ماذا فقدت الأمة بموت العلامة المحدث سيدي عبد الله التليدي؟ - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

ماذا فقدت الأمة بموت العلامة المحدث سيدي عبد الله التليدي؟


أئمة مروك - جمعها وأعدها أحمد البعمراني .

لقدفقدت الأمة المغربية في شخص الشيخ عبدالله التليدي أحدرجالاتها وفقدت الأسرة العلمية أحد دعائمها كما فقدت الأمة الإسلامية عموما أحد علمائها البارزين الذين لهم قدم راسخ في العلم ومن العلماء الربانيين نحسبه كذلك ولأنزكي على الله أحدا؛

إذأن موت العالم ثلمة في الدين كما جاء في حديث جابر مرفوعا :موت العالم ثلمة في الإسلام لايسدها اختلاف اليل والنهار  .

دعونا إذا نتعرف الآن على هذا الجبل الشامخ في العلم  العلامة المحدث والشيخ المربي الذي هو غني عن التعريف لأنه عرف نفسه بنفسه حيث  وضع الشيخ لمحبيه سيرة
ذاتية قيد حياته فكتب في البداية ترجمة مختصرة طبعت في آخر كتابه :" تهذيب الخصائص النبوية الكبرى " .وهي مطبوعة ،ثم وضع كتاباً مفرداً لبسط حياته وذكرياته سماه: " ذكريات من حياتي "
.طبع بدار القلم. كما ترجم له بعض طلبته؛

ومنهم تلميذه محمد أحناش بكتاب حافل سماه:
" نسيم الشجر الوردي في ترجمة المحدث عبد الله التليدي " .وترجم له أيضا الأخ الحسين الشبوكي
بكتاب سماه : "عبدالله التليدي العلامة المربي والمحدث الأثري ".
وإليكم الآن ترجمة الشيخ :

نسبه :
إنه الشريف أبو الفتوح وأبو محمد، عبد الله بن عبد القادر بن محمد التليدي. يعود نسبه إلى الشرفاء الأدارسة ثم إلى آل بيت النبي عليه الصلاة والسلام فهو حفيد أحفاد الحسن بن علي زوج فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم .


ولادته رحمه الله :
ولد شيخنا سيدي عبد الله بقرية الصاف من قبيلة بني جرفط عمالة تطوان سنة ست أو سبع وأربعين وثلاثمائة وألف .
وبعد ستة أشهر من ولادته انتهت الحرب العالمية الأولى لتبدأ تداعياتها في المستعمرات، فكان المغرب من جملة الدول المستهدفة من طرف الفرنسيين والإسبان .
والده المجاهد سيدي عبد القادر التليدي طيب الله ثراه .
كان والد الشيخ رضي الله عنه في طليعة الحركة الجهادية المباركة إذ لم يرض بالاستسلام والخنوع كغيره من الخونة والجبناء رغم قوة العدو وجبروته .

ظل والده رحمة الله عليه مرابطا في الجبال المحيطة بدشار بني جرفط رافضا الإذعان وتسليم السلاح بينما كان الخائن عبد القادر أفلاذ قد عمل للإسبان الذين ما فتئوا أن عينوه قائدا على تلك المنطقة .

وبخيانة من أحد أقربائه سقط سيدي عبد القادر التليدي في يد المستعمر وأدخله الطاغية أفلاذ السجن ليمارس عليه حيله البشعة وتهديداته .. فعرض عليه النجاة من الحبس إن كتب له أرضا باسمه كانت تدعى الهداوية، وهي أرض واسعة كان يمتلكها والد الشيخ كابرا عن كابر، .. واشترط المغتصب أن تكون الكتابة عدلية . 

خرج سيدي عبد القادر التليدي من السجن آثرا كرامته على الدنيا الفانية ومكتفيا بما كان يمتلكه من أرض أخرى صغيرة وماشية .. .
إلا أن المجاعة قد حطت رحالها في المنطقة فاضطر لبيع ما كان يمتلكه للهروب بعائلته من الفقر والفاقة .
كانت تلك هي ظروف الأيام الأولى التي عاشها الشيخ سيدي عبد الله وسط أسرته وهو ما زال رضيعا .. ظروف الحرب والمجاعة والمطاردة .

نشأته :
نشأ كأي ناشئ للعلم بحفظ كلام الله عز وجل
حيث هاجر أبوه سيدي عبد القادر التليدي مع باقي الأسرة إلى طنجة الهجرة الأولى بتستر من رجال الحدود فبقي بها مدة سنتين تردد في السنة الأولى صغيره سيدي عبد الله الذي بلغ من العمر خمس سنوات إلى الكتاب القرآني لكن دون أن يتعلم شيئا ولا حرفا واحدا إذ لقي إهمالا من قبل المدرر المكلف بتحفيظه القرآن كعادة ينهجها المحفظون تجاه الطلبة الجدد وهي عادة سيئة تؤثر سلبا على تكوين الطالب وتعليمه.

كانت هذه المرحلة من حياة الشيخ زمن الحرب العالمية الثانية في الأربعينيات من القرن الماضي وما زالت ذاكرته تستعيد صور طائرة ألمانية من غير جناحين كانت تحلق فوق الأجواء الشمالية من المغرب، كما كان يسمع دوي القنابل والصواريخ وهو منهمك في حفظه لكتاب الله عز وجل.

عاد سيدي عبد القادر من جديد إلى قرية الصاف ليهاجر ثانية بابنه عبد الله مع باقي الأسرة إلى مدينة طنجة وسن شيخنا دون العشرة، فإذا برجال الحدود يلقون القبض على والد الشيخ مطالبين إياه ببيان هويته فبقي مسجونا إلى أن تعرف عليه أحد شيوخ المنطقة ومقدميها.
لم يكن شيخنا قد ختم إلا سلكة واحدة وهذا ما يسميه أهل القرآن في المغرب بالسور فكلما ازدادت سور التلميذ ازدادت محفوظاته .

وختم الشيخ بعد ذلك القرآن تصحيحا على جماعة من المقرئين فكان ينتقل من دشار إلى دشار عملا بما يسمى عند طلبة القرآن في المغرب : بالتخنيشة، وهي ملازمة المساجد النائية عن محل سكنى العائلة للإستزادة من قراءة القرآن الكريم وختمه حفظا على الطريقة المغربية ختمات متوالية، وهي – أي التخنيشة - لا تبدأ اصطلاحا إلا بعد الختمة القرآنية الأولى .

فزار شيخنا دار الخيل في بني عروس وتتلمذ على المقرئ الفاضل عبد السلام الخنوس الذي لا يزال على قيد الحياة في مدينة طنجة في سن تزيد على المائة سنة، و"خنش" بدشار لهرا في سبت بني جرفط على فقيه يقال له الأعرج، وفي الأخماس السفلية بدشار أمغري على الفقيه عبد السلام الغزاوي، وقرأ بالغربية بمدشر أولاد عبو على فقيه يدري، وفي بني حسان بدشار عزاوز على الفقيه بنعزوز الحمزاوي .

فبلغت عدد ختمات حفظه للقرآن الكريم حوالي سبعة إلى ثمانية ختمات مباركات .
كما أنه حفظه الله خنش في وقت لاحق بأولاد زيان قرب جبل حبيب قريبا من الفحص مدة ستة أشهر ختم فيها ختمة واحدة من القرآن الكريم .

بداية طلبه لعلوم الآلة أو العلوم الشرعية .
، حيث ذهب إلى قرية (امجازليين) وقرأ عددا من المتون التي يبدأ بها الطالب المبتدئ
فالتحق بالفقيه سيدي بن عايشة رحمه الله وهو أول عالم يدرس عليه الشيخ بعد حفظه للقرآن الكريم فكان يدرس عليه متن ابن عاشر في الفقه ومتني الأجرومية والألفية في النحو مع حفظ هذه المتون على اللوح . 

ثم التحق بمعهد طنجة الديني، ولم يعجبه سير الدراسة البطيء كعادة هذه المناهج النظامية ، وفي السنة الثانية بدأ يلتحق بأهل العلم داخل وخارج هذا المعهد ولم يكتف بما كان يدرس في المعهد آنذاك ، وكان حريصا على دراسة  ما رأى هو الأصلح والأنفع دون تقيد بدراسة المعهد.. ودام على هذا ثمان سنوات يقرأ على علماء طنجة.. وهي تعتبر دراسته الابتدائية والثانوية..

شيوخه:
تردد الشيخ إلى مختلف المساجد وحلق العلم بطنجة مدة ما بين 1947 إلى 1950 ميلادي
حيت قرأ فيها على علماء المدينة والطارئين عليها راسما بذلك خطة تكوينية خاصة به، فقرأ على العلامة الشيخ سيدي عبد الله بن عبد الصادق التمسماني : ألفية ابن مالك ونور اليقين وتحفة الحكام ورسالة الحكام ورسالة ابن أبي زيد وجمع الجوامع ومختصر خليل بالشرح الصغير للدردير في الفقه المالكي .

وقرأ على الفقيه محمد المكي الناصري الأربعين النووية .
وقرأ على العلامة الأديب عبد الله كنون ورقات إمام الحرمين .
وقرأ على العلامة الفاضل السيد عبد الحفيظ كنون : السنوسية في التوحيد ورسالة ابن أبي زيد مرتين ومختصر ابن أبي جمرة وسنن ابن ماجه إلى النكاح وبعض صحيح البخاري.

وقرأ على العلامة السيد أحمد أبوحسين التفسير من أوله إلى سورة المائدة والجوهر المكنون في البلاغة .
وقرأ على العلامة محمد السكيرج المقنع في الفلك والتوقيت والحساب وبعض الكتب الأدبية .
وقرأ على العلامة الأديب محمد علال الفاسي التفسير من سورة تبارك إلى ختام القرآن الكريم وكتاب الشمائل المحمدية . 

وقرأ على العلامة النحوي السيد الحسن اللمتوني ألفية النحو مرارا .
وقرأ على الشيخ سيدي عبد السلام أبارغ المصوري الأجرومية بالأزهري .
وقرأ على العلامة سيدي محمد الساحلي الوسيني توحيد ابن عاشر ورسالة ابن أبي زيد وجملة من التفسير .
كما قرأ شيخنا على فقهاء آخرين غير مترجمين وللأسف الشديد ضمن علماء تلك الفترة في كتب التراجم المعاصرة 

منهم العلامة النحوي السيد عبد السلام الخنوس وهو غير المقرئ عبد السلام الخنوس الذي حفظ عنده القرآن الكريم : قرأ عليه الآجرومية وألفية ابن مالك ومرشد ابن عاشر مرارا، ورسالة ابن أبي زيد مرة، وابن بري في قراءة نافع وبعض الشاطبية وهمزية البوصيري ومقدمة جمع الجوامع في أصول الفقه ولامية الأفعال والمنطق .

والفقيه المبارك الوسيني قرأ عليه لامية ابن الوردي في الآداب والأخلاق ودروسا في الحساب .
والفقيه عبد الرحمن الجزائري قرأ عليه ورقات إمام الحرمين .
وأخوه الفقيه عبد القادر الجزائري قرأ عليه مبادئ الجغرافية .
والفقيه بن عمر قرأ عليه ألفية ابن مالك ومختصر خليل وتحفة ابن عاصم .
والفقيه محمد بوليف قرأ عليه تحفة ابن عاصم .
والفقيه عبد الله الزراد قرأ عليه السلم في المنطق بالقويسني .
والفقيه محمد الصائل الأنجري قرأ عليه ألفية ابن مالك .
والفقيه التايدي قرأ عليه ألفية ابن مالك أيضا .
دون أن ننسى الفقيه سيدي عبد المجيد زميزم رحمه الله الذي لازمه مدة قليلة .
وهذا إفراط من المؤرخين المغاربة خاصة الطنجيين منهم إذ لم نكن لننسى جهود هؤلاء الفقهاء في نهضة العلوم الشرعية وما قدموه من تضحيات جسيمة مع طلبتهم في تلك الفترة وإن اختلفنا معهم في وجهات النظر والاجتهاد .

وممن كان له الأثر الكبير في حياة شيخنا سيدي عبد الله من علماء هذه الفترة العالم الرباني سيدي عبد الله بن عبد الصادق التمسماني رحمه الله الذي أفرده شيخنا بالذكر في كتابه نصب الموائد الجزء الأول تحت عنوان : من علماء طنجة 

حياته في طلب العلم وماصاحبها من تجاذابات  مذهبية وفكرية وعقدية ..
يقول الشيخ عبد الله التليدي  متحدثا عن نفسه في هذه المرحلة : من كتابه ذكريات حياتي.
(وبما أنه كان قد قرأ الفقه المالكي وتمكَّن فيه أصبح متعصباً للمذهب تعصُّباً مُزرياً بدينه وبأخلاقه؛ بل وبإنسانيته... فقد كان كثير الخصام والجدال مع الطلبة المتفتحين الذين يراهم يحافظون على العمل بالسنن، كوضع اليمنى على اليسرى في الصلاة... وما إلى ذلك مما خالف به المالكية.

فكان لذلك ينكر عليهم ويعاديهم ويراهم في نظره مبتدعة كما كان يسمعه من شيوخه الذين تلقى عنهم الفقه. فقد كانوا كثيراً ما يحذرون الطلاب من أهل الحديث الذين يعملون بالدليل من غير تقيُّد بمذهب خاص، ويرمونهم بالزندقة والخروج من الإسلام، وسمع مراراً شيخاً له ينكر على الوضع ويقول مشيراً للعاملين به: {ويقبضون أيديهم، نسوا الله فنسيهم، إن المنافقين هم الفاسقون}؟!!

فكان هذا في بدايته متعصبا للإمام مالك وعلماء مذهبه، فتأثر بذلك و لم يكن يخطر بباله أنه مخالف للحق؛ بل كان قد رَسَخَ في مخيلته أن كلَّ ما في كتب الفقه مبنيٌّ على الكتاب والسنة، حسب ما كان يسمع من شيوخه القاصرين الذين لا صلة لهم بالحديث النبوي والسنة المحمدية إلا من جهة السماع والتبرُّك))
ذكريات من حياتي 44 -45

هذا ولقد كان لشيوخ سيدي عبدالله  المتعصبين الصوفيين أثراً عليه سيئاً، أبعدهُ عن السنة، فقد اقتنى مرة شرح الإمام النووي على صحيح مسلم، فافتتح مطالعته، وقطع فيه شوطاً أيضاً، ووجد النووي يرجِّح ما في الأحاديث ويزيِّف ما سواها من المذاهب، فتحيَّر في ذلك.

وبعد مدة مال إلى طريقة النووي في العمل بالحديث، فشاور شيخه في اقتناء الكتاب فحبَّذ له ذلك، ثم قال له: إن طريقته كيت وكيت فهل يمكن للإنسان أن يترك المذهب ويعمل بالحديث، فغضب غضباً شديداً وقال: لا لا إن فقهنا مغربل والحديث فيه الناسخ والمنسوخ، والمطلق والمقيَّد، والعام والخاص... ونحن لا ندري تطبيق ذلك، وأئمتنا رحمهم الله قد كفونا المئونة في ذلك فخدموا لنا الدين وتركوه لنا صافياً... أو كلاماً نحو هذا.
فكان كلام هذا الشيخ عفا الله عنه مثبطاً له عن الاشتغال بعلم السنة والعمل به حتى منَّ الله عليه بذلك كما يأتي ذلك.

بعد ذلك رحل إلى فاس للالتحاق بجامعة القرويين ، ولم يدم طويلاً بسبب الأوضاع غير المستقرة في المنطقة من أثر الاستعمار، فعاد لبلده، وفي بلده بدأ يعلم، ويحضر لدى عدد من شيوخه، وقد (عرض احتفال ديني في بعض المساجد، فحضره مع أولئك الطلبة سوياً، فإذا به يفاجأ بالمنشدين مع استعمالهم آلات العزف، فأنكر ذلك واغتاظ، وقال لطلبته: الضرب بآلة العزف وبالمسجد حرام، فكيف يتعطاه هؤلاء؟ فطمأنوه، وقالوا له: إن هؤلاء فيهم علماء، وهم أعرف بذلك منا، فسكت مجاملةً لهم) صفحة: 51. ذكريات حياتي .

وبعد هذا أتت نقلة نوعية للشيخ، فانقض على المذهبيين، والتزم بالحديث وأهله، وإن كانت نقلة نوعية فيها ما فيها وعليها وما عليها، ولكنها زعزعت فيه جموده الفكري، وتعصبه المذهبي، فانتقل إلى المدرسة الصديقية ، ومن خلالها تعرف على عدد كبير من الموافقين والمخالفين لهذه المدرسة الصديقية من طالبي علم الحديث، وانفتح على الخارج، ويقول عن هذه الفترة: ((وفي هذه الأثناء اتَّسعت دائرته العلمية، وذهب عنه جمود المقلدة المتعصِّبين، وحُبِّبَ إليه العمل بالسنة والدليل، ووجد عند هؤلاء العلماء من أنواع الثقافة الإسلامية الشاملة ما لم يسمع به عند المشايخ وما يسمون عند الناس في طنجة بالعلماء والفقهاء.. بل حتى علماء فاس.
ووجد نفسه كأنه ولد من جديد، أو كأنه كان ساكناً في غرفة ضيقة فخرج منها إلى فضاء واسع فسيح))  ذكريات حياتي صفحة: 53.

وخلال هذه الفترة أنكر بعض البدع مثل الحِداد، وعدم إقامة الأضحية لموت فلان من الناس، فيقول أنها ((من البدع الضالَّة التي اعتادها أهل العصر خلافاً لما جاء به الهديُ النبوي)) صفحة: 54.
ثم شد الرحلة لرؤوس تلك المدرسة كأحمد بن الصديق رحمه الله  في منفاه، ودرس عليه وتأثر به، وبايعه على طريقته الشاذلية وأجازه فيها!!

عاد بعد ذلك لطنجة وتزوج، ومن العجيب الغريب أنه هو وصاحب له تعاهدا على أن لا يتزوجا أبداً!! حتى أنه أراد أن يخصي نفسه!! وقد شرب الكافور ليهلك شهوته وكاد أن يهلك!! ثم تزوج في هذه العودة!!
وتأمل المخالفة الصريحة لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((فأما أنا فأتزوج النساء)) وقوله: ((فمن رغب عن سنتي فليس مني)).

رجوعه عن فكرة التعصب المذهبي والتزام العمل بالدليل:

بعد عودته ((في هذه الفترة التفَّ حوله جماعة من الشباب، وكانوا نِعْمَ المعين والمؤيِّد له ولدعوته، ونِعْمَ المساعد، وقبلوا دعوته التي كانت صعبة على النفوس، والتي لا يرضاها إلا من سبقت له من الله العناية، لأن دعوته كانت ولا تزال مؤسسة على العمل بالكتاب والسنة، وأخذ الشريعة من معدنها الصافي، ونَبْذ ما خالفها من الآراء التي لا يشهد لها دليل صحيح أيًّا كان مع الحض على ما كان عليه السلف عقيدة وعملاً وحالاً وسلوكاً... والتحذير من الفرق الضَّآلة الخارجة عن أهل السنة والجماعة)) صفحة: 65.

إن الشيخ يبين لك عقيدته وتدرجه إلى أن ترك عقيدةالأشاعرة  وتاب وتمسك بعقيدة أهل السنة، حيث يقول: ((كان في بداية أمره على مذهب الأشاعرة المتأخِّرين الذين مَزَجوا عقيدة الإمام أبي الحسن الأشعري ببعض عقائد المعتزلة، لكنه كان له مَيْلٌ إلى مذهب السلف لقراءته أيام الطلب رسالة ابن أبي زيد القيرواني مراراً، وعقيدته المذكورة في رسالته سلفيَّةٌ مَحْضَة.

ولما اتصل بشيخه الحافظ أبي الفيض أعطاه كتاب "التوحيد" لابن خزيمة، و"الاعتقاد" للبيهقي، و"الدرة المضيئة" وأمره بقراءتها، فلما قرأها، وقرأ معها "العلو للعلي الغفار"، و"اجتماع الجيوش الإسلامية"، و"الإبانة" للأشعري، و"الطحاوية"، و"لمعة الاعتقاد" خرج من قراءتها كلها باعتناق مذهب السلف، فأصبحت بفضل الله عقيدته سلفية محضة، وزاد تمكُّناً في ذلك، بعد أن قرأ كثيراً من كتب التفسير وشروح الحديث التي تتعرَّض لمذهب السلف والخلف.
وهو ينصح أهل العلم بقراءة عقيدة ابن أبي زيد القيرواني، و" العقيدة الطحاوية"، و"الاعتقاد" للبيهقي، و"الإبانة" للأشعري... رحمهم الله))
صفحة: 96. ذكريات من حياتي. 

وكذلك أثرت هذه النقلة على مذهبه الفقهي، ومنهجه في التلقي فيقول بأنه: ((يأخذ بما دلَّ عليه الدليل من الكتاب والسنة الصحيحة، دون تقيُّد بمذهب من المذاهب المعروفة، إلا إذا تعارضت الأدلة، وتشعَّبت الأقوال، فيختار أحوط ما قال به بعض الأئمة)) صفحة: 97. ذكريات..

ولقد تاب وآب مما تلقنه من سب بعض الصحابة فيقول عن نفسه: ((أنه كان يسبُّ معاوية وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وسَمُرة بن جندب، ثمَّ رجع عن ذلك، فحرَّق كتاب "النصائح الكافية" لابن عقيل الذي أُلِّف في معاوية وأضرابه وأتباعه... وينصح بعدم قراءته للمُبْتدئين، لأنه مليءٌ بالأباطيل والأكاذيب التاريخية)) صفحة: 106.

تقلبه في حرف ومهن مختلفة .
لقدانقطع شيخنا عن القراءة وطلب العلم برهة من الزمن وتقلب في عدة حرف ومهن وصناعات فكان خبازا ونجارا وصيادا في البحر وحطابا للأعواد ومساعدا للبناء وخياطا للخفاف والطرابيش والأقمصة الشتوية، بالإضافة إلى رعاية المعز والبقر في حال صغره، وذلك في الفترة ما بين عشر سنوات إلى عشرين سنة من عمره . 

ومرت عليه حفظه الله ظروف قاسية مدة ستة سنوات أيام الحرب العالمية الثانية إذ تزامنت مع المجاعة الثانية التي أصابت المغرب آنذاك والفقر المدقع وعدم القدرة على الفلاحة .. وأصيب ببلايا ومحن حتى إنه كان لا يأكل إلا أيارنا أو البقول لوحده يكتف به عن الطعام المفقود .
بل إن شيخنا حفظه الله كثيرا ما يحكي عن رحلاته وتنقلاته على الأقدام من قبيلة إلى أخرى ومن مدشر إلى آخر فيبقى في الرحلة الواحدة يوما أو يومين بدون مأكل أو مأوى، أو في مهرب من اللصوص وقطاع الطرق .
حتى إنه مرة وقع في يد لصين مسلحين أرادا أن يسلباه جلابته الوحيدة التي كان يملكها فتأخر شيخنا كأنه يريد انتزاع جلابته ثم فر في سرعة جنونية وبدون توقف حتى نجا من متابعتهما له . 

فمن كان يظن أن الشاب التليدي في ظل هذه الظروف العصيبة سيصبح فيما بعد عالما من  العلماء في وقتنا الحاضر ؟! إلى وافته المنية رحمه الله حيث إنتقل إلى دار البقاء
زوال يوم السبت 05 غشت
2017 بمدينة طنجة
فسبحان الله القادر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . ورحم الله فقيد الأمة وأسكنه فسيح جناته ورزق دويه الصبر والسلوان وإنالله وإناإليه راجعون.

آثاره العلمية ومؤلفاته :
كان فضيلة العلامة المحدث السيد عبد الله التليدي ،حفظه الله ، يشرف على معهد ابن القطان وهو في الأصل ،مدرسة عتيقة تخرج منها العديد من العلماء والفقهاء والدعاة وحفظة القرآن الكريم ، وكان الشيخ حفظه الله يقوم بجميع المهام ،منذ تأسيسها ،من إمامة في الصلوات الخمس ،وخطابة ،وتدريس للطلبة مختلف العلوم،من تفسير و عربية وفقه وحديث وأصول ومصطلح وتصوف ، وذلك طيلة أيام الأسبوع ما عدا يوم الجمعة ،بالإضافة إلى الإفتاء ،والإفادة العامة للوافدين والمتصلين ،وتربية المريدين ..

والمعهد الآن ينهج الطريقة الجديدة للمدارس الدينية العتيقة ،ضمن المشروع الكبير  لإعادة هيكلة الحقل الديني ..
مؤلفاته :
ألف الشيخ عبد الله التليدي عدداً كبيراً من الكتب يزيد على الثلاثين مؤلفاً، تراجع عن عددٍ منها، وهو غير راضي عن عددٍ آخر.. ومن مؤلفاته:
1- تهذيب جامع الترمذي.
2- تهذيب الخصائص الكبرى
3- جواهر البحار بصحاح الأحاديث القصار
4- إتمام المنة بشرح منهاج الجنة في فقه السنة
5- دلائل التوحيد انطلاقاً من القرآن والكون
6- تهذيب الشفا
7- الجواهر واللآلئ المصنوعة بتفسير كتاب الله بالأحاديث الصحيحة المرفوعة
8- نصب الموائد في الفتاوى والنوادر والفوائد
9- أسباب هلاك الأمم
10- المبشرون بالجنة
11- الأنوار الباهرة في فضائل الذِّرية الطاهرة
12- فضائل الصحابة في القرآن والسنة وموقف الشيعة منهم.

13- تهذيب الاستنفار في غزو التشبه بالكفار
14- القدس وكيف احتله الصهاينة؟
15- المرأة المتبرِّجة وأثرها السيئ في الأمة.
16- أهل السنة والشيعة بين الاعتدال والغلو.
17- بداية الوصول بلُبِّ الأمهات والأصول.
18- استمطار الرحمات بإحياء السنن المهجورات .
19- كتاب نزل الأبرار بتكفير ما تقدم من الذنوب و ما تأخر
20- دار الأفراح و الحبور و النعيم وسكانها في القرآن الكريم و السنة النبوية الصحيحة .



المصادر والمراجع:
------------------------------------ا
(1 ) ويكيبدياالموسوعة الحرة.
(2 ) منتديات الغريب :مقال في ترجمة الشيخ
لمؤلف كتاب : " عبدالله التليدي العلامة المربي والمحدث الأثري ".
( 3) محبي الشيخ عبدالله التليدي :صفحة الفايسبوك.




 (ملحوظة ) نرجوا من القارئ الكريم ممن رأى تقصيرا أوخللاما في هذه المقالة أن ينبهنا لإصلاحه إوإضافة بعض مالم يذكرمن آثار الشيخ ومؤلفاته .

وذلك إما عن طريق التعليق في آخر المقال أوالمراسلة عن طريق صفحة الفيسبوك أوعبر نموذج الإتصال بالأسفل .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا