خطبة عيد الأضحى فرحة العيد ونعمة الأمن والآمان - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

خطبة عيد الأضحى فرحة العيد ونعمة الأمن والآمان

من إعداد فضيلة الفقيه عبدالله بنطاهر التناني 

تذكير :وكعادته دائما في خطبه ومنشوراته جزاه الله خيرا

 يطلب منا أمرين: 1) الدعاء له -بعد الإخلاص- عن ظهر الغيب.2) غض البصر - بعد الإصلاح- عما فيها من العيب.

تاريخ إلقائها: يوم الجمعة 1 شوال 1423 هـ 6 / 12 / 2002م .

الله أكبر (سبعا). الله أكبر ما فرح المسلمون بالعيد فنالوا محبة الله ورضاه، وأشرقت بأنوار الطاعة القلوب والجباه. الله أكبر ما تعطر بنشر الذكر المجالس والأفواه، وتوجه المؤمن إلى مولاه في سره ونجواه، الله أكبر ما أعز الله من أطاعه واتقاه، وأذل من خالف أمره وعصاه. 

الحمد لله الذي جعل العبادة أساس التقوى والطاعة، ومنبع العفاف والقناعة، وجنة ضد عوامل الفسق والخلاعة، وأشهد أن لا إله إلا الله خلق في جسم الإنسان نعمة المناعة، وحرم عليه ما ظهر وما بطن من الفواحش وسوء البضاعة، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله أكرمه الله بالرحمة والشفاعة، فأكرم بشرعه الفرد والجماعة، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ذوي الإقدام والشجاعة، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الساعة.

الله أكبر (ثلاثا). أما بعد فيا أيها الاخوة المؤمنون! أوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله وطاعته، فبالتقوى تصل الأمة إلى أسمى المدارك، وبالطاعة تسلم من ضربات الشر والمهالك. 

إننا نعيش يومنا هذا فرحة عظيمة بعيد الأضحى المبارك إنه عيد امتلأت به القلوب فرحا وسرورا، وانشرحت به الصدور لذة وحبورا، قد خرج الناس في هذا اليوم العظيم، لربهم حامدين ومعظمين ومكبرين، ولنعمته مغتبطين وشاكرين، ولخيره وثوابه وأجره مؤملين وراجين، يسألون ربهم الكريم أن يتقبل أعمالهم، وأن يتجاوز على سيئاتهم، وأن يعيد عليهم عيدهم هذا أعواما عديدة، وأزمنة مديدة، على حسن الطاعة، وخير العمل في قناعة.

فهو موسم عظيم للتعود على الطاعة والإحسان، ومحطة عظيمة للتزود من أخلاق الإسلام ومقتضيات الإيمان، والهدف من كل موسم ومحطة ليس هو الزمان واللحظات، بل الهدف هو النتائج والثمرات؛ فالعيد في الحقيقة مدرسة تربوية عظيمة، أستاذها سيدنا محمدﷺ، وحارسها العام جبريل عليه السلام، ومديرها الله سبحانه وتعالى، وتلامذتها أمة الإسلام، يتلقى فيه المؤمن الدروس النافعة، والعظات البالغة، والحكم البليغة، تذكرنا بتاريخ الأمة الزاهر، وبشأنها الغابر، وتصلح حال الأمة الحاضر، تعلمنا كيف نتمسك بديننا، ونستظل بوحدتنا، ونحافظ على ديننا.

الله أكبر (ثلاثا) أيها الاخوة المؤمنون لابد من وقفة تأمل ونحن في هذا التجمع الرباني الكبير لنستعرض فيها معاناة مجتمعنا لنبحث لها عن حلول في ديننا. ومن الحقائق الثابتة أن أية أمة لن يكون لها وزن إلا بالأمن والأمان، وأن أية دولة لن يستثب فيها الأمن إلا بالمحافظة على أمنها القومي، والأمن القومي يرتكز على ثلاثة أمور: الأمن الاجتماعي، والأمن الصحي، والأمن الغذائي، روى الترمذي وحسنه وابن ماجه عن عبيد اللَّه بن محصن الأنصاري الخطمي رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال: قال رَسُول اللَّهِﷺ «من أصبح منكم آمناً في سربه، معافىً في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها». ولن تنتصر الأمة على أعدائها إلا إذا كانت آمنة في سربها ومجتمعها، آمنة في قوتها وصحتها آمنة في غذائها واقتصادها. 

أما الأمن الغذائي فأساسه الاقتصاد القوي، واقتصاد الأمة قد اكتسحه أخطبوط الربا، وأفسده الغش والسرقات الكبرى، وتحكم في توجهه أعداء الأمة! 

فكيف تنتصر أمة تستورد كل شيء ولا تصدر أي شيء؟وكيف تنتصر أمة يتحكم عدوها في غذائها، فيستعمل قمحه في قمعها؟ وكيف تتنصر أمة تأكل ما لا تزرع وتلبس ما لا تصنع؟

فالاقتصاد المبني على الربا ضعيف ومهلهل، والاقتصاد المغشوش غير مأمون، والدليل على ذلك ما نرى في مجتمعنا اليوم من التحولات الخطيرة؛ سواء على مستوى الدول، أو على مستوى الأفراد، حيث يصبح الإنسان غنيا ويمسي فقيرا، وما ذلك إلا لأنه أعلن الحرب ضد الله تعالى الذي خلقه، وهو سبحانه الذي قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُون}. 

ونحن في عصر من لم يتعامل فيه بالربا عاش رغما عنه تحت مظلته، وقد حذرنا النبيﷺ من ذلك مند أربعة عشر قرنا فقد روى أصحاب السنن عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ : «يَأْتِي عَلَى النّاسِ زَمَانٌ يَأْكُلُونَ الرّبَا فَمَنْ لَمْ يَأْكُلْهُ أَصَابَهُ مِنْ غُبَارِهِ». والمسلم لن يتمتع بالأمن في دينه ودنياه إذا كان غذاءه من الحرام، وقد ذكر لنا الرسولﷺ الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب؛ ومطعمه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك؟.

أما الأمن الصحي فلا شك أنكم تعلمون أن العالم اليوم يعاني من أمراض خطيرة وعلى رأسها السيدا، وهو الشبح المخيف الذي أقض مضجع الباحثين، وأعي الأطباء المتفوقين، إنه المرض الذي يحطم الخلايا الدفاعية، في جسم الإنسان، فتنهار من أجل ذلك المناعة التي حباه الله بها، فيقع فريسة سهلة لشتى الأمراض والأوجاع، ومن هنا سماه الرسولﷺ أمراضا وأوجاعا إذ قالﷺ منذ أربعة عشر قرنا: «ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم»، 

والإحصائيات الدولية تكشف لنا عن أرقام خطيرة في هذا المرض الخطير. لقد سجل في العالم أزيد 31 مليون مصاب، وأن 300 شخص يموتون بسبه في العالم كل ستين دقيقة، أما الإحصائيات في المغرب فتكشف لنا عن أرقام خطيرة فالحالات المرضية تعد بالآلاف، وحالات الحاملين لجرثومة السيدا تعد بعشرات آلاف، وثلث هذه الأرقام في المنطقة الجنوبية، وحصة الأسد منها في مدينتنا السياحية، هذا في الحالات المعلومة فقط؛ أما الحالات المجهولة فعلمها عند الله.

 والسبب الرئيسي في ذلك هو فاحشة الزنا. والمخرج من ذلك هو الصيام، إذ الصيام حصن ووقاية، وحفظ وحماية، يقول فيه النبيﷺ «الصيام جنة» والجنة هي الحماية والوقاية. فهو وقاية ضد أمراض الأرواح والأشباح، ضد أمراض الأخلاق والأجساد، ضد أمراض النفوس والقلوب. ويقولﷺ في الحديث المتفق عليه: «يَا مَعْشَرَ الشّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوّجْ، فَإِنّهُ أَغَضّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِيعْ فَعَلَيْهِ بِالصّوْمِ، فَإِنّهُ لَهُ وَجَاءٌ».

فاسأل ضحايا الايدز عما أصابهم***أو سل إذا شئت الطبيب المبدعا .عجز الطبيب فلم تفد علومه***في درء ما نشر الفسوق ووزعا .

فمضت جيوش الذعر تفتك بالوراء***والايدز يكسب كل يوم موقعا.يا من يخاف اليوم فتنة طارئ***قد حذر القرءان منه بما وعى. إن كنت ترغب في السلامة فلتلذ***بالله فورا قبل أن تتوجعا. لن يدرك الداء اللعين جسوم من***سهروا الليالي ساجدين وركعا.

أما الأمن الاجتماعي فقد نالت منه في مجتمعنا الخمور والمخدرات، وجرائم القتل والسرقة، وما يسمى بحرب الطرق من حوادث السير، وما يتبع ذلك من الخسارة في الأعراض والاقتصاد والأرواح؟ لقد كنا نتمنى إغلاق حانات الخمور في مدينتنا، ولكن مع الأسف الشديد بدل ذلك فتحت متاجر الخمور الكبرى في مداخلها. 

فازدادت من أجل ذلك تجمعات الفسق والخمور فاستفحل أمرها، ومن الغريب أن هذه المتاجر الكبرى تحيط بالحي الجامعي، ولا أدري أكان ذلك صدفة أم هدفا مقصودا؟. وقد بين لنا الرسولﷺ أن الخمر والإيمان في قلب واحد لا يجتمعان، وأن الخمر والزنا في أفظع صوره متلازمان، فقالﷺ فيما روى الطبراني وصححه الألباني : «الخمر أم الفواحش من شربها وقع (أي زنى) على أمه وخالته وعمته»، وفي رواية: «الخمر أم الخبائث…» 

وفي رواية الحاكم: «اجتنبوا الخمر فإنها مفتاح كل شر» وقالﷺ فيما روى الحاكم: «من زنى أو شرب الخمر، نزع الله منه الإيمان كما يخلع الإنسان القميص من رأسه»، وقالﷺ فيما روى البخاري ومسلم: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن» وقالﷺ فيما روى الطبراني: «من كان يؤمن بالله واليوم فلا يشربْ الخمر».

ومن المعاناة الاجتماعية في مدينتنا كثرة دورة الدعارة، وأي أمن يتمتع به مجتمع قد انتشرت في أحيائه دور الدعاة وفشت فيه دواعي الزنا وما يتبع ذلك مما يسمى بالسياحة الجنسية وصالات التدليك المختلطة؟ لقد أصبحت مدينة أكادير قبلة فساق العالم، فكل من أراد منهم إشباع غرائزه الجنسية يولي وجهه شطرها، ويشد الرحال إليها، وخصوصا منهم أعراب الخليج {الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله والله عليم حكيم}؛

 الشيء الذي أفرز في مجتمعنا آلافا من اللقطاء، الدين لا يعرفون من أبوهم ولا نسبهم، هذا هو نتاج دور الدعارة، هذه هي العملة الصعبة التي نجنيها من السياحة الجنسية، ومن صالات التدليك المختلطة. وهل تكون المرأة المتبرجة في مأمن من ذئاب الشوارع والأزقة؟ وهل تكون المرأة السافرة في مأمن من خائنة الأعين وما تخفي الصدور؟ وهل تكون شرف البنت في عريها وتبرجها في مأمن في المدارس المختلطة من لسعات سن المراهقة؟ وهل تعلمون أن رئيس أميركا السابق في بداية هذا العقد وقع قانونا للفصل بين الذكور والإناث في المدارس لما في الاختلاط من المفاسد، وإذا كانت أمريكا اليوم قد استيقظت، فصارت تدعو للفصل بين الذكور والإناث، فإن ديننا قد عانا لذلك مند أربعة عشر قرنا، فلماذا لا نستجيب لدينا؟

ومن المعاناة الاجتماعية في مدينتنا ظاهرة تفشي الطلاق لقد كثرت المشاكل العائلية وتنوعت أشكالها، وتجذرت في البيوت وجنباتها، فتحولت بعض الأسر إلى فتن قد استعار أوارها، وحمي وطيسها، فتحطمت السعادة الزوجية داخل الأسر. فأصبحت حالات الطلاق في المحاكم كثيرة، ووصلت ظاهرة الطلاق في مجتمعنا إلى مراحل خطيرة، وخصوصا طلاق الخلع الذي يدل على فساد بعض الرجال بالخمور والمخدرات والخيانة الزوجية، وعدم القيام بواجباتهم، 

لقد أصبح الخبراء يدقون ناقوس الخطر، فلو رأيتم المحاكم وما تستقبل من أبغض الحلال إلى الله لقلتم دون شك ولا ريب إن من يطلقون أكثر ممن يتزوجون، أو كأن الناس في مجتمعنا لا يتزوجون إلا ليطلقوا، ومن شك في ذلك فليسأل قضاة التوثيق والعدول، الذين لهم الصلة المباشرة بالزواج والطلاق. فمجموع الطلاق في ما يخص نفوذ محكمة ولاية أكادير قد سجل أرقاما مخيفة وحوالي 60 بالمائة ممن يطلقون أعمارهم من 20 سنة إلى 40 مع الأطفال غالبا من 2 إلى 6 وهذه هي الطامة الكبرى شباب يطلقون، وأطفال ضائعون. وهذا يفرض علينا توعية الناس بمسئوليتهم، وتحسيسهم بواجباتهم تجاه عائلاتهم. ومعالجة أسباب الطلاق ووضع حد لدواعيه، وأسبابه متنوعة، ودواعيه متعددة، منها الخمور والمخدرات والزنا والشعوذة والبطالة. والغيرة المفرطة والنزاع والخصام.

تلكم يا عباد الله كبرى معاناة الأمن في غذائنا وصحتنا ومجتمعنا! فيجب أن تتظافر جهود الجميع لانقاد ما تبقى من الحياء والشرف، وما تبقى من الحياة الطيبة، يجب على جميع الفعاليات في المجتمع من مسؤولين ومنتخبين وأساتذة ومعلمين وقادات وقضاة، ومرشدين ودعاة، وجمعيات المجتمع المدني أن يتعاونوا لإيقاف هذا النزيف الأخلاقي الخطير، ولمداواة هذا الجرح الدامي الكبير. 

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين والحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية

الله أكبر (خمسا) الله أكبر ما انتشرت أفراح العيد بين الأسر، الله أكبر ما أذن مؤذن فهلل وكبر، الله أكبر ما فاحت الأفواه بذكر الله أكبر.

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي المتقين، وأشهد أن سيدنا محمدا عبه ورسوله الأمين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. 

الله أكبر (ثلاثا)

أما بعد فيا أيها الاخوة المؤمنون! إن العيد في الإسلام ليست مجرد طقوس وعادات نزين بها يوم عيدنا فحسب، بل إنه يشتمل على عبادات تترك آثارها في النفوس، فتطهر قلب المسلم وقالبه، وإذا كانت أعياد الكفار تتميز بالألعاب النارية، فإن عيد المسلم يتميز بالعبادات النورانية.

الله أكبر (ثلاثا). أيها الاخوة المؤمنون! إن المسلم عندما يستيقظ صباح العيد، عندما تلمس شغافَ قلبه المرهف بنفحات رمضان، نسماتُ العيد، يصلي صلاة الفجر في وقتها، ويحافظ على جماعتها، وهذا هو الواجب اليومي الذي رباه فينا رمضان. وبعد ذلك يبدأ مبشرة في ممارسة آداب العيد وسننه. 

وأول آداب عيد الأضحى بعد صلاة الفجر في وقتها هو النظافة بحيث يغتسل المسلم ويتنظف، ويزيل ما به من الأدران والأوساخ، ثم يلبَس أجود ما يجد من الثياب، ويتطيب بأجود ما يجد من الروائح الطيبة، إظهارا للنعمة، لأنه سبحانه وتعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، روى الحاكم بسند لا باس عن أنس رضي الله عنه قال: "أمرنا رسول اللهﷺ في العيدين أن نلبس أجود ما نجد، وأن نتطيب بأجود ما نجد".

ثم بعد النظافة بالغسل والثوب الجديد والطيب الجيد، يكون قلب المسلم أهلا لذكر الله تعالى، يكون لسانه أهلا لترديد ذكر الله، {ألا بذكر الله تطمئن القلوب} والقلوب لا تصلح إلا بالطمأنينة والإيمان، فيشرع المسلم في التكبير والتهليل: الله أكبر لا إله إلا الله. متوجها في جو إيماني إلى المصلى، ناشدا الفوز والفلاح، لقوله سبحانه وتعالى: {قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى}.

وفي المصلى يؤدي المسلم صلاة العيد، والصلاة هي عماد الدين ودورها في الإصلاح بينه الله تعالى إذ قال: {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر}؛ فالمسلم عندما يفرح يكون من مظاهر فرحه الصلاة: صلاة العيد وسجود الشكر، وعندما يحزن أو يصاب بمصيبة يفزع أيضا إلى الصلاة، وقد كانﷺ إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة: صلاة الاستسقاء والكسوف والخسوف الجنازة. لأن الإسلام يريد أن يرتبط المسلم بربه في أفراحه وأتراحه، في مأساته ومسراته.

وبعد الانتهاء من صلاة العيد المزدانة، بالتكبيرات يجلس المسلم ليستمع للخطبة، ودور الخطبة في الإصلاح وتجديد الإيمان واضح، فهي مجلة إسلامية أسسها الرسولﷺ لينشد فيها المسلم الحلول لمشاكله، تستعرض واقعه، وتعرض مجتمعه على ميزان شرع الله سبحانه، في لقاء مبارك بين المؤمنين، واللقاء لقاح القلوب والنفوس بمادة الإيمان، ولا يتحقق هذا اللقاح إلا عن طريق التوعية والإرشاد، ولهذا شرع الإسلام الخطبة في لقاءات المؤمنين الشرعية: في اللقاء الأسبوعي لأهل الحي يوم الجمعة، وفي اللقاء الدوري لأهل المدينة في عيدي الفطر والأضحى، وفي اللقاء السنوي للأمة كلها في عرفات الله. 

وبعد ذلك يسرع المسلم لذبح أضحيته بعد التأكد من ذبح إمامه في الصلاة، والأضحية ليس مجرد لحم وكباب؛ بل هي تدل على أمور كثيرة نكتفي منها بما يلي: فهي أولا: عبادة وقربة، وثانيا: تضحية وذكرى وثالثا: إحسان وصدقة.

وبعد الانتهاء من الخطبة يسود جوَّ المؤمنين أحلى التهاني وأغلى الأماني، فتعلو الوجوه البشاشة فتتنور وتسطع بهجتها، فيتبادلون التسامح والعناق، لا عبوس ولا قلق، وهنا تدفن الأحقاد والضغائن، فيتصافح المتخاصمون، ويسامح المتناطحون، والكل يبتهل ويدعو: «تقبل الله منا ومنكم» روى الإمام أحمد بسند جيد «أن أصحاب رسول اللهﷺ كانوا إذا التقى بعضهم ببعض يوم العيد قالوا: تقبل الله منا ومنكم» ، ثم يرجع المسلم في غير الطريق الذي جاء منه إلى المصلى، ليشهد له الطريقان يوم القيامة ولتشهد له ملائكة هذا الطريق وملائكة ذاك، وليتصدق على فقراء هذا الطريق وفقراء ذاك، روى البخاري "أن النبيﷺ إذا كان يوم العيد خالف الطريق"،

 ويستمر هذا الجو العاطفي السامي طيلة اليوم كله، فيوسع المسلم على عياله، ويعطي لأطفاله فرص إظهار الفرح، إيناسا لهم بالجو الديني الرباني، لأن ذلك يشعرهم بانتمائهم للإسلام، وباعتناء الإسلام بهم، فينشئون على حب الدين، ويعتصمون بتعاليمه، وإذا كان عصرنا هذا بما فيه من سرعة التقلبات قد وثر الأعصاب، فأصبح الإنسان فيه أسرع إلى الغضب، فإنه يتحتم على المؤمن أن يكبِت نوازع الغضب والعنف يوم العيد، وأن يتخذه يوم فرح لنفسه ولزوجه ولصبيانه، فقد أخرج البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها "أن أبا بكر دخل عليها وعندها جاريتان تغنيان فقال: أمزامير الشيطان في بيت رسول اللهﷺ؟ وذلك في يوم العيد، فقال رسول اللهﷺ: يا أبا بكر إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا"… 

ألا فاتقوا الله عباد الله! وأكثروا من الصلاة والسلام على رسول اللهﷺ …

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا