السلامُ ومجالاتُ تحْقِيقِه - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

السلامُ ومجالاتُ تحْقِيقِه

إعداد فضيلة الاستاذ: محمد زراك

الحمد لله الذي جعل الإسلام دين السلام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك ذو الفضل والإنعام، وعد أهل السلام من عباده بالمغفرة والإكرام، وأشهد أن سيدنا محمدا عبدُه ورسوله خير الأنام، كان يحث على طهارة القلب من الغل والأحقاد وسائر الأسقام، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الكرام، وعلى التابعين لهم باحسان ما تعاقبت الليالي والأيام  {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون}

أما بعد فيا معشر المسلمين والمسلمات؛ 

إن الإسلام دين السلام، تقوم عليه مبادئه وتدعو إليه تعاليمه، لكي ينعمَ كل فرد من أفراد المجتمع بالسلام، ويأمنَ على نفسه وعرضه، وعلى ماله وولده، ويعيشَ حياةً سعيدة، مرتاحَ البال مطمئنَّ النفس صافيَ القلب.

ولا يمكن الوصولُ إلى هذه الحياة الطيبة الهنية، والسعادة الدائمة السوية، إلا إذا حققنا السلام في مجالاته كلها، السلام مع الله والسلام مع النفس والسلام مع الناس أجمعين.

فأما السلام مع الله تعالى: فيكون بعبادته وطاعته، فمن آمن بالله وعبده وأطاعه، ووحَّدَه وشكره، وامتثل أوامره واجتنب نواهيه، فقد حقق السلام بينه وبين الله تعالى، وأما الذي يَعصي الله ليلا ونهارا وإسرارا وجِهارا، وينتهكُ محارم الله ويتعدّ حدوده، فإنه قد أعلن الحرب مع الله، ولا سلام بينه وبين الله تعالى حتى يتوب، وإلا فهو هالك وخاسر.

فكم من إنسان عاش في عافية وسلام، ثم دخل إلى الديون الربوية، فسُلِّطت عليه الأمراض والمشاكل والضيق والمصائب والفقر والشدائد، لأنه أعلن الحرب على الله ورسوله{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } 

وكم من أناس يجاهرون الله بالمعاصي والفسق والفواحش، فسُلِّطت عليهم الأمراض والأوجاع التي لم تكن الأزمنة الماضية. 

وكم من أناس ينقصون الكيل والميزان، ويغشون في البيع والشراء فعوقبوا بالقحط والجفاف.

وكم من أناس مَنعوا زكاة أموالهم شُحًّا وبخلا، فانتزعت البركة من أموالهم، كما   مُنِع الناس بسببهم المطر من السماء، والأمثلة في  الواقع  أكثر من أن تُعدَّ وتحصى، وتُذكرَ وتستقصى.

 إلا أن ربنا سبحانه وتعالى رحمانُ الدنيا والآخرة ورحيمُهما، قد فتح لجميع المذنبين باب التوبة -ولو حاربوه بالمعاصي- فيبسطُ يده بالنهار ليتوب مسيئ اليل، ويبسط يده باليل ليتوب مسيئ النهار{وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ}  فنسأل الله أن يتوب علينا أجمعين.

وأما السلام مع النفس؛ فإنه لا يمكن للإنسان أن يعيش في سلام مع الناس من حوله، إذا لم يعش في سلام مع نفسه أولا، لأن الذي ينام ويصبح وهو يتفكر  في الانتقام من الآخرين والنيل منهم وإيذائهم، يعيش كئيبا حزينا مهموما مغموما، لأنه في حالة حرب مع نفسه، فيحرُمُ بذلك نفسَه سعادتَها وطمأنينتها بل وحتى راحتها ونومها.

لذلك حرص الإسلام على أن يعيش الإنسان سلاما داخليا مع نفسه ليكون مرتاح البال، فدعا إلى الإيمان بالله والعمل الصالح فقال تعالى:{ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} بل وجعل السعادة في الآخرة والفوزَ بالجنة، لمن كان قلبه سليما من الغل والحسد والضغائن والعدواة والبغضاء يقول  سبحانه{ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}   وبشر النبي أحد أصحابه بالجنة ثلاث مرات، لأنه لا يجد في نفسه غشا لأحد من المسلمين، ولا يحسد أحداً على خير أعطاه الله إياه .

و لأهمية السلام النفسي في تحقيق السعادة وراحة البال، لم يكن سلفنا الصالح يشغَلون أنفسهم بهموم العداوات يقول الإمام الشافعي رحمه الله: 

لَمّا عَفَوتُ وَلَم أَحقِد عَلى أَحَدٍ ***  أَرَحتُ نَفسي مِن هَمِّ العَداواتِ

إِنّي أُحَيّي عَدوّي عِندَ رُؤيَتِهِ ***  لِأَدفَعَ الشَرَّ عَنّي بِالتَحِيّاتِ 

فكلما ترفَّع الإنسان عن الانتقام والعداوات، كلما ارتقى بنفسه الى درجات الكمال، فيدفعُ عنه شرور الأعداء ويعيشُ حياة سعيدة ويصيرُ من أفضل الناس، فقد سئل النبيﷺ " أيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ» قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟ قَالَ «هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ لَا إِثْمَ فِيهِ وَلَا بَغْيَ وَلَا غِلَّ وَلَا حَسَدَ»  فاللهم مُنَّ علينا جميعا بقلوب سليمة يارب العالمين. 

نفعني الله وإياكم بالقران العظيم وبحديث سيد المرسلين وغفر لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين والحمد لله رب العالمين، ادعوا الله يستجب لكم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين.

 أما بعد فيا عباد الله؛ إن المؤمن يسعى جاهدا إلى تحقيق السلام مع الله تعالى بحسن عبادته، وتحقيق السلام مع نفسه فيريحُها من هموم العداوات ليفوز براحته، ثم يسعى إلى تحقيق السلام مع الناس من حوله بحسن أخلاقه ومعاملته.

فيصدق الحديثَ إذا تحدث، ويفشِي السلام، ويؤدّي الأمانة إذا ائتمن، ويَبَرُّ والديه، ويعدلُ بينَ أبْنائه، ويصلُ رحمه، ويحسنُ إلى جاره، ويتواضعُ للناس جميعا، ويعطِي من حرمه، ويعفُو عمن ظلمه، ويصلُ من قطعه، ويرحمُ الضعيف، ويتصدقُ على المساكين والمحتاجين، ويكونُ الناس في مأمن منه على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم واولادهم، ويحبُّ الخير للاخرين كما يحبه لنفسه...وغيرها من مكارم الأخلاق  التي يبني بها المسلم علاقة سلام بينه وبين الناس مِن حوله.

 ثم إنَّ مَن لزِم محاسن الأخلاق ومكارمها، فإنه ينتفع بها في الدنيا والاخرة،

فأما انتفاعه بها في الدنيا فإن الله يرزقه محبة الناس فيحبه كلُّ من حوله.

وأما انتفاعه بها في الآخرة فإن حسن الخلق من أعظم أسباب دخول الجنة سئل رسول الله ﷺ «مَا أَكْثَرُ مَا يُدْخِلُ الْجَنَّةَ؟ قَالَ: «التَّقْوَى، وَحُسْنُ الْخُلُقِ» » .

ألا وإن من  بنى حياته في الدنيا على السلام بكل جوانبه، يُرجى أن يكون يوم القيامة من الذين يدخلون الجنة بسلام إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} 

 اللهم اجعلنا ممن يدخلون الجنة بسلام آمنين.

هذا وأكثروا من الصلاة والسلام على النبي الأمين، فقد أمركم بذلك مولانا الكريم، {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}

 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت وسلمت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.

وارْضَ اللهم عن الأربعة الخلفاء الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة الأكرمين، خصوصا الأنصار منهم والمهاجرين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 اللهم وفق للخير أمير المؤمنين محمدا السادس، اللهم انصره نصرا عزيزا تعز به الدين، وتجمع به شمل المسلمين، اللهم بارك له في ولي عهده المولى الحسن، واشدد اللهم أزره بصنوه مولاي رشيد، واحفظه اللهم في جميع الأسرة الشريفة يارب العالمين.

اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمين ، وأذِلَّ الشرك والمشركين، وأَدِمْ عَلَى بلدنا الأَمْنَ والأَمَانَ وَعلَى سَائِرِ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ.

اللّهم إنّا نسألك حبّك، وحبّ من يُحبّك، وحبّ كل عمل يقربنا إلى حبّك.

اللهم فرِّج همَّ المهمومين من المسلمين، ونفِّس كربَ المكروبين، واقضِ الدينَ عن المَدينين، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفُقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين،(ثلاثا).

اللَّهُمَّ إنا نسألكَ الجنةَ لنا ولوالدينَا، ولمَن له حقّ علينَا، وللمسلمينَ أجمعينَ.

{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين }

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا