دعوة إلى الرفق واللين في عملية التعلم والتعليم خطبة ثانية - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

دعوة إلى الرفق واللين في عملية التعلم والتعليم خطبة ثانية

خطبة ثانية من إعداد فضيلة الفقيه عبدالله بن طاهر

حول الرفق بالمتعلمين والتلاميذ والطلبة. 10 ذو القعدة 1443هـ 10 / 6 / 2022م

الحمد لله رب العالمين…

أما بعد فيا أيها الاخوة المؤمنون؛ يقول الله تعالى: {ٱلرَّحۡمَٰنُ ‌عَلَّمَ ‌ٱلۡقُرۡءَانَ} ويقول سبحانه: {طه مَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ ‌لِتَشۡقَىٰٓ إِلَّا تَذۡكِرَةٗ لِّمَن يَخۡشَىٰ}، ويقول الرسولﷺ: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء ‌إلا ‌شانه»؛ فهذه النصوص الشرعية تدل على أن الأمور كلها تُسَيَّر بالرفق واللين، وخصوصا منها التعليم، وأخص منها تعليم القرآن الكريم؛ 

فتعليمه لا يتم إلا بالرحمة والمودة، والابتعاد عن ممارسة الشقاوة والشدة، فهو تذكرة للقلوب والعقول وليس وسيلة لممارسة أشكال التعذيب على الأطفال والمتعلمين؛ ومعلم الأطفال ليس وحشا يفترس، بل هو إنسان رحيم يفترش للأطفال الرحمة والشفقة؛ فمهمته الأولى تحبيب العلوم للقلوب قبل أن يغذي بها العقول، فالإنسان عادة لا يتغذى مما يكره ويعاف.

وقد كان بعض المربين والمعلمين -فيما مضى- يظنون أن استعمال القوة في عملية التعليم أمر ضروري؛ لأن الشدة والعقوبة -في نظرهم- هي الرادع عن تكرار الوقوع في الأخطاء؛ وهذا خطأ فادح وظن قادح وجرم فاضح؛ يقدح في المروءة، ويفضح السريرة؛ لأن الأمر شرعا وواقعا خلاف ذلك تماما؛ فالنفس البشرية تميل بطبعها إلى الرفق ولين الجانب، وتأنس بالكلام المعسول الطيب، وتنفر من الشدة والغلظة والشقاء، وترفض جفاف الأخلاق وجفاء السلوك؛ 

ولهذا كان حريا بالمعلمين والمربين أن يَعُوا هذا الجانب؛ وجديرا بهم أن يراعوا الرفق واللين في عملية التعليم، حتى يحبهم تلاميذهم ويحترمهم طلابهم؛ فكل تعليم لم تسبقه المودة والمحبة، ولم تصاحبه الشفقة والرحمة؛ فهو لا يربي ولا يبني، ولا يسمن ولا يغني؛ فالتعليم يكون بالعاطفة لا بالعاصفة، وخصوصا تعليم القرآن الكريم؛ وقد أشار لذلك قديما العالم الاجتماعي الكبير ابن خلدون حين قال: 

"اعلم أنّ ‌تعليم ‌الولدان للقرآن شعار الدّين أخذ به أهل الملّة ودرجوا عليه في جميع أمصارهم، لما يسبق فيه إلى القلوب من رسوخ الإيمان وعقائده من آيات القرآن وبعض متون الأحاديث، وصار القرآن أصل التّعليم الّذي يبنى عليه ما يحصل بعدُ من الملكات؛ وسبب ذلك أنّ التّعليم في الصّغر أشدّ رسوخا وهو أصل لما بعده"... 

إلى أن قال: "إن ‌الشدة ‌على ‌المتعلمين مضرة بهم، وذلك أنّ إرهاق الحدّ بالتّعليم مضرّ بالمتعلّم سيّما في أصاغر الولد؛ لأنّه من سوء الملكة، ومن كان مرباه بالعَسْف والقهر من المتعلّمين... سطا به القهر وضيّق عن النّفس في انبساطها، وذهب بنشاطها، ودعاه إلى الكسل، وحمل على الكذب والخبث، وهو التّظاهر بغير ما في ضميره خوفا من انبساط الأيدي بالقهر عليه".

ألا فاتقوا الله عباد الله وأكثروا من الصلاة والسلام على رسول اللهﷺ…

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا