الفقيه عبدالله بنطاهر : هل يجوز ذبح الأضحية قبل ذبح الإمام؟ - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

الفقيه عبدالله بنطاهر : هل يجوز ذبح الأضحية قبل ذبح الإمام؟

أئمة مروك - إعداد : الفقيه عبدالله بنطاهر 

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه.
كثيرا ما يرد علينا في هذه الأيام هذا السؤال المتعلق ببداية وقت ذبح الأضحية وباشتراط المالكية الذبح بعد ذبح الإمام لا قبله؛ والمسألة فيها خلاف بين العلماء، ولا حرج في المسألة حينما تكون ذات خلاف وأقوال متعددة؛ فإن ذلك يضع أمامك حلولا متعددة لمشكل واحد، وبهذا الاعتبار يكون الخلاف رحمة، فتعدد الأقوال في مسألة ما إنما هو حلول وليس نزاعا، فاعتبارها حلولا تفتح وإنصاف، واعتبارها نزاعا وخصاما تعصب وإجحاف. 

وفي مسألتنا هذه أجمع العلماء على عدم صحة ذبح الأضحية قبل طلوع الفجر؛ قال ابن المنذر: "أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن الضحايا لا يجوز ذبحها قبل طلوع الفجر من يوم النحر"(1)، واختلفوا في تحديد وقت بداية الذبح بعد الفجر:

أولا: المالكية قالوا: وقتها يبدأ بعد أمور أربعة: بعد الشروق، وصلاة العيد والخطبة، وذبح الإمام، فلو ذبح الإمام قبل الصلاة أو الخطبة لم تجرئه؛ قال الإمام مالك: "فإن ذبح قبل ذبح الإمام يعيد، وسنة ذبح الإمام أن يذبح كبشه في المصلى"(2). 

قال ابن المنذر: "روينا عن النبيﷺ أنه كان يذبح بالمصلى، وكان ابن عمر يفعل ذلك، واستحب مالك ذلك للإمام، ولا يرى ذلك على غيره"(3)، وقال الشيخ خليل: "من فراغ ذبح الإمام لآخر الثالث"، أي: وقتها من فراغ ذبح الإمام في اليوم الأول لآخر اليوم الثالث من أيام النحر(4).

ومن الأدلة التي استدلوا بها حديثان صحيحان:
1) حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: إن خاله أبا بردة بن نِيَارٍ: «ذبح قبل أن يذبح النبيﷺ فقال: يا رسول الله؛ إن هذا يومٌ اللحمُ فيه مكروهٌ، وإني عجلت نَسِيكَتِى لأطعم أهلي وجيراني وأهل داري، فقال رسول اللهﷺ: أَعِدْ نُسُكًا، فقال يا رسول الله؛ إن عندي عَناق لبن هي خير من شَاتَىْ لَحْمٍ، فقالﷺ: هي خيرُ نَسِيكَتَيْكَ، ولا تجزي جذعة عن أحد بعدك» رواه الإمامان: مالك ومسلم(5).

2) حديث جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما- قال: «صلى بنا رسولُ اللَّهﷺ يومَ النَّحرِ بالمدينة، فتقدَّم رجالٌ فَنَحَرُوا، فَظَنوا أنَّ النبيَّﷺ قد نَحَرَ  فَأمَرَ النبيَّﷺ مَن كان نَحَرَ قبلَه أنْ يُعيدَ بنحرٍ آخَرَ، ولا يَنْحَرُوا حتى ينحرَ النبيُّﷺ» رواه الإمام مسلم(6). 

ففي الحدثين دليل صحيح صريح على عدم جواز ذبح الأضحية إلا بعد ذبح الإمام؛ قال القاضي عياض: «وهذا نص في مذهب مالك؛ لأنه أمر بالإعادة مَنْ نحر قبله، وذكر أنهم ظنوا أنه -عليه السلام- نحر؛ فدل أن هذا الحكم مشهور ولم يعذرهم بظنهم وغلطهم، وهذا يؤكد ما قاله مالك».

والمرد بالإمام هنا إمام الصلاة لا إمام الطاعة؛ نقل الشيخ خليل في التوضيح عن ابن رشد قال: "المراعَي في ذلك الإمام الذي يصلي صلاة العيد بالناس"(7).
وأما إذا لم يذبح الإمام أصلا فقال فيه الشيخ خليل: "وأما إن لم يذبح الإمام فالمعتبر صلاته"(8).

ثانيا: الشافعية قالوا: يجوز الذبح بعد الشروق وبعد مضى قدر صلاة العيد والخطبتين؛ سواء صلى الإمام أم لا.
ثالثا: الحنفية قالوا: أهل الأمصار وقتها في حقهم بعد الصلاة والخطبة؛ سواء ذبح الإمام أم لا، وأما أهل البوادي فوقتها في حقهم إذا طلع الفجر، والمراد بهم أصحاب الخيام الذين لا إمام لهم ولا يصلون صلاة العيد.
رابعا: الحنابلة قالوا: بعد الصلاة؛ سواء خطب الإمام أم لا؛ والأفضل بعد الخطبة وبعد ذبح الإمام(9).

ورد البعض ما استدل به المالكية من حديثي البراء وجابر السابقين بأن المراد بهما مجرد الزجر عن التعجيل الذي يؤدي إلى فعلها قبل وقتها وهو قبل الصلاة! 

وأقول: هذا تأويل بدون دليل، وعلى هذا يمكن لأي واحد لم يعجبه نهي في حديث ما أن يؤوله بمجرد الزجر؛ فهذا غير صحيح وغير سليم، والبعض إذا لم يعجبهم نص لووا عنقه وأولوه، كما قالوا حين أمر النبيﷺ عائشة بالإحرام من التنعيم: إنه خاص بها جبرا لخاطرها، وهذا تأويل باطل ما دام الحديث صحيحا صريحا؛ فلا يجوز لنا أن نخرج عن المذهب ما دام دليله قويا لمجرد أفهام وأوهام وتأويلات وتلويات لأعناق النصوص....

وفي حالة ما إذا لم يتمكن الإمام من إحضار الأضحية ذبح فورا بعد الصلاة في أي مكان؛ وهنا يطرح مشكل بالنسبة لبعض البوادي والقرى عندنا في المغرب؛ فإن جل الأئمة يعيدون عند عائلاتهم؛ فهل سينتظر أهل القرية إلى أن يصل إمامهم إلى بلدته ليذبح أضحيته كي يذبحوا هم أيضا؟ مع العلم أن مدة الانتظار قد تكون طويلة تصل أحيانا إلى يوم كامل.

والحل لهذا المشكل هو: أن يوكل الإمام من يذبح عنه بالنيابة من أهله، فإذا ما انتهى من الصلاة اتصل بهم هاتفيا ليأمرهم بالذبح فورا في انتظار قدومه ولا حرج في ذلك إن شاء الله...

الخلاصة: إن ذبح الأضحية لا تصح عند المالكية إلا بعد ذبح الإمام، والعلماء الذين قالوا بجواز الذبح قبل ذبح الإمام صرحوا بأن الأفضل الذبح بعد ذبح الإمام؛ وبناء عليه فإن الأئمة المكلفين اليوم بصلاة العيد ينبغي لهم أن يراعوا هذا الأمر، فيأخذوا أضاحيهم إلى المصلى، وهو سنة؛ فإذا لم يستطيعوا ذبحوا في أي مكان ولو بالوكالة والنيابة، وإذا لم يذبح الإمام يجوز للناس الذبح بعد صلاته. 
والله الموفق.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع: 
(1) الإشراف لابن المنذر (3/ 404)، والمجموع للنووي: (8/ 389).
(2) المدونة لسحنون: (1/ 434).
(3) الإشراف لابن المنذر (3/ 414).
(4)الشرح الكبير للدردير: (2/ 120).
(5) الموطأ: كتاب الضحايا: باب النهي عن ذبح الضحية قبل انصراف الإمام: (2/ 483)، وصحيح مسلم: كتاب الأضاحى: باب وَقْتِهَا: (6/ 74).
(6) صحيح مسلم: كتاب الأضاحى: باب سِنِّ الأُضْحِيَةِ: (6/ 77).
(7) كتاب التوضيح شرح مختصر ابن الحاجب للشيخ خليل: (ج3 / ص277):
(8) كتاب التوضيح شرح مختصر ابن الحاجب للشيخ خليل: (ج3 / ص276 و277):
(9) المجموع للنووي: (8/ 389)، والقوانين الفقهية لابن جزي: (1/ 125)، وبداية المجتهد لابن رشد الحفيد: (1/ 435)، ونيل الأوطار للشوكاني: (5/ 187).

عبدالله بنطاهر
05 ذو الحجة 1434 هـ 07 / 10/ 2016 م
مدرسة الإمام البخاري للتعليم العتيق أكادير المغرب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا