أَصْنَافُ النَّاسِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

أَصْنَافُ النَّاسِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ


إعداد: فضيلة الأستاذ:رشيـد الـمعاشـي

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَكْرَمَنَا بِالْكَثِيرِ مِنْ مَوَاسِمِ الْخَيْرَاتِ فِي هَذَا الدِّينَ، لِيَغْتَنِمَهَا الْعُقَلَاءُ فَيَفُوزُواْ مَعَ الْفَائِزِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَحِينٍ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إِمَامُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ، وَمَنِ اقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ:

لَقَدِ انْقَضَتْ أَيَّامُ وَلَيَالِي رَمَضَانَ الْعَامِرَةُ، وَتَوَلَّتْ أَجْوَاؤُهُ الْعَاطِرَةُ، ذَلِكَ الشَّهْرُ الَّذِي أَرْوَى ظَمَأَ الْعَطْشَى، وَشَفَى جِرَاحَاتِ الْمَرْضَى، وَرَدَّ إِلَى الْأَرْوَاحِ حَيَاتَهَا، وَعَادَتْ بِهِ النُّفُوسُ إِلَى بَارِئِهَا، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ لِكُلِّ بِدَايَةٍ نِهَايَةٌ، اِنْقَضَتْ أَيَّامُ رَمَضَانَ بِسُرْعَةٍ كَسَائِرِ الْأَيَّامِ، لِذَلِكُمْ سَنَعِيشُ الْيَوْمَ وَإِيَّاكُمْ - بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى – مَعَ خُطْبَةٍ تَحْتَ عُنْوَانِ: أَصْنَافُ النَّاسِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ، لِأَنَّ النَّاسَ بَعْدَ خُرُوجِهِمْ مِنْ رَمَضَانَ مُتَفَاوِتُونَ فِي الدَّرَجَاتِ، فَمِنْهُمُ الْمُسَارِعُونَ إِلَى الْخَيْرَاتِ، وَمِنْهُمُ الْغَافِلُونَ عَنِ الطَّاعَاتِ، وَمِنْهُمُ الْمُنْهَمِكُونَ فِي الْمَعَاصِي وَالْمُحَرَّمَاتِ، وَإِلَيْكُمْ هَذِهِ الْأَصْنَافَ الثَّلَاثَةَ، فَأَعِيرُونِي - أَيُّهَا الْأَحْبَابُ – الْقُلُوبَ وَالْأَسْمَاعَ:

الصِّنْفُ الْأَوَّلُ: الْمُسَارِعُونَ إِلَى الْخَيْرَاتِ، فَهَذَا الصِّنْفُ كَانُواْ عَلَى الطَّاعَاتِ، وَلَمَّا جَاءَ رَمَضَانُ شَمَّرُواْ عَنْ سَوَاعِدِهِمْ، وَضَاعَفُواْ جُهُودَهُمْ، وَجَعَلُواْ رَمَضَانَ غَنِيمَةً رَبَّانِيَّةً، وَمِنْحَةً إِلَهِيَّةً، فَاسْتَكْثَرُواْ مِنَ الْخَيْرَاتِ، وَتَعَرَّضُواْ لِلنَّفَحَاتِ، فَمَا انْقَضَى رَمَضَانُ إِلَّا وَقَدْ حَصَّلُوا زَاداً عَظِيماً، وَعَلَتْ رُتْبَتُهُمْ عِنْدَ الرَّحِيمِ الرَّحْمَانِ، وَزَادَتْ دَرَجَاتُهُمْ فِي الْجِنَانِ، وَابْتَعَدُواْ عَنِ النِّيرَانِ، لِأَنَّهُمْ حَقَّقُواْ الْمَقْصِدَ الْأَسْمَى مِنْ صِيَامِ رَمَضَانَ، فَفَازُواْ بِمَغْفِرَةٍ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ، 

وَهَذَا – أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ – هُوَ الصِّنْفُ الذِي يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَّسْعَى جَاهِدِينَ لِنَكُونَ مِنْهُمْ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِيهِمْ: سَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ.

الصِّنْفُ الثَّانِي: الْغَافِلُونَ عَنِ الطَّاعَاتِ، فَهَذَا الصِّنْفُ كَانُواْ غَافِلِينَ، فَلَمَّا جَاءَ رَمَضَانُ تَنَبَّهُواْ مِنْ غَفْلَتِهِمْ، وَأَقْبَلُواْ عَلَى الطَّاعَةِ، وَصَامُواْ وَقَامُواْ، وَقَرَأُواْ الْقُرْآنَ وَتَصَدَّقُواْ، وَدَمَعَتْ عُيُونُهُمْ وَخَشَعَتْ قُلُوبُهُمْ، وَ لَكِنْ مَا إِنْ وَلَّى رَمَضَانُ حَتَّى عَادُواْ إِلَى غَفْلَتِهِمْ، وَانْشَغَلُواْ بِتَلْبِيَةِ رَغَبَاتِ أَهْوَائِهِمْ، فَاحْذَرُواْ – أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ – أَنْ تَكُونُواْ مِنْهُمْ، وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُفْرِغُواْ بُيُوتَ اللَّهِ بَعْدَ الْعِمَارَةِ، وَإِيَّاكُمْ أَنْ تَهْجُرُواْ الْقُرْآنَ بَعْدَ التِّلَاوَةِ، وَإِيَّاكُمْ أَنْ تَرْجِعُواْ إِلَى الْعِصْيَانِ، بَعْدَ أَنْ تَذَوَّقْتُمْ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ،

 رَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنِ الْحَارِثِ بْن مَالِكٍ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ مَرَّ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ لَهُ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا حَارِثُ؟ قَالَ: أَصْبَحْتُ مُؤْمِنًا حَقًّا، فَقَالَ: اُنْظُرْ مَا تَقُولُ؟ فَإِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ حَقِيقَةً، فَمَا حَقِيقَةُ إِيمَانِكَ؟ فَقَالَ: قَدْ عَزَفَتْ نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا، وَأَسْهَرْتُ لِذَلِكَ لِيَلِي، وَأَظْمَأْتُ نَهَارِي، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي بَارِزًا، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَزَاوَرُونَ فِيهَا، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ النَّارِ يَتَضَاغَوْنَ فِيهَا، فَقَالَ: يَا حَارِثُ عَرَفْتَ فَالْزَمْ (ثَلاثًا).

 نَفَعَنِي اللَّـهُ وَإِيَّاكُمْ بِكِتَابِهِ الْـمُبينِ، وَبِسُنَّةِ نَبيِّهِ الْمُصْطَفَى الْكَرِيمِ، وَجَعَلَنِـي وَإِيَّاكُمْ مِنَ الذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ آمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْـحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمينَ.

اَلْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

اَلْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَليُّ الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، سَيِّدُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرينَ، صَلَّى اللَّـهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَمَنِ اقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ:

الصِّنْفُ الثَّالِثُ مِنْ أَصْنَافِ النَّاسِ بَعْدَ رَمَضَانَ: الْمُنْهَمِكُونَ فِي الْعِصْيَانِ، فَهَذَا الصِّنْفُ كَانُواْ عَلَى الْعِصْيَانِ، فَمَرَّ عَلَيْهِمْ رَمَضَانُ وَلَمْ يَتَحَسَّنْ حَالُهُمْ، بَلْ زَادَتْ آثَامُهُمْ، وَاسْوَدَّتْ بِالْمَعَاصِي صَحَائِفُهُمْ، وَعَاشُواْ فِي رَمَضَانَ عِيشَةَ الْبَهَائِمِ، وَقَضَوْاْ أَيَّامَهُمْ مَا بَيْنَ لَاعِبٍ وَنَائِمٍ، بَلْ مِنْهُمْ مَنْ يُجَاهِرُ وَيَتَبَجَّحُ بِالْفِطْرِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، دُونَ أَنْ يَتَمَعَّــــرَ وَجْهُهُ خَــــوْفاً مِنَ الْمِلْكِ الدَّيَّــــانِ، 

فَاحْذَرُواْ – أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ – أَنْ تَكُونُواْ مِنْ هَؤُلَاءِ، لِأَنَّهُمْ عَلَى خَطَرٍ عَظِيمٍ، إِنْ لَمْ يُبَادِرُواْ بِالتَّوْبَةِ إِلَى الْغَفُورِ الرَّحِيمِ، اِمْتِثَالًا لِأَمْرِهِ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِــرِينَ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّـهَ هَــدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَـذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَـرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ. 

فَاتَّقُـواْ اللَّهَ – إِخْـوَةَ الْإِسْلَامِ -، وَكُونُواْ مِنْ أَهْلِ الطَّاعَةِ عَلَى الدَّوَامِ، وَاجْتَنِبُواْ سَبِيلَ الْغَفْلَةِ وَالْآثَامِ، تَسْعَدُواْ فِي الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْأَنَامِ.

🌳اَلدُّعَاءُ🌳

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا