الصراع بين الخيروالشرمن الهجرة النبوية تأصيلا إلى محطات تاريخية وذاكرةوطن - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

الصراع بين الخيروالشرمن الهجرة النبوية تأصيلا إلى محطات تاريخية وذاكرةوطن

 خطبة بعنوان: الصراع بين الخير والشر: من الهجرة النبوية تأصيلا إلى محطات تاريخية يجب ألا ينساها المغاربة إلى مواجهة كورونا تنزيلا 

بمناسبة الذكريات الثلاث: ذكرى الهجرة النبوية، وذكرى ثورة الملك والشعب، وذكرى عيد الشباب. لفضيلى الفقيه 

عبدالله بنطاهر

الحمد لله الذي تفرد بكل جمال وكمال، وتفضل على عباده بجزيل النوال، له الحمد في الأولى والآخرة والحال والمآل، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له تقدس عن الأشباه والأمثال، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله كريم الشباب وشريف الخصال، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه خير صحب وآل، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الجزاء على الأعمال 

أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون؛ أوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله وطاعته. الملائكة: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}.

وهذا الصراع سجال؛ تارة يغلب الشر فينشر الباطل، وتارة ينتصر الخير فيسود الحق،والشر إذا غلب لا يرقب في الخير إلاًّ ولا ذمة، والخير إذا انتصر سامح وعفا؛ ومجالات  هذا الصراع تتناول جميع مناحي الحياة؛ عقيدة وعملا وسلوكا وأخلاقا، ووسائله لا حدود لها؛ تبدأ بالقتال والحروب ولا تنتهي عند الكتابة والحروف، مرورا بالاقتصاد والتعليم والإعلام، في الواقع وفي المواقع، وأكبر مجال لهذا الصراع هو الأرض والعرض؛ فالشر إذا غلب هلك الأرض وانتهك في العرض، وأحيانا يزداد غدر الشر فلا يكون أمام الخير إلى أن يغادر أرضه حفاظا على عرضه، فيسمي الهجرة، وإذا غلب الخيرُ وطرد الشرَّ من أرضه حفاظا على عرضه سمي الاستقلال، وكلا الهجرة والاستقلال يستهدف إحقاق الحق وإزهاق الباطل؛ ومن هنا نجمع في هذه الخطبة بين ثلاث مناسبات: مناسبة عامة ذكرى الهجرة النبوية الشريفة، ومناسبتين خاصتين: ذكرى ثورة الملك والشعب، وذكرى عيد الشباب.  

أما ذكرى الهجرة النبوية؛ فبمناسبة رأس السنة الهجرية، وذلك ليس لأن الهجرة وقعت في شهر محرم كما يعتقد البعض؛ بل لأننا في بداية السنة الهجرية، أما الهجرة فإنما وقعت في شهر ربيع الأول؛ نتذكر النبيﷺ وهو الخير كله والحق بأجمعه حينما غادر أرضه مكة المكرمة بسبب استفحال أمر الشر، فارا بدينه وعرضه؛ والهجرة النبوية ليست مجرد مغاردة وطن فرارا من الظلم؛ بل هاجرﷺ وحيدا ليس معه في الغار إلا صاحبه الصديق ليِؤسس أول دولة في الإسلام، وليعود بعد ثمان سنوات لفتح مكة ومعه جيش فاق عشرة آلاف؛ وهكذا الشر قد تكون له الغلبة في البداية وقد تكون للباطل جولة وصولة، ولكن مهما طال الزمن فإن الخير سيعود لإحقاق الحق وإزهاق الباطل، لقد عاد النبيﷺ إلى مكة فاتحا منتصرا وهو يردد قوله تعالى في إشارة واضحة لهذا الصراع: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}.

والتأصيل للصراع بين الشر والخير بالهجرة النبوية يدل على أن الخير في النهاية سينتصر؛ لأن العاقبة دائما تكون للتقوى وأهلها؛ مصدقا لقول الله تعالى: {وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} وقوله سبحانه: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}.

وهكذا كان الاستعمار الصليبي لبلاد المسلمين يمثل جانب الشر الأشِر الذي لا يدع فرصة لزرع الباطل إلا واغتنمها؛ فقد استعمرت فرنسا المغرب في سنة 1912 ميلادية بعقد ظالم سمي يومها عقد الحماية وهو في الحقيقة عقدة الحِمام، (والحِمام: الموت)، ومنذ ذلك الوقت سجل المغاربة للتاريخ -وهم يمثلون جانب الخير- محطات يجب ألا ينساها المغاربة؛ لأن الإنسان مرتبط بتاريخه؛ إذ البلاد بدون التاريخ هيكل بدون روح وسيارة بدون محرك، والإنسان العاقل يتحرك حسب الضوء الذي يسلطه تاريخ بلاده على الأحداث.

● المحطة الأولى: بدأت منذ صدور ما يسمى بـ"الظهير البربري" سنة 1930، الذي حاربه المغاربة بكل أطيافهم: عرشا وشعبا، أمازيغ وعربا، بوادي ومدنا، فتم تأسيس كتلة العمل الوطني، وتقدمت الحركة الوطنية المغربية بمطالب في هذا المجال (سنة 1934) ثم سنة (1936) لتتوج في (11 يناير 1944) يوم قام رجال الحركة الوطنية بتنسيق مع المغفور له الملك محمد الخامس بتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، وبدل أن يذعن الشر للخير بدأ شر الاستعمار يخطط  للتخلص من رمز المقاومة جلالة الملك محمد الخامس. 

● المحطة الثانية: عندما عزم محمد الخامس على القيام برحلته التاريخية إلى مدينة طنجة (يوم 9 أبريل 1947) نظم غلاة الاستعمار مذبحة حي بنمسيك بمدينة الدار البيضاء (يوم 7 أبريل) فذهب ضحيتها زهاء ألف شهيد؛ وذلك من أجل إشغال ملك البلاد بالمشاكل التي تترتب عنها وإلهائه بها، فيلغي رحلته المقررة؛ لكنه بالرغم من هذه المأساة، سافر إلى طنجة وألقى بها خطابه التاريخي، معلنا أن المغرب يريد الاستقلال وطرد شر الاستعمار.

● المحطة الثالثة: بعد الخطاب التاريخي سرعان ما تكونت بإيعاز من شر الاستعمار هيأة من الخونة الذين وقعوا عريضة تحمل 270 إمضاء يطلبون فيها بخلع محمد الخامس، وفي (يوم 15 غشت 1953) بايعت الهيأة المذكورة بمدينة مراكش محمد بنعرفة سلطانا مزيفا على المغرب، فكان رد فعل المغاربة مظاهرات شاملة في جميع المدن المغربية، كاد المغرب أن ينجرَّ فيها إلى الوقوع في هاوية حرب أهلية مصطنعة يتخذها غلاة الاستعمار ذريعة لضرب الأخيار بالأشرار، ليقف هو موقف المتفرج المستفيد في النهاية؛ ولكن محمدا الخامس طيب الله ثراه وفي غمرة هذه الأزمة ما فتئ يوجه النداءات إلى شعبه بالتزام الهدوء والمقاومة بالسر من أجل تفويت الفرصة على شر الاستعمار.  

● المحطة الرابعة:  بعد أسبوع مضطرب جاء يوم 20 غشت حين بلغ شر الاستعمار أقصاه، فامتدت بعد الزوال من ذلك اليوم يده الأثيمة إلى جلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه، فنفاه وأسرتَه بعيدا إلى كرسيكا ثم إلى مدغشقر، ظنا منه أنه بذلك سيخلو له الجو، ويفعل بالمغرب ما يحلو له، ولكن هيهات لقد اصطدم بمئات الآلاف من محمد الخامس في فكره وجهاده، وبصمود العقيدة الإسلامية التي حملها المغاربة يومئذ في قلوبهم، فسرت على جوارحهم جهادا مستميتا وقفوا ضد الشر؛ فاندلعت العمليات الفدائية؛ منها: العملية التي قام بها الشهيد علال بنعبدالله في (11 شتنبر 1953)، الذي استهدف بنعرفة، والعمليات التي قام بها الشهيد محمد الزرقطوني ورفاقه في خلايا المقاومة بالدار البيضاء، الذي استشهد في السجن (يوم 18 يونيو 1954)، ثم تأسيس جيش التحرير في (أكتوبر 1955).

● المحطة الخامسة: تلك التي سجلها التاريخ يوم عاد محمد الخامس سلطانا شرعيا للبلاد (16 نونبر 1955) حاملا معه بشائر الاستقلال الذي تحقق (سنة 1956) فخطب خطبته المشهورة وقال قولته المؤسسة: (رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر جهاد بناء الوطن) وتاليا قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ}.

● المحطة السادسة: هي التي أشار إليها محمد الخامس طيب الله ثراه (محطة الجهاد الأكبر محطة بناء الوطن)، وسيرا على هذا النهج خاض جلالة المغفور له الحسن الثاني طيب الله ثراه، معركة استكمال الوحدة الترابية، فبدأ باسترجاع سيدي ايفني (سنة 1969)، ثم استرجاع الصحراء المغربية (سنة1975) بالمسيرة الخضراء المظفرة، ثم استرجاع إقليم وادي الذهب في (14 غشت 1979)، ولن يتم استقلال المغرب كاملا حتى يتم تحرير مدينتي سبتة ومليلية، وسبتة مدينة القاضي عياض أحد الرجال السبع الذي دفنوا بمراكش، والذي قيل عنه: لولا عياض ما عرف المغرب؟ فكل مغربي شريف يسمع بسبتة ومليلية لا يطلع في دهنه إلا تحريرهما. 

وها هو جلالة الملك محمد السادس نصره الله تتمة لهذه المحطة السادسة يواصل اليوم المسيرة الإنماية والإيمانية، وقد كان ذكرى ميلاده حفظه الله من أجل الوقوف عند طموح الشباب لتحقيقها، وعند أهدافهم لتنفيذها، وعند آفاق مستقبلهم لبنائها، وقد أولى الرسولﷺ الشباب عناية خاصة فقالﷺ: «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج...»، وقالﷺ: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله»، ومنها: «شاب نشأ في عبادة الله»، وقالﷺ: «لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال»، ومنها: «عن شبابه فيما أبلاه»، وقالﷺ: «اغتنم خمسا قبل خمس» ومنها: «شبابك قبل هرمك».

ونحن اليوم إذا ألقينا نظرة على شبابنا نجده على ثلاثة أنواع:

■ شباب في صحوة إسلامية يحتاجون لمن يقودهم؛ في حاجة لعلماء أجلا يقودونهم لقضايا الأمة الكبرى، بعيدا عن الاختلافات الجزئية.

■ شباب في غفلة شيطانية يحتاجون لمن يوقظهم؛ فهم الذين يتتبعون مواقع الفواحش والخنا، من القمار والخمور والمخدرات والزنا.

■ شباب في ظلمة إلحادية يحتاجون لمن ينقدهم؛ فخطورتهم أشد وأنكى وإن كانوا قلة، لأنهم يسبون الدين والملة، ويستهزئون بالقرآن والحديث، ومنهم الذين يشنون اليوم هجوما شرسا ضد الإمام البخاري وصحيحه؛ فهم في حاجة لمن يحاورهم بالتي هي أحسن لا لمن يحاربهم بالتي هي أخشن، {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم}...

أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين والحمد لله رب العالمين…

 

الخطبة الثانية: مواجهة كورونا في إطار الصراع بين الخير والشر

الحمد لله رب العالمين…

أما بعد فيا أيها الاخوة المؤمنون؛ وفي إطار الصراع بين الخير والشر تدخل هذه المعركة التي ما زال وطيسها حاميا في العالم ضد وباء كورونا؛ فهي وإن كانت معركة صحية بالدرجة الأولى؛ فهي أيضا معركة اقتصادية واجتماعية ودينية؛ فقد أنهكت الاقتصاد وشتت العلاقات الاجتماعية، وأغلقت المساجد ومنعت الجمعات والجماعات، والحج والعمرات، ولم يجد الإنسان حتى الآن في مواجهته إلا الخير الذي أسسه لنا رسول اللهﷺ المتمثل في أمور ثلاثة: الإلحاح في الدعاء من أجل رفع الوباء ودفع البلاء، وجودة الغذاء من أجل الوقاية ورفع المناعة، وتناول الدواء؛ والدواء الناجع والناجح لحد الآن في أمرين: في الالتزام بالنظافة، وبالحجر الصحي باستعمال الكمامات والابتعاد عن المخالطات؛ والناس في ثلاثة أنواع: 

1) منهم من يبحث عن الغذاء فقط، ولا يعترف بالدعاء ولا عرف كيف يستعمل الدواء؛ بله اختراعه؛ بل يستهزئ بالدعاء؛ فهذا النوع يعيش كالبهائم، مصاب بمرض "البهايمر" في انتظار "الزهايمر". 

2) منهم يبحث عن الغذاء والدعاء فقط؛ وهم الأغلبية من الناس؛ فهؤلاء إن لم يكتشفوا الدواء فلهم أجر الدعاء، حتى غير المسلمين التجئوا للدعاء.

3) منهم من يبحث عن الغذاء والدعاء والدواء معا؛ فمن هؤلاء الأطباء الصالحون الذين هم الآن في الخطوط الأمامية.

والنتيجة: كلنا نبحث عن الغذاء؛ ولكن إن لم تستطع اكتشاف الدواء ولا حتى استعماله فلا تنس الدعاء؛ ومن اكتفى بالغذاء ولم يكتشف الدواء ولا اشتغل بالدعاء فليس من العير ولا من النفير.

ألا فاتقوا الله عباد الله وأكثروا من الصلاة والسلام على رسول اللهﷺ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا