المقارنة بين اختبارات الدنيا وامتحان الآخرة - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

المقارنة بين اختبارات الدنيا وامتحان الآخرة

موعظة بمناسبة موسم الامتحانات من اعداد

فضيلة الأستاذ محمد زراك الجمعة 10 ذو القعدة 1443 هـ 

- 10يونيو 2022 م

الحمد لله الذي جعل الدنيا دارَ عملٍ وامتحانٍ وابتلاء، وجعل الآخرة دار سؤالٍ وحساب وجزاء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في الصفات والأسماء، سبحانه وتعالى يُثَبِّت عند السؤال عبادَه المؤمنين الأتقياء، وأشهد أن سيدنا محمدا عبدُه ورسولُه خاتِم الرسل والأنبياء، كان يَحُث أمته باغتنام مختلِفِ مراحلِ الحياة قبل الموت والفناء، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الفضلاء، وعلى من تبعهم بإحسان ما دامت الأرض والسماء ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾  

أما بعد فيا أيها المؤمنون والمؤمنات؛ يستقبل أبناؤنا وبناتُنا في هذه الأيام، موسمَ الاختبار والامتحان، فَتراهم يستعدون مراجعةً وحفظا، ليُعِدُّوا لكل سؤال جوابا، وعند الامتحان يُكرم المرءُ أو يُهان، فيُكرَم المجتهدون بالنجاح، ويُهانُ الكسالى بالرسوب والإخفاق، فنسأل الله تعالى للجميع النجاحَ والسداد.

امتحاناتُ المدارسِ والمعاهدِ والجامعات، حتى وإن رسَب فيها الأبناء والبنات، وعجَزوا عن تحقيق أحسنِ النتائجِ والدرجات، فلا داعي من الحزن والندم والحسَرات، لأنه لا تزال تبقى فُرصٌ اخرى لاِسْتدراك ما فات، فيما يأتي من الأيام والسنوات، فكم من واحد سقَط في الامتحانات، فلما أعاد الكَرَّةَ إذا به قد وصل إلى الرتبِ العاليات.

إن الذي ينبغي أن نحزَن من أجله هو الامتحان الذي لا استدراك فيه، ولا تُعطى فرصةٌ أخرى للإنسان ليتوب من ذنوبه ومعاصيه، ألا وهو امتحان حياتِنا وأعمارنا، فكم من إنسان ضيَّع الصلواتِ والعبادات، وأقام على الشهوات والموبقات، ووقع في الزنا وهتَك الحُرُمات، وظلم واعتدى وأفسد وجاهر ربه بالخطيئات، حتى إذا حضره الموت أدرك نتيجة تقصيره، فيتمنّى أن تُعطى له فرصةٌ اخرى في الحياة، ليتوبَ إلى الله من جميع الذنوب والسيئات، ويصليَ ويقرأ القران ويتقربَ إلى الله بالصدقات، ويصلَ رحمه ويعفوَ ويصفح ويتسامح... 

ولكن هيهات هيهات، قال الله تعالى﴿حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾  والنبي ﷺ يأمرنا أن نَغتَنِم مُختلِفَ مراحلَ حياتنا، فيما ينفعنا عند الله تعالى، لأن ما فات منها لا يعود أبدا، فيقولﷺ «اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ» 

أيها الإخوة! أسئلةُ امتحانات الدنيا مهما كانت نتائجُها، سواء نجح فيها أبناؤنا أم سقطوا، تبقى مجردَ نظامٍ للتقدم في الدراسة، أو الحصولِ على وظيفة.

لكنَّ أسئلةَ الآخرة شيءٌ آخر، من نجح فيها فاز فوزا عظيما، ومن سقط فيها عُذِّب عذابا شديدا.

 فعندما يُوضع الميتُ في القبر، يأتي إليه ملكان، فيسألانه ثلاثةَ أسئلة، من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فمن عاش حياته على الصلاح والإيمان، والهدايةِ وصالِحِ الأعمال، يُثبِّته اللهُ في هذا المكان الفظيع والموقف العصيب، فيقول "ربي الله وديني الإسلام ومحمد نبي ورسولي"  فَيُفسَح له في قبره ويصيرُ روضة من رياض الجنة.

وأما من عاش حياته على النفاق والفساد، والظلم والشر والضلال، فإنه يقول عندما يُسأل "لا أدري"  فيَضيقُ عليه القبرُ حتى تختلفَ أضلاعُه ويَتحوَّلُ إلى حفرة من حفر النار، والله تعالى يقول ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ﴾ 

 كان سيدنا عثمان بن عفان إذا وقف على قبر يبكي حتى يَبُلَّ لحيته، فقيل له: تَذكُرُ الجنة والنار، ولا تبكي، وتبكي مِن هذا؟ فقال: إن رسول الله ﷺ يقول «إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ، فَإِنْ نَجَا مِنْهُ، فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ، فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ» 

هذا الصحابي الجليل رغم أنه من القانتين بآيات الله " آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ"  وبشَّره النبي ﷺ بالجنة عدةَ مرات، ومع ذلك يبكي خوفا من سؤال القبر وفتنتِه، وعذابِه وضَمَّتِه، نحن والله أولى بهذا الخوف منه.

عباد الله! هناك أسئلةٌ أخرى يُسأل عنها العبدُ أمام الله يوم الحساب، أسئلةٌ عن عمُره وعلمِه، وماله وجسمه، وصلاته وعباداتِه، ومسؤلياته وأماناته، يقول الله تعالى﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾  ويقول ﷺ «لَا تَزُولُ قَدَمَا الْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ جَسَدِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ، وَعَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ كَيْفَ عَمِلَ فِيهِ» 

تِلْكُم الأسئلةُ وغيرُها، هي التي خاف منها الصالحون وَوَجِلوا منها، وبَكَوْا كلما تذكروها، حتى كان منهم من خرجت روحه خوفا منها، لأن نتيجتَها إما إلى الجنة، وإما إلى النار وبئس المصير، نسأل الله لنا ولكم الثبات ولجميع المسلمين.

أورد ابنُ قدامة في كتاب التوابين، قصةَ شاب يقال له دينارُ العيار، قرأ في بعض الليالي قوله تعالى ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾  فاستحضر حين يساق الفائزون إلى الجنة ويساق الخاسرون إلى النار، فخاف أن يكون من الخاسرين، فجعل يُردِّدها ويبكي حتى سقط مغشيا عليه، فلما حرَّكته أمُّه وجدته قد مات، وفاضت روحه إلى بارئها .

وكان للفضيل بنِ عياض ولدٌ اسمه علي، عُرِف بالبكاء والخشوع عند سماع القرآن، مات بسبب سماعه لهذه الآية﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَالَيْتَنَا نُرَدُّ...﴾ فالآية وما بعدها تتحدث عن النار وعن الوقوف بين يدي الله للسؤال والحساب.

فالله الله في أنفسكم يا عباد الله، حاسِبوها قبل أن تُحاسَبوا، وزِنُوها قبل أن توزَنوا، وَتَجَهَّزُوا للعرض الأكبر على الله ﴿يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ﴾  فاللهم ارزقنا الجنة بغير حساب ولا سابقة عذاب، نفعني الله وإياكم بالقران العظيم وبحديث سيد المرسلين وغفر لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين والحمد لله رب العالمين، ادعوا الله يستجب لكم.

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ.....أما بعد فيا عباد الله؛ 

تعلمون أن كثيرا من التلاميذ والطلبة يغشون في الامتحان، وقد أصبحوا اليوم يعتمدون على وسائل متطورة في النقل والغش، وهل تدرون ما هو الحلُّ لمحاربة هذا الغش؟ الحلُّ هو المراقبة! ولا أقصدُ بها مراقبة الأساتذة أو المراقبين وغيرِهم، إنما قصدت بها مراقبةَ الله جل وعلا، الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، فإذا استحضر الإنسانُ أن الله تعالى ينظر إليه ويراه، اِشتدَّ خوفُه وحياؤه من الله،  أن يراه مُقَصِّرا في طاعة أو مرتكبا لمعصية.

 كان عمرُ ابن الخطاب  في خلافته يَعُسُّ في اِحدى الليالي، فسمع امرأة تقول لابنتها: اِخلِطي الماء باللبن لنبيعَه في السوق، فقالت لها ابنتها: إن عمرَ نهى عن ذلك، فقالت الأم: إن عمرَ لا يرانا، فقالت البنت: إن كان عمرُ لا يرانا فإن رب عمر يرانا ! الله أكبر... إنها مراقبة الله أيها الأحباب

فهذه القصةُ وإن كانت تُذكَر في باب التجارات، ونحن في موضوع الامتحانات، إلا أن حُكْمَ الغشِّ واحدٌ، فهو معصيةٌ مُحَرَّمةٌ وستبقى حراما إلى يوم القيامة، يقول رسول الله ﷺ «مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّا» 

ثم إن على كل المقبلين على الامتحانات، الاستعدادَ بالحفظِ والمراجعة، ثم يتوكلوا بعدها على الله تعالى﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾،  وإذا صعب عليهم سؤال فلْيَدْعُوا بدعاء النبي ﷺ ولْيقولوا «اللَّهُمَّ لَا سَهْلَ إِلَّا مَا جَعَلْتَهُ سَهْلًا، وَأَنْتَ تَجْعَلُ الْحَزْنَ سَهْلًا إِذَا شِئْتَ»  اللهم وفق الجميع للنجاح والسداد يا رب العالمين.

هذا وأكثروا من الصلاة والسلام على النبي الأمين، فقد أمركم بذلك مولانا الكريم، ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت وسلمت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.

وارْضَ اللهم عن الأربعة الخلفاء الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة الأكرمين، خصوصا الأنصار منهم والمهاجرين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 اللهم وفق للخير جلالة الملك أمير المؤمنين محمدا السادس، اللهم انصره نصرا عزيزا تعز به الدين، وتجمع به شمل المسلمين، اللهم بارك له في ولي عهده الأمير الجليل المولى الحسن، واشدد اللهم أزره بصنوه الأمير السعيد مولاي رشيد، واحفظه اللهم في جميع الأسرة الشريفة يارب العالمين.

اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمين ، وأذِلَّ الشرك والمشركين، وأَدِمْ عَلَى بلدنا الأَمْنَ والأَمَانَ وَعلَى سَائِرِ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ.

"رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ" اللهم أنزل السكينة في قلوبنا، وزدنا إيماننا، واهدنا وأصلِح بالَنا وأدخلنا الجنة يارب العالمين، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. اللَّهُمَّ إنا نسألكَ الجنةَ لنا ولوالدينَا ولأشياخنا، ولمَن له حقّ علينَا، ولجميع المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات .﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين﴾

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا