلأننا نتذكر فيها تضحية أبي الأنبياء إبراهيم بابنه إسماعيل عليهما السلام والله تعالى يقول فيها: (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ). ومن ذلك نتعلم أن التضحية لا بد منها، لن يستقيم المجتمع إلا بالتضحيات السلمية السليمة، ولن يصلح التعليم إلا بها، ولن يقوى الاقتصاد إلا بها، ولن يصلح الدين والدنيا إلا بها؛ فالتضحية هي الصبر والتحمل لمن لم يجد، كما هي العطاء والإحسان لمن وجد.

أما كونها إحسانا وصدقة فالاستحباب التصدق ببعضها إحسانا للأهل والأحباب من غير تحديد بالثلث ولا بالنصف ولا بغير ذلك كما قال الإمام مالك رحمه الله؛ لقوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ}، ولقوله سبحانه: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ}؛ والبائس الفقير؛ هو: الشَّديد الفقر، إما يكون قانعا وهو: المتعفِّفُ القانع بالشيءِ اليسيرِ يحصل له وهو في منزله، وإما أن يكون معترًّا وهو: الذي يعتري الناس ويتعرض لهم بمظهر الفقر ليعطوه من غير أن يسأل، فإذا سأل فهو المتسول المتوسل وقد يكون في ذلك محترفا. 

وما أحوجنا إلى بذل الإحسان والعطاء! والفقراء يعيشون هذه الأيام في معاناة وأزمة وضائقة، بين مطرقة الدخول المدرسي وسندان خروف العيد، وأكثرهم بائس فقير؛ ومنهم القانع والمعتر ، لم يستفيقوا بعدُ من ضربة الأدوات المدرسية، إذا بأضحية العيد تطلب منهم المزيد؛ منهم من تخلف عليه ديونا لن يتخلص منها بسهولة، ومنهم من تخلف له نزاعا وخصاما بينه وبين أهله، وأبناءه يشعرون بالحرقة "الحـﮕرة بالدارجة" حين يرون جيرانهم يَذبَحون، وهم بسكين الفقر والحرمان يُذبَحون؛ فمن أين يأتي البائس الفقير بثمن الكبش وقد جعلته العوائد فريضة؟ بل البعض يظن أنه إذا لم يذبح فليس بمسلم، أما في الدين فالأضحية سنة فقط وليست بواجب، من لم يجد فلا حرج عليه.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين والحمد لله رب العالمين.


الخطبة الثانية 

الحمد لله رب العالمين... 

أما بعد فيا أيها الاخوة المؤمنون! بعد الانتهاء من الخطبة يسود جوَّ المؤمنين أحلى التهاني وأغلى الأماني، فتعلو الوجوه البشاشة فتتنور وتسطع بهجتها، فيتبادلون التسامح والعناق، لا عبوس ولا قلق، وهنا تدفن الأحقاد والضغائن، فيتصافح المتخاصمون، ويسامح المتناطحون، والكل يبتهل ويدعو: «تقبل الله منا ومنكم» روى الإمام أحمد بسند جيد «أن أصحاب رسول اللهﷺ كانوا إذا التقى بعضهم ببعض يوم العيد قالوا: تقبل الله منا ومنكم» .

 ثم يرجع المسلم في غير الطريق الذي جاء منه إلى المصلى، ليشهد له الطريقان يوم القيامة ولتشهد له ملائكة هذا الطريق وملائكة ذاك، وليتصدق على فقراء هذا الطريق وفقراء ذاك، روى البخاري "أن النبيﷺ إذا كان يوم العيد خالف الطريق"، ويستمر هذا الجو العاطفي السامي طيلة اليوم كله، فيوسع المسلم على عياله، ويعطي لأطفاله فرص إظهار الفرح، إيناسا لهم بالجو الديني الرباني، لأن ذلك يشعرهم بانتمائهم للإسلام، وباعتناء الإسلام بهم، فينشئون على حب الدين، ويعتصمون بتعاليمه، وإذا كان عصرنا هذا بما فيه من سرعة التقلبات قد وثر الأعصاب، فأصبح الإنسان فيه أسرع إلى الغضب، فإنه يتحتم على المؤمن أن يكبِت نوازع الغضب والعنف يوم العيد، وأن يتخذه يوم فرح لنفسه ولزوجه ولصبيانه،

 فقد أخرج البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها "أن أبا بكر دخل عليها وعندها جاريتان تغنيان فقال: أمزامير الشيطان في بيت رسول اللهﷺ؟ وذلك في يوم العيد، فقال رسول اللهﷺ: يا أبا بكر إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا"… 

ألا فاتقوا الله عباد الله! وأكثروا من الصلاة والسلام على رسول اللهﷺ …


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا