شُكْرُ اللهِ ذِي الْجَلَالِ، عَلَى نِعْمَةِ الْحُرِّيَّةِ وَالِاسْتِقْلَالِ - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

شُكْرُ اللهِ ذِي الْجَلَالِ، عَلَى نِعْمَةِ الْحُرِّيَّةِ وَالِاسْتِقْلَالِ

من إعداد: الأستاذ رشيد المعاشي

الحمد لله رب العالمين، الملك الحق المبين، عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، سيد الأولين والآخرين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن اقتفى أثرهم وسار على نهجهم إلى يوم الدين.

أما بعد فيا أيها الإخوة المسلمون:   إن تاريخ الأمم والشعوب عموما هو مرآتها، يعكس ماضيها، ويترجم حاضرها، وتستلهم من خلاله مستقبلها، فيه الحِكم والعبر، فيه التجارِب والسير، منه نعرف الصواب فنتبناه، ونعرف الخطأ فنتفاداه، وقد قيل قديما: لِكَيْ نَقُومَ بِقَفْزَةٍ كَبِيرَةٍ إِلَى الْإِمَامِ، لَا بُدَّ أَنْ نَخْطُوَ خُطْوَةً إِلَى الْخَلَفِ. 

وانطلاقا من هذا المبدإ – أيها الإخوة المسلمون - فإن بلدنا المغرب سيحتفل يوم: الثامنَ عشر من هذا الشهر - ككل سنة – بذكرى عيد الاستقلال، وخروج المغرب من ربقة الاحتلال، وبهذه المناسبة الوطنية الغالية سيكون عنوان خطبتنا لهـذا اليوم المبارك السعيـد – بحول الله تعالى - هو: شُكْرُ اللهِ ذِي الْجَلَالِ، عَلَى نِعْمَةِ الْحُرِّيَّةِ وَالِاسْتِقْلَالِ، وسنركز كلامنا على هذا العنوان من خلال ثلاثة عناصر:

العنصر الأول: مفهوم الاستعمار وأهم أهدافه، فالاستعمار في اللغة – أيها الإخوة المسلمون - هو: عمارة الأرض بالخير، ومنه قول الله – تعالى -: هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا... وأما الاستعمار في الاصطلاح العالمي اليومَ فهو: سَيْطَرَةُ الدُّوَلِ الْقَوِيَّةِ عَلَى الدُّوَلِ الضَّعِيفَةِ، مِنْ أَجْلِ نَهْبِ خَيْرَاتِهَا وَاسْتِغِلَالِ مُقَدَّرَاتِهَا بكُلِّ الوَسَائِلِ الْمُحَرَّمَةِ دِينِيًّا وَدَوْلِيًّا... ولهذا سماه البعض بـــ[الِاسْتِخْرَابِ]، ويسعى الاستعمار بكل الوسائل الأثيمة من قتل وتشريد وسَجن وتعذيب إلى تحقيق هدفين أساسيين:

الأول: سرقة ثروات البلاد، من المعادن النفيسة، والمنتجات الفلاحية، والثروات السمكية، وغيرها... ثم يشحَن كلَّ ذلك إلى بلاده ليستمتعَ به، ويصنع منه قُوّة يسيطر بها، جاعلا نصب عينيه القاعدة التي تقول: الْغَايَةُ تُبَرِّرُ الْوَسِيلَةَ. 

الثاني: طمس الهوية الدينية والثقافية للبلاد، وذلك من خلال محاربة كل ما له علاقة بالمبادئ والقيم الإسلامية، لكي ينزلق المجتمع في تقبل القيم الدخيلة التي تفرض عليه، ومن ثَمَّ يدخل في متاهات الضياع والاستلاب، وما يترتب على ذلك من فقدانٍ للهُوِيَّة، وضياع للكِيان، وتفريط في مقومات الوجود.

العنصر الثاني: نعمة الحرية والاستقلال، إن الله – سبحانه وتعالى – إذا أراد شيئا هيأ له الأسباب، لذلكم لما مد الاستعمار الفرنسي يده الأثيمة لرمز المقاومة ملك البلاد محمد الخامس - طيب الله ثراه -، ونفاه إلى خارج البلاد اصطدم بمئات الآلاف من شخصيات محمد الخامس في فكره وجهاده ودعوته، فقاوموه بكل وسائل المقاومة، ولم يثن عزائمهم النفيُ ولا السجون ولا أنواع التعذيب، حتى ارتحل الاستعمار الغاشم عن البلاد، وانتهى عهد نقمة الحجْر والاستعمار، وبزغ فجر نعمة الحرية والاستقلال،

 وذلك في الثامنَ عشرَ من شهر نونبر سنة ألف وتسعمائة وستة وخمسين (1956م)، وفي عام: ألف وتسعمائة وواحد وستين (1961م)، انتقل محمد الخامس – طيب الله ثراه - إلى عفو الله ورحمته، وترك الأمر في يد خلفه ووارث سره، جلالةِ المغفور له الحسن الثاني – طيب الله ثراه -، فكان نعم الوارثُ ونعم الخلفُ، وحقق الله على يديه الكثير من الإنجازات الكبيرة، كاستكمال الوحدة الترابية وغيرها... وها هو خلفهما ووارث سرهما، جلالة الملك محمد السادس - نصره الله - يواصل بنفس العزيمة مسيرة الانجازات، والحفاظ على المقدسات، نسأل الله له التوفيق والسـداد، والعـون والمدد، حتى يحقق لشعــبه ما يرجوه ويتمناه، إنه ولي ذلك ومولاه.

  نفعني الله وإياكم بكتابه المبين، وبسنة نبيه المصطفي الكريم، وجعلني وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه آمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين....

الخطبة الثانية:

 الحمد لله رب العالمين، الملك الحق المبين، عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، سيد الأولين والآخرين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن اقتفى أثرهم وسار على نهجهم إلى يوم الدين.

أما بعد فيا أيها الإخوة المسلمون:

العنصر الثالث: وجوب شكر الله – تعالى - على نعمة الحرية والاستقلال، فمن الواجب على المسلم أن يشكر الله – تعالى – على هذه النعمة العظيمة، عملا بقوله – تعالى -: وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ. ويتحقق شكر نعمة الحرية والاستقلال بالاستعانة بها على طاعة الله - عز وجل –، فإن ذلك يحفظها ويزيدها، مصداق ذلك قول الله – تعالى -: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ... ومن كفرها فقد عرض نفسه لزوالها، مصداق ذلك قوله – سبحانه -: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ. فاللهم لك الحمد والشكر على نعمة الحرية والاستقلال بكرة وأصيلا، ونسألك اللهم أن ترحم شهداءنا الأبرار، ومجاهدينا الأخيار، وتجازيَ خيرا كل مخلص  في خدمة هذا الوطن يا عزيز يا غفار.

الــــدعــــــــاء:

 هذا وخير ما نختتم به الكلام، ونجعله مسك الختام، أفضل الصلاة وأزكى السلام، على خير الورى سيدنا محمد ﷺ، فإن الله وملائكته يصلون عليه، وقد أمركم الله - عز وجل - بالصلاة والتسليم على هذا النبي الأمي الأمين فقال جل شأنه: يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُواْ صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا. أللهم صل على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت على سيدنا إبراهيم، وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم، وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء، السادات الأصفياء الحنفاء، الراشدين المرشدين المهتدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، أللهم انفعنا بمحبتهم، واحشرنا يا مولانا في زمرتهم، ولا تخالف بنا اللهم عن نهجهم وطريقهم القويم، 

أللهم انصر الإسلام والمسلمين، واجمع كلمتهم على اتباع الحق يا رب العالمين، أللهم انصر أمير المؤمنين، جلالة الملك محمدا السادس، أللهم انصره نصرا عزيزا تعز به الدين، وتجمع به كلمة المسلمين، أللهم أصلح به البلاد والعباد، وأقر عينه بولي عهده مولانا الحسن، واشدد عضده وقو أزره بأخيه السعيد المولى الرشيد، واحفظه في كافة أسرته وشعبه، أللهم اجعل بلدنا هذا بلدا آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين، أللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، أللهم ارحم الأموات ونور عليهم قبورهم، وأصلح الأحياء ويسر لهم أمورهم، أللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا