ذِكْرَى وَفَاةِ الْحَسَنِ الثَّانِي رَحِمَهُ اللهُ : الْمَفْهُومُ والتَّأْصِيلُ، وَالْغَايَةُ - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

ذِكْرَى وَفَاةِ الْحَسَنِ الثَّانِي رَحِمَهُ اللهُ : الْمَفْهُومُ والتَّأْصِيلُ، وَالْغَايَةُ

بقلم الأستاذ : رشيد المعاشي

الحمد لله رب العالمين، الملك الحق المبين، عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، سيد الأولين والآخرين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن اقتفى أثرهم وسار على نهجهم إلى يوم الدين.

أما بعد فيا أيها الإخوة المسلمون:  

إننا – معاشرَ المغاربة - نستحضر في هذه الأيامِ ذكرى جليلة، ذكرى نتذكر فيها وفاة علَم كبير من أعلام العالم العربي والإسلامي، إنها ذكرى وفاة باني المغرب الحديث، جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني - رحمه الله -، الذي لبى نداء ربه يوم الجمعة التاسع من شهر ربيع الآخر، سنة ألف وأربعمائة وعشرين للهجرة (09/ربيع الآخر/1420هـ)، الموافقَ للثالث والعشرين من شهر يوليو، سنة ألف وتسعمائة وتسع وتسعين للميلاد (23/يوليو/1999م)، لذلكم سيكون عنوان خطبتنا لهذا اليوم – بحول الله تعالى - هو: ذِكْرَى وَفَاةِ الْحَسَنِ الثَّانِي... الْمَفْهُومُ والتَّأْصِيلُ وَالْغَايَةُ. وسنركز كلامنا على هذا العنوان من خلال ثلاثة عناصر:

🍀العنصر الأول: مفهوم الذكريات، فـ[الذِّكْرَيَاتُ] جمع [ذِكْرَى]، وهي: أَنْ نَتَذَكَّرَ فِي الذِّهْنِ حَدَثًاً وَقَعَ فِي الْمَاضِي، ثُمّ نَذْكُرَهُ بِأَلْسِنَتِنَا فِي الْحَالِ، وَنُحَاوِلَ الِانْتِفَاعَ بِهِ وَالِاسْتِفَادَةَ مِنْهُ بِأَعْمَالِنَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ... والذكريات أمر يلازم كل إنسان في حياته، فلا يمكن أن نتصور إنسانا له حاضر ومستقبل، دون أن تكون له ذكريات، قال الشيخ الطنطاويُّ – رحمه الله -: لَوْ أَنَّ أَحَدًا مِنَّا جُرِّدَ مِنْ ذِكْرَيَاتِهِ، لَأَصْبَحَ وَمَا لِحَيَاتِهِ مَعْنًى، وَلَا لِوُجُودِهِ اعْتِبَارٌ!. وذلك لأن المرء حين يعود بذاكرته إلى سنوات الماضي – بحلوها ومرها - يحسُّ وكأنه بنيان شيدتْه الليالي والأيام، وكلُّ لَبِنة في هذا البنيان إنما هي لحظة، أو موقف، أو مشهد، أو أي ذكرى من هذه الذكريات التي عملت في نفسه ومشاعره، فصارت جزءا لا يتجزأ من حياته الممتدة من الماضي إلى الحاضر والمستقبل.

🍀العنصر الثاني: التأصيل لمشروعية استحضار الذكريات، فحسن العهد بالعظماء وأهل الفضل، والوفاءُ لهم، وإحياءُ ذكراهم وذكرياتهم حتى بعد مماتهم خلق إسلامي رفيع، يقول الله – تعالى - عن نبيه موسى – عليه السلام -: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ... قال الإمام الطبري – رحمه الله -: وَعِظْهُمْ عَمَّا سَلَفَ فِي الْأَيَّامِ الْمَاضِيَةِ لَهُمْ، أَيْ بِمَا كَانَ فِي أَيَّامِ اللهِ مِنَ النِّعْمَةِ وَالْمِحْنَةِ. وكان النبي ﷺ يتذكر زوجته خديجة - رضي الله عنها - كلما وقف على مناسبة لها علاقة بها، ثم يذكرها بلسانه مثنيا عليها، ثم يقوم بتكريم صديقاتها، إكراما لها ووفاء لذكراها، حتى غارت منها أمنا عائشة - رضي الله عنها – يوما فقالت: هَلْ كَانَتْ إِلاَّ عَجُوزًا قَدْ أبْدَلَكَ اللَّهُ خَيْراً مِنْهَا، فَقَالَ ﷺ: لَا وَاَللهِ مَا أَبْدِلْنِي اللهُ خَيْراً مِنْهَا، لَقَدْ وَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ، وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَآمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ، وَرَزَقَنِي اللهُ مِنْهَا الْوَلَدَ، وَلَمْ أُرْزَقْ الْوَلَدَ مِنْ غَيْرِهَا...

🍀العنصر الثالث: الهدف والغاية، فالهدف من استحضار ذكرى وفاة المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني – رحمه الله -، هو أن نتذكر تضحياته رفقة والده محمد الخامس - طيب الله ثراه -، من الاستقلال لتحرير البلاد، إلى المسيرة الخضراء لتحرير الصحراء، ونتذكرَ إنجازاته العظيمةَ الكثيرة على كافة المستويات، ونتذكرَ نصائحه وخطبه الهادفة، التي تعالج مشاكل واقعنا؛

 ونتذكرَ - على وجه الخصوص - خطبته عن الحداثة، منتصرا للقيم السامية والأخلاق الفاضلة إذ قال – رحمه الله -: إِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ بِالْحَدَاثَةِ الْقَضَاءَ عَلَى مَفْهُومِ الْأُسْرَةِ، وَعَلَى رُوحِ الْوَاجِبِ إِزَاءَ الْأُسْرَةِ، وَالسَّمَاحَ بِالْمُعَاشَرَةِ الْحُرَّةِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَالْإِبَاحِيَّةَ عَنْ طَرِيقِ اللِّبَاسِ، مِمَّا يَخْدِشُ مَشَاعِرَ النَّاسِ... إِذَا كَانَ هَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْحَدَاثَةِ، فَإِنِّي أَفْضَلُ إنْ يُعْتَبَرَ الْمَغْرِبُ بَلَدًا يَعِيشُ فِي عَهْدِ الْقُرُونِ الوُسْطَى عَلَى أَنَّ يَكُونَ حَدِيثًاً...

  وتذكرُ ذلك ينبغي أن يكون حافزا يدفعنا إلى تجسيد تلك الآمال التي ظل ينادي بها، وتلك الأماني التي كان دوما يدعو إليها، للسير قدما بهذا البلد نحو التقدم والرقي والازدهار، والأمن والأمان والاستقرار، في ظل الثوابت والمقدسات، تحت القيادة الصالحة التي قيضها الله - سبحانه وتعالى - لهذا الوطن العزيز.

 نفعني الله وإياكم بكتابه المبين، وبسنة نبيه المصطفي الكريم، وجعلني وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه آمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين....

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، الملك الحق المبين، عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، سيد الأولين والآخرين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن اقتفى أثرهم وسار على نهجهم إلى يوم الدين.

أما بعد فيا أيها الإخوة المسلمون:

إذا كان الله – عز وجل – قد اختار هذا الملك العظيم إلى جواره، فإن من منه وفضله وكرمه - سبحانه وتعالى - أن خلَّف فينا أثره متمثلا  في ابنه ووراث سره، أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس - حفظه الله –، الذي يواصل المسيرة بعزيمة الأبطال، من أجل رفاهية شعبه وراحة رعيته، وما فتئ - حفظه الله - يعطي الانطلاقات للمشاريع الكبيرة على المستويين: الديني والدنيوي، قاصدا بذلك أن يعيش شعبه الحياة الطيبة، وينعم بالأمن والاستقرار، والله – تعالى - يقول: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمُ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ...

الــــدعــــــــاء:

 هذا وخير ما نختتم به الكلام، ونجعله مسك الختام، أفضل الصلاة وأزكى السلام، على خير الورى سيدنا محمد ﷺ، فإن الله وملائكته يصلون عليه، وقد أمركم الله - عز وجل - بالصلاة والتسليم على هذا النبي الأمي الأمين فقال جل شأنه: يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُواْ صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا. أللهم صل على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت على سيدنا إبراهيم، وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم، وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، 

وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء، السادات الأصفياء الحنفاء، الراشدين المرشدين المهتدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، أللهم انفعنا بمحبتهم، واحشرنا يا مولانا في زمرتهم، ولا تخالف بنا اللهم عن نهجهم وطريقهم القويم، أللهم انصر الإسلام والمسلمين، واجمع كلمتهم على اتباع الحق يا رب العالمين، أللهم انصر أمير المؤمنين، جلالة الملك محمدا السادس، أللهم انصره نصرا عزيزا تعز به الدين، وتجمع به كلمة المسلمين،

 أللهم أصلح به البلاد والعباد، وأقر عينه بولي عهده مولانا الحسن، واشدد عضده وقو أزره بأخيه السعيد المولى الرشيد، واحفظه في كافة أسرته وشعبه، أللهم اجعل بلدنا هذا بلدا آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين، أللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، أللهم ارحم الأموات ونور عليهم قبورهم، وأصلح الأحياء ويسر لهم أمورهم، أللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا