نِعْمَةُ تَحْقِيقِ الْإِيمَانِ، وَأَثَرُهَا فِي سَعَادَةِ الْإِنْسَانِ - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

نِعْمَةُ تَحْقِيقِ الْإِيمَانِ، وَأَثَرُهَا فِي سَعَادَةِ الْإِنْسَانِ

إعدادفضيلة الاستاذ : رشـيـد الـمعاشي

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، جَعَلَ الْإِيمَانَ بِهِ سَبَباً لِلسَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَيَوْمَ الدِّينِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَحِينٍ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ الْمُؤْمِنِينَ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ، وَمَنِ اِقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ إلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ:

إِنَّ صَلَاحَ الْقَلْبِ هُوَ أَسَاسُ صَلَاحِ الْإِنْسَانِ، وَمِعْيَارُ اسْتِقَامَتِهِ وَتَقْوَاهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَآنٍ، رَوَى مُسْلِمٌ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلُحَتْ صَلُحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ. وَالْقَلْبُ لَا يَصْلُحُ إِلَّا إِذَا امْتَلَأَ بِالإِيمَانِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا... 

لِذَلِكُمْ سَنُخَصِّصُ بَعْضًا مِنْ خُطَبِنَا - بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى - لِلْحَدِيثِ عَنِ الْإِيمَانِ، وَمَا يَنْبَغِي اعْتِقَادُهُ بِالْجَنَانِ، وَالنُّطْقُ بِهِ بِاللِّسَانِ، وَسَيَكُونُ عُنْوَانُ خُطْبَتِنَا لِهَذَا الْيَوْمِ الْمُبَارَكِ السَّعِيدِ هُوَ: نِعْمَةُ تَحْقِيقِ بِالْإِيمَانِ، وَأَثَرُهَا فِي سَعَادَةِ الْإِنْسَانِ، وَسَنُسَلِّطُ الضَّوْءَ عَلَى هَذَا الْعُنْوَانِ مِنْ خِلَالِ ثَلَاثَةِ عَنَاصِرَ:

الْعُنْصُرُ الْأَوَّلُ: مَفْهُومُ الْإِيمَانِ وَأَرْكَانُـــــهُ، فَالْإِيمَانُ فِي اللُّغَــــــةِ - أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ - هُوَ: الْإِقْرَارُ، أَيْ: الِاعْتِرَافُ بِالشَّيْءِ اعْتِرَافًا نَاتِجاً عَنْ تَصْدِيقٍ بِهِ، وَفِي الِاصْطِلَاحِ الشَّرْعِيِّ هُوَ: التَّصْدِيقُ الْقَلْبِيُّ الْجَازِمُ بِوُجُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا يَسْتَتْبِعُ ذَلِكَ، وَالْإِقْرَارُ بِهِ وَالْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهُ...

 وَأَرْكَانُ الْإِيمَانِ التِي لَا يَصِحُّ إِلَّا بِهَا سِتَّةٌ، وَهِيَ مَذْكُورَةٌ فِي الْحَدِيثِ الذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ذَاتَ يَوْمٍ، إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ... إِلَى أَنْ قَالَ لَهُ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِيمَانِ؟ فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ. قَالَ: صَدَقْتَ... وَفِي آخِرِ الْحَدِيثِ بَعْدَ انْصِرَافِ الرَّجُلِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يَا عُمَرُ، أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟ فَقَالَ عُمَرُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: هَذَا جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ. 

الْعُنْصُرُ الثَّانِي: أَهَمِّيَّةُ الْإِيمَانِ، فَالْإِيمَانُ - أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ – هُوَ الْأَسَاسُ الْأَوَّلُ لِلتَّرْبِيَةِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ، لِذَلِكُمْ اِفْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ دَعْوَتَهُ بِتَثْبِيتِ حَقِيقَتِهِ وَتَرْسِيخِهَا فِي أَعْمَاقِ الْقُلُوبِ، وَطَالَتْ مُدَّةُ تِلْكَ الْمَرْحَلَةِ مِنَ الدَّعْوَةِ حَتَّى بَلَغَتْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ عَاماً، لَمْ يَكُنْ يَهْتَمُّ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَّا بِتَثْبِيتِ حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ، وَلَا يَعْدُو أَنْ يَقُولَ لِلنَّاسِ: قُولُواْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تُفْلِحُواْ. 

حَتَّى نَبَتَتْ كَلِمَةُ الْإِيمَانِ، وَصَارَتْ عَقِيدَةً مَكِينَةً فِي الْقُلُوبِ، فَبَنَى عَلَيْهَا مَا جَاءَ بَعْدَهَا مِنَ الْعِبَادَاتِ وَالسُّلُوكِ، وَمِنْ هُنَا نُدْرِكُ أَهَمِّيَّةَ الْإِيمَانِ، فَهُوَ نِعْمَةٌ كُبْرَى يُكْرِمُ اللَّهُ بِهَا مِنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَهُوَ أَكْبَرُ حَتَّى مِنْ نِعْمَهِ الْوُجُودِ، وَمِنْ كُلِّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْوُجُودِ مِنْ نِعَمِ الرِّزْقِ وَالصِّحَّةِ وَالْمَتَاعِ، وَلَا قِيمَةَ لِحَيَاةِ الْإِنْسَانِ كُلِّهَا بِمَعْزِلٍ عَنِ الْإِيمَانِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُخَاطَبًا عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ: بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ.

 وَقَالَ سُبْحَانَهُ: وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَليمٌ حَكيمٌ. وَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ. فَأَمْرَاضُ الصُّدُورِ – أَيْ الْقُلُوبِ - أَخْطَرُ مِنْ أَمْرَاضِ الْجُسُومِ، لِأَنَّ أَمْرَاضَ الصُّدُورِ تُؤَدِّي إِلَى الْجَحِيمِ، وَأَمْرَاضُ الْجُسُومِ تُؤَدِّي إِلَى النَّعِيم، وَلَا شِفَاءَ لِمَا فِي الصُّدُورِ مِنَ الْعِلَلِ وَالْأَمْرَاضِ إِلاَّ بِتَحْقِيقِ الإِيمَانِ.

نَفَعَنِي اللَّـهُ وَإِيَّاكُمْ بِكِتَابِهِ الْـمُبينِ، وَبِسُنَّةِ نَبيِّهِ الْمُصْطَفَى الْكَرِيمِ، وَجَعَلَنِـي وَإِيَّاكُمْ مِنَ الذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ آمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْـحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمينَ.

اَلْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

اَلْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَليُّ الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، سَيِّدُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرينَ، صَلَّى اللَّـهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَمَنِ اقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ:

الْعُنْصُرُ الثَّالِثُ: أَثَرُ الْإِيمَانِ فِي سَعَادَةِ الْإِنْسَانِ، فَبَعْدَ أَنْ يُخَالِطَ الْإِيمَانُ بَشَاشَةَ الْقَلْبِ يَنْعَكِسُ أَثَرُهُ الطَّبِيعِيُّ إِيجَابًا عَلَى كَافَّةِ مُسْتَوَيَاتِ حَيَاةِ الْإِنْسَانِ الْمُؤْمِنِ، وَيَظْهَرُ ذَلِكَ عَلَى مُسْتَوِيَيْنِ: 

الْمُسْتَوَى الْأَوَّلُ: الْقَلْبُ، فَالْإِيمَانُ يُرَسِّخُ فِي قَلْبِ صَاحِبِهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ، وَلَا يَكُونُ فِي مِلْكِهِ إِلَّا مَا يُرِيدُ، بِيَدِهِ الْمَنْعُ وَالْعَطَاءُ، وَالنَّفْعُ وَالضُّرُّ، وَالْغِنَى وَالْفَقْرُ، وَالْمَوْتُ وَالْحَيَاةُ، فَتَحْصُلُ لَهُ الطُّمَأْنِينَةُ وَالرِّضَى، وَيَمْتَلِئُ قَلْبُهُ رَجَاءً وَأَمَلاً فِي رَحْمَةِ اللَّهِ وَفَضْلِهِ.

الْمُسْتَوَى الثَّانِي: السُّلُوكُ، فَالْإِيمَانُ شَجَرَةٌ طَيِّبَةٌ مُبَارَكَةٌ أَصْلُهَا ثَابِتٌ فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ عِلْمًا وَاعْتِقَادًا، وَفَرْعُهَا مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَالْأَخْلَاقِ الْمَرْضِيَّةِ يُرَى أَثَرُهُ بَيْنَ النَّاسِ، وَيُرْفَعُ إِلَى اللَّهِ فَيَنَالُ ثَوَابَهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَحِينٍ، فَاتَّقُــــواْ اللَّهَ - أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ -، وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ، وَلِلْحَدِيثِ بَقِيَّةٌ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

🍀الدُّعَاءُ🍀

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا