حكم الاشراك والإشتراك في أضحية العيد - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

حكم الاشراك والإشتراك في أضحية العيد

أئمة مروك إعداد: عبدالله بنطاهر 

سائل يسأل: كنا ثلاثة أشخاص فاتفقنا على شراء بقرة من أجل أضحية العيد فذبحناها، ثم قيل لنا: إن ذلك لا يجزئ، وقد سبق أن جاءني سؤال آخر: هل يمكن لثلاثة أشخاص كلهم متزوجين وهم في بيت واحد أن يشتركوا في الأضحية، مثلا كالأب وابنيه الاثنين؟
الجواب: 

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
وبعد؛ فهذا الجواب جاء متأخرا بالنسبة للعوام، أما بالنسبة لطلبة العلم فالعلم من المهد إلى اللحد ليس له مواسم ومناسب؛ وتتوضيح الاشتراك في الأضحية يكون في النقط التالية:

أولا: حكم الشركة في الأضحية يختلف باختلاف شكلها بين الإشراك والاشتراك؛ ولهذا كان لا بد من الوقوف عند الفرق بينهما؛ فالإشراك هو: إدخال المضحي غيره ولو أكثر من سبعة في ثواب الأضحية وأجرها، دون أن يقدموا شيئا من ثمنها وأجرتها، والاشتراك هو: اتفاق مجموعة من الناس سبعة فأقل على شراء أضحية، يدفع كل واحد قسطا من ثمنها ليأخذ بعد الذبح حصته منها؛ فالإشراك جائز إجماعا؛ مطلقا عند غير المالكية، وبشروط معينة عند المالكية والاشتراك فيه خلاف؛ منعه المالكية وأجازه غيرهم، كما سيأتي إن شاء الله.

ثانيا: الأصل والقاعدة في الأضحية: أن كل مستطيع بالغ مخاطب بأحكام الشريعة هو مطلوب شرعا بأضحية مستقلة، لقوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}؛ فكل مطالب بالصلاة مطالب بالنحر؛ إلا أن الشركة تجوز في بعض الفروع منها  استثناء؛ وأصله ما روى الطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «ضحى رسول اللهﷺ بكبشين أقرنين أملحين: أحدهما عنه وعن أهل بيته، والآخر عنه وعن من لم يضح من أمته»(1)؛ فدل ذلك على أن النبيﷺ أشرك أهل بيته في أضحيته، أما تضحيتهﷺ عمن لم يضح من أمته فقال ابن حجر: هو من خصائصهﷺ(2)؛ وعليه فلا يجوز لأحد أن يقتدي بهﷺ في التضحية عن الأمة. 
ثالثا: لا بد هنا من التفريق بين الشركة في الثواب والأجر والشركة في الثمن والأجرة، والتفريق بين الشركة في الشياه (الضأن والمعز)، والشركة في البدن (الإبل والبقر)؛ 

وعليه فإن الشركة في الأضحية على أربعة أنواع:
• الشركة في الثمن والأجرة.
• الشركة في الثواب والأجر.
• الشركة في الشياه (الضأن والمعز).
• الشركة في البدن (الإبل والبقر).

رابعا: حكم الشركة في الأضحية يتنوع حسب ما يلي:
1) الاشتراك في الثمن وفي الشياه لا يجوز بإجماع العلماء؛ لأن الاشتراك خلاف الأصل، وإنما جاز في البقر والإبل لورود النص من عدة طرق أنهم اشتركوا في عهد رسول اللهﷺ في البدن، ولا نص في الشياه فتبقى على الأصل.
2) الاشتراك في الثمن وفي البدن (الإبل والبقر)؛ بأن تتفق جماعة، فيدفع كل واحد منهم قسطا من الثمن، ثم يقتسمون الأضحية، هو غير جائز عند المالكية، ولكنه جائز عند الحنفية والشافعية والحنابلة في البدن بين سبعة على الأكثر، لا في الشياه(3).

3) الإشراك في الأجر وفي الشياه والبدن معا يجوز بالإجماع.
خامسا: الإشراك في الأجر عند المالكية له حالتان:
الحالة الأولى: أن يُشْرِكَ شخصٌ جماعةً في أضحية ولا يُدْخِلُ نفسه معهم، بأن يشتري لهم أضحية دون أن يشترك معهم فيها، وهذه جائزة من غير شرط. 

الحالة الثانية: أن يُشْرِكَ المضحي في أضحيته جماعةً معه في نيته وقصده، وهذه لا بد فيها من أربعة شروط:
أ) الاشتراك قبل الذَّبْحِ، وأما بعد الذبح فلا تسقط عن الْمُشْرَكِ (بالفتح)، وتصح عن صاحبها.

ب) الاشتراك في القرابة والعائلة؛ بأن يكون الذي أشركه معه في الأضحية قريبا له ولو حكما لتدخل الزوجة.
ج) الاشتراك في النفقة؛ بأن ينفق على الذي أشركه معه؛ سواء كانت النفقة  واجبة عليه مثل الزوجة والأولاد والوالدين، أو تبرعا، كأخيه أو جده أو عمه.

د) الاشتراك في السكن معه، وهذا إن كانت نفقةُ الذي أشركه معه تبرعا، كأخيه أو جده أو عمه، وأما إذا كانت واجبة، مثل الزوجة والأولاد فتكفي الشروط الثلاثة الأُوَّل.
ولا يشترط في الحالتين عدد معين؛ بل ولو أكثر من سبعة، وفائدة التشريك سقوط الأضحية عن الجميع(4).

قال الإمام مالك: "ولا يشترك في الضحايا إلا أن يشتريها رجل فيذبحها عن نفسه وعن أهل بيته، وإن ضحى بشاة أو بعير أو بقرة عنه وعن أهل بيته أجزأهم، وإن كانوا أكثر من سبعة أنفس"(5)؛ وقال ابن يونس: "لأن النبيﷺ فعل ذلك، ولأن ذلك ليس بشركة في ملك اللحم، وإنما هي شركة في الثواب والبركة"(6). والحديث السابق يدل على أن النبيﷺ إنما أشرك أهل بيته لاشتراكهم معه في القرابة والنفقة والسكن.

وقال الشيخ خليل في مختصره: "سُنَّ لحر غير حاج بمنى ضحيةٌ... بلا شرك؛ إلا في الأجر، وإن أكثر من سبعة، إن سكن معه، وقرب له، وأنفق عليه، وإن تبرعا"(7).
الخلاصة: الاشتراك في ثمن الأضحية لا يجوز في المذهب المالكي، ويجوز عند الحنفية والشافعية والحنابلة في البدنة (ناقة أو بقرة بين سبعة على الأكثر)، لا في الشاة؛ والقاعدة عند فقهاء المالكية أن الشركة في الأضحية تجوز في الأجر لا في الأجرة؛ أي يجوز للشخص أن يشرك معه في أضحيته غيره من أقاربه وأهل بيته بالشروط السابقة، دون أن يعطوه شيئا من ثمنها؛ فالإشراك في الأجر عندهم جائز، والاشتراك في الثمن ممنوع... 

والله أعلم وهو سبحانه الموفق للصواب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهامـــــش:
(1) قال الهيثمى مجمع الزوائد (4/ 22): "رواه الطبراني في الأوسط  والكبير وإسناده حسن".
(2)فتح الباري لابن حجر: (9/ 595).
(3)اللباب في شرح الكتاب للغنيمي: (1/ 350)، والمجموع للنووي: (8/ 398)، والمغني لابن قدامة: (11/ 97).
(4) حاشية العدوي على شرح الرسالة: (1/ 500)، والفواكه الدواني شرح الرسالة للنفراوي: (2/ 390).
(5) المدونة لسحنون: (1/ 479(، وتهذيب المدونة للبراذعي: (1/ 253).
(6) الجامع لابن يونس: (5/ 845).
(7) التاج والإكليل للمواق: (3/ 239 و240)، والشرح الكبير للدردير: (2/ 119).
عبدالله بنطاهر
13  ذو الحجة 1434 هـ 15 /9  / 2016 م
مدرسة الإمام البخاري للتعليم العتيق أكادير المغرب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا