سلسلة دروس رمضانية يومية ذ. رشيدالمعاشي - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

سلسلة دروس رمضانية يومية ذ. رشيدالمعاشي

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله و آله وصحبه 

وبعد : هذه مجموعة من الدروس الرمضانية لأستاذنا سي

رشيد المعاشي إمام وخطيب جمعة نواحي مدينة أكادير المغرب نقدمها للأئمة الكرام ولعموم زائرينا للاستفادة منها والاستئناس بها في شهر رمضان وسيتم تحديثها كل يوم طيلة شهر رمضان لعام 1443 -2022. حال توصلنا بها إن شاء الله وهي مرتبة على شكل سلسلة دروس يومية مرقمة .  

(1) هَدَايَا الرَّحْمَانِ، فِي شَهْرِ رَمَضَان

اَلْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْنَا صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَجَعَلَهُ سَبَباً لِلْفَوْزِ بِالرَّحْمَةِ وَالْغُفْرَانِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الرَّحِيمُ الرَّحْمَانُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ وَلَدِ عَدْنَانَ، صَلَّى اللَّـهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْخُلَّانِ، وَمَنِ اِقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَآنٍ. 

أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ:

اَلسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّـهِ وَبَرَكَاتُهُ، يَسُرُّنِي وَيُسْعِدُنِي أَنْ أَتَقَدَّمَ إِلَيْكُم بِأَطْيَبِ التَّهَانِي بِمُناسَبَةِ حُلُولِ شَهْرِ رَمَضَانَ الْـمُبَارَكِ، وَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُمْ فِيهِ إِلَى الصِّيَامِ وَالْقِيَامِ، وَأَنْ يُعْتِقَ رِقَابَنَا وَإِيَّاكُمْ فِيهِ مِنَ النَّارِ، وَسَنَعِيشُ فِي هَذَا الِّلقَاءِ الِافْتِتَاحِيِّ- بِحَوْلِ اللَّـهِ تَعَالَى – مَعَ دَرْسٍ تَحْتَ عُنْوَانِ: هَدَايَا الرَّحْمَانِ، فِي شَهْرِ رَمَضَانَ...

وَنَصُّ الِانْطِلَاقِ هُوَ: الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ. فَهَذَا الْحَدِيثُ يَتَضَمَّنُ عِدَّةَ هَدَايَا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ، تُبْرِزُ لَنَا عَظَمَةَ لُطْفِهِ بِهِمْ، وَكَثْرَةَ كرَمِهِ وَإِحْسَانِهِ إِلَيْهِمْ، حَيْثُ أَعَانَهُمْ عَلَى حِفْظِ صِيَامِهِمْ: 

📗الْـهَدِيَّةُ الْأُولَى: فِـي قَوْلِهِ ﷺ: إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ... يَعْنِي: إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ شُدَّتِ السَّلَاسِلُ وَالْأَغْلَالُ حَقِيقَةً عَلَى الشَّيَاطِينِ ومرَدَةِ الْجِنِّ - وَهُمْ رُؤَسَاءُ الشَّيَاطِينِ -، حتَّى لَا يُفْسِدُواْ عَلَى الصَّائِمِينَ صَوْمَهُمْ، تَسْهِيلاً لِلطَّاعَاتِ عَلَيْهِمْ، لِذَلِكُمْ فَالْإِقْبَالَ عَلَى الطَّاعَاتِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ يَكُونُ سَهْلاً، بِخِلَافِ الشُّهُورِ الْأُخْرَى.

📗الْـهَدِيَّةُ الثَّانِيَةُ: فِـي قَوْلِهِ ﷺ: وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ... فَغَلْقُ أَبْوَابِ النَّارِ مُبَالَغَةٌ فِي غَلْقِ كلِّ مَسْلَكٍ مِنْ مَسَالِكِ الشَّرِّ، وفَتْحُ أَبْوَابِ الْجنَّةِ كَذَلِكَ مُبَالَغَةٌ فِي فَتْحِ كُلِّ مَسْلَكٍ مِنْ مَسالِكِ الْخَيْرِ، وَحَثٌ لِلْعِبَادِ مِنْ أَجْلِ الْإِقْبَالِ عَلَى الطَّاعَاتِ.

📗الْـهَدِيَّةُ الثَّالِثَةُ: فِـي قَوْلِهِ ﷺ: وَيُنَادِي مُنَادٍ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ... يَعْنِي: أَنَّهُ يُنَادِي مَلَكٌ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَقُولُ: يَا مَنْ يُرِيدُ الْفَضْلَ الْعَظِيمَ، أَقْبِلْ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ، وَيَا مَنْ يُرِيدُ الشَّرَّ أَمْسِكْ عَنْهُ وَامْتَنِعْ، فَإِنَّ رَمَضَانَ شَهْرٌ تَرِقُّ فِيهِ الْقُلُوبُ لِلتَّوْبَةِ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْأَسْبَابِ الَّتي تُعِينُ عَلَى ذَلِكَ.

📗الْـهَدِيَّةُ الرَّابِعَةُ: فِـي قَوْلِهِ ﷺ: وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ، وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ... يَعْنِي: أَنَّهُ مِنْ مَزِيدِ رَحْمَةِ اللَّهِ بِعِبَادِهِ أَنْ يُعتِقَ مِنَ النَّارِ عِبَادًا لَهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِي رمَضَانَ، وَهَذَا لِلحَضِّ عَلَى الِاجْتِهَادِ فِي هَذَا الشَّهرِ الْفَضِيلِ، حتَّى يَكُونَ الْعَبْدُ مِنْ هَؤُلَاءِ الْعُتَقَاءِ ، وَيُرْزَقَ النَّجَاةَ مِن النِّيرانِ، وَالْفَوْزَ بِالْجِنَانِ.

وَسَنَكْتَفِي بِهَذَا الْقَدْرِ فِي لِقَاءِ الْيَوْمِ، وَنَسْأَلُ اللَّـهَ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ أَنْ يَجْعَلَنَا وَإِيَّاكُمْ مِنَ الذِينَ يَعْلَمُونَ فَيَعْمَلُونَ، وَيَعْمَلُونَ فَيُخْلِصُونَ، وَيُخْلِصُونَ فَيُقْبَلُونَ، وَآخَرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.


(2) الصِّيَامُ: حُكمُهُ وَفَرَائِضُهُ

اَلْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْنَا صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَجَعَلَهُ سَبَباً لِلْفَوْزِ بِالرَّحْمَةِ وَالْغُفْرَانِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الرَّحِيمُ الرَّحْمَانُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ وَلَدِ عَدْنَانَ، صَلَّى اللَّـهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْخُلَّانِ، وَمَنِ اِقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَآنٍ. 

أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ:

اَلسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّـهِ وَبَرَكَاتُهُ، سَنَقِفُ الْيَوْمَ وَإِيَّاكُمْ - بِحَوْلِ اللَّـهِ تَعَالَى – مع بَيَانِ مَا يَجِبُ عَلَى الْـمُكَلَّفِ الِالْتِزَامُ بِهِ لِيَكُونَ صِيَامُهُ صَحِيحًا، وَعُنْوَانُ الدَّرْسِ هُوَ: الصِّيَامُ وَحُكمُهُ وَفَرَائِضُهُ... وَسَنَتَنَاوَلُهُ مِنْ خِلَالِ مِحْوَرَينِ:

📗اَلْـمِحْوَرُ الْأَوَّلُ: تَعْرِيفُ الصِّيَامِ وَحُكْمُهُ

 فَالصِّيَامُ لُغَةً هُوَ: مُطْلَقُ الإِمْسَاكِ وَالْكَفِّ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّـهِ تَعَالَى: إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَانِ صَوْمًا فَلَنُ اُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيّاً.  وَالصِّيَامُ شَرْعاً هُوَ: الْإِمْسَاكُ عَنْ شَهْوَتَيِ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ بِنِيَّةِ التَّقَـرُّبِ إِلَى اللهِ تَعَالَى. وَصِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ، قَالَ اللَّـهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُمَا  أَنَّ رَسُولَ اللَّـهِ ﷺ قَالَ: بُنِيَ الْإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّـهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْـحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ.

اَلْـمِـحْوَرُ الثَّانِـي: فَرَائِضُ الصِّيَامِ، فَفَرَائِضُهُ التِي لَا يَصِحُّ إِلَّا بِهَا هِيَ:

🌳1- اَلنِّـيَّـةُ، وَهِيَ: قَصْدُ الْـمُكَلَّفِ وَعَزْمُهُ بِقَلْبِهِ عَلَى الصِّيَامِ، لِقَوْلِ اللَّـهِ تَعَالَى: وَمَا أُمِـــرُواْ إِلَّا لِيَعْبُدُواْ اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ. وَلِلْحَدِيثِ الذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ حَفْصَةَ رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّـهِ ﷺ قَالَ: مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ. وَيَنْبَغِي تَبْيِيتُ النِّـيَّـةِ مِنَ اللَّيْلِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ. 

🌳2- تَرْكُ جَمِيعِ الْـمُفَطِّرَاتِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَهِيَ:

🍀أ- الْوَطْءُ وَمُقَدِّمَاتُهُ لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: أَتَى رَجُلٌ النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: هَلَكْتُ؛ وَقَعْتُ عَلَى أَهْلِي فِي رَمَضَانَ قَالَ: أَعْتِقْ رَقَبَةً... 

🍀ب- إِيصَالُ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ إِلَى الْحَلْقِ أَوِ الْـمَعِدَةِ مِنْ مَنْفَذٍ وَاسِعٍ، كَالْفَمِ وَالْأَنْفِ وَالْأُذُنِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْـخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْـخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ. وَالْـمُرَادُ بِـ(الْـخَيْطِ الْأَبْيَضِ) بَيَاضُ النَّهَارِ، وَبِـ(الْـخَيْطِ الْأَسْوَدِ) سَوَادُ اللَّيْلِ. 

🍀ج- تَعَمُّدُ الْقَيْءِ، فَمَنِ اِسْتَقَاءَ عَامِداً وَلَمْ يُرْجِعْ شَيْئاً إِلَى جَوْفِهِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَأَمَّا مَنْ غَلَبَهُ الْقَيْءُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إِنْ لَمْ يَرْجِعْ شَيْءٌ إِلَى الْبَطْنِ، لِلْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّـهِ ﷺ قَالَ: مَنْ ذَرَعَهُ قَيْءٌ وَهُوَ صَائِمٌ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَإِنِ اسْتَقَاءَ فَلْيَقْضِ.

وَسَنَكْتَفِي بِهَذَا الْقَدْرِ فِي لِقَاءِ الْيَوْمِ، وَنَسْأَلُ اللَّـهَ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ أَنْ يَجْعَلَنَا وَإِيَّاكُمْ مِنَ الذِينَ يَعْلَمُونَ فَيَعْمَلُونَ، وَيَعْمَلُونَ فَيُخْلِصُونَ، وَيُخْلِصُونَ فَيُقْبَلُونَ، وَآخَرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.


( 3 ) شُرُوطُ وُجُوبِ الصِّيَامِ...

اَلْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْنَا صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَجَعَلَهُ سَبَباً لِلْفَوْزِ بِالرَّحْمَةِ وَالْغُفْرَانِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الرَّحِيمُ الرَّحْمَانُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ وَلَدِ عَدْنَانَ، صَلَّى اللَّـهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْخُلَّانِ، وَمَنِ اِقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَآنٍ. 

أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ:

 السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّـهِ وَبَرَكَاتُهُ، سَنُوَاصِلُ الْيَوْمَ وَإِيَّاكُمْ - بِحَوْلِ اللَّـهِ تَعَالَى - حَدِيثَنَا حَوْلَ أَحْكَامِ عِبَادَةِ الصِّيَامِ، وَعُنْوَانُ دَرْسِ الْيَوْمِ هُوَ: شُرُوطُ وُجُوبِ الصِّيَامِ... 

 فَـ(الشُّرُوطُ) جَمْعُ (شَرْطٍ) وَالشَّرْطُ هُوَ: مَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ... أَيْ: يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ وُجُودِهِ فِي الْإِنْسَانِ عَدَمُ وُجُوبِ الصِّيَامِ عَلَيْهِ، وَإِذَا تَوَفَّرَتْ فِيهِ الشُّرُوطُ كُلُّهَا وَجَبَ عَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَهِيَ ثَلَاثَةٌ:

📗الشَّرْطُ الْأَوَّلُ: التَّكْلِيفُ، فَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ سِنَّ التَّكْلِيفِ، وَجَبَ عَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَمَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ فَلَا يَجِبُ عَلَيهِ، وَالْـمُكَلَّفُ هُوَ: الْإِنْسَانُ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ الَّذِي أَصْبَحَ مُؤَهَّلا لِتَحَمُّلِ خِطَابِ اللَّـهِ تَعَالَى الْـمُتَعَلِّقِ بِأَفْعَالِ الْـمُكَلَّفِينَ. رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ أُمِّ الْـمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّـهِ ﷺ قَالَ: رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ: عَنِ النَّائمِ حتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّغِيرِ حتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ الْـمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ: وَعَنِ الْـمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ.

📗الشَّرْطُ الثَّانِي: الصِّحَّةُ، فَلَا يَجِبُ الصَّوْمُ عَلَى الْإِنْسَانِ الْـمَرِيضِ مَرَضًا يَشُقُّ مَعَهُ الصِّيَامُ كَثِيرًا، أَوْ يُهَدِّدُ حَيَاتَهُ أَوْ عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ، لِقَوْلِ اللَّـهِ تَعَالَى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ. وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: لَا يُكَلِّفُ اللَّـهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا. وَلَكِنَّهُ يَقْضِي مَا أَفْطَرَ فِيهِ مِنَ الْأَيَّامِ بَعْدَ شِفَائِهِ، لِقَوْلِ اللَّـهِ تَعَالَى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ.

📗الشَّرْطُ الثَّالِثُ: اَلْإِقَامَةُ، وَهِيَ: أَنْ لَّا يَكُونَ مُسَافِرًا سَفَرًا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ، وَهُوَ: ثَمَانُونَ كِيلُو مِتْراً فَمَا فَوْقَ، فَلَا يَجِبُ الصِّيَامُ عَلَى الْـمُسَافِرِ أَثْنَاءَ تَلَبُّسِهِ بِالسَّفَرِ، وَلَكِنَّهُ يَقْضِي مَا أَفْطَرَ فِيهِ مِنَ الْأَيَّامِ بَعْدَ رُجُوعِهِ إِلَى بَلَدِهِ، لِقَوْلِ اللَّـهِ تَعَالَى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ.

وَسَنَكْتَفِي بِهَذَا الْقَدْرِ فِي لِقَاءِ الْيَوْمِ، وَنَسْأَلُ اللَّـهَ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ أَنْ يَجْعَلَنَا وَإِيَّاكُمْ مِنَ الذِينَ يَعْلَمُونَ فَيَعْمَلُونَ، وَيَعْمَلُونَ فَيُخْلِصُونَ، وَيُخْلِصُونَ فَيُقْبَلُونَ، وَآخَرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.


(4) شُرُوطُ الصِّيَامِ (02) تَتِمَّةٌ

اَلْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَجَعَلَهُ سَبَباً لِلْفَوْزِ بِالرَّحْمَةِ وَالْغُفْرَانِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الرَّحِيمُ الرَّحْمَانُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ وَلَدِ عَدْنَانَ، صَلَّى اللَّـهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْخُلَّانِ، وَمَنِ اِقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَآنٍ. 

أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ:

 السَّــلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَـةُ اللَّـهِ وَبَرَكَاتُـهُ، سَنُوَاصِلُ الْيَـــوْمَ وَإِيَّاكُمْ – بِحَـوْلِ اللَّـهِ تَعَالَى - حَدِيثَنَا حَوْلَ شُرُوطِ عِبَـــادَةِ الصِّيَــامِ، لِأَنَّنَا تَحَــدَّثْنَا فِي الِّلقَاءِ الْمَاضِي عَنِ النَّوْعِ الْأَوَّلِ مِنْهَا، وَهِيَ شُــرُوطُ الْوُجُوبِ، أَمَّا فِي لِقَاءِ الْيَوْمِ فَسَنُكْمِلُ حَدِيثَنَا عَنْ بَقِيَّةِ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ:

📗النَّوْعُ الثَّانِي: شُرُوطُ صِحَّةٍ فَقَطْ، أَيْ: أَنَّهُ إِذَا تَوَفَّرَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ فِي الْإِنْسَانِ فَصَوْمُهُ صَحِيحٌ، وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ صَوْمُهُ، وَهُمَا شَرْطَانِ:

🌳1- اَلْإِسْلَامُ، فَلَا يَصِحُّ الصِّيَامُ مِنَ غَيْرِ الْـمُسْلِمِ، لِأَنَّ الْإِسْلَامَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْعَمَلِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ.

🌳2- الزَّمَانُ الْقَابِلُ لِلصَّوْمِ الْوَاجِبِ، وَهُوَ شَهْرُ رَمَضَانَ، فَلَا الصَّوْمُ لَيْلًا فِي رَمَضَانَ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَـالَى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْـخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْـخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ.

📗النَّوْعُ الثَّالِثُ: شُرُوطُ وُجُوبٍ وَصِحَّةٍ، أَيْ: أَنَّهُ إِذَا تَوَفَّرَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ فِي الْإِنْسَانِ يَجِبُ عَلَيْهِ الصِّيَامُ، وَصَوْمُهُ صَحِيحٌ، وَهِيَ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ:

🌳1- اَلْعَقْلُ، أَيْ: أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ غَيْرَ مَجْنُونٍ، فَلَا يَجِبُ صَوْمُ رَمَضَانَ عَلَى الْـمَجْنُونِ، وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ لِفُقْدَانِ الْعَقْلِ الذِي هُوَ مَنَاطُ التَّكْلِيفِ، رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ أُمِّ الْـمُؤْمِنِينَ عَائِشَــــةَ رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُــــــولَ اللَّـهِ ﷺ قَالَ: رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ: ....وَعَنِ الْـمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ.

🌳2- اَلنَّقَاءُ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، فَلَا يَجِبُ الصَّوْمُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَلَا يَصِحُّ مِنْهُمَا، لِلْحَدِيثِ الذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِـي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّـهِ ﷺ قَالَ: أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ؟ قُلْنَ: بَلَى. قَالَ: فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا. 

🌳3- ثُبُوتُ دُخُولِ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَلَا يَجِبُ وَلَا يَصِحُّ مِـمَّنْ صَامَهُ قَبْلَ دُخُولِهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ بَعْدُ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ.

     وَسَنَكْتَفِي بِهَذَا الْقَدْرِ فِي لِقَاءِ الْيَوْمِ، وَنَسْأَلُ اللَّـهَ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ أَنْ يَجْعَلَنَا وَإِيَّاكُمْ مِنَ الذِينَ يَعْلَمُونَ فَيَعْمَلُونَ، وَيَعْمَلُونَ فَيُخْلِصُونَ، وَيُخْلِصُونَ فَيُقْبَلُونَ، وَآخَرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

( 5 ) مَكْرُوهَاتُ الصِّيَامِ وَمُغْتَفَرَاتُهُ

اَلْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَجَعَلَهُ سَبَباً لِلْفَوْزِ بِالرَّحْمَةِ وَالْغُفْرَانِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الرَّحِيمُ الرَّحْمَانُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ وَلَدِ عَدْنَانَ، صَلَّى اللَّـهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْخُلَّانِ، وَمَنِ اِقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَآنٍ. 

أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ:

السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّـهِ وَبَرَكَاتُهُ، سَنُوَاصِلُ الْيَوْمَ وَإِيَّاكُمْ - بِحَوْلِ اللَّـهِ تَعَالَى - حَدِيثَنَا حَوْلَ أَحْكَامِ عِبَادَةِ الصِّيَامِ، وَعُنْوَانُ دَرْسِ الْيَوْمِ هُوَ: مَكْرُوهَاتُ الصِّيَامِ وَمُغْتَفَرَاتُهُ... وَسَنَتَنَاوَلُهُ مِنْ خِلَالِ مِـحْوَرَيْنِ:

📗الْـمِحْوَرُ الْأَوَّلُ: مَكْرُوهَاتُ الصِّيَامِ

 فَمَكْرُوهَاتُ الصِّيَامِ هِيَ: الْأُمُورُ الَّتِي يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ فِعْلُهَا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، وَتَنْقُصُ لَهُ مِنْ أَجْرِ الصِّيَامِ وَكَمَالِهِ، وَلَكِنْ يَبْقَى صِيَامُهُ صَحِيحاً، وَهِيَ:

🌳1- لَـمْسُ أَوْ تَقْبِيلُ الزَّوْجَةِ بِلَذَّةٍ، وَذَلِكَ إِذَا تَيَقَّنَ الصَّائِمُ السَّلَامَةَ مِنْ خُرُوجِ الْـمَذْيِ، وَأَمَّا إِنْ تَيَقَّنَ مِنْ عَدَمِ السَّلَامَةِ فَفِعْلُهُ حَرَامٌ، قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّـهُ: لَا أُحِبُّ لِلصَّائِمِ أَنْ يُقَبِّلَ، فَإِنْ قَبَّلَ فِي رَمَضَانَ فَأَنْزَلَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ، وَإِنْ قَبَّلَ فَأَمْذَى فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ.

🌳2- ذَوْقُ الصَّائِمِ لِلطَّعَامِ، فَيُكْرَهُ لِلصَّائِمِ ذَوْقُ الْقِدْرِ مِنَ الْـمِلْحِ وَكُلِّ مَا لَهُ طَعْمٌ كَذَوْقِ الْعَسَلِ وَمَضْغِ الطَّعَامِ لِلصَّبِيِّ، إِلَّا فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ، فَيَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَذُوقَ الطَّعَامَ لِتَتَبَيَّنَ مُلُوحَتَهُ، لِـمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: لاَ بَأْسَ أَنْ يَتَطَعَّمَ الْقِدْرَ أَوِ الشَّيْءَ.

🌳3- اَلْـهَذَرُ، وَهُوَ كَثْرَةُ الْكَلَامِ وَالثَّرْثَرَةُ لِغَيْرِ مَنْفَعَةٍ تَعُودُ عَلَى الْـمُسْلِمِ فِي دِينِهِ أَوْ دُنْيَاهُ، فَيُكْـرَهُ ذَلِكَ لِلصَّائِمِ وَغَيْـرِهِ، قَـالَ اللَّـهُ تَعَـالَى: وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ... وَقَالَ سُبْحَانَهُ:  وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا. 

📗الْـمِحْوَرُ الثَّانِي: مُغْـتَـفَـرَاتُ الصِّيَامِ

  فَهُنَاكَ أُمُورٌ اِغْـتَـفَـرَ الشَّرْعُ، وَلَا تَنْقُصُ شَيْئًا مِنْ أَجْرِ الصِّيَامِ، وَهِيَ:

🌳1- الْقَيْءُ الْـخَارِجُ مِنْ فَمِ الصَّائِمِ غَـلَبَةً، فَيُغْتَفَرُ وَلَيْسَ فِيهِ قَضَاءٌ، مَا لَمْ يَرجِعْ مِنْهُ شَيْءٌ مَقْدُورٌ عَلَى طَرْحِهِ، لِـمَا رَوَاهُ أَبُو دَوُدَ فِي سُنَنِهِ عَنِ اِبْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّـهِ ﷺ قَالَ: مَنْ ذَرَعَهُ قَيْءٌ وَهُوَ صَائِمٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ.

🌳2- الذُّبَابُ الدَّاخِلُ فِي الْفَمِ غَلَبَةً، لِـمَـا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ قَوْلِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ  رَحِمَهُ اللَّـهُ عَنِ الصَّائِمِ: إِنْ دَخَلَ حَلْقَهُ الذُّبَابُ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ.

🌳3- غُبَارُ الطُّرُقِ وَالصُّنَّاعِ، فَكُلُّ ذَلِكَ مِنَ الْـمَعْفُوِّ عَنْهُ؛ إِذْ لَا طَاقَةَ لِلإِنْسَانِ أَنْ يَحْتَرِزَ مِنْهُ، قَالَ اللَّـهُ تَعَالَى: فَاتَّقُوا اللَّـهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ.

🌳4- اَلِاسْتِيَاكُ بِالسِّوَاكِ الْيَابِسِ، لِـمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ قَوْلِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَسْتَاكُ وَهُوَ صَائِمٌ مَا لاَ أُحْصِي أَوْ أَعُدُّ.

🌳5- الْإِصْبَاحُ بِالْـجَنَابَةِ، لِـمَـا رواهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّـهِ ﷺ يُدْرِكُهُ الْفَجْرُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ أَهْلِهِ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ وَيَصُومُ.

وَسَنَكْتَفِي بِهَذَا الْقَدْرِ فِي لِقَاءِ الْيَوْمِ، وَنَسْأَلُ اللَّـهَ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ أَنْ يَجْعَلَنَا وَإِيَّاكُمْ مِنَ الذِينَ يَعْلَمُونَ فَيَعْمَلُونَ، وَيَعْمَلُونَ فَيُخْلِصُونَ، وَيُخْلِصُونَ فَيُقْبَلُونَ، وَآخَرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

( 6 )النِّـيَّـةُ فِـي الصِّيَامِ وَمَنْدُوبَاتُهُ

اَلْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَجَعَلَهُ سَبَباً لِلْفَوْزِ بِالرَّحْمَةِ وَالْغُفْرَانِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الرَّحِيمُ الرَّحْمَانُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ وَلَدِ عَدْنَانَ، صَلَّى اللَّـهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْخُلَّانِ، وَمَنِ اِقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَآنٍ. 

أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ:

 السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّـهِ وَبَرَكَاتُهُ، سَنُوَاصِلُ الْيَوْمَ وَإِيَّاكُمْ - بِحَوْلِ اللَّـهِ تَعَالَى - حَدِيثَنَا حَوْلَ أَحْكَامِ عِبَادَةِ الصِّيَامِ، وَعُنْوَانُ دَرْسِ الْيَوْمِ هُوَ: النِّـيَّـةُ فِـي الصِّيَامِ وَمَنْدُوبَاتُهُ... وَسَنَتَنَاوَلُهُ مِنْ خِلَالِ مِـحْوَرَيْنِ:

📗الْـمِحْوَرُ الْأَوَّلُ: حُكْمُ النِّيَّةِ فِي تَتَابُعِ الصِّيَامِ

  فَالنِّيَّةُ مِنْ فَرَائِضِ الصِّيَامِ، وَحُكْمَهَا َيَخْتَلِفُ حَسَبَ التَّفْصِيلِ الْآتِي:

🌳1- إِذَا كَانَ اَلصِّيَامُ مِنَ الْوَاجِبِ الَّذِي يَجِبُ تَتَابُعُهُ، وَلَمْ يَنْقَطِعْ بِمَانِعِ أَوْ رُخْصَةٍ أَجْزَأَتْ فِيهِ نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ أَوَّلَ لَيْلَةٍ لِجَمِيعِ أَيَّامِ الصِّيَامِ، كَصِيَامِ رَمَضَانَ، وَكَفَّارَةِ تَعَمُّدِ الفِطْرِ فِي رَمَضَانَ، لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ مُتَّصِلَةٌ، قَالَ اللَّـهُ تَعَـالَى: فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ. فَقَدْ أَمَرَ بِصِيَامِ الشَّهْرِ كُلِّهِ ، لِأَنَّ الشَّهْرَ قِطْعَةٌ وَاحِدَةٌ، وَذَلِكَ مِثْلُ الْـمُصَلِّي، فَهُوَ لَا يُجَدِّدُ النِّيَّةَ عِنْدَ كُلِّ رُكْنٍ مِنْهَا.

🌳2- إِذَا انْقَطَعَ الصِّيَامُ الْوَاجِبِ الَّذِي يَجِبُ تَتَابُعُهُ بِسَبَبِ مَانِعٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ أَوْ حَيْضٍ، أَوْ كَانَ مِنَ اَلصِّيَامِ الْوَاجِبِ الَّذِي لَا يَجِبُ تَتَابُعُهُ، كَقَضَاءِ رَمَضَانَ، وَصِيَامِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، فَلاَ بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ النِّيَّةِ فِـي كُلِّ لَيْلَةٍ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّـهِ ﷺ: مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ.

📗الْـمِحْوَرُ الثَّانِي: مَنْدُوبَاتُ الصِّيَامِ

فَالْـمَنْدُوبُ هُوَ: مَا يُثَابُ عَلَيْهِ فَاعِلُهُ وَلَا يُعَاقَبُ تَارِكُهُ، أَوْ هُوَ: مَا طَلَبَ الشَّارِعُ فِعْلَهُ طَلَباً غَيْرَ جَازِمٍ،  وَيُنْدَبُ لِلصَّائِمِ أَنْ يَحْرِصَ عَلَى عِدَّةِ أُمُورٍ: 

🌳1- أَنْ يُعَجِّلَ الْفِطْرَ؛ بِشَرْطِ أَنْ يَتَأَكَّدَ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ، لِـمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: لاَ يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ، مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ. وَمَنْ شَكَّ فِي الْغُرُوبِ حَرُمَ عَلَيْهِ الْأَكْلُ اتِّفَاقاً.

🌳2- أَنْ يَتَنَاوَلَ طَعَامَ السَّحُورِ، وَهُوَ: الْأَكْلُ أَوِ الشُّرْبُ وَقْتَ السَّحَرِ، أَيْ: قَبْلَ أَذَانِ الْفَجْرِ، لِـمَـا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّـهِ ﷺ قَالَ: تَسَحَّرُواْ فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً. 

3- أَنْ يُؤَخِّرَ السَّحُورَ إِلَى مَا قَبْلَ أَذَانِ الْفَجْرِ بِقَلِيلٍ مَا لَمْ يَدْخُلِ الشَّكُّ فِي الْفَجْرِ، لِـمَـا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُ قَالَ: تَسَحَّرْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ، قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالسَّحُورِ؟ قَالَ: قَدْرُ خَمْسِينَ آيَةً.

وَسَنَكْتَفِي بِهَذَا الْقَدْرِ فِي لِقَاءِ الْيَوْمِ، وَنَسْأَلُ اللَّـهَ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ أَنْ يَجْعَلَنَا وَإِيَّاكُمْ مِنَ الذِينَ يَعْلَمُونَ فَيَعْمَلُونَ، وَيَعْمَلُونَ فَيُخْلِصُونَ، وَيُخْلِصُونَ فَيُقْبَلُونَ، وَآخَرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.


( 7 ) مُبِيحَاتُ الْإِفْطَارِ (01)

 اَلْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَجَعَلَهُ سَبَباً لِلْفَوْزِ بِالرَّحْمَةِ وَالْغُفْرَانِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الرَّحِيمُ الرَّحْمَانُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ وَلَدِ عَدْنَانَ، صَلَّى اللَّـهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْخُلَّانِ، وَمَنِ اِقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَآنٍ. 

أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ:

السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَــــــةُ اللَّـهِ وَبَرَكَاتُـــــــهُ، سَنُوَاصِلُ الْيَـــــــوْمَ وَإِيَّاكُمْ – بِحَـــــــوْلِ اللَّـهِ تَعَالَى - حَدِيثَنَا حَوْلَ أَحْكَــامِ عِبَـادَةِ الصِّيَامِ، وَعُنْوَانُ دَرْسِ الْيَوْمِ هُوَ: مُبِيحَاتُ الْإِفْطَارِ... وَ هَذِهِ الْـمُبِيحَاتُ يُمْكِنُ تَلْخِيصُهَا فِـي سِتَّةِ أَسْبَابٍ:

📗السَّبَبُ الْأَوَّلُ: الْـمَرَضُ، فَإِذَا كَانَ الْمَرِيضُ لَا يُرْجَى شِفَاؤُهُ، وَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْهَلَاكَ، وَجَبَ عَلَيْهِ الْفِطْرُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَلَا تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمُ إِلَى التَّهْلُكَةِ. وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ مَعَ مَشَقَّةٍ فَالْفِطْرُ فِي حَقِّهِ مُبَاحٌ، مَعَ اسْتِحْبَابِ إِخْرَاجِ الْفِدْيَةِ فِي الْحَالَتَيْنِ، وَإِذَا كَانَ يُرْجَى بُرْؤُهُ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الصِّيَامِ بِسَبَبِ الْمَرَضِ فِي الْحَالَةِ الرَّاهِنَةِ، وَجَبَ عَلَيْهِ الْفِطْرُ وَالْقَضَاءُ بَعْدَ تَحَقُّقِ الشِّفَاءِ، وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: فَمَن كَانَ مِنكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ. 

📗السَّبَبُ الثَّانِي: الشَّيْخُوخَةُ، فَالشَّيْخُ الْكَبِيرُ الْهَرِمُ الْعَاقِلُ الَّذِي لَمْ يَعُدْ يَقْدِرُ عَلَى الصِّيَامِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْفِطْرُ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَلَا تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمُ إِلَى التَّهْلُكَةِ. وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الصِّيَامِ مَعَ مَشَقَّةٍ فَالْفِطْرُ فِي حَقِّهِ مُبَاحٌ، مَعَ اسْتِحْبَابِ الْفِدْيَةِ فِي الْحَالَتَيْنِ، وَأَمَّا الشَّيْخُ الْكَبِيرُ الْهَرِمُ غَيْرُ الْعَاقِلِ بِسَبَبِ (الزَّهَايْمَرْ)، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ، لِأَنَّ كُلَّ تَكْلِيفٍ بِشَرْطِ الْعَقْلِ.

📗السَّبَبُ الثَّالِثُ: الطِّفْلُ، فَالْمَرْأَةُ الْحَامِلُ إِذَا خَافَتْ عَلَى نَفْسِهَا أَوْ عَلَى جَنِينِهَا وَجَبَ عَلَيْهَا الْفِطْرُ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَلَا تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ. وَإِذَا لَمْ تَخَفْ وَلَكِنَّ الصَّوْمَ يُسَبِّبُ لَهَا ضُعْفًا فَالْفِطْرُ فِي حَقِّهَا مُبَاحٌ، وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهَا، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ الْمُرْضِعُ إِذَا قَلَّ حَلِيبُهَا، وَخَافَتْ عَلَى رَضِيعَهَا، وَلَمْ يَقْبَلْ غَيْرَهَا، وَلَمْ يَقْبَلِ الْحَلِيبَ الِاصْطِنَاعِيَّ، وَجَبَ عَلَيْهَا الْفِطْرُ وَالْقَضَاءُ وَإِخْرَاجُ الْفِدْيَةُ، وَإِذَا أَجْهَدَهَا الْإِرْضَاعُ وَلَمْ تَخَفْ عَلَى وَلَدِهَا بِأَنْ قَبِلَ غَيْرِهَا أَوْ قَبِلَ الْحَلِيبَ الِاصْطِنَاعِيَّ فَالْفِطْرُ فِي حَقِّهَا مُبَاحٌ، وَعَلَيْهَا الْقَضَاءُ وَإِخْرَاجُ الْفِدْيَةُ.


🌳فَـــــائِـــــــدَةٌ🌳(تعريف الفدية وقيمتهابالدرهم المغربي)

الْفِدْيَةُ هِيَ: مَا يُخْرِجُهُ الْمُسْلِمُ الْمُكَلَّفُ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ أَوْ بَعْضاً مِنْهُ لِأَسْبَابٍ شَرْعِيَّةٍ. وَمِقْدَارُهَا هُوَ: إِطْعَامُ مُدٍّ مِنْ غَالِبِ قُوتِ أَهْلِ الْبَلَدِ بِمُدِّ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لِمِسْكِينٍ أَوْ فَقِيرٍ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ. وَلِكَيْ نَعْرِفَ قِيمَتَهَا الْآنَ - لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَهَا نَقْداً - فَـ(الْعَبْرَةُ) مِنَ الْقَمْحِ فِيهَا (32 مُدًّا)، فَهِيَ تُغَطِّي مِقْدَارَ الْفِدْيَةِ عَنِ شَهْرٍ كَامِلٍ، وَثَمَنُ (الْعَبْرَةِ) حَالِيًا هُوَ: (100 دِرْهَمٍ) تَقْرِيبًا، نَقْسِمُهَا عَلَى (30) يَوْمًا، فَيَخْرُجُ لَنَا مَا يُقَارِبُ (3.50 دَرَاهِمَ) عَلَى الْأَكْثَرِ، وَهَذِهِ هِيَ قِيمَةُ مِقْدَارِ الْفِدْيَةِ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ، وَأَوْجَبَ الْجُمْهُورُ إِخْرَاجَهَا طَعَاماً لِنَصِّ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ. 

 وَسَنَكْتَفِي الْيَوْمَ بِهَذَا الْقَدْرِ عَلَى أَنْ نُّكْمِلَ كَلَامَنَا فِي الِّلقَاءِ الْقَادِمِ بِحَوْلِ اللَّهِ، وَنَسْأَلُ اللَّـهَ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ أَنْ يَجْعَلَنَا وَإِيَّاكُمْ مِنَ الذِينَ يَعْلَمُونَ فَيَعْمَلُونَ، وَيَعْمَلُونَ فَيُخْلِصُونَ، وَيُخْلِصُونَ فَيُقْبَلُونَ، وَآخَرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

(8)مُبِيحَاتُ الْإِفْطَارِ(2)

اَلْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَجَعَلَهُ سَبَباً لِلْفَوْزِ بِالرَّحْمَةِ وَالْغُفْرَانِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الرَّحِيمُ الرَّحْمَانُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ وَلَدِ عَدْنَانَ، صَلَّى اللَّـهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْخُلَّانِ، وَمَنِ اِقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَآنٍ. 

أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ:

السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَــــــةُ اللَّـهِ وَبَرَكَاتُـــــــهُ، سَنُوَاصِلُ الْيَـــــــوْمَ وَإِيَّاكُمْ – بِحَـــــــوْلِ اللَّـهِ تَعَالَى - حَدِيثَنَا حَوْلَ أَحْكَــامِ عِبَـادَةِ الصِّيَامِ، وَسَنُكْمِلُ الْكَلَامَ الذِي بَدَأْنَاهُ عَنْ مُبِيحَاتِ الْإِفْطَارِ... وَ هَذِهِ الْـمُبِيحَاتُ – كَمَا ذَكَرْنَا - مُلَخَّصَةٌ فِـي سِتَّةِ أَسْبَابٍ، بَيَّنَّا ثَلَاثَةً مِنْهَا وَبَقِيَتْ لَنَا ثَلَاثَةٌ وَهِيَ:

📗السَّبَبُ الرَّابِعُ: السَّفَرُ، أَيْ: السَّفَرُ الْـمَشْرُوعُ أَوِ الْـمُبَاحُ الذِي تَكُونُ فِيهِ مَسَافَةُ الْقَصْرِ، وَهِيَ: ثَمَانُونَ كِيلُومِتْراً تَقْرِيباً، فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاودَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِنَّ اللَّـهَ تَعَالَى وَضَعَ شَطْرَ الصَّلَاةِ، وَالصَّوْمَ عَنِ الْـمُسَافِرِ... وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ بَعْدَ خُرُوجِ شَهْرِ رَمَضَانَ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: فَمَن كَانَ مِنكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ. وَالْأَفْضَلُ هُوَ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ إِنْ كَانَ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ الصًّوْمُ، لِقَوْلِ اللَّـهِ تَعَالَى: وَأَنْ تَصُومُواْ خَيْرٌ لَكُمُ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي رَمَضَانَ، فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ، فَلَا يَجِدُ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ، وَلَا الْمُفْطِرُ علَى الصَّائِمِ، يَرَوْنَ أَنَّ مَنْ وَجَدَ قُوَّةً فَصَامَ، فَإِنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ، وَيَرَوْنَ أَنَّ مَنْ وَجَدَ ضَعْفًا، فَأَفْطَرَ فَإِنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ.

📗السَّبَبُ الْـخَامِسُ: الدَّمُ، فَالْمَرْأَةُ الَّتِي جَاءَهَا الْحَيْضُ (الْعَادَةُ الشَّهْرِيَّةُ) أَوْ جَاءَهَا دَمُ النِّفَاسِ (الْوِلَادَةِ) لَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا الصَّوْمُ، وَيَجِبُ عَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ دُونَ الْفِدْيَةِ، لِلْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ لَمَّا سُئِلَتْ عَنْ قَضَاءِ الْحَائِضِ الصِّيَامَ دُونَ الصَّلَاةِ: كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ – الْحَيْضُ - فَنُؤْمَرُ بقَضَاءِ الصَّوْمِ، ولَا نُؤْمَرُ بقَضَاءِ الصَّلَاةِ.

📗السَّبَبُ السَّادِسُ:  الْجُوعُ وَالْعَطَشُ، فَإِذَا كَانَتْ حَالَةُ الْعَطَشِ أَوِ الْجُوعِ أَثْنَاءَ الصِّيَامِ مَرْضِيَّةً لَازِمَةً، أَوْ بِسَبَبِ الْعَمَلِ الشَّاقِّ، وَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْهَلَاكَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْفِطْرُ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَلَا تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ. وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ لَكِنْ مَعَ مَشَقَّةٍ وَتَعَبٍ فَالْفِطْرُ فِي حَقِّهِ مُبَاحٌ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْفِدْيَةِ.

وَسَنَكْتَفِي بِهَذَا الْقَدْرِ فِي لِقَاءِ الْيَوْمِ، وَنَسْأَلُ اللَّـهَ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ أَنْ يَجْعَلَنَا وَإِيَّاكُمْ مِنَ الذِينَ يَعْلَمُونَ فَيَعْمَلُونَ، وَيَعْمَلُونَ فَيُخْلِصُونَ، وَيُخْلِصُونَ فَيُقْبَلُونَ، وَآخَرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. 

 (9)النِّسْيَانُ وَالْعَمْدُ فِي الْإِفْطَارِ

اَلْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَجَعَلَهُ سَبَباً لِلْفَوْزِ بِالرَّحْمَةِ وَالْغُفْرَانِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الرَّحِيمُ الرَّحْمَانُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ وَلَدِ عَدْنَانَ، صَلَّى اللَّـهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْخُلَّانِ، وَمَنِ اِقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَآنٍ. 

أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ:

 السَّـــــلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَــــــةُ اللَّـهِ وَبَرَكَاتُـــــــهُ، سَنُــــوَاصِلُ الْيَـــــوْمَ وَإِيَّاكُمْ - بِحَوْلِ اللَّـهِ تَعَالَى - حَدِيثَنَا حَوْلَ أَحْكَــامِ عِبَـادَةِ الصِّيَامِ، وَعُنْوَانُ دَرْسِ الْيَوْمِ هُوَ: النِّسْيَانُ وَالْعَمْدُ فِي الْإِفْطَارِ... وَسَنَتَنَاوَلُهُ مِنْ خِلَالِ مِـحْوَرَيْنِ:

📗الْـمِحْوَرُ الْأَوَّلُ: الْإِفْطَارُ نِسْيَاناً أَوْ غَلَطاً

فَمَنْ أَفْطَرَ نِسْيَاناً أَوْ غَلَطاً فِي التَّقْدِيرِ، كَأَنْ يَعْتَقِدَ غُرُوبَ الشَّمْسِ أَوْ عَدَمَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، أَوْ يُخْطِئَ فِي الْحِسَابِ أَوَّلَ الشَّهْرِ أَوْ آخِرَهُ، وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَقَضَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ بَعْدَ رَمَضَانَ، لِأَنَّهُ هَدَمَ رُكْناً مِنْ أَرْكَانِ الصِّيَامِ، وَهُوَ الْإِمْسَاكُ، وَذَلِكَ كَمَنْ صَلَّى بِغَير وُضُوءٍ نَاسِياً، ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ صَلَّى بِغَيْرِ وُضُوءٍ، فَتَلْزَمُهُ إِعَادَةُ تِلْكَ الصَّلَاةِ التِي صَلَّاهَا، قَالَ ابْنُ الْعَرَبِـي رَحِمَهُ اللَّهُ: لِأَنَّ صُورَةَ الصَّوْمِ قَدْ عُدِمَتْ، وَحَقِيقَتُهُ بِالْأَكْلِ قَدْ ذَهَبَتْ، وَالشَّيْءُ لَا بَقَاءَ لَهُ مَعَ ذَهَابِ حَقِيقَتِهِ. وَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ، لِلْحَدِيثِ الذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّـهِ ﷺ قَالَ: مَنْ نَسِيَ ــــ وَهُوَ صَائِمٌ ــــ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ؛ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ.  

📗الْـمِحْوَرُ الثَّانِـي: اَلْإِفْطَارُ عَمْداً بِغَيْرِ سَبَبٍ شَرْعِيٍّ

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَدَى الصَّائِمِ سَبَبٌ شَرْعِيٌ مُوجِبٌ للْفِطْرِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، كَالْحَيْضِ والنِّفَاسِ، وَلَمْ يَكُنْ لَدَيْهِ أَيْضاً سَبَبٌ مُبِيحٌ لِلْفِطْرِ كَالسَّفَرِ وَنَحْوِهِ... ثُمَّ أَقْدَمَ عَمْدًا عَلَى فِعْلِ إِحْدَى الْمُفَطِّرَاتِ، كَمَنْ جَامَعَ زَوْجَتَهُ، وَيُلْحَقُ بِالْمُجَامِعِ مَنْ تَعَمَّدَ الْأَكْلَ أَوِ الشُّرْبَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، أَوْ تَعَمَّدَ رَفْضَ نِيَّةِ الصِّيَامِ – أَيْ: قَطْعَ نِيَّةِ الصِّيَامِ وَلَوْلَمْ يَأْكُلْ -، فَهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ، لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ انْتِهَاكُ حُرْمَةِ رَمَضَانَ، رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ، إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ. قَالَ: مَا لَكَ؟ قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟ قَالَ: لاَ، قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، قَالَ: لاَ، فَقَالَ: فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِيناً... 

 وَسَنَكْتَفِي بِهَذَا الْقَدْرِ فِي لِقَاءِ الْيَوْمِ، وَنَسْأَلُ اللَّـهَ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ أَنْ يَجْعَلَنَا وَإِيَّاكُمْ مِنَ الذِينَ يَعْلَمُونَ فَيَعْمَلُونَ، وَيَعْمَلُونَ فَيُخْلِصُونَ، وَيُخْلِصُونَ فَيُقْبَلُونَ، وَآخَرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. 

 (11)فَضْلُ شَهْرِ رَمَضَانَ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ

اَلْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَجَعَلَهُ سَبَباً لِلْفَوْزِ بِالرَّحْمَةِ وَالْغُفْرَانِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الرَّحِيمُ الرَّحْمَانُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ وَلَدِ عَدْنَانَ، صَلَّى اللَّـهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْخُلَّانِ، وَمَنِ اِقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَآنٍ. 

أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ:

 السَّـــلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّـهِ وَبَرَكَاتُـــــهُ، بَعْدَ أَنْ تَحَدَّثْنَا بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ عَنِ الْأَحْكَامِ الضَّرُورِيَّةِ لِعِبَادَةِ الصِّيَامِ، سَوْفَ نَنْتَقِلُ بِكُمْ لِلْحَدِيثِ عَنْ فَضْلِ الزَّمَانِ الَّذِي تَقَعُ فِيهِ عِبَادَةُ الصِّيَامِ، أَلَا وَهُوَ شَهْرُ رَمَضَانَ الْمُبَارَكُ، وَعُنْوَانُ دَرْسِ الْيَوْمِ هُوَ: فَضْلُ شَهْرِ رَمَضَانَ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ... 

فَمِنْ هَذِهِ الْفَضَائِلِ الَّتِي اِخْتَصَّ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا شَهْرَ رَمَضَانَ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ زَمَانُ نُزُولِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، قَالَ تَعَالَى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ... قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَمْدَحُ اللَّهُ تَعَالَى شَهْرَ الصِّيَامِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الشُّهُورِ، بِأَنِ اخْتَارَهُ مِنْ بَيْنِهِنَّ لِإِنْزَالِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَالظَّرْفُ يَنَالُ شَرَفَ الْمَظْرُوفِ كَمَا يُقَالُ. وَقَــــالَ ابْنُ الْجَـــوْزِيِّ رَحِمَــــــهُ اللَّهُ: اَلشُّهُورُ الِاثْنَا عَشَرَ كَمَثَل أَوْلَادَ يَعْقُوبَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَشَهْرُ رَمَضَانَ بَيْنَ الشُّهُورِ كَيُوسُفَ بَيْنَ إخْوَتِهِ، فَكَمَا أَنَّ يُوسُفَ أَحَبُّ الْأَوْلَادِ إِلَى يَعْقُوبَ، كَذَلِكَ رَمَضَانُ أَحَبُّ الشُّهُورِ إِلَى عَلَّامِ الْغُيُوبِ، ثُمَّ أَشَارَ رَحِمَهُ اللَّهُ إِلَى ثَلَاثِ لَطَائِفَ حَسَنَةٍ مُسْتَفَادَةٍ مِنْ هَذَا الْمِثَالِ:

📗اللَّطِيفَةُ الْأُولَى: أَنَّ يُوسُفَ إِذَا كَانَ فِيهِ مِنَ الْحِلْمِ وَالْعَفْوِ مَا غَمَرَ جَفَاءَ إِخْوَتِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْهُ: قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ. فَكَذَلِكَ شَهْرُ رَمَضَانَ فِيهِ مِنَ الرَّحَمَاتِ وَالْبَرَكَاتِ وَالْخَيْرَاتِ، مَا يَغْلِبُ جَمِيعَ الشُّهُورِ وَمَا اكْتَسَبْنَا فِيهَا مِنَ الْآثَامِ وَالْأَوْزَارِ، رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ.

📗اللَّطِيفَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ إِخْوَةَ يُوسُفَ جَاءُواْ إِلَيْهِ فَسَــــدَّ خَلَلَهُمْ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَقَالَ لِفِتْيَتِهِ اِجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ. وَكَذَلِكَ شَهْرُ رَمَضَانَ يَسُدُّ خَلَلَ الشُّهُورِ الْأُخْرَى، رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ.

📗اللَّطِيفَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّ يَعْقُوبَ كَانَ لَهُ أَحَدَ عَشَرَ وَلَداً ذُكُوراً، وَكَانُواْ حَاضِرِينَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَمْ يَرْتَدَّ إِلَيْهِ بَصَرُهُ إِلَّا بِشَمِّ قَمِيصِ يُوسُفَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا. وَكَذَلِكَ الْمُذْنِبُ الْعَاصِي إِذَا تَعَرَّضَ لِنَفَحَاتِ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ مَغْفُورًا لَهُ مِمَّا ارْتَكَبَ مِنَ الْعِصْيَانِ، رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِنَّ لِلَّهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عُتَقَاءَ مِنَ النَّارِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ.

 وَسَنَكْتَفِي بِهَذَا الْقَدْرِ فِي لِقَاءِ الْيَوْمِ، وَنَسْأَلُ اللَّـهَ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ أَنْ يَجْعَلَنَا وَإِيَّاكُمْ مِنَ الذِينَ يَعْلَمُونَ فَيَعْمَلُونَ، وَيَعْمَلُونَ فَيُخْلِصُونَ، وَيُخْلِصُونَ فَيُقْبَلُونَ، وَآخَرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

 (12)فَضْلُ عِبَادَةِ الصِّيَامِ

اَلْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَجَعَلَهُ سَبَباً لِلْفَوْزِ بِالرَّحْمَةِ وَالْغُفْرَانِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الرَّحِيمُ الرَّحْمَانُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ وَلَدِ عَدْنَانَ، صَلَّى اللَّـهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْخُلَّانِ، وَمَنِ اِقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَآنٍ. 

أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ:

السَّـــلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّـهِ وَبَرَكَاتُـــــهُ، بَعْدَ أَنْ تَحَدَّثْنَا لَكُمْ فِي اللِّقَاءِ الْمَاضِي عَنْ فَضْلِ شَهْرِ رَمَضَانَ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ، سَيَكُونُ حَدِيثُنَا الْيَوْمَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ فَضْلِ الْعِبَادَةِ الَّتِي تَقَعُ فِي هَذَا الزَّمَانِ، أَيْ: فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، أَلَا وَهِيَ عِبَادَةُ الصِّيَامِ، وَعُنْوَانُ دَرْسِ الْيَوْمِ هُوَ: فَضْلُ عِبَادَةِ الصِّيَامِ...

 إِنَّ أَفْضَلَ عِبَادَةٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ هِيَ عِبَادَةُ الصِّيَامِ، لِذَلِكُمْ فَرَضَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا فِي هَذَا الشَّهْرِ الْكَرِيمِ، وَاللَّهُ تَعَالَى إِذَا أَحَبَّ عَمَلًا فَرَضَهُ عَلَى عِبَادِهِ لِكَيْ يَتَعَبَّدُوهُ بِهِ، رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ...وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ... وَمِنْ فَضَائِلِ الصِّيَامِ:

📗الْفَضِيلَةُ الْأُولَى: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَكْرَمَ الصَّائِمِينَ بِأَنْ خَصَّصَ لَهُمْ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يُسَمَّى (بَابَ الرَّيَّانِ) جَزَاءً لِصَبْرِهِمْ عَلَى الْعَطَشِ فِي الدُّنْيَا، رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ: (الرَّيَّانُ)، يدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَينَ الصَّائمُونَ؟ فَيَقُومُونَ لاَ يَدْخُلُ مِنهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُواْ أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ.

📗الْفَضِيلَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ الصِّيَامَ يَشْفَعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِأَصْحَابِهِ، أَيْ: يُدافِعَ عَنْهُمْ مِنْ شِدَّةِ وَأَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ.

📗الْفَضِيلَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّ الصِّيَامَ وِقَايَةٌ وَحِجَابٌ لِصَاحِبِهِ مِنَ عَذَابِ النَّارِ، فَبِقَدْرِ مَا يُكْثِرُ الْمُسْلِمِ مِنَ عِبَادَةِ الصِّيَامِ، بِقَدْرِ مَا يُبَاعِدُ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ، رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِــــمٌ عَنْ أَبِـي سَعِيدٍ الْخُـــدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُــــولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُــــومُ يَوْماً فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلاَّ بَاعَدَ اللَّهُ بِذَلِكَ الْيَوْمِ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفَاً. يَعْنِي: سَبْعِينَ عَاماً.

📗الْفَضِيلَةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّ الصَّائِمَ أَكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِفَرْحَتَيْنِ يَفْرَحُهُمَا، فَرْحَةٌ فِي الدُّنْيَا بِإِتْمَامِ الصِّيَامِ، وَفَرْحَةٌ كُبْرَى فِي الْآخِرَةِ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ، رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ. وَهَذَا قَلِيلٌ مِنْ كَثِيرٍ، مِنْ فَضَائِلِ عِبَادَةِ الصِّيَام الَّتِي فَرَضَهَا اللَّهُ عَلَيْنَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ.

وَسَنَكْتَفِي بِهَذَا الْقَدْرِ فِي لِقَاءِ الْيَوْمِ، وَنَسْأَلُ اللَّـهَ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ أَنْ يَجْعَلَنَا وَإِيَّاكُمْ مِنَ الذِينَ يَعْلَمُونَ فَيَعْمَلُونَ، وَيَعْمَلُونَ فَيُخْلِصُونَ، وَيُخْلِصُونَ فَيُقْبَلُونَ، وَآخَرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.  

(13)أَنْوَاعُ الصَّوْمِ فِي رَمَضَانَ

اَلْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَجَعَلَهُ سَبَباً لِلْفَوْزِ بِالرَّحْمَةِ وَالْغُفْرَانِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الرَّحِيمُ الرَّحْمَانُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ وَلَدِ عَدْنَانَ، صَلَّى اللَّـهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْخُلَّانِ، وَمَنِ اِقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَآنٍ. 

أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ:

اَلسَّـــلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّـهِ وَبَرَكَاتُـــــهُ، بَعْدَ أَنْ تَحَدَّثْنَا لَكُمْ فِي اللِّقَاءَيْنِ الْمَاضِيَيْنِ عَنْ فَضْلِ شَهْرِ رَمَضَانَ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ، وَعَنْ فَضْلِ عِبَادَةِ الصِّيَامِ سَيَكُونُ عُنْوَانُ دَرْسِ الْيَوْمِ – بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى - هُوَ: أَنْوَاعُ الصَّوْمِ فِي رَمَضَانَ...

إِنَّ الصَّائِمِينَ لَيْسُواْ عَلَى دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الثَّوابِ، فَهُوَ يَخْتَلِفُ قِلَّةً وَكَثْرَةً مِنْ شَخْصٍ لِآخَرَ، قَالَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: اِعْلَمْ أَنَّ الصَّوْمَ ثَلَاثُ دَرَجَاتٍ: صَوْمُ الْعُمُومِ، وَصَوْمُ الْخُصُوصِ، وَصَوْمُ خُصُوصِ الْخُصُوصِ. وَسَنَقِفُ الْيَوْمَ - بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى - مَعَ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ بِشَيْءٍ مِنَ الْبَيَانِ:

📘النَّوْعُ الْأَوَّلُ: صَوْمُ الْعُمُومِ، قَالَ الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَمَّا صَوْمُ الْعُمُومِ فَهُوَ: كَفُّ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ عَنْ قَضَاءَ الشَّهْوَةِ. يَعْنِي: أَنْ يَبْتَعِدَ الصَّائِمُ عَنْ جَمِيعِ الْمُفَطِّرَاتِ، اِمْتِثَالًا لِقَوْل اللَّـهِ تَعَالَى: وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ... وَهَذَا الصَّوْمُ لَا يَتَمَيَّزُ بِهِ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، قَالَ مَيْمُونُ بْنِ مِهْرَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ: إِنَّ أَهْوَنَ الصَّوْمِ تَرْكُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَصَوْمُ الْعُمُومِ هُوَ أَدْنَى أَنْوَاعِ الصِّيَامِ.

📘النَّوْعُ الثَّانِي: صَوْمُ الْخُصُوصِ، قَالَ الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَأَمَّا صَوْمُ الْخُصُوصِ فَهُوَ: كَفُّ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَاللِّسَانِ، وَالْيَدِ وَالرِّجْلِ وَسَائِرِ الْجَوَارِحِ عَنِ الْآثَامِ. يَعْنِي: امْتِثَالَ الْأَوَامِرِ وَاجْتِنَابَ النَّوَاهِي، وَالتَّحَلِّي بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَبِهَذَا النَّوْعِ يَتَفَاوَتُ بَيْنَ النَّاسِ، رَوَى الْحَاكِمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّـهِ ﷺ قَالَ: إِنَّ الصِّيَامَ لَيْسَ مِنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَقَطْ، إِنَّمَا الصِّيَامُ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، فَإِنْ سَابَّكَ أَحَدٌ، أَوْ جَهِلَ عَلَيْكَ ، فَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ.

📘النَّوْعُ الثَّالِثُ: صَوْمُ خُصُوصِ الْخُصُوصِ، قَالَ الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَأَمَّا صَوْمُ خُصُوصِ الْخُصُوصِ فَصَوْمُ الْقَلْبِ عَنِ الْهِمَمِ الدَّنِيَّةِ، وَالْأَفْكَارِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَكَفُّهُ عَمَّا سِوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالْكُلِّيَّةِ. يَعْنِي: أَنْ يُطَهِّرَ الْإِنْسَانُ قَلْبَهُ مِنْ قَبِيحٍ، كَالشِّرْكِ وَالْحَسَدِ وَنَحْوِهِمَا... رَوَى ابْنُ مَاجَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ. قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟ قَالَ: هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، لَا إِثْمَ فِيهِ، وَلَا بَغْيَ، وَلَا غِلَّ، وَلَا حَسَدَ.

وَسَنَكْتَفِي بِهَذَا الْقَدْرِ فِي لِقَاءِ الْيَوْمِ، وَنَسْأَلُ اللَّـهَ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ أَنْ يَجْعَلَنَا وَإِيَّاكُمْ مِنَ الذِينَ يَعْلَمُونَ فَيَعْمَلُونَ، وَيَعْمَلُونَ فَيُخْلِصُونَ، وَيُخْلِصُونَ فَيُقْبَلُونَ، وَآخَرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. 

(14)فَضْلُ الْقِـيَــامِ فِي رَمَضَانَ

اَلْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَجَعَلَهُ سَبَباً لِلْفَوْزِ بِالرَّحْمَةِ وَالْغُفْرَانِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الرَّحِيمُ الرَّحْمَانُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ وَلَدِ عَدْنَانَ، صَلَّى اللَّـهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْخُلَّانِ، وَمَنِ اِقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَآنٍ. 

أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ:

اَلسَّـــلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَـــــةُ اللَّـهِ وَبَرَكَاتُـــــهُ، مَوْعِدُنَا الْيَــــــوْمَ مَعَ إِحْــــــدَى الْعِبَـــــادَاتِ الَّتِي يَتَمَـــيَّــــزُ بِهَا شَهْـــرُ رَمَضَــــــانَ الْمُبَــــارَكُ، أَلَا وَهِيَ: عِبَـــــادَةُ الْقِيَــــامِ، وَسَيَكُــــونُ عُنْوَانُ دَرْسِ الْيَـــــــوْمِ – بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى - هُوَ: فَضْلُ الْقِـيَــامِ فِي رَمَضَانَ...

لَقَدْ تَوَاتَرَتِ النُّصُوصُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالْحَثِّ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ وَالتَّرْغِيبِ فِيهِ بِبَيَانِ عَظِيمِ شَأْنِهِ وَجَزِيلِ الثَّوَابِ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ شَــــأْنُ أَوْلِيَــــاءِ اللَّهِ وَخَاصَّتِهِ مِنْ عِبَادِهِ الَّذِيــــــنَ مَدَحَهُمْ اللَّـــــهُ تَعَالَى بِجَمِيلِ الْخِصَـــــالِ وَجَلِيــــــلِ الْأَعْمَالِ، وَمِنْ أَخَصِّ ذَلِكَ قِيَامُ اللَّيْلِ فَقَالَ تَعَالَى: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ. فَمِنْ فَضَائِل قِيَامِ اللَّيْلِ:

📗الْفَضِيلَةُ الْأُولَى: أَنَّهُ شَرَفٌ لِصَاحِبِهِ فِي الدُّنْيَا، وَمَهَابَةٌ وَقَبُولٌ لَهُ بَيْنَ النَّاسِ، رَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ سَهْل بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، اِعْلَمْ أَنَّ شَرَفَ الْمُؤْمِنِ قِيَامُ اللَّيْلِ... ذَلِكَ أَنَّ الْإِكْثَارَ مِنَ النَّوَافِلِ يُوجِبُ مَحَبَّةَ اللَّهِ لِلْعَبْدِ، رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ... وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّ فُلانًا فَأَحِبَّهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّماءِ فَيَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلانًا فَأَحِبُّوهُ، فيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ.

📗الْفَضِيلَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ سَبَبٌ لِلْفَوْزِ بِرِضَا الرَّحْمَانِ، وَدُخُولِ الْجِنَانِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ عِبَادِةِ الْمُؤْمِنِينَ: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ... وَقَالَ عَنْ عِبَادِهِ الْمُتَّقِينَ: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُون وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ... وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ.

وَسَنَكْتَفِي بِهَذَا الْقَدْرِ فِي لِقَاءِ الْيَوْمِ، وَنَسْأَلُ اللَّـهَ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ أَنْ يَجْعَلَنَا وَإِيَّاكُمْ مِنَ الذِينَ يَعْلَمُونَ فَيَعْمَلُونَ، وَيَعْمَلُونَ فَيُخْلِصُونَ، وَيُخْلِصُونَ فَيُقْبَلُونَ، وَآخَرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. 

(15)فَضْلُ قِـرَاءَةِ الْقُــرْآنِ

اَلْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَجَعَلَهُ سَبَباً لِلْفَوْزِ بِالرَّحْمَةِ وَالْغُفْرَانِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الرَّحِيمُ الرَّحْمَانُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ وَلَدِ عَدْنَانَ، صَلَّى اللَّـهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْخُلَّانِ، وَمَنِ اِقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَآنٍ. 

أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ:

اَلسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّـهِ وَبَرَكَاتُهُ، مَوْعِدُنَا الْيَوْمَ مَعَ إِحْدَى الْعِبَادَاتِ الَّتِي يَتَمَيَّـزُ بِهَا شَهْـرُ رَمَضَانَ الْمُبَارَكُ، أَلَا وَهِيَ: قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، وَسَيَكُـونُ عُنْوَانُ دَرْسِ الْيَوْمِ – بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى - هُوَ: فَضْلُ قِـرَاءَةِ الْقُــرْآنِ...

إِنَّ بَيْنَ شَهْرِ رَمَضَانَ وَالْقُرْآنِ عِلاقَةً حَمِيمِيَّةً، لِأَنَّ رَمَضَانَ هُوَ شَهْرُ نُزُولِ الْقُرْآنِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَان... لِذَلِكُمْ فَإِنَّ تِلَاوَةَ الْقُرْآنِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَالِاسْتِمَاعَ إِلَيْهِ وَمُدَارَسَتَهُ وَتَدَبُّرَ أَحْكَامِهِ مِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْكَرِيمِ، رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ... وَمِنْ فَضْلِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ:

📗الْفَضِيلَةُ الْأُولَى: أَنَّ الشَّرْعَ قَدْ نَوَّهَ بِمَنْ يَعْتَنِي بِكِتَابِ اللَّهِ، وَرَفَعَ مِنْ شَأْنِهِ، بَلْ وَجَعَلَهُ مِنْ أَهْلِ اللَّهِ وَخَاصَّتِهِ، رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنَ النَّاسِ. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, وَمَنْ هُمْ؟ قَالَ: أَهْلُ الْقُرْآنِ هُمْ مِنْ أَهْلِ اللَّهِ وَخَاصَّتِهِ. وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهُ ﷺ قَالَ: اَلَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهُوَ مَاهِرٌ بِهِ مَعَ السَّفَرةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَؤُهُ وَهُوَ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ فَلَهُ أَجْرَانِ. وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ ﷺ قَالَ: إِنَّ الَّذِي لَيْسَ فِي جَوْفِهِ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ كَالْبَيْتِ الْخَرِبِ.

📗الْفَضِيلَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ قَارِئَ الْقُرْآنِ لَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ مِنْهُ حَسَنَةٌ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَتَنْزِلُ عَلَيْهِ السَّكِينَةُ، وَتَغْشَاهُ الرَّحْمَةُ، وَتَحُفُّهُ الْمَلَائِكَةُ، وَيَذْكُرُهُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ، وَيَشْفَعُ لَهُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا: لاَ أَقُولُ: أَلَـمِّ حرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلاَمٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ. وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ ﷺ قَالَ: مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ. وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْــــرٍو رَضِـــــيَ اللَّـــــهُ عَنْهُ أَنَّهُ ﷺ قَالَ: اَلصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْــــدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، قَالَ فَيُشَفَّعَانِ.

وَسَنَكْتَفِي بِهَذَا الْقَدْرِ فِي لِقَاءِ الْيَوْمِ، وَنَسْأَلُ اللَّـهَ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ أَنْ يَجْعَلَنَا وَإِيَّاكُمْ مِنَ الذِينَ يَعْلَمُونَ فَيَعْمَلُونَ، وَيَعْمَلُونَ فَيُخْلِصُونَ، وَيُخْلِصُونَ فَيُقْبَلُونَ، وَآخَرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. 

(16)فَضْلُ الصَّدَقَةِ فِي رَمَضَانَ

اَلْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْنَا صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَجَعَلَهُ سَبَباً لِلْفَوْزِ بِالرَّحْمَةِ وَالْغُفْرَانِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الرَّحِيمُ الرَّحْمَانُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ وَلَدِ عَدْنَانَ، صَلَّى اللَّـهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْخُلَّانِ، وَمَنِ اِقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَآنٍ. 

أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ:

اَلسَّـــلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّـهِ وَبَرَكَاتُـهُ، مَوْعِدُنَا الْيَوْمَ مَعَ عِبَادَةٍ أُخْرَى مِنَ الْعِبَادَاتِ الَّتِي يَتَمَيَّــــزُ بِهَا شَهْـرُ رَمَضَانَ الْمُبَــارَكُ، أَلَا وَهِيَ: الْجُودُ وَالصَّدَقَاتُ، وَسَيَكُــونُ عُنْوَانُ دَرْسِ الْيَوْمِ – بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى - هُوَ: فَضْلُ الصَّدَقَةِ فِي رَمَضَانَ...

إِنَّ بَيْنَ رَمَضَانَ وَالصَّدَقَةِ عِلَاقَةً حَمِيمِيَّةً، لِأَنَّ الرَّسُولَ ﷺ كَانَ يَخُصُّ هَذَا الشَّهْرَ الْفَضِيلَ بِمَزِيدٍ مِنَ السَّخَاءِ وَالْجُودِ حَتَّى يَبْلُغَ مُنْتَهَاهُ، وَكَانَ ﷺ يُعْطِي عَطَاءَ مِنْ لَّا يُخْشَى الْفَقْرَ، وَسَنُبَيِّنُ فَضْلَ الصَّدَقَةِ مِنْ خِلَالِ مِحْوَرَيْنِ:

📗الْمِحْوَرُ الْأَوَّلُ: أَنَّ الصَّدَقَةَ مِنْ خَيْرِ الْأَعْمَالِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ. يَعْنِي: أَنَّهُ ﷺ كَانَ يُسَارِعُ إِلَى الْخَيْرِ وَيَجُودُ بِهِ حَتَّى إِنَّهُ أَسْرَعُ مِنَ الرِّيحِ الَّتِي أَرْسَلَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَهِيَ سَرِيعَةٌ عَاصِفَةٌ، وَمَعَ ذَلِكَ فَالرَّسُولُ ﷺ أَسْرَعُ بِالْخَيْرِ مِنْهَا، وَمِنْ صُوَرِ الصَّدَقَةِ فِي رَمَضَانَ تَفْطِيرُ الصَّائِمِينَ، فَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا.

📗الْمِحْوَرُ الثَّانِي: أَنَّ الصَّدَقَة عُمُومًا فِي رَمَضَانَ وَفِي غَيْرِهِ لَهَا فَضْلٌ عَظِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مُتَعَدِّيَةٌ، أَيْ: يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُتَصَدِّقُ وَالْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ، فَفِي الدُّنْيَا تَكُونُ سَبَبًا لِنُزُولِ الْبَرَكَةِ فِي الْمَالِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ. وَفِي الْآخِرَةِ تَكُونُ سَبَباً لِدُخُولِ الْجَنَّةِ، رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: أَيُّمَا مُؤْمِنٍ أَطْعَمَ مُؤْمِنًا عَلَى جُوعٍ أَطْعَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ، وَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ سَقَى مُؤْمِنًا عَلَى ظَمَإٍ سَقَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ، وَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ كَسَا مُؤْمِنًا عَلَى عُرْيٍ كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ خُضْرِ الْجَنَّةِ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلاَمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُواْ السَّلَامَ، وَأَطْعِمُواْ الطَّعَامَ، وَصَلُّواْ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ.

وَسَنَكْتَفِي بِهَذَا الْقَدْرِ فِي لِقَاءِ الْيَوْمِ، وَنَسْأَلُ اللَّـهَ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ أَنْ يَجْعَلَنَا وَإِيَّاكُمْ مِنَ الذِينَ يَعْلَمُونَ فَيَعْمَلُونَ، وَيَعْمَلُونَ فَيُخْلِصُونَ، وَيُخْلِصُونَ فَيُقْبَلُونَ، وَآخَرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. 

(17)أَوَّلُ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ مَعْرِفَتُهُ

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الْمُسْتَحِقِّ وَحْدَهُ لِلْعِبَادَةِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَحِينٍ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا نِدَّ لَهُ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ الْعَابِدِينَ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْمُؤْمِنِينَ الْكَامِلِينَ، وَمَنِ اِقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ:

اَلسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّـهِ وَبَرَكَاتُـهُ، بَعْدَ أَنْ تَحَدَّثْنَا بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ عَنِ الصِّيَامِ، وَفَضَائِلِ أَعْمَالِ رَمَضَانَ، وَبَعْضِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنَ الْأَحْكَامِ، سَنَفْتَتِحُ مَعَكُمْ – بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى - سِلْسِلَةً مِنَ الدُّرُوسِ حَوْلَ الْعَقِيدَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَسَيَكُـونُ عُنْوَانُ دَرْسِ الْيَوْمِ هُوَ: أَوَّلُ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ مَعْرِفَتُهُ...

إِنَّ الْإِنْسَانَ الْمُكَلَّفَ الْمُتَمَكِّنَ مِنَ الْبَحْثِ وَالنَّظَرِ أَوَّلُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ هُوَ: مَعْرِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ الْإِمَامُ الْأَشْعَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَوَّلُ مَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ العِلْمُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَدِينِهِ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: اِعْلَمْ أَنَّ الْفِقْهَ فِي الدِّينِ أَفْضَلُ مِنَ الْفِقْهِ فِي الْأَحْكَامِ. وَذَلِكَ لِلْأَدِلَّةِ الْآتِيَةِ:

📗الدَّلِيلُ الْأَوَّلُ: أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ. فَقَدْ أَشَارَ إِلَى (الْعَقِيدَةِ) بِقَوْلِهِ: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَأَشَارَ إِلَى (الْعِبَادَةِ) بِقَوْلِهِ: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ. فَقَدَّمَ الْأَمْر بِتَعَلُّمِ (الْعَقِيدَةِ) عَلَى الْأَمْرِ بِتَعَلُّمِ (الْعِبَادَةِ)، فَعَلِمْنَا أَنَّ مَعْرِفَةَ اللَّهِ (الْعَقِيدَةَ) هِيَ أَوَّلُ وَاجِبٍ.

📗الدَّلِيلُ الثَّانِي: أَنَّ الْمُهِمَّة الْأُولَى لِلْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ هِيَ: دِلَالَةُ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَمَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا أَمَرَهُ بِذَلِكَ، قَالَ تَعَالَى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا يُوحَى إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا بَعَثَ النَّبِيُّ ﷺ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى نَحْوِ أَهْلِ الْيَمَنِ، قَالَ لَهُ: إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ تَعَالَى...

📗الدَّلِيلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي الشَّرْعِ أَنَّ مَعْرِفَةَ اللَّهِ تَعَالَى شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْعَمَلِ وَقَبُولِهِ، يَقُولُ سُبْحَانَهُ: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ. وَيَقُولُ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ. إِذْ كَيْفَ يَعْبُدُ الْإِنْسَانُ إِلَهًا لَا يَعْرِفُهُ، قَالَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا تَصِحُّ الْعِبَادَةُ إِلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ الْمَعْبُودِ.

📗الدَّلِيلُ الرَّابِعُ: أَنَّ مَعْرِفَةَ اللَّهِ تَعَالَى تَكُونُ بِمَعْرِفَةِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ سُبْحَانَهُ، إِذِ الْجَهْلُ بِالصِّفَةِ جَهْلٌ بِالْمَوْصُوفِ، وَبِقَدْرِ زِيَادَةِ مَعْرِفَةِ الْعَبْدِ بِرَبِّهِ يَقْوَى إِيمَانُهُ، وَكُلَّمَا ازْدَادَتْ مَعْرِفَتُهُ بِرَبِّهِ ذَاق حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ بِهِ، وَرَاقَبَهُ فِي سِرِّهِ وَعَلَانِيَتِهِ، وَخَافَ مِنْ سَخَطِهِ وَعِقَابِهِ، وَطَمِعَ فِي رِضْوَانِهِ وَجِنَانِهِ، قَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: مَسَاكِينُ أَهْلُ الدُّنْيَا خَرَجُواْ مِنْهَا وَمَا ذَاقُواْ أَطْيَبُ مَا فِيهَا. قِيلَ لَهُ: وَمَا أَطْيَبُ مَا فِيهَا؟ قَالَ: مَعْرِفَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَحَبَّتُهُ.

وَسَنَكْتَفِي بِهَذَا الْقَدْرِ فِي لِقَاءِ الْيَوْمِ، وَنَسْأَلُ اللَّـهَ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ أَنْ يَجْعَلَنَا وَإِيَّاكُمْ مِنَ الذِينَ يَعْلَمُونَ فَيَعْمَلُونَ، وَيَعْمَلُونَ فَيُخْلِصُونَ، وَيُخْلِصُونَ فَيُقْبَلُونَ، وَآخَرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمين.

 (18)مُقَدِّمَةٌ حَوْلَ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الْمُسْتَحِقِّ وَحْدَهُ لِلْعِبَادَةِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَحِينٍ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا نِدَّ لَهُ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ الْعَابِدِينَ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْمُؤْمِنِينَ الْكَامِلِينَ، وَمَنِ اِقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ:

اَلسَّـــلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّـهِ وَبَرَكَاتُـهُ، لَقَدْ عَلِمْنَا فِي اللِّقَاءِ الْمَاضِي أَنَّ أَوَّلَ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ الْقَادِرِ عَلَى التَّعَلُّمِ هُوَ مَعْرِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّ أَقْرَبَ طَرِيقٍ إِلَى ذَلِكَ هُوَ تَدَبُّرُ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ، وَسَيَكُونُ عُنْوَانُ دَرْسِ الْيَوْمِ هُوَ: مُقَدِّمَةٌ حَوْلَ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ، وَسَنَتَنَاوَلُهُ مِنْ خِلَالِ ثَلَاثَةِ مُحَاوِرَ:

📗الْمِحْوَرُ الْأَوَّلُ: مَفْهُومُ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، فَالْأَسْمَاءُ هِيَ: مَا جَاءَ فِي الشَّرْعِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ الْقَائِمَةِ بِهَا. وَذَلِكَ مِثْلُ: الْعَلِيمِ وَالْحَكِيمِ وَالسَّمِيعِ وَالْبَصِيرِ، فَهَذِهِ أَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّهَا دَلَّتْ عَلَى ذَاتِهِ وَعَلَى مَا قَامَ بِالذَّاتِ مِنَ: الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ، وَالصِّفَاتُ هِيَ: نُعُوتُ الْكَمَالِ وَالْجَلَالِ وَالْجَمَالِ الْقَائِمَةُ بِذَاتِ اللَّهِ. وَذَلِكَ مِثْلُ: الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ، فَنَفْهَمُ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ الِاسْمَ يَدُلُّ عَلَى الذَّاتِ وَالْمَعْنَى الْقَائِمِ بِهَا، وَأَمَّا الصِّفَةُ فَإِنَّمَا تَدُلُّ عَلَى الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِالذَّاتِ فَقَطْ.

📗الْمِحْوَرُ الثَّانِي: عَدَدُ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ، فَأَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتُهُ الْكَمَالِيَّةُ لَيْسَتْ مَحْصُورَةً فِي عَدَدِ مُعَيَّنٍ، لِأَنَّ صِفَاتِ الْجَلَالِ وَالْجَمَالِ فِي حَقِّهِ تَعَالَى لَا نِهَايَةَ لَهَا وَلَا حَصْرَ، رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقُولُ: اَللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ... وَمَا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِهِ فَلَا سَبِيلَ إِلَى الْإِحَاطَةِ بِهِ.

📗الْمِحْوَرُ الثَّالِثُ: اَلْحِكْمَةُ مَنْ تَحْدِيدِ الْعُلَمَاءِ لِعَدَدٍ مِنَ الصِّفَاتِ، فَمَا يَذْكُرُهُ الْعُلَمَاءُ فِي كُتُبِهِمْ مِنَ الصِّفَاتِ الْمَحْدُودَةِ إِنَّمَا هُوَ تَعْرِيفٌ تَقْرِيبِيٌّ (بِطَاقَةُ تَعْرِيفِيَّةٌ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى)، لِأَنَّ كُلَّ كِتَابٍ يَكُونُ مَحْدُودَ الْكَلِمَاتِ وَالْمَعَانِي، وَصِفَاتُ اللَّهِ الْكَمَالِيَّةُ غَيْرُ مَحْدُودَةٍ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُحِيطَ الْمَحْدُودُ بِغَيْرِ الْمَحْدُودِ، فَإِذَا كُنَّا لَا نَسْتَطِيعُ الْإِحَاطَةَ بِصِفَاتِ الْإِنْسَانِ إِذَا أَرَدْنَا التَّعْرِيفَ بِهِ، إِذْ يَكْفِي أَنْ نَذْكُرَ اسْمَهُ وَلَقَبَهُ وَاسْمَ أَبِيهِ وَاسْمَ بَلَدِهِ، فَكَيْفَ يُمْكِنُ الْإِحَاطَــةُ بِصِفَاتِ اللَّهِ تَعَـــــالَى؟، وَلِذَلِكَ اشْتَهَرَ قَوْلُـهُمْ: إِنَّ صِفَاتِ اللَّهِ الْكَمَالِيَّةَ لَا حَصْرَ لَهَا.

وَسَنَكْتَفِي بِهَذَا الْقَدْرِ فِي لِقَاءِ الْيَوْمِ، وَنَسْأَلُ اللَّـهَ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ أَنْ يَجْعَلَنَا وَإِيَّاكُمْ مِنَ الذِينَ يَعْلَمُونَ فَيَعْمَلُونَ، وَيَعْمَلُونَ فَيُخْلِصُونَ، وَيُخْلِصُونَ فَيُقْبَلُونَ، وَآخَرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. 

(19)صِفَةُ الْوُجُودِ وَدَلِيلُهَا مِنَ الْفِطْرَةِ

 اَلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الْمُسْتَحِقِّ وَحْدَهُ لِلْعِبَادَةِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَحِينٍ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا نِدَّ لَهُ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ الْعَابِدِينَ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْمُؤْمِنِينَ الْكَامِلِينَ، وَمَنِ اِقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ:

 اَلسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّـهِ وَبَرَكَاتُـهُ، عَرَفْنَا فِي اللِّقَاءِ الْمَاضِي مَفْهُومَ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ، وَأَنَّهُ لَا نِهَايَةَ لَهَا وَلَا حَصْـرَ، وَسَيَدُورُ حَدِيثُنَا الْيَوْمَ – بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى - عَنِ الصِّفَةِ الْأُولَى مِنَ الصِّفَاتِ الَّتِي يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نُؤْمِنَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُتَّصِفٌ بِهَا، أَلَا وَهِيَ: صِفَةُ الْوُجُودِ، وَسَيَكُونُ عُنْوَانُ الدَّرْسِ هُوَ: صِفَةُ وُجُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَدَلِيلُهَا مِنَ الْفِطْرَةِ... وَسَنَتَنَاوَلُهُ مِنْ خِلَالِ ثَلَاثَةِ مُحَاوِرَ:

📗الْمِحْوَرُ الْأَوَّلُ: مَفْهُومُ صِفَةِ الْوُجُودِ، فَالْوُجُودُ: صِفَةٌ نَفْسِيَّةٌ تَدُلُّ عَلَى الْوُجُودِ النَّفْسِيِّ أَيْ: الْوُجُودِ الذَّاتِيِّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ دُونَ صِفَةٍ أُخْرَى. وَعَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ فَاسْمُ اللَّهِ [الْعَلِيمُ] يَدُلُّ عَلَى ذَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَــلَّ مَعَ صِفَةٍ أُخْرَى، وَهِيَ صِفَةُ [الْعِلْمِ]، بِخِلَافِ صِفَةِ [الْوُجُودِ] فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الذَّاتِ فَقَطْ، رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: كَانَ اللَّهُ ولَمْ يَكُنْ شَيءٌ غَيْرُهُ... أَيْ: أَنَّ اللَّهَ مَوْجُودٌ فِي الْأَزَلِ لَا ابْتِدَاءَ لِوُجُودِهِ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ، أَيْ: لَا زَمَانٌ وَلَا مَكَانٌ وَلَا أَجْرَامٌ، ثُمَّ خَلَقَ الْخَلْقَ.

📗الْمِحْوَرُ الثَّانِي: دَلِيلُ الْفِطْرَةِ عَلَى وُجُودِ اللَّهِ، رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ... فَالْفِطْرَةُ هِيَ: مَا جُبِلَ عَلَيْهِ الْإِنْسَانُ فِي أَصْلِ خِلْقَتِهِ مِنَ الْأَحَاسِيسِ وَالْمَعَارِفِ. وَذَلِكَ كَشُعُورِنَا جَمِيعًا بِالِافْتِقَارِ إِلَى وُجُودِ الْخَالِقِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، حَتَّى قَالَ أَحَدُ الْعُلَمَاءِ: لَا تُوجَدُ حَقِيقَةٌ أَظْهَرُ وَأَوْضَحُ مِنْ وُجُودِ اللَّهِ. وَلَا يَنْصَرِفُ عَنْ ذَلِكَ إِلاَّ مَنْ طَرَأَ عَلَيْهِ مَا يَصْرِفُهُ عَنْهُ، كَمَا فِي قَوْلِهِ ﷺ: فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ...

📗الْمِحْوَرُ الثَّالِثُ: فِطْرَةُ التَّوْحِيدِ تَظْهَرُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ، فَكَثِيراً مَا تَزُولُ الْغِشَاوَةُ عَنِ الْفِطْرَةِ فِي وَقْتِ الشَّدَائِدِ، فَيَعْتَرِفُ الْإِنْسَانُ بِخَالِقِهِ سُبْحَانَهُ، وَيَرْفَعُ كَفَّيْهِ سَائِلًا إِيَّاهُ النَّجَاةَ مِمَّا هُوَ فِيهِ مِنَ الشِّدَّةِ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ أَنْ يَكْذِبَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ يَخْدَعَهَا لَحْظَةَ الْخَطَرِ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ: هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمُ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ.

وَسَنَكْتَفِي بِهَذَا الْقَدْرِ فِي لِقَاءِ الْيَوْمِ، وَنَسْأَلُ اللَّـهَ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ أَنْ يَجْعَلَنَا وَإِيَّاكُمْ مِنَ الذِينَ يَعْلَمُونَ فَيَعْمَلُونَ، وَيَعْمَلُونَ فَيُخْلِصُونَ، وَيُخْلِصُونَ فَيُقْبَلُونَ، وَآخَرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

(20)صِفَةُ الْوُجُودِ وَدَلِيلُهَا مِنَ الْعَقْلِ

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الْمُسْتَحِقِّ وَحْدَهُ لِلْعِبَادَةِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَحِينٍ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا نِدَّ لَهُ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ الْعَابِدِينَ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْمُؤْمِنِينَ الْكَامِلِينَ، وَمَنِ اِقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ:

اَلسَّـــلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّـهِ وَبَرَكَاتُـهُ، لَقَد عَلِمْنَا فِي اللِّقَاءِ الْمَاضِي أَنَّ فِطْرَةَ الْإِنْسَانِ السَّلِيمَةَ تَدْعُوهُ إِلَى الْإِيمَانِ بِاللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ، وَأَنَّ شُعُورَهَ الْفِطْرِيَّ يُحِسُّ بِالِافْتِقَارِ إِلَى الْخَالِقِ، وَسَيَكُونُ عُنْوَانُ دَرْسِ الْيَوْمِ هُوَ: صِفَةُ وُجُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَدَلِيلُهَا مِنَ الْعَقْلِ... وَسَنَتَنَاوَلُهُ مِنْ خِلَالِ ثَلَاثَةِ مُحَاوِرَ:

📗الْمِحْوَرُ الْأَوَّلُ: قَانُونُ السَّبَبِيَّةِ، وَهُوَ مِنْ أَوْ ضَحِ (الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ) عَلَى وُجُودِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَعْنِي أَنَّ: كُلِّ مَخْلُوقٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ خَالِقٍ. فَلَوْ أَنَّ إِنْسَانًا عَاقِلًا شَاهَدَ قَصْرًا فَخْمًا مَشِيداً قَدْ بُنِيَ عَلَى أَحْدَثِ طِرَازٍ، لَاسْتَنْتَجَ مِنْهُ نَتِيجَةً يَقِينِيَّةً مُفَادُهَا: أَنَّ هُنَاكَ فَرِيقًا مِنَ الْحِرَفِيِّينَ الْمَهَرَةِ هُوَ الَّذِي بَنَى هَذَا الْقَصْرَ، لِأَنَّ كُلَّ مَصْنُوعٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ صَانِعٍ. وَكَذَلِكَ السَّاعَةُ الَّتِي تَلْبَسُهَا فِي يَدِكَ تَدُلُّكَ يَقِينًا عَلَى أَنَّ هُنَاكَ مَصْنَعاً لِصِنَاعَةِ السَّاعَاتِ، وَالثَّوْبُ الَّذِي تَلْبَسُهُ يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ هُنَاكَ مَصَانِعَ لِلنَّسِيجِ، وَهَكَذَا دَوَالَيْكَ...

📗الْمِحْوَرُ الثَّانِي: الِاسْتِدْلَالُ بِقَانُونِ السَّبَبِيَّةِ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ. وَلِذَلِكُمْ حِينَ سُئِلَ أَعْرَابِيٌّ يَعِيشُ فِي الْبَادِيَةِ: بِمَ عَرَفْتَ رَبَّكَ؟ قَالَ: الْبَعْرَةُ تَدُلُّ عَلَى الْبَعِيرِ، وَالْأَثَرُ يَدُلُّ عَلَى الْمَسِيرِ، فَسَمَاءٌ ذَاتُ أَبْرَاجٍ، وَأَرْضٌ ذَاتُ فِجَاجٍ، وَبِحَارٌ ذَاتُ أَمْوَاجٍ، أَلَا تَدُلُّ عَلَى السَّمِيعِ الْبَصِيرِ؟!.

📗الْمِحْوَرُ الثَّالِثُ: عِنَادُ الْمَلَاحِدَةِ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَّا نَسْتَغْرِبَ مِنَ الْمَلَاحِدَةِ الَّذِينَ يُنْكِرُونَ وُجُودَ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَدَّعُونَ أَنَّ هَذَا الْكَوْنَ الْهَادِفَ جَاءَ عَنْ طَرِيقِ الصُّدْفَةِ دُونَ مُبْدِعٍ قَدِيرٍ، لِأَنَّ الْعِنَادَ هُوَ الَّذِي أَعْمَى بَصَائِرَهُمْ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ. فَهُمْ يَعْتَرِفُونَ بِوُجُودِهِ فِي قَرَارِهِ نُفُوسِهِمْ، وَيُنْكِرُونَهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ، فَتَتَنَاقَضُ أَلْسِنَتُهُمْ مَعَ مَا اقْتَنَعَتْ بِهِ عُقُولُهُمْ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَجَحَدُواْ بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا... وَكَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مّنَ السّمَاءِ فَظَلّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُواْ إِنّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مّسْحُورُونَ. وَالَّذِي يَقْبَلُ هَذَا التَّنَاقُضَ عَلَى نَفْسِهِ إِنَّمَا يَحْتَقِرُ عَقْلَهُ وَيُحَطُّ مِنْ قَدْرِهِ.

وَسَنَكْتَفِي بِهَذَا الْقَدْرِ فِي لِقَاءِ الْيَوْمِ، وَنَسْأَلُ اللَّـهَ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ أَنْ يَجْعَلَنَا وَإِيَّاكُمْ مِنَ الذِينَ يَعْلَمُونَ فَيَعْمَلُونَ، وَيَعْمَلُونَ فَيُخْلِصُونَ، وَيُخْلِصُونَ فَيُقْبَلُونَ، وَآخَرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِين . 

(21)صِفَةُ الْوُجُودِ وَدَلِيلُهَا مِنَ الشَّرْعِ

 اَلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الْمُسْتَحِقِّ وَحْدَهُ لِلْعِبَادَةِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَحِينٍ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا نِدَّ لَهُ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ الْعَابِدِينَ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْمُؤْمِنِينَ الْكَامِلِينَ، وَمَنِ اِقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ:

اَلسَّـــلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّـهِ وَبَرَكَاتُـهُ، رَأَيْنَا فِي اللِّقَاءِ الْمَاضِي أَنَّ قَانُونَ السَّبَبِيَّةِ يَسْتَلْزِمُ الْإِيمَانَ بِوُجُودِ خَالِقٍ لِهَذَا الْكَوْنِ الْهَادِفِ، لِأَنَّ مِنْ بَدَهِيَّاتِ الْعَقْلِ أَنَّ كُلَّ مَخْلُوقٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ خَالِقٍ، وَسَيَكُونُ عُنْوَانُ دَرْسِ الْيَوْمِ هُوَ: صِفَةُ وُجُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَدَلِيلُهَا مِنَ الشَّرْعِ... وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ مِحْوَرَيْنِ:

📗الْمِحْوَرُ الْأَوَّلُ: مَفْهُومُ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَحُكْمُهُ، فَالْإِيمَانُ هُوَ: الِاعْتِقَادُ الْجَازِمُ بِوُجُودِ اللَّهِ الْخَالِقِ الْمَالِكِ الْمُدَبَّرِ، الْمُتَّصِفِ بِجَمِيعِ صِفَاتِ الْكَمَالِ، الْمُنَزَّهِ عَنْ جَمِيعِ صِفَاتِ النَّقْصِ، الْمُسْتَحِقِّ لِلْعِبَادَةِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. وَهُوَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْإِيمَانِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيراً. وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِيمَانِ؟ قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ، وَمَلائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ.

📗الْمِحْوَرُ الثَّانِي: ثَمَرَاتُ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ، فَالْإِيمَانُ لَهُ نَتَائِجُ طَيِّبَةٌ وَثَمَرَاتٌ يَانِعَةٌ، يَرَى الْمُؤْمِنُ آثَارَهَا عَلَى نَفْسِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، مِنْهَا:

🔴أَوَّلًا: الْوِلَايَةُ وَالْهِدَايَةُ لِلْحَقِّ، فَفِي وَسَطِ ظُلْمَةِ هَذِهِ السُّمُومِ الْفِكْرِيَّةِ الْمُنْتَشِرَةِ فِي كُلِّ الْمُجْتَمَعَاتِ، يَحْتَاجُ كُلُّ مُسْلِمٍ أَنْ يَسْلُكَ سَبِيلَ الْمُؤْمِنِينَ، لِكَي يَتَوَلَّاهُ اللَّهُ بِالتَّوْفِيقِ وَالْهِدَايَةِ عَلَى كُلِّ مُسْتَوَيَاتِ الْحَيَاةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ. وَقَالَ سُبْحَانَهُ: أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ. وَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. 

🔴ثَانِياً: الْحَيَاةُ الطَّيِّبَةُ وَحُلُولُ الْبَرَكَةِ، فَمَا طَابَتِ الْحَيَاةُ وَلَا حَلَّتِ الْبَرَكَةُ فِي الْمَالِ وَالْأَهْلِ وَالْوَلَدِ إِلاَّ بِالإِيمَانِ بِاللَّهِ، قَالَ تَعَالَى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَو أُنْثَى وَهُو مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً. فَفِي الْآيَةِ شَرْطٌ وَجَوَابٌ، فَشَرْطُ الْحَيَاةِ الطَّيِّبَةِ لِكُلِّ ذَكَرٍ وَأُنْثَى هُوَ الْإِيمَانُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ، وَقَالَ سُبْحَانَهُ: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ.

🔴ثَالِثاً: دُخُولُ الْجَنَّةِ، وَهُوَ أَسْمَى مَا يَتَمَنَّاهُ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ، قَالَ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا. وَقَالَ سُبْحَانَهُ: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ.

وَسَنَكْتَفِي بِهَذَا الْقَدْرِ فِي لِقَاءِ الْيَوْمِ، وَنَسْأَلُ اللَّـهَ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ أَنْ يَجْعَلَنَا وَإِيَّاكُمْ مِنَ الذِينَ يَعْلَمُونَ فَيَعْمَلُونَ، وَيَعْمَلُونَ فَيُخْلِصُونَ، وَيُخْلِصُونَ فَيُقْبَلُونَ، وَآخَرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. 

(22)صِفَةِ: الْقِدَمِ، وَالْبَقَاءِ، وَالْغِنَى

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الْمُسْتَحِقِّ وَحْدَهُ لِلْعِبَادَةِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَحِينٍ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا نِدَّ لَهُ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ الْعَابِدِينَ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْمُؤْمِنِينَ الْكَامِلِينَ، وَمَنِ اِقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ:

اَلسَّـــلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّـهِ وَبَرَكَاتُـهُ، لَقَدْ رَأَيْنَا فِي الدُّرُوسِ الْمَاضِيَةِ وُجُوبَ الْإِيمَانِ بِصِفَةِ (الْوُجُودِ) فِي حَقِّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالْإِيمَانُ بِهَا هُوَ الْأَصْلُ، وَكُلُّ مَا يَأْتِي بَعْدَهَا مِنَ الصِّفَاتِ فَرْعٌ عَنْهَا، وَسَيَكُونُ عُنْوَانُ دَرْسِنَا الْيَوْمَ هُوَ: وُجُوبُ صِفَةِ الْقِدَمِ وَالْبَقَاءِ وَالْغِنَى الْمُطْلَقِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى... وَهِيَ كَالْآتِي:

📗الصِّفَةُ الثَّانِيَةُ: الْقِدَمُ، أَوِ الْأَوَّلِيَّةُ، فَإِذَا قُلْنَا: (اللَّهُ قَدِيمٌ) مَعْنَاهُ: لَا ابْتِدَاءَ لِوُجُودِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: هُوَ الْأَوَّلُ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: الْأَوَّلُ هُوَ: الَّذِي لَيْسَ لِوُجُودِهِ بِدَايَةٌ مُفْتَتَحَةٌ. وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَالَ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ الْعَظِيمِ، وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ، مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: اَللَّهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ... وَقَالَ الْإِمَامُ الطَّحَاوِيُّ فِي عَقِيدَتِهِ: اَللَّهُ قَدِيمٌ بِلَا ابْتِدَاءٍ.

📗الصِّفَةُ الثَّالِثَةُ: الْبَقَاءُ، أَوِ الْآخِرِيَّةُ، فَإِذَا قُلْنَا: (اَللَّهُ بَاقٍ) مَعْنَاهُ: لَا نِهَايَةَ لِوُجُودِهِ تَعَالَى، قَالَ جَلَّ جَلَالُهُ: هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: الْآخَرُ هُوَ: الَّذِي لَيْسَ لِآخِرِيَّتِهِ نِهَايَةٌ مُنْقَضِيَةٌ. وَقَالَ سُبْحَانَهُ: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ. يَعْنِي: أَنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّائِمُ الْبَاقِي الْحَيُّ الْقَيُّومُ الَّذِي لَا يَمُوتُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّك ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ. وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: وَأَنْتَ الْآخِرُ فَليْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ... قَالَ الْإِمَامُ الطَّحَاوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: اَللَّهُ دَائِمٌ بِلَا انْتِهَاءٍ.

📗الصِّفَةُ الرَّابِعَةُ: الْغِنَى الْمُطْلَقُ، وَمَعْنَاهُ: الِاسْتِغْنَاءُ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، فَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مُسْتَغْنٍ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ، وَمُحْتَاجٌ إِلَيْهِ كُلُّ شَيْءٍ مَا عَدَاهُ. قَالَ تَعَالَى: وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ. فَمَا خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ لِيَسْتَأْنِس بِهِمْ مِنْ وَحْشَةٍ، وَلَا لِيَسْتَكْثِرَ بِهِمْ مِنْ قِلَّةٍ، وَلَا لِيَنْصُرُوهُ عَلَى عَدُوٍ، بَلْ خَلَقَهُمْ لِيَذْكُرُوهُ كَثِيراً، وَيُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً، قَالَ سُبْحَانَهُ: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ.

 وَسَنَكْتَفِي بِهَذَا الْقَدْرِ فِي لِقَاءِ الْيَوْمِ، وَنَسْأَلُ اللَّـهَ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ أَنْ يَجْعَلَنَا وَإِيَّاكُمْ مِنَ الذِينَ يَعْلَمُونَ فَيَعْمَلُونَ، وَيَعْمَلُونَ فَيُخْلِصُونَ، وَيُخْلِصُونَ فَيُقْبَلُونَ، وَآخَرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

 (23)وُجُوبُ صِفَةِ الْمُخَالَفَةِ لِلْحَوَادِاثِ

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الْمُسْتَحِقِّ وَحْدَهُ لِلْعِبَادَةِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَحِينٍ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا نِدَّ لَهُ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ الْعَابِدِينَ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْمُؤْمِنِينَ الْكَامِلِينَ، وَمَنِ اِقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ:

اَلسَّـــلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّـهِ وَبَرَكَاتُـهُ، رَأَيْنَا فِي الدَّرْسِ الْمَاضِي أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَدِيمٌ بِلَا ابْتِدَاءٍ، وَبَاقٍ بِلَا انْتِهَاءٍ، وَغَنِيٌّ عَنِ جَمِيعِ خَلْقِهِ بِلَا افْتِقَارٍ، وَسَيَكُونُ عُنْوَانُ دَرْسِنَا لِهَذَا الْيَوْمِ هُوَ: وُجُوبُ صِفَةِ الْمُخَالَفَةِ لِلْحَوَادِاثِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى... وَسَنَتَنَاوَلُهُ مِنْ خِلَالِ ثَلَاثَةِ مَحَاوِرَ:

📗الْمِحْوَرُ الْأَوَّلُ: مَعْنَى صِفَةِ مُخَالِفَةِ الْحَوَادِثِ، فَمَعْنَاهَا: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُشْبِهُهُ أَحَدٌ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ لَا فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ وَلَا فِي أَفْعَالِهِ. فَلَيْسَ فِي الْوُجُودِ مَنْ لَهُ ذَاتٌ كَذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ صِفَةٌ كَصِفَاتِهِ أَوْ يَفْعَلُ فِعْلًا كَأَفْعَالِهِ، قَالَ سُبْحَانَهُ: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. وَيَشْمَلُ نَفْيُ مُشَابَهَةِ اللَّهِ لِخَلْقِهِ تَنْزِيْهَهُ تَعَالَى عَنِ الْمَكَانِ وَالْجِهَةِ وَالْكَمِّيَّةِ وَالْكَيْفِيَّةِ، فَهُوَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَيْسَ كَالْجِسْمِ الَّذِي يَدْخُلُهُ الْمِقْدَارُ وَالْمِسَاحَةُ وَالْحَـــــدُّ، فَهُوَ لَيْسَ بِمحْدُودٍ ذِي مِقْدَارٍ وَمَسَافَةٍ، بَلْ هُوَ كَمَا رَوَى أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ اللَّهُ وَلَا مَكَانَ، وَهُوَ الْآنَ عَلَى مَا عَلَيْهِ كَانَ. 

📗الْمِحْوَرُ الثَّانِي: مَسْلَكُ السَّلَفِ فِي فَهْمِ الْمُتَشَابِهِ، فَالسَّلَفُ يَرُدُّونَ الْمُتَشَابِهَاتِ الَّتِي تُوهِمُ تَشْبِيهَ اللَّهِ بِالْمَخْلُوقَاتِ إِلَى الْآيَاتِ الْمُحْكَمَاتِ، فَقَوْلُ اللَّهُ تَعَالَى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى. مَثَلًا يَرُدُّونَهُ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ. فَيُؤْمِنُونَ بِأَنَّ لَهَا مَعْنىً يَلِيقُ بِجَلَالِ اللَّهِ وَعَظَمَتِهِ بِلَا تَعْيِينِ مَعْنىً، وَلَا يُفَسِّرُونَهَا عَلَى الظَّاهِرِ الْمُتَبَادَرِ مِنْهَا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الأَلْبَابِ.

📗الْمِحْوَرُ الثَّالِثُ: خَطٌ أَحْمَرُ، فَاللَّهُ تَعَالَى لَمْ يُكَلِّفْنَا بِأَنْ نُفَكِّرَ فِي ذَاتِهِ لِنُدْرِكَ حَقِيقَتَهَا، بَل دَعَانَا إِلَى التَّفَكُّرِ فِي مَخْلُوقَاتِهِ لِمَعْرِفَةِ وُجُودِهِ وَوَحْدَانِيَّتِهِ وَعَظَمَتِهِ، رَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: تَفَكَّرُواْ فِي آلَاءِ اللَّهِ، وَلَا تَفَكَّرُواْ فِي اللَّهِ. لِأَنَّنَا لَمْ نُدْرِكْ حَتَّى حَقِيقَةَ نُفُوسِنَا، وَلَمْ نُدْرِكْ حَتَّى حَقِيقَةَ أَرْوَاحِنَا التِي بَيْنَ جَنْبَيْنَا، وَأَبْسَطُ قَوَاعِدِ الْمَنْطِقِ تَقُولُ: إِنَّكَ إذَا عَجَزَتْ عَنِ الصَّغِيرِ فَأَنْتَ عَنْ الْكَبِيرِ أَعْجَزُ. لِذَلِكُمْ يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَمْنَعَ نَفْسَهُ مِنْ مُجَاوَزَةِ هَذَا الْخَطِّ الْأَحْمَرِ، قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: عَقْلُكَ حِصَانٌ تَرْكَبُهُ إِلَى بَابِ السُّلطَانِ، فَإِذَا وَصَلْتَ دَخَلْتَ وَحْدَكَ.

وَسَنَكْتَفِي بِهَذَا الْقَدْرِ فِي لِقَاءِ الْيَوْمِ، وَنَسْأَلُ اللَّـهَ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ أَنْ يَجْعَلَنَا وَإِيَّاكُمْ مِنَ الذِينَ يَعْلَمُونَ فَيَعْمَلُونَ، وَيَعْمَلُونَ فَيُخْلِصُونَ، وَيُخْلِصُونَ فَيُقْبَلُونَ، وَآخَرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمين.

(24)وُجُوبُ صِفَةِ الْوَحْدَانِيَّةِ وَالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الْمُسْتَحِقِّ وَحْدَهُ لِلْعِبَادَةِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَحِينٍ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا نِدَّ لَهُ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ الْعَابِدِينَ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْمُؤْمِنِينَ الْكَامِلِينَ، وَمَنِ اِقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ:

 اَلسَّـــلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّـهِ وَبَرَكَاتُـهُ، لَقَدْ عَلِمْنَا فِي الدَّرْسِ الْمَاضِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْأَوَّلُ بِلَا ابْتِدَاءٍ، وَالْآخَرُ بِلَا انْتِهَاءٍ، وَالْغَنِيُّ عَنِ الْخَلِيقَةِ جَمْعَاءَ، وَسَيَكُونُ عُنْوَانُ دَرْسِنَا لِهَذَا الْيَوْمِ هُوَ: وُجُوبُ صِفَةِ الْوَحْدَانِيَّةِ وَالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى... وَهِيَ كَالْآتِـي:

📗الصِّفَةُ السَّادِسَةُ: الْوَحْدَانِيَّةُ، وَمَعْنَى الْوَحْدَانِيَّةِ: أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَيْسَ لَهُ ثَانٍ فِي ذَاتِــــهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ وَلَا فِي أَفْعَالِهِ. قَالَ تَعَالَى: قُلْ هُوَ اللَّـهُ أَحَدٌ. أَيْ: الَّذِي انْحَصَرَتْ فِيهِ الْأَحَدِيَّةُ، وَهِيَ التَّفَرُّدُ بِكُلِّ صِفَاتِ الْكَمَالِ، فَلَيْسَتْ ذَاتُهُ تَعَالَى مُرَكَّبَةً مِنْ أَجْزَاءٍ، وَقَالَ سُبْحَانَهُ: وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ. أَيْ: مُتَوَحِّدٌ مُنْفَرِدٌ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ؛ فَلَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ وَلَا كُفُؤٌ وَلَا مِثْلٌ وَلَا نَظِيرٌ وَلَا خَالِقٌ وَلَا مُدَبِّرٌ غَيْرُهُ، وَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَــــــرْشِ عَمَّا يَصِفُــــونَ. وَقَـــالَ سُبْحَانَه وَتَعَـــــالَى: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ.

📗الصِّفَةُ السَّابِعَةُ: الْقُـــدْرَةُ، وَهِيَ: صِفَةٌ أَزَلِيَّةٌ ثَابِتَةٌ لِذَاتِ اللَّهُ تَعَالَى يَتَأَتَّى بِهَا الْإِيجَادُ وَالْإِعْدَامُ عَلَى وَفْقِ الْإِرَادَةِ. فَهُوَ صَاحِبُ الْقُدْرَةِ التَّامَّةِ الْكَامِلَةِ الَّذِي لَا يُعْجِزُهُ مَعَهَا شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ، يَقُولُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا. وَيَقُولُ سُبْحَانَهُ: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِي اللَّه عنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ ﷺ كَانَ يَقُولُ دُبُرَ كَلِّ صَلَاةٍ، حِينَ يُسَلِّمُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ... وَمَظَاهِرُ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى مُنْتَشِرَةٌ فِي الْكَوْنِ كُلِّهِ.

📗الصِّفَةُ الثَّامِنَةُ: الْإِرَادَةُ، وَهِيَ: صِفَةٌ قَدِيمَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، يُخَصِّصُ بِهَا الْمُمْكِنَ الْعَقْلِيَّ بِصِفَةٍ دُونَ صِفَةٍ. فَيُعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَصَّصَ كُلَّ شَيْءٍ دَخَلَ فِي الْوُجُودِ بُوُجُودِهِ بَدَلَ أَنْ يَبْقَى فِي الْعَدَمِ، وَبِالصِّفَةِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا دُونَ غَيْرِهَا، فَلِلَّهِ تَعَالَى الْمَشِيئَةُ وَالْإِرَادَةُ الْكَامِلَةُ الشَّامِلَةُ لِكُلِّ شَيْءٍ، فَمَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، قَالَ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ. لِذَلِكُمْ فَالْمُؤْمِنُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُعَلِّقَ إِرَادَتَهُ وَمَشِيئَتَهُ بِإِرَادَةِ اللَّهِ وَمَشِيئَتِهِ، فَإِذَا قَالَ: (سَأَفْعَلُ شَيْئاً) فَلْيَقُلْ: (إِنْ شَاءَ اللَّهُ)، وَقَدْ أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّبَرُّكِ وَالِاسْتِحْبَابِ فَقَالَ: وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ.

وَسَنَكْتَفِي بِهَذَا الْقَدْرِ فِي لِقَاءِ الْيَوْمِ، وَنَسْأَلُ اللَّـهَ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ أَنْ يَجْعَلَنَا وَإِيَّاكُمْ مِنَ الذِينَ يَعْلَمُونَ فَيَعْمَلُونَ، وَيَعْمَلُونَ فَيُخْلِصُونَ، وَيُخْلِصُونَ فَيُقْبَلُونَ، وَآخَرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

 (25)الْعِلْمِ وَالْحَيَاةِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ

 اَلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الْمُسْتَحِقِّ وَحْدَهُ لِلْعِبَادَةِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَحِينٍ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا نِدَّ لَهُ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ الْعَابِدِينَ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْمُؤْمِنِينَ الْكَامِلِينَ، وَمَنِ اِقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ:

 اَلسَّـــلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّـهِ وَبَرَكَاتُـهُ، لَقَدْ عَلِمْنَا فِي الدَّرْسِ الْمَاضِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَاحِدٌ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ، قَادِرٌ عَلَى إِيجَادِ كُلِّ مُمْكِنٍ وَإِعْدَامِهِ، عَلَى وَفْقِ مَشِيئَتِهِ وَإِرَادَتِهِ، وَسَيَكُونُ عُنْوَانُ دَرْسِنَا لِهَذَا الْيَوْمِ هُوَ: وُجُوبُ صِفَةِ الْعِلْمِ وَالْحَيَاةِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى... وَهِي كَالْآتِي: 

📗الصِّفَةُ التَّاسِعَةُ: اَلْعِلْمُ ، وَهُوَ: صِفَةٌ أَزَلِيَّةٌ ثَابِتَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى يَنْكَشِفُ بِهَا كُلُّ مَعْلُومٍ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ بِشَكْلٍ لاَ يَحْتَمِلُ النَّقِيضَ. فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَالِمٌ بِمَا كَــــانَ، وَمَا هُوَ كَــائِنٌ، وَمَا سَيَــكُونُ، وَمَا لَمْ يَكُنْ لَوْ كَانَ كَيْفَ يَكُونُ، يَعْلَمُ الشَّيْءَ قَبْـلَ كَوْنِهِ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ. وَيَعْلَمُ الشَّيْءَ حَالَ كَوْنِهِ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ. وَيَعْلَمُ الشَّيْءَ بَعْدَ كَوْنِهِ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمُ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.

📗الصِّفَةُ الْعَاشِرَةُ: اَلْحَيَاةُ، وَهِيَ: صِفَةٌ أَزَلِيَّةٌ ثَابِتَةٌ لِذَاتِ اللَّهُ تَعَالَى، يَتَأَتَّى لِمَنْ قَامَتْ بِهِ أَنْ يَتَّصِفَ بِالْعِلْمِ، وَالْقُدْرَةِ، وَالْإِرَادَةِ، وَالسَّمْعِ، وَالْبَصَرِ، وَالْكَلَامِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: اَلْحَيَاةُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى هِيَ الْحَيَاةُ الدَّائِمَةُ وَالْبَقَاءُ الَّذِي لَا أَوَّلَ لَهُ يُحدُّ وَلَا آخِرَ لَهُ يُؤمَّدُ، إِذْ كُلُّ مَا سِوَاهُ لِحَيَاتِهِ أَوَّلٌ مَحْدُودٌ، وَآخِرٌ مَأْمُودٌ، يَنْقَطِعُ بِانْقِطَاعِ أَمَدِهَا، وَيَنْقَضِي بانْقِضَاءِ غَايَتِهَا، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: اَللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ اللَّهُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ. وَيَقُولُ سُبْحَانَهُ: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ. 

📗الصفةُ الحاديةَ عشرةَ والثانيةَ عشرةَ: اَلسَّمْعُ، وَالْبَصَرُ، وَهُمَا: صِفَتَانِ أَزَلِيَّتَانِ قَائِمَتَانِ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، تَنْكَشِفُ بِهِمَا كُلُّ الْمَسْمُوعَاتِ وَالْمُبْصَرَاتِ، اِنْكِشَافاً تَامًّا لاَ يَحْتَمِلُ النَّقِيضَ. قَالَ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ. وَرَوَى الْبُخَــــــارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَـــــنْ أَبِي مُوسَى الْأْشْعَـــــرِيِّ رَضِيَ اللَّــــــهُ عَنْـــــهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، اِرْبَعُواْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ؛ فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِباً، وَلَكِنْ تَدْعُونَ سَمِيعاً بَصِيراً.

 وَسَنَكْتَفِي بِهَذَا الْقَدْرِ فِي لِقَاءِ الْيَوْمِ، وَنَسْأَلُ اللَّـهَ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ أَنْ يَجْعَلَنَا وَإِيَّاكُمْ مِنَ الذِينَ يَعْلَمُونَ فَيَعْمَلُونَ، وَيَعْمَلُونَ فَيُخْلِصُونَ، وَيُخْلِصُونَ فَيُقْبَلُونَ، وَآخَرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. 

(26)وُجُوبُ صِفَةِ: الْكَلَامِ فِي حَقِّ اللَّه

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الْمُسْتَحِقِّ وَحْدَهُ لِلْعِبَادَةِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَحِينٍ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا نِدَّ لَهُ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ الْعَابِدِينَ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْمُؤْمِنِينَ الْكَامِلِينَ، وَمَنِ اِقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ:

اَلسَّـــلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّـهِ وَبَرَكَاتُـهُ، لَقَدْ عَلِمْنَا فِي الدَّرْسِ الْمَاضِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَحَـــاطَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً، وَأَنَّهُ حَيٌّ، سَمِيعٌ، بَصِيرٌ، وَسَيَكُونُ عُنْوَانُ دَرْسِنَا لِهَذَا الْيَوْمِ هُوَ: وُجُوبُ صِفَةِ الْكَلَامِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى... وَسَنَتَنَاوَلُهُ مِنْ خِلَالِ مِحْوَرَيْنِ:

📗الْمِحْوَرُ الْأَوَّلُ: مَفْهُومُ الْكَلَامِ وَدَلِيلُهُ، فَهُوَ: صِفَةٌ أَزَلِيَّةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، لَا يُشْبِهُ كَلَامَ الْمَخْلُوقَاتِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، ويُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْعِبَارَاتِ الْمُخْتَلِفَاتِ كَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: يَحْشُرُ اللَّهُ الْخَلَائِقَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عُرَاةً حُفَاةً غُرْلاً بُهمًا، فَيُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ: أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الدَّيَانُ.

📗الْمِحْوَرُ الثَّانِي: كَلَامُ اللَّهِ لَا يُشْبِهُ كَلَامَ الْمَخْلُوقِينَ، فَقَدِ اتَّفَقَ أَهْلُ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى لَا تُشبِهُ صِفَاتِ أَحَدٍ مِنْ خَلقِهِ، وَقَالُواْ: مَهْمَا خَطَرَ بِبَالِكَ فَاللَّهُ لَا يُشْبِهُ ذَلِكَ. أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ... وَبِالتَّالِي فَاللَّهُ مُتَكَلِّمٌ بِكَلَامٍ لَيْسَ حَرْفاً وَلَا صَوْتاً، لأَنَّ الْكَلَامَ الَّذِي يَكُونُ بِالْحَرْفِ وَالصَّوْتِ مَخْلُوقٌ، وَاللَّهُ تَعَالَى كُلُّ صِفَاتِهِ قَدِيمَةٌ قِدَمَ ذَاتِهِ الْعَلِيَّةِ.

🔺فَائِدَةٌ مُهِمَّةٌ🔺

قَدْ يَقُولُ قَائِلٌ: الْقُرْآنُ الَّذِي نَقْرَأُهُ لَهُ بِدَايَةٌ وَلَهُ نِهَايَةٌ، وَهُوَ مُكَوَّنٌ مِنْ حُرُوفٍ، وَيُقْرَأُ بِصَوْتٍ وَحَرْفٍ، وَهُوَ بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، فَمَاذَا نَقُولُ عَنْهُ؟ وَالْجَوَابُ: أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ يُطْلَقُ ويُرَادُ بِه مَعْنَيَانِ:

الْمَعْنَى الْأَوَّلُ: يُطلَقُ ويُرادُ بِهِ: الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ الَّذِي هُوَ صِفَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى، فَهُوَ لَيْسَ حَرْفًا وَلَا صَوْتًا وَلَا لُغَةً وَلَا مُتَقَطِّعاً وَلَا انْتِهَاءَ لَهُ، وَغَيْرُ مُبْتَدَأٍ، وَلَيْسَ بِانْسِلَالِ هَوَاءٍ، وَلَا اصْطِكَاكِ أَجْرَامٍ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ...

الْمَعْنَى الثَّانِي: يُطلَقُ ويُرادُ بِهِ: اللَّفْظُ الْمَوْجُودُ بَيْنَ دَفَّتَيِ الْمُصْحَفِ، وَهُوَ حَرْفٌ وَصَوْتٌ، فَهَذَا اللَّفْظُ لَيْسَ هُوَ عَيْنَ صِفَةِ كَلَامِ اللَّهِ الْقَدِيمِ، بَلْ هُوَ دَلِيلٌ عَلَيْهِ، كَلَفْظِ الْجَلَالَةِ (اللَّهِ) فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ ذَاتِ اللَّهِ، وَلَيْسَ هُوَ عَيْنَهَا.

وَسَنَكْتَفِي بِهَذَا الْقَدْرِ فِي لِقَاءِ الْيَوْمِ، وَنَسْأَلُ اللَّـهَ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ أَنْ يَجْعَلَنَا وَإِيَّاكُمْ مِنَ الذِينَ يَعْلَمُونَ فَيَعْمَلُونَ، وَيَعْمَلُونَ فَيُخْلِصُونَ، وَيُخْلِصُونَ فَيُقْبَلُونَ، وَآخَرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. 

(27)وَقَفَاتٌ مَعَ سُورَةِ الْقَدْرِ وَلَيْلَتِهَا الْمُبَارَكَةِ

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَكْرَمْنَا بِمَوَاسِمِ الْخَيْرَاتِ، وَجَعَلَ خَوَاتِيمَ رَمَضَانَ مَيْدَاناً لِجَلِيلِ الطَّاعَاتِ وَجَمِيلِ الْقُرُبَاتِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ خَيْرُ مَنِ اِغْتَنَمَ فَضَائِلَ الْأَوْقَاتِ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الطَّاهِرِينَ وَالطَّاهِرَاتِ، وَمَنِ اِقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ إِلَى يَوْمِ تُبْعَثُ الْمَخْلُوقَاتُ.

أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ:

اَلسَّـــلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّـهِ وَبَرَكَاتُـهُ، لَقَدِ اجْتَمَعْنَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ الْمُبَارَكَةِ، لِأَنَّهَا أَرْجَى لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِي الْوِتْرِ، رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ: مَنْ كَانَ مُتَحَرِّيهَا فَلْيَتَحَرَّهَا لَيْلَةَ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ. لِذَلِكُمْ سَيَكُونُ عُنْوَانُ دَرْسِنَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ الْمُبَارَكَةِ – بِحَوِلِ اللَّهِ تَعَالَى - هُوَ: وَقَفَاتٌ مَعَ سُورَةِ الْقَدْرِ وَلَيْلَتِهَا الْمُبَارَكَةِ... لِنَعْلَمَ جَمِيعًا مَكَانَتَهَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، فَنَغْتَنِمَهَا حَقَّ الِاغْتِنَامِ، فَأَعِيرُونِي الْقُلُوبَ وَالْأَسْمَاعَ:

📗الْوَقْفَةُ الْأُولَى: مَعَ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ. يَعْنِي: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ فِي لَيْلَةٍ صَاحِبَةِ قَدْرٍ وَشَرَفٍ وَمَكَانَةٍ عَالِيَةٍ، وَهِيَ الَّتِي قَالَ عَنْهَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي سُورَةِ الدُّخَانِ: وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ. وَالْقُرْآنُ الْكَرِيمُ لَهُ ثَلَاثُ تَنَزُّلَاتٍ:

🍀التَّنَزُّلُ الْأَوَّلُ: مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَى اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ الذِي كَتَبَ اللَّهُ فِيهِ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ.

🍀التَّنَزُّلُ الثَّانِي: مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ إِلَى بَيْتِ الْعِــــزَّةِ الذِي يُوجَدُ حِيَالَ الْكَعْبَةِ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ.

🍀التَّنَزُّلُ الثَّالِثُ: عَلَى قَلْبِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِوَاسِطَةِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ.

📗الْوَقْفَةُ الثَّانِيَةُ: مَعَ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ. يَعْنِي: أَنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ فِي ثَمَانِينَ عَاماً لَيْسَتْ فِيهِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ، وَهَذِهِ كَرَامَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِهَذِهِ الْأُمَّةِ، لِأَنَّ أَعْمَارَهَا قَصِيرَةٌ، رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عَلِيِّ بْن عُرْوَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمًا أَرْبَعَةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَبَدُواْ اللَّهَ ثَمَانِينَ عَامًا لَمْ يَعْصُوهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ، فَعَجِبَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ ذَلِكَ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ عَجِبَتْ أُمَّتُكَ مِنْ عِبَادَةِ هَؤُلَاءِ النَّفَرِ ثَمَانِينَ سَنَةً لَمْ يَعْصُوهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ، فَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ. هَذَا أَفْضَلُ مِمَّا عَجِبْتَ أَنْتَ وَأُمَّتُكَ، فَسُرَّ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّه ﷺ وَالنَّاسُ مَعَهُ. وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُسْلِمِ إِحْيَاءُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ الْمُبَارَكَةِ بِمَايَلِـــي:

🌳أَوَّلًا: الْقِيَامُ، أَيْ: إِحْيَاؤُهَا بِالصَّلَاةِ، فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ.

🌳ثَانِياً: الْإِكْثَارُ مِنَ الدُّعَاءِ، فَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيَّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ: قُولِـي: اَللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي.

🌳ثَالِثاً: الْإِكْثَارُ مِنْ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، فَلَيْلَةُ الْقَدْرِ هِيَ زَمَنُ نُزُولِ الْقُرْآنِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ... لِذَلِكُمْ فَإِنَّ تِلَاوَتَهُ وَالِاسْتِمَاعَ إِلَيْهِ وَمُدَارَسَتَهُ وَتَدَبُّرَهُ فِيهَا مِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ.

📗الْوَقْفَةُ الثَّالِثَةُ: مَعَ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ. يَعْنِي: أَنَّ الْمَلَائِكَةَ الْكِرَامَ - وَعَلَى رَأْسِهِمْ آمِينُ الْوَحْيِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَتَنَزَّلُونَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ الْمُبَارَكَةِ، فَتَنْزِلُ مَعَهُمُ الرَّحْمَةُ وَالْبَرَكَةُ، وَلَا يَلْقَوْنَ مُؤْمِنَةً وَلَا مُؤْمِنَةً فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ إِلَّا سَلَّمُواْ عَلَيْهِ، حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ، قَالَ الشَّعْبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: تُسَلِّمُ الْمَلَائِكَةُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ عَلَى أَهْلِ الْمَسَاجِدِ مِنْ حَيْثُ تَغِيبُ الشَّمْسُ إِلَى أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ.

وَسَنَكْتَفِي بِهَذَا الْقَدْرِ فِي لِقَاءِ الْيَوْمِ، وَنَسْأَلُ اللَّـهَ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ أَنْ يَجْعَلَنَا وَإِيَّاكُمْ مِنَ الذِينَ يَعْلَمُونَ فَيَعْمَلُونَ، وَيَعْمَلُونَ فَيُخْلِصُونَ، وَيُخْلِصُونَ فَيُقْبَلُونَ، وَآخَرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. 


(28)زَكَاةُ الْفِطْرِ حِكَمٌ وَأَحْكَامٌ 

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِينَ، وَطُعْمَةً لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَلِيُّ الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ الْعَابِدِينَ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ، وَمَنِ اِقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ:

اَلسَّـــلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّـهِ وَبَرَكَاتُـهُ، كُلَّمَا اقْتَرَبَ شَهْرُ رَمَضَانَ الْمُبَارَكُ مِنْ نِهَايَتِهِ، تَذَكَّرْنَا عِبَادَةً عَظِيمَةً مَفْرُوضَةً، تَتَجَسَّدُ فِيهَا رُوحُ التَّضَامُنِ وَالتَّكَافُلِ بَيْنَ أَفْرَادِ الْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ، أَلَا وَهِيَ: زَكَاةُ الْفِطْرِ، فَيَكْثُرُ السُّؤَالُ عَنْ حِكَمِهَا وَأَحْكَامِهَا، لِذَلِكُمْ سَيَكُونُ عُنْوَانُ دَرَسِنَا لِهَذَا الْيَوْمِ هُوَ: زَكَاةُ الْفِطْرِ حِكَمٌ وَأَحْكَامٌ... وَسَنَتَنَاوَلُهُ مِنْ خِلَالِ أَرْبَعَةِ مَحَاوِرَ:

📗الْمِحْوَرُ الْأَوَّلُ: مَفْهُومُ زَكَاةِ الْفِطْرِ وَحُكْمُهَا، فَزَكَاةُ الْفِطْرِ هِيَ: الصَّدَقَةُ التِي تَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ عِنْدَ الْفِطْرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ بِانْقِضَائِهِ. وَقَدْ فُرِضَتْ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى. يَعْنِي: قَدْ فَازَ مَنْ أَدَّى صَدَقَةَ الْفِطْرِ، ثُمَّ غَدَا ذَاكِراً لِلَّهِ إِلَى الْمُصَلَّى فَصَلَّى صَلَاةَ الْعِيدِ، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. فَيُخْرِجُهَا الْمُسْلِمُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ مِنَ الزَّوْجَةِ وَالْأَوْلَادِ وَالْوَالِدَيْنِ وَنَحْوِهِمْ... وَتُعْطَى لِلْمُسْلِم الْفَقِيرِ أَوِ الْمِسْكِينِ فَقَطْ.

📗الْمِحْوَرُ الثَّانِي: حِكْمَتُهَا، فَالْمُرَاد بِالْحِكْمَةِ هُوَ: الْمَقْصِدُ الَّذِي يَسْعَى الشَّرْعُ إِلَى تَحْقِيقِهِ بِتَشْرِيعِ زَكَاةِ الْفِطْرِ. وَقَدْ فُرِضَتْ لِحِكْمَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ: الْحِكْمَةُ الْأُولَى: فَرْدِيَّةٌ، أَيْ: يَسْتَفِيدُ مِنْهَا الْفَرْدُ، وَتَتَمَثَّلُ فِي تَطْهِيرِ صِيَامِهِ مِمَّا قَدْ يَشُوبُهُ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ الذِي يَنْقُصُ أَجْرَهُ، وَالْحِكْمَةُ الثَّانِيَةُ: اِجْتِمَاعِيَّةٌ، أَيْ: يَسْتَفِيدُ مِنْهَا الْمُجْتَمَعُ، وَتَتَمَثَّلُ فِي تَوْفِيرِ الطَّعَامِ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، وَإِغْنَائِهِمْ عَنِ التَّسَوُّلِ وَاسْتِجْدَاءِ النَّاسِ يَوْمَ الْعِيدِ، تَعْمِيمًا لِلْفَرَحِ وَالسُّرُورِ، رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ...

📗الْمِحْوَرُ الثَّالِثُ: جِنْسُهَا وَمِقْدَارُهَا، فَزَكَاةُ الْفِطْرِ تُخْرَجُ مِنْ غَالِبِ قُوتِ أَهْلِ الْبَلَدِ، وَغَالِبُ الْقُوتِ عِنْدَنَا فِي الْمَغْرِبِ هُوَ الْقَمْحُ الْمَعْرُوفِ بِـ(فَرِينَا)، وَمِقْدَارُهَا هُوَ: (صَاعٌ)، وَهُوَ: أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ، أَيْ: أَرْبَعُ حَفْنَاتٍ بِالْيَدَيْنِ الْمُعْتَدِلَتَيْنِ الْمُمْتَلِئَتَيْنِ، لَا مَقْبُوضَتَيْنِ وَلَا مَبْسُوطَتَيْنِ، وَمِقْدَارُهُ بِالْكِيلُو غْرَامْ الْمَعْمُولِ بِهِ حَالِيًا هُوَ: (2.5 كِيلُوَانِ وَنِصْفٌ تَقْرِيباً)،  رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ... وَيَجُوزُ إِخْرَاجُ قِيمَتِهَا نَقْدًا إِذَا دَعَتْ مَصْلَحَةُ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ إِلَى ذَلِكَ، تَحْقِيقًا لِلْمَقْصِدِ الشَّرْعِيِّ مِنْهَا، وَقَدْ حَدَّدَ الْمَجْلِسُ الْعِلْمِيُّ الْأَعْلَى قِيمَتَهَا فِي: (20 عِشْرِينَ دِرْهَماً) هَذِهِ السَّنَةِ، أَيْ: سَنَةِ: (1443 أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ وَثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ لِلْهِجْرَةِ).

📗الْمِحْوَرُ الرَّابِعُ: وَقْتُ إِخْرَاجِهَا، فَهِيَ تَجِبُ بِغُرُوبِ شَمْسِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، أَيْ: بَعْدَ الْفِطْرِ مِنْ جَمِيعِ رَمَضَانَ، وَوَقْتُ إِخْرَاجِهَا عَلَى قِسْمَيْنِ:

🌳الْأَوَّلُ: وَقْتُ الْأَدَاءِ الْفَاضِلُ، وَهُوَ صَبِيحَةُ يَوْمِ الْعِيدِ قَبْلَ الصَّلَاةِ، لِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِإِخْرَاجِ زَكَاةِ الْفِطْرِ أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ.

🌳الثَّانِي: وَقْتُ الْجَوَازِ، وَهُوَ قَبْلَ الْعِيدِ بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ، لِمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَبْعَثُ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ إِلَى الَّذِي تُجْمَعُ عِنْدَهُ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ

وَسَنَكْتَفِي بِهَذَا الْقَدْرِ فِي لِقَاءِ الْيَوْمِ، وَنَسْأَلُ اللَّـهَ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ أَنْ يَجْعَلَنَا وَإِيَّاكُمْ مِنَ الذِينَ يَعْلَمُونَ فَيَعْمَلُونَ، وَيَعْمَلُونَ فَيُخْلِصُونَ، وَيُخْلِصُونَ فَيُقْبَلُونَ، وَآخَرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.


 (29)آدَابُ الْعِيدِ فِي الْإِسْلَامِ

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَكْرَمْنَا بِمَوَاسِمِ الْخَيْرَاتِ، وَجَعَلَ الْعِيدَ مَوْسِماً لِلْأَفْرَاحِ وَالْمَسَرَّاتِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ جَزِيلُ الْخَيْرَاتِ وَالْبَرَكَاتِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمَبْعُوثُ رَحْمَةً لِلْمَخْلُوقَاتِ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الطَّاهِرِينَ وَالطَّاهِرَاتِ، وَمَنِ اِقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ مَا دَامَتِ الْأَرْضُ وَالسَّمَاوَاتُ.

أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ:

اَلسَّـــلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَــــةُ اللَّـهِ وَبَرَكَاتُـــــــهُ، هَا نَحْنُ سَنَكُونُ يَوْمَ غَدٍ – بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى - فِي رِحَابِ عِيدِ الْفِطْرِ السَّعِيدِ، بَعْدَ أَنْ وَفَّقَنَا اللَّهُ تَعَالَى لِلصِّيَامِ وَالْقِيَامِ، وَتِلَاوَةِ أَحْلَى الْكَلَامِ، لِذَلِكُمْ سَيَكُونُ عُنْوَانُ دَرْسِنَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ هُوَ: آدَابُ الْعِيدِ فِي الْإِسْلَامِ... لِأَنَّ الْعِيدَ لَا يَعْنِي أَبَدًا تَرْكَ الطَّاعَاتِ، وَلَا يَعْنِي الْخُلُودَ لِلْكَسَلِ وَتَضْيِيعَ الْأَوْقَاتِ، بَل شَرَعَ فِيهِ الْإِسْلَامُ عِبَادَاتٍ خَاصَّةً بِهِ، وَآدَابًا تَجْعَلُ الْمُسْلِمَ قَرِيبًا مِنَ اللَّهِ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ، وَهِيَ مَا يَلِي:

📗الْأَدَبُ الْأَوَّلُ: الِاغْتِسَالُ وَلُبْسُ الْجَدِيدِ، فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْعِيدِ، وَيَلْبَسُ أَجْوَدَ مَا يَجِدُ مِنَ الثِّيَابِ، وَيَتَطَيَّبُ بِأَجْوَدِ مَا يَجِدُ مِنَ الطِّيبِ، وَيَحُثُّ أَصْحَابَهُ عَلَى ذَلِكَ، رَوَى الْحَاكِمُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي الْعِيدَيْنِ أَنَّ نَلْبَسَ أَجْوَدَ مَا نَجِدُ، وَأَنْ نَتَطَيَّبَ بِأَجْوَدِ مَا نَجِدُ. وَرَوَى الْإِمَامُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَغْدُوَ إِلَى الْمُصَلَّى.

📗الْأَدَبُ الثَّانِي: الْفِطْرُ بِتَمْرَةٍ أَو تَمَرَاتٍ، كَمَا كَانَ يَفْعَلُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ عِيدِ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْـمُصَلَّى، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ تَمْرًا فَلْيُفْطِرْ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ مُبَاحٍ، رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ، وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا, وَفِي عِيدِ الْأَضْحَى يُسْتَحَبُّ أَنْ لَّا يُفْطِرُ حَتَّى يَأْكُلَ بَعْدَ الصَّلَاةِ مِنْ أُضْحِيَّتَهِ، رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ لَا يَخْرُجُ يَوْمَ الفِطْرِ حَتَّى يَطْعَمَ، وَلَا يَطْعَمُ يَوْمَ الأَضْحَى حَتَّى يُصَلِّيَ.

📗الْأَدَبُ الثَّالِثُ: اَلْخُرُوجُ إِلَى صَلَاةِ الْعِيدِ، فَيَخْرُجُ الْمُسْلِمُ إِلَيْهَا مُكَبِّراً مَاشِياً، وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ، فَيُصَلِّي صَلَاةَ الْعِيدِ، ثُمَّ يُخَالِفُ الطَّرِيقَ عِنْدَ رُجُوعِهِ مِنَ الْمُصَلَّى، كَمَا كَانَ يَفْعَلُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ. وَرَوَى ابْنُ مَاجَةَ عَنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَخْرُجُ إِلَى الْعِيدِ مَاشِيًا، وَيَرْجِعُ مَاشِيًا. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ.

📗الْأَدَبُ الرَّابِعُ: إِظْهَارُ الْفَرَحِ وَالسُّرُورِ، فَالْمُسْلِمُ مَأْمُورٌ أَنْ يَفْرَحَ بفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا، إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ. وَمِنْ مَظَاهِرِ الْفَرَحِ فِي يَوْمِ الْعِيدِ:

🍀أَوَّلًا: التَّوْسِعَةُ عَلَى الْأَهْلِ وَالْعِيَالِ بِمَا هُوَ مُبَاحٌ، كَمَا كَانَ يَفْعَلُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ أَبُو بَكرٍ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ - بِنْتَانِ دُونَ سِنِّ الْبُلُوغِ - مِنْ جَوَارِي الْأَنْصَارِ تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتْ بِهِ الْأَنْصَارُ فِي يَوْمِ بُعاثَ وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَذَلِكَ فِي يَوْمِ عِيدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَهَذَا عِيدُنَا.

🍀ثَانِياً: صِلَةُ الْأَرْحَامِ، فَذَلِكَ مِمَّا يَجْعَلُ الْبَرَكَةَ فِي الْأَرْزَاقِ، وَالزِّيَادَةَ فِي الْأَعْمَارِ، وَالْمَحَبَّةَ بَيْنَ الْأَقَارِبِ فِي كُلِّ الْأَقْطَارِ، وَيَزِيدُ الْعِيدَ جَمَالًا وَبَهْجَةً وَسُرُوراً، رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ.

🍀ثَالِثاً: التَّهْنِئَةُ بِالْعِيدِ، فَذَلِكَ مِمَّا يُقَوِّي الْمَحَبَّةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، رَوَى ابْنُ حِبَّانَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكاً عَنْ قَوْلِ النَّاسِ فِي الْعِيدِ: تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا مِنْكَ، فَقَالَ: مَازَالَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا كَذَلِكَ. وَأَمَرُ التَّهْنِئَةِ أَقْرَبُ إِلَى الْعَادَاتِ مِنْهُ إِلَى الْعِبَادَاتِ، وَالْأَصْلُ فِي أُمُورِ الْعَادَاتِ الْإِبَاحَةُ، وَلَكِنَّهَا إِذَا كَانَتْ تُحَقِّقُ مَقْصِداً شَرْعِيّاً، كَنَشْرِ الْمَحَبَّةِ، فَمِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ يَدْخُلُ الِاسْتِحْبَابُ.

وَسَنَكْتَفِي بِهَذَا الْقَدْرِ فِي لِقَاءِ الْيَوْمِ، وَنَسْأَلُ اللَّـهَ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ أَنْ يَجْعَلَنَا وَإِيَّاكُمْ مِنَ الذِينَ يَعْلَمُونَ فَيَعْمَلُونَ، وَيَعْمَلُونَ فَيُخْلِصُونَ، وَيُخْلِصُونَ فَيُقْبَلُونَ، وَآخَرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

📌• جَمْعُ وَتَرْتِيبُ: رَشِيدِ الْمَعَاشِي





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا