الصبر وأهميته في حياة المسلم - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

الصبر وأهميته في حياة المسلم

إعداد فضيلة الاستاذ: محمد زراك

الجمعة 11 جمادى الآخرة 1443هـ الموافق لـ 14 يناير 2022

الحمد لله الذي جعل الصبر من أفضل العطايا، وجعله زادا للمؤمن يستعين به  على فعل الطاعات وتجنب الخطايا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له عالم الجهر والخفايا، وأشهد أن سيدنا محمدا عبدُه ورسوله خير البرايا، كان يحث على الصبر والاحتساب عند وقوع الضُّر والرزايا، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أهل الصبر والترفع عن الدنايا، وعلى من تبعهم بإحسان إلى نهاية الدنيا وما فيها بالفناء والمنايا  { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} 

أما بعد فيا معشر المسلمين والمسلمات؛ لكي يعيش المسلم حياة سعيدة سوية، ويموت إذا انتهى أجلُه مِيتَةً هنية، فلابد أن ينجح في أداء مهمته التي خلقه الله من أجلها والتي بينها الله تعالى بقوله{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }  والنجاح في هذه المهمة يحتاج  إلى الصبر، فمن رزقه الله الصبر فقد أوتي خيرا كثيرا، يعينه على الفوز والنجاح والنجاة والفلاح.

ذلك لأنه لا تكاد حالة تمر بالإنسان إلا وهو يحتاج فيها إلى الصبر "فيصبر على طاعة الله حتى يؤديَها، ويصبر عن معصية الله حتى يتركها، ويصبر على أقدار الله المؤلمة فلا يتسخطها"  فتكون الأنواع ثلاثة صبر على الطاعة وصبر على المعصية وصبر عند المصيبة.

النوع الأول؛ الصبر على الطاعة: من رحمة الله تعالى أن يسر العبادات وخففها، إلا أن الإنسان بطبيعته البشرية تثقل وتشق عليه -أحيانا-  العبادات، بسبب ضعفه وكسله، وحبه الراحة والمال، وحبه الشهوات والملذات، فلكي يتغلب على طبيعته البشرية يحتاج إلى الصبر، ولكي يؤديَ الصلاة في وقتها، ويتصدق من ماله الذي يحبه حبا شديدا، ويصوم يوما في سبيل الله، ويقوم اليل ، ويخصص وقتا لقراءة القران الكريم،  كل ذلك يحتاج إلى الصبر، قال تعالى ﴿ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ }  أي: اصبر نفسك عليها وجاهدها.   

وإن أعظم وسيلة تعيننا على الصبر على فعل الطاعات أن نستحضر ثوابها وجزاءها، والله لن يتخلف عن صلاة الصبح من استحضر بكل صدق وايمان قول رسول الله  « بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ القِيَامَةِ» 

والله لن يشُقَّ على الناس في بيعه وشرائه ومعاملاته، ولن يتتبع أخطاء اللآخرين، ولن يتَخَلَّى عن مساعدة المحتاجين من يستحضر بكل إيمان قول رسول الله  » «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ». 

وهكذا..إذا استحضرت ثواب أيّ عبادة تؤديها،حتما ستصبر ويسْهلُ عليك أن تدفع مقابلها كل ما تستطيع.

النوع الثاني الصبر على المعصية: كثير من الناس قد يصبر على الطاعة حتى يؤديها، لكن من الصعب أن يصبر ويتمالك نفسه امام معصية، امام مال كثير من الحرام يعرض عليه، أمام امرأة ذات منصب وجمال، فلا يصبر على المعاصي إلا من وفقه الله تعالى، خاصة وأننا نعيش في عصر انتشرت فيه الفتن والمعاصي والمنكرات في كل مكان، وكثر الذين يدعون إليها وييسرون أسبباها، يحدِّث رسول الله أصحابه عن هذا الزمان فقال لهم: «إن من ورائكم أياما، الصبر للمتمسك فيهن يومئذ بما أنتم عليه أجر خمسين منكم، قالوا: أو منهم قال:بل منكم»  الله اكبر المتمسك بدينه في هذا الزمان له اجر خمسن من الصحابة، تخيلوا معي كم سيكون أجره؟

لكن هذا أمر صعب وعسير، ليس بالسهل ولا باليسير، فأن تصبر أمام امراة تسر الناظرين تحتاج إلى صبر كصبر سيدنا يوسف عليه السلام { وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ } "فصبر يوسف عن مطاوعة امرأة العزيز أعظم من صبره على إلقاء إخوته في الجب (البئر) وبيعه، فإن هذه أمور جرت عليه بغير اختياره ليست له حيلة غير الصبر، وأما صبره عن المعصية، فَصَبرُ اختِيَارٍ وَرِضًا وَمُحَارَبَةٍ للنفس وشهواتها" .

ولكي ترفض مالا حراما يعرض عليك تحتاج إلى صبر كصبر سيدنا عبد الله بن رواحة رضي الله عنه حين جمع له اليهود مالا لكي يخفف عنهم القسمة التي كلفه بها رسول الله  فقال لهم " ما عرضتم من الرشوة، فإنها سحت، وإنا لا نأكلها" 

وإن مما يعين الإنسان على الصبر أمام المعاصي أن يتذكر أن الله شديد العقاب، وأن هناك موت وبعده سؤال وحساب، وجزاء وعذاب، فكل معصية ارتكبها بعينه..بلسانه.. بيديه... بفرجه..كل مال أخذه من الحرام...كل مظلمة...كل صغيرة وكل كبيرة...سيجدها مكتوبة ومسجلة في صحيفة أعماله يوم الحساب.

فلنتب إلى الله من جميع الذنوب والاثام، قبل فوات الأوان، فإن الإنسان في هذه الدنيا يستطيع إذا جاهد نفسه أن يصبر على المعصية لكه لا ولن يستطيع أن يصبر على حر نار جهنم، فاللهم إن أجسادنا على النار لا تقوى فحرمها على النار يارب العالمين. نفعني الله وإياكم بالقران العظيم وبحديث سيد المرسلين وغفر لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين والحمد لله رب العالمين، ادعوا الله يستجب لكم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين.

أما بعد فيا عباد الله؛ إن المؤمن يرتقى إلى درجات الكمال بفضل صبره، بدءا من صبره على الطاعة، ومرورا بصبره على المعصية، وانتهاء  بصبره على أقدار الله المؤلمة.

وهو النوع الثالث من أنواع الصبر؛ لأن هذه الدنيا تتغير أحوال الناس فيها ولا تدوم على حال، فقد يُبتلى الإنسان -لا قدر الله- بقدر مؤلم  بشدة او عسر، أو  مرض أو فقر أو مصيبة أو ضر أو حزن أو شر، والمؤمن عند هذه الأقدار المؤلمة لا يسخط ولا يجزع بل يصبر ويحتسب الأجر عند الله تعالى يقول رسول الله «مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ، وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حُزْنٍ وَلاَ أَذًى وَلاَ غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ» 

كان سيدنا أيوب عليه السلام يملك أموالا كثيرة وأولادا وأنعاما وخدما وخيرا كثيرا، فابتلي بمرض بمرض شديد وبفقدان ماله وموت أولاده  وهَجْرِ الناس، ابتلاء شديد! فقابل كلَّ ذلك بالصبر والاحتساب وبعد مرور أكثر من ثمانية عشر سنة التجأ الى الله بالدعاء فرفع الله عنه البلاء{ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ}

وتُعَلِّمُنا قصةُ هذا النبي الكريم أن الشدة يتبعها الفرج والرخاء، والحرمان يتبعه الرزق والعطاء، والمرض تتبعه العافية والشفاء

{ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}

هذا وأكثروا من الصلاة والسلام على النبي الأمين، فقد أمركم بذلك مولانا الكريم، {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت وسلمت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.

وارْضَ اللهم عن الأربعة الخلفاء الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة الأكرمين، خصوصا الأنصار منهم والمهاجرين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 اللهم وفق للخير أمير المؤمنين محمدا السادس، اللهم انصره نصرا عزيزا تعز به الدين، وتجمع به شمل المسلمين، اللهم بارك له في ولي عهده المولى الحسن، واشدد اللهم أزره بصنوه مولاي رشيد، واحفظه اللهم في جميع الأسرة الشريفة يارب العالمين.

اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمين ، وأذِلَّ الشرك والمشركين، وأَدِمْ عَلَى بلدنا الأَمْنَ والأَمَانَ وَعلَى سَائِرِ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ.

اللّهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر. اللّهم إنّا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحبّ المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا، ونسألك حبّك، وحبّ من يُحبّك، وحبّ كل عمل يقربنا إلى حبّك.

 اللَّهُمَّ إنا نسألكَ الجنةَ لنا ولوالدينَا، ولمَن له حقّ علينَا، وللمسلمينَ أجمعينَ.

{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين }

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا