الحسنات والأجور في الحياة الزوجية
إعداد فضيلة الأستاذ:محمد زراك
الجمعة 26 شوال 1443 هـ - 27 ماي 2022 م
الحمد لله الذي جعل الزواج لعباده حِصنا وسترا، سبحانه وتعالى خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له توحيدا له وشكرا، شهادةً تكون لنا يوم القيامة نورا وذُخرا، وأشهد أن سيدنا محمدا عبدُه ورسوله خيرُ الناس لأهله إحسانا وبِرًّا، كان يُبيِّن أن خيار الناس لأهليهم ينالون ثوابا وأجرا، اللهم صل عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾
أما بعد فيا أيها المؤمنون والمؤمنات؛ في السنوات القليلة الماضية، لا تكاد بداية فصل الصيف تحُل بنا، إلا ونسمع كل ليلة أصوات سيارات تحمل العروس للعريس، فيغْتنمُ كثير من الشباب هذا الوقت في العام لزواجه وإكمال نصف دينه، وأما في الآونة الأخيرة؛ فالملاحظ أن هناك عزوفا عن الزواج ونفورا، وخوفا من المسؤولية وهروبا، فكانت الحاجة ماسة إلى تذكير الشباب والشابات، بفضائل الزواج في الإسلام، وتذكير الأزواج والزوجات، بفضائل العيش في ظلال الحياة الزوجية.
أيها الإخوة؛ جاءت الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية الشريفة، بالدعوة إلى الزواج والحثِّ عليه، قال الله تعالى
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ ويقول رسول الله ﷺ: «...وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي».
فالحياة الزوجية؛ عبارة عن عبادةلله تعالى، تُكْسَبُ فيها الأجور والحسنات، وتُرفع فيها الدرجات، فلو كان الإنسان أعبدَ العُبَّاد على وجه الأرض، وأنقى الأنقياء، وأتقى الأتقياء، ولم يكن متزوجا بغير عذر، فإنه لن ينال شيئا من الحسنات والأجور، التي خص الله بها المتزوجين، والتي منها؛
أولا: أجر النفقة على الأهل والأولاد؛ فكل نفقة ينفقها الزوج على أهل بيته، إلا وينال عليها أجرا عظيما، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ «دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ، وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ، أَعْظَمُهَا أَجْراً الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ» تخيلوا معي! كم ينفق الواحد منا على أهل بيته في اليوم الواحد؟ وفي الشهر والسنة والسنوات؟ إنها أموال كثيرة، وكلها تتحول بفضل الله إلى حسنات.
لكن هذا الأجرَ مشروطٌ بأن تكون النفقةُ من المال الحلال، لأن بعض الأزواج يطعمون أهل بيتهم الحرام، كَمَالِ الرشوة أو الغش في التجارة، أو بيع المحرمات أو السرقة، هؤلاء نسوا أو تناسوا أن الله لا يقبل من المال إلا ما كان حلالا، يقول رسول الله ﷺ:« إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا».
ثانيا: أجر المعاشرة الزوجية؛ فَطَر اللهُ تعالى الرجالَ على حب الشهوات من النساء، وجعل سبحانه الزواج وسيلة لتحقيق هذه الفطرة، وتحصينا للناس من الوقوع في الفواحش والزنا والمنكرات، وحفظا للأنساب من الاختلاط، وغيرَها من غايات الزواج، فإذا عاشر الزوج زوجته بنية وضع شهوته في الحلال، ونية طلب الولد الصالح، فله في ذلك أجر وثواب، يقول رسول الله ﷺ «وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ».
ثالثا: التعاون على عبادة الله؛ أمر الإسلام بتعاون الزوجين على عبادة الله تعالى، ورتب على ذلك أجرا عظيما، فدعا رسول الله ﷺ في دعائه قائلا «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى، ثُمَّ أَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَّتْ...وَرَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ، ثُمَّ أَيْقَظَتْ زَوْجَهَا فَصَلَّى» هذا دعاء من رسول اللهﷺ بالرحمات، لكل زوجين يتعاونان على ما فيه مرضاةُ الله، من المحافظة على الصلاة في وقتها، والتعاونِ على التصدق بصدقة من الصدقات، على الفقراء واليتامى والمساكين، والمشاركةِ في تربية الأولاد وصلة الرحم وإكرام الضيوف، وغيرِها من العبادات.
تقول أمنا عائشة رضي الله عنه قال "كان رسول الله ﷺ يقوم الليل فإذا أراد أن يصليَ الوتر أيقظني لأوتر".
وهذا أبو هريرة رضي الله عنه كان يقوم ثُلُث الليل، ثم يوقظ امرأته فتقوم ثلثه، ثم يوقظ ابنه ليقوم ثلثه".
وهذا أبو الدحداح رضي الله عنه تَصدَّقَ بحائط له (أي بستان أو مزرعة)فجاء إلى زوجته وقال لها: أَخْرِجِي الأولادَ فإني تصدقت بالحائط لله تعالى، فقالت كلاما كله تشجيع لزوجها على فعل الخير قائلة: "رَبِح البيع" الله أكبر! هكذا تكون المرأةُ المسلمة خيرَ مُعين لزوجها على فعل الخيرات، وعملِ الصالحات.
رابعا: تربية الأبناء؛ من أعظم الغايات التي من أجلها شرع الله الزواج، إنجابُ الأبناء، وتربيتُهم على عبادة الله وطاعته، فيا سعادة من رزقه الله أولادا يعبدون الله ويوحدونه، ذلك لأنه ينتفع بهم في الحياة وبعد الممات، ففي الحياة ينتفع بطاعتهم وإحسانهم، وبعد الممات ينتفع بصلاحهم ودعواتهم، فتتوالى عليه في قبره الحسنات، يَرفع الله له بها الدرجات، ويَحُطُّ عنه الخطيئات، يقول النبي ﷺ: « إِنَّ الرَّجُلَ لَتُرْفَعُ دَرَجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ: أَنَّى هَذَا؟ فَيُقَالُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ»، والولد الصالح ثمرة عظيمة من ثمار الزواج، ومن ثمار تعاون الزوجين على تربية أبنائهم، وتعليمهم وتأديبهم، فاللهم "رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا" نفعني الله وإياكم بالقران العظيم وبحديث سيد المرسلين وغفر لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين والحمد لله رب العالمين، ادعوا الله يستجب لكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله....أما بعد فيا عباد الله؛ أصل هذه الخطبة الحديثُ عن الأجور والحسنات، التي تُكْسَب في ظل الحياة الزوجية، والغرض من الموضوع تشجيعُ الشباب على الزواج، ومن تلكم الأجور والحسنات:
الفوز بالدرجات العالية في الجنة؛ تعلمون -أيها الإخوة- أن لمكارم الأخلاق منزلةً عظيمةً في الإسلام، يقول رسول الله ﷺ «إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ القِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلاَقًا»
وإن خيرَ الأخلاق وأصدقَها على الإطلاق، هي التي تكون داخل بيت الزوجية، لأن الإنسان يتصرف على طبيعته، فَمَنْ أحسن تعاملَه مع أهل بيته، بالكلام الطيب الجميل، والشكر والابتسامة، والإكرام والإحسان والاحترام، والتواضع والصبر، وكف الأذى وغض البصر عن الأخطاء، فهو من خير الناس عند الله تعالى، يقول رسولﷺ« أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِكُمْ» بل إن الزوج مأجور على كل عمل يُفْرِح به أهله، حتى لقمة الطعام التي يضعها في فم زوجته، يقول رسول الله ﷺ: «إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ عَلَيْهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فَمِ امْرَأَتِكَ»
وفي المقابل إذا اجتهدت المرأة في عبادة ربها، وإكرام زوجها، وحِفظِه في حضوره وغيابه، وإدخالِ السرور عليه وطاعتِه، فقد فازت وربِّ الكعبة، يقول رسول الله ﷺ «إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ» فاللهم أكرمنا جميعا وأكرم نساءَنا وأبنائَنا وبناتِنا وآباءَنا وأمهاتِنا بدخول الجنة يارب العالمين.
هذا وأكثروا من الصلاة والسلام على النبي الأمين، فقد أمركم بذلك مولانا الكريم، ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت وسلمت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.
وارْضَ اللهم عن الأربعة الخلفاء الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة الأكرمين، خصوصا الأنصار منهم والمهاجرين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم وفق للخير جلالة الملك أمير المؤمنين محمدا السادس، اللهم انصره نصرا عزيزا تعز به الدين، وتجمع به شمل المسلمين، اللهم بارك له في ولي عهده الأمير الجليل المولى الحسن، واشدد اللهم أزره بصنوه الأمير السعيد مولاي رشيد، واحفظه اللهم في جميع الأسرة الشريفة يارب العالمين.
اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمين ، وأذِلَّ الشرك والمشركين، وأَدِمْ عَلَى بلدنا الأَمْنَ والأَمَانَ وَعلَى سَائِرِ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ.
"رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ" اللهم أنزل السكينة في قلوبنا، وزدنا إيماننا، واهدنا وأصلِح بالَنا وأدخلنا الجنة يارب العالمين، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
اللَّهُمَّ إنا نسألكَ الجنةَ لنا ولوالدينَا ولأشياخنا، ولمَن له حقّ علينَا، ولجميع المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين﴾
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا