خطبة عيد الأضحى مكتوبة: الإبتلاء سنة الله في الكون والرضىا بلسم القضاء - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

خطبة عيد الأضحى مكتوبة: الإبتلاء سنة الله في الكون والرضىا بلسم القضاء


هذه الخطبة تقدم بها أحد الأئمة والخطباء المغاربة مند سنوات اشترط عدم نسبتها إليه.

الحمدُ لله الذي بنعمته تتمُّ الصالحات، وبعَفوِه تُغفَر الذُّنوب والسيِّئات، 
وبكرَمِه تُقبَل العَطايا والقُربَات، وبلُطفِه تُستَر العُيُوب والزَّلاَّت، الحمدُ لله الذي أماتَ وأحيا، ومنَع وأعطَى، وأرشَدَ وهدى، وأضحَكَ وأبكى؛ ﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا   الله أكبر، سبع مرات

لا إله إلا لله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
الله أكبر كلّما ضجَّت الأصواتُ بالدعوات.
لله أكبر كلّما تقرَّب العابدون بالصالحات.

الله أكبر كلَّما تعرَّضوا لنفحاتِ الرحمن في عرفات، وكلّما طافوابالبيت وسعوابين الصفاء والمروة وكلما سكبت الأعين هنالك من العَبَرات، الله أكبر كلَّما تعاقب النورُ والظلُمات، الله أكبر عددَ ما خلق في السماء، الله أكبر عدَدَ ما خلَق في الأرض، الله أكبر عدَدَ كلِّ شيء، الله أكبر ملءَ كلِّ شيء، الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا.

أمابعد فياعباد الله:  ها نحن نعيش في صباح يوم عيد الأضحى المبارك، وهذا اليوم هو يوم تهليل وتكبير وتحميد، يوم خصه الله بشعائره، وشرفه بمآثره، يوم فيه توصل الأرحام، ويتبدل الخصام إخاء بين المسلمين.

ها هو يوم النحر يطل علينا ليذكرنا بالمعاني الفاضلة والأخلاق السامية الكريمة؛ ليذكرنا بقصة من قصص القران الكريم، هذه القصة تحدثنا عن خلق من أخلاق الإسلام ألا وهو الرضا بقضاء الله تعالى وتسليم الأمر إليه سبحانه، هذه القصة تحدثنا عن موقف مؤثر لنبيين كريمين من أنبياء الله تعالى، وكيف كانت شدة امتثالهما وصبرهما وتسليمهما لأوامر الله تعالى؛ إنها قصة البلاء المبين، قصة سيدنا إبراهيم مع ولده إسماعيل عليهما السلام، وكلنا يعرف قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام الشيخ الكبير الذي طالما دعا الله وألح عليه أن يهب له غلاما يعينه في هذه الحياة، فاستجاب الله له فرزقه في كبره وهرمه بغلام طالما تطلع إليه، ولكن بعدما بلغ معه السعي ماذا جرى يا ترى؟

ولنسمع إلى كتاب الله وهو يقص لنا مشهدا رائعا ومؤثرا: ﴿ وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ الصَّالِحِينَ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى.. ﴾ فماذا كان جواب الغلام الحليم؟ ﴿ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ..﴾ إنه الجواب السديد من غلام ملأ اليقين قلبه وأفاض الإيمان على جوارحه فكان في غاية التسليم لأمر الله عز وجل.

يالله ما أعظمه من موقف! وما أعظمه من إيمان! وما أعظمها من طاعة وتسليم! فلما رأى الله جل وعلا صبرهما واستسلامهما فيما ابتلاهما، كشف عنهما ضرهما، وناداهما أرحم الراحمين: ﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ... ﴾ [الصافات:

أرأيتم قلبا أبويا :: يتقبل أمرا يأباه؟؟
أرأيتم ابنا يتلقى:: أمرا بالذبح ويرضاه؟ ويجيب الابن بلا فزع:: افعل ما تؤمر أبتاه لن أعصى لإلهي أمراً :: من يعصي يوماً مولاه؟ واستل الوالد سكينا :: واستسلم ابن لرداه . ألقاه برفق لجبين:: كي لا تتلقى عيناه . وتهز الكون ضراعات :: ودعاء يقبله الله . تتضرع للرب الأعلى :: أرض وسماء ومياه . ويجيب الحق ورحمته :: سبقت بفضل عطاياه . صدقت الرؤيا لا تحزن :: يا إبراهيم فديناه

الله أكبر الله أكبر... نعم إخوة الإيمان  
إن قضاء الله تعالى لا يقابل بغير التسليم، وليس له عدة سوى الصبر الجميل، وان من علامة الإيمان: الشكر عند الرخاء، والصبر عند البلاء، والرضا بالقضاء، فالمسلم الحق هو الذي يفوض الأمر إلى الله ويسلّم الأمر إليه ﴿ أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك: 14].

ومن هنا ندعوا المسلمين جميعا من خلال هذه القصة إلى التخلق بخلق الرضا بقضاء الله تعالى، وتسليم الأمر إليه سبحانه، وخاصة ونحن نعيش في زمن كثرت فيه الابتلاءات، ومنا من لا يرضى بقضاء الله وقدره؟ ومنا من إذا ما نزلت بساحته المنايا لا يصبر؟ ومن منا إذا أصابته مصيبة تلفظ بكلام فيه اعتراض على أمر الله تعالى ونسي قول الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾

فمن أراد أن يرفع الله عنه البلاء كما رفعه الله عن سيدنا إبراهيم وإسماعيل فليرضى بما قضاه الله تعالى عليه، وليسلم أمره إلى الله تعالى، وليكن شعاره كما قال القائل:
لا الأمر أمري ولا التدبير تدبيري :: ولا الشؤون التي تجري بتقديري .
لي خالق رازق ما شاء يفعل بي :: أحاط بي علماً من قبل تصويري .

جاء في الأثر أن موسى عليه السلام سأل ربّه: ((ما يُدني من رضاك؟ قال: إن رضاي في رضاك بقضائي)).. وهذا لقمان الحكيم يوصي ولده فيقول له: ((أوصيك بخصال تقرّبك من الله, وتباعدك من سخطه, أن تعبد الله لا تشرك به شيئاً, وأن ترضى بقدر الله فيما أحببت وكرهت)).
واعلم أن البــــلاء سُنَّة الله الجارية في خلقه؛ فهناك من يُبتلى بنقمة أو مرض أو ضيق في الرزق أو حتى بنعمة فقد قضى الله عزَّ وجلَّ على كل إنسان نصيبه من البــــلاء، قال تعالى ﴿ إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ﴾ [الإنسان: 2-3]، فمنهم من سيفهم حكمة الله تعالى في ابتلائه، 
فيهون عليه الأمر ومنهم من سيجزع ويتسخَّط، فيزداد الأمر سوءًا عليه. 
 دَعِ الأَيّامَ تَفعَلُ ما تَشاءُ. 
                 وَطِب نَفساً إِذا حَكَمَ القَضاءُ.
 وَلا تَجزَع لِحادِثَةِ اللَيالي. 
                      فَما لِحَوادِثِ الدُنيا بَقاءُ. 
وَكُن رَجُلاً عَلى الأَهوالِ جَلداً. 
                      وَشيمَتُكَ السَماحَةُ وَالوَفاءُ.
بل هذا سعد ابن أبي وقاص رضي الله عنه من مغاوير الصحابة، ورجالاتها الشدائد، جاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبلى بلاءً حسنًا في ميادين القتال، قاد المسلمين إلى النصر في معارك كثيرة، أشهرها معركة القادسية، دعا له الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون مستجاب الدعوة، وقد كان يلجأ إليه الكثير من الناس كي يدعو لهم، فكان يدعو لهم، غير أن هذا الصحابي الجليل وهو أحد الُمبشرين بالجنة، وصاحب الدعاء المستجاب قد فَقَدَ بصره في آخر عمره، وقد سأله شاب أن يدعو الله أن يرد عليه بصره وهو مستجاب الدعوة: فكان جوابه جواب الراضي القانع بقضاء الله: قضاء الله أحب إليًّ من بصري، أفيرضاه الله لي ولا أرضاه لنفسي، والله لا أدعو
الله اكبر.. كلمات قليلة قالها سعد تحمل معانى عظيمة... لقد أحب هذا الصحابي ربه حبا عظيما حتى صار يحب العمى لأنه من عند الله!!! هو لم يفكر في فقد البصر بل فكر من الذي ابتلاه بفقد البصر؟
الله.. ولأنه يحب الله أحب قضاء الله، حتى وإن كان هذا القضاء هو "العمى". فيا ليتنا نتعلم من تلك الكلمات يا ليتنا نستقبل كل بلاء أو مصيبة بهذه العبارة الرائعة التي قالها سعد"قضاء الله أحب إلى من البلاء الذي نزل بي.." فالله دائما يقضى لك الخير. نعم هكذا كان لسان حالهم: 
فليتك تحلو والحياة مريرة *** وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر *** وبيني وبين العالمين خراب
إذا صح منك الود فالكل هين *** وكل الذي فوق التراب تراب.

وهذا الفاروق عمر بن الخطاب من الصحابة الأجلاء الذين جاهدوا في الله حق جهاده، من الكبار الذين كانوا يرضون بقضاء الله وقدرة، ويقبلون بما نزل بهم من سوء، أو أصابهم من شر، فقد كان رضي الله عنه إذا أصابه ما يكره يحمد الله على أربع: أنها لم تكن في دينه، وأنها لم تكن أعظم من ذلك، وأن له فيها الأجر العظيم، ثم يتذكر المصيبة الكبرى بفقده النبي صلى الله عليه وسلم فتهون أي مصيبة بعدها، وهكذا كان رضي الله عنه يرضى بقضاء الله.

إن في الابتلاء من العبر وكنوز الحكم ما يشد عضد المؤمن المصاب؛ لأنه يسوق المؤمن لأكمل النهايات التي لم يكن ليعبرها إلا على جسر من الابتلاء، فظاهره امتحان وباطنه رحمة ونعمة، وكم لله من نعمة جسيمة ومنة عظيمة تجنى من قطوف الابتلاء!

ففي الحديث: ((إن الرجل ليكون له عند الله المنزلة، فما يبلغها بعمل، فما يزال الله يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها))؛ مسند أبي يعلى وحسنه الألباني.
اللهم اجعلنا ممن رضيت عنهم ورضوا عنك ورضـوا بقضائك، وصبـروا على بلائك وشكروا نعماءك، واجعلنا ووالدينا ممن يرثون جنانك...

الخطبة الثانية
الله أكبر لا إله إلا لله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أمابعد أخوة الإيمان/ إن العيد جاء اليوم ليذكر
المسلمين بقول حبيبهم صلى الله عليه وسلم: ((لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)). والسؤال الذي يطرح نفسه في ساحة العيد بالذات:

القلوب المتنافرة! أما آن لها أن تتصافح؟ هل لازالت مصرة على معاندتها للفطر السوية؟ هل لا زال الكبر يشعل فتيل حقدها.؟ ألا يمكن أن ينجح العيد في أن يعيد البسمة لشفاهٍ قد طال شقاقها؟ إلى متى هؤلاء يصمّون آذانهم عن قول رسول الهدى صلى الله عليه وسلم: ((هجر المسلم سنة كسفك دمه))، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((تُعْرَضُ الأَعْمَالُ في كلِّ اثْنَيْنِ وَخَمْيسٍ، فَيَغْفِرُ اللهُ لِكُلِّ امْرِئٍ لا يُشْرِكُ باللهِ شَيْئاً، إِلاَّ امْرَءاً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيقُولُ: اتْرُكُوا هذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا))؛ رواه مسلم. فهذه دعوة للتسامح، واللتصالح
دعوة لصفاء القلوب في صباح يوم العيد، وليكن شعار كل واحد منا:من اليوم تسامحنا" فاجعَلُوا هذه الأيَّام أيامَ العيد فرحًا لا ترحًا، أيَّامَ اتِّفاق لا اختلاف، أيَّامَ سعادةٍ لا شَقاء، أيَّام حب وصَفاء، لا بَغضاء ولا شَحناء، تسامَحُوا وتَصافَحُوا، توادُّوا وتحابُّوا، تَعاوَنُوا على البرِّ والتَّقوى، لا على الإثم والعُدوان، صِلُوا الأرحام، وارحَمُوا الأيتام، تخلَّقوا بأخلاق الإسلام.

وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.  , الدعاء ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا