ماحكم من لم يجد الماء ولاالتيمم ـ فاقد الطهورين : الفقيه عبدالله بن طاهر
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سينا محمد وآله وصحبه
السؤال:
سئل كاتبه - ألهمه الله الصواب وفتح له في الخير كل باب-: ما حكم من لم يستطع الوضوء ولا التيمم؟ وهل هذه هي المسألة التي تسمى عند الفقهاء بمسألة فاقد الطهورين؟ أريد توضيحا علميا لهذه المسألة جزاكم الله خيرا؟
السؤال:
سئل كاتبه - ألهمه الله الصواب وفتح له في الخير كل باب-: ما حكم من لم يستطع الوضوء ولا التيمم؟ وهل هذه هي المسألة التي تسمى عند الفقهاء بمسألة فاقد الطهورين؟ أريد توضيحا علميا لهذه المسألة جزاكم الله خيرا؟
الجواب وبالله التوفيق: قد كنت فصلت هذه المسألة بأدلتها مع مقارنة علمية بين المذاهب الأربعة فيها، في كتابي: "الطهارة في المذهب المالكي وأدلته(1) بما يلي: هذه هي مسألة فاقد الطهورين وهو من لم يجد ماء طهورا، ولا صعيدا طيبا كالمسجون والمربوط وراكب الطائرة، وقد اختلف فيها العلماء داخل المذهب وخارجه إلى أربعة أقوال:
الأول: قول الإمام مالك وهو: أن فاقد الطهورين، أو فاقد القدرة عليهما، تسقط عنه الصلاة ؛ فلا يصلي ولا يقضي. لأن الخطاب لم يتوجه عليه لانعدام شرط الطهارة حتى يخرج وقتها، وعزاه القرطبي لابن نافع الثوري والأوزاعي وأهل الرأي. وأورد ابن قدامة أن ابن عبد البر قال: "هذه رواية منكرة عن مالك".
وحجتهم هذا القول الكتاب والسنة والقياس؛
أما الكتاب فقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا}(2). ووجه الاستدلال به أن الآية منعت الجنب من اقتراب الصلاة حتى يغتسل بالماء الطهور، أو يتيمم بالصعيد الطيب؛ فإذا فقد الطهورين بقي المنع.
أما السنة فما روى البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ"، وفي رواية مسلم عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تقبل صلاة بغير طهور"(3)، وما روى أبو داود و الترمذي عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم". قال الترمذي:" هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسن(4.(
أما القياس فيقاس فاقد الطهورين على الحائض؛ فالحائض لا تصلي ولا تقضي، لعجزها عن الطهارة، وفاقد الطهورين كذلك: لا يصلي ولا يقضي، لنفس العلة. ويقاس أيضا على الذي بلغ، أو أسلم بعد الوقت، فإنه لا يقضي الصلاة التي لم يصلها قبل البلوغ، أو الإسلام(5)
الثاني: قول عبد الرحمن بن القاسم، تلميذ مالك، الذي روى عنه المدونة الكبرى، المتوفى سنة 191ﻫ المدفون بمصر، وهو: أن فاقد الطهورين، أو فاقد القدرة عليهما، يصلي ليأتي بغاية ما يقدر عليه، ثم يعيدها إذا وجد الماء احتياطا؛ لأن فقد الطهورين عذر ناذر فلم يسقط الإعادة، وهو الصحيح في مذهب الشافعية، وقول أبي يوسف من الحنفية.
وحجتهم الكتاب والسنة: أما الكتاب فقوله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم}(6).
أما السنة فالحديث المتفق عليه السابق عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم"(7).
ووجه الاستدلال بالآية والحديث أن المسلم مأمور بالصلاة بشروطها، فإذا عجز عن بعضها أتى بالباقي، وفاقد الطهورين غاية ما يقدر عليه أن يصلي بدون الطهورين، وإنما يعيد الصلاة احتياطا للدين، ودرأ للشبهات لقوله صلى الله عليه وسلم: "فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات فقد وقع في الحرام"(8). (9)
الثالث قول أصبغ بن الفرج بن سعيد، تلميذ ابن القاسم، المتوفى سنة 225ﻫ المدفون بمصر، وهو: أن فاقد الطهورين، أو فاقد القدرة عليهما، لا يصلي ولكنه يقضي إذا وجد أحد الطهورين: الماء أو الصعيد؛ لأنها عبادة لا تُسقط القضاء فلم تكن واجبة، وهو مذهب أبي حنيفة وعزاه ابن قدامة للأوزاعي والثوري.
أما حجتهم فهي نفس أدلة القول الأول؛ من قوله تعالى: {ولا تقربوا الصلاة الآية}، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تقبل صلاة بغي طهور"؛ إلا في القياس؛ فإنهم قاسوا صلاة فاقد الطهورين على صيام الحائض فأوجبوا القضاء(10).
الرابع: قول أشهب واسمه مسكين بن عبد العزيز دفين مصر، المتوفى سنة 204ﻫ وهو: أن فاقد الطهورين، أو فاقد القدرة عليهما، يصلي حسب حاله ولا يعيدها، وهو مذهب أحمد، وبه قال إسماعيل بن يحيى المزني الشافعي.
أما حجتهم فهي نفس أدلة القول الثاني؛ من قوله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} وقوله صلى الله عليه وسلم: "فأتوا منه ما استطعتم". إلا أنهم قالوا بعدم الإعادة، فاستدلوا بالسنة والقياس:
أما السنة فما روى البخاري في "باب إذا لم يجد ماء ولا ترابا" في كتاب التيمم عن عائشة أنها استعارت من أسماء قلادة فهلكت فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا فوجدها، فأدركتهم الصلاة وليس معهم ماء، فصلوا فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله آية التيمم. ووجه الاستدلال به أن فقد مشروعية التيمم ينزل منزلة فقد الصعيد بعد مشروعية التيمم، وحكم الصحابة رضوان الله عليهم في عدم المطهر، الذي هو الماء خاصة قبل مشروعية التيمم، كحكمنا في عدم الطهورين: الماء والصعيد بعد مشروعية التيمم.
أما القياس فللقياس على باقي شروط الصلاة: من طهارة الخبث، وستر العورة، واستقبال القبلة حيث تسقط كلها بالعجز: فيصلي بالنجاسة من لا يستطيع إزالتها، وبكشف العورة من لا يستطيع سترها، ولغير القبلة من لا يستطيع تحديدها، ويقاس أيضا على الاستحاضة والسلس لأن فقد الطهورين عذر شرعي مثلها(11)
أما
القول الراجح مما سبق فهو قول أشهب "أن فاقد الطهورين، أو فاقد القدرة عليهما، يصلي
حسب حاله ولا يعيدها" قال ابن عبد السلام: "والأكثرون على اختيار ما
لأشهب، وفي المواق عن ابن عمران: "أن قول أشهب هو قول جمهور السلف وعامة
الفقهاء وعامة المالكيين" قال النووي: "هو أقوى الأقوال دليلا ".
ومن ادعى بأن أشهب بنى هذا القول على كون الطهارة شرطَ وجوب للصلاة فيه نظر؛ لأن الطهارة ليست شرطا في الوجوب إجماعا، وإلا لم تجب الصلاة على المحدث حتى يتوضأ وهو باطل، ولم يقل به أحد(12).
أما قياس فاقد الطهورين على الحائض فتسقط الصلاة أداء وقضاء -كما في القول الأول- فلا يصح؛ لأن الحيض أمر معتاد يتكرر، والعجز هنا عذر نادر غير معتاد فلم يسقط الفرض، كنسيان الصلاة، وقياس الطهارة وهي شرط على باقي شروط الصلاة أولى من قياسه على الحيض وهو مانع.
أما القول بالصلاة ثم إعادتها فيخالف حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول فيما روى أبو داود والنسائي عن ابن عمر: "لا تصلوا صلاة في يوم مرتين"، والحديث صححه النووي وحسنه الألباني. ولأن الصلاة الأولى إذا كانت صحيحة فلا معنى لإعادتها، وإذا كانت فاسدة فلا معنى لأدائها، ولأن الصلاة إنما توعد لسبب شرعي كفضيلة الجماعة.
أما القول بقضاء الصلاة قياسا على صيام الحائض فلا يصح؛ لأن الصوم يدخله التأخير بخلاف الصلاة، بدليل أن المسافر يؤخر الصوم دون الصلاة، ولأن فاقد الطهورين لو قام مقام الحيض لأسقط الصلاة بالكلية؛ ولأن قياس الصلاة على الصلاة أولى من قياسها على الصيام(13).
وأشار ابن غازي إلى توجيه تلك القوال الأربعة فقال:
أرى الطهرَ شرطا في الوجوب لـمُسقط *** وشرط أداء عند مـــــن بعدُ أوجبا
ويحتـاط باقيـهم؛ ومـن قال: إنــه *** لأشهب شرط دون عجز قد أغربا
وهناك قول خامس في هذه المسألة وهو للقابسي علي بن محمد المغافري دفين تونس المتوفى سنة 404ﻫ يقول: إن فاقد الطهورين يشير إلى الأرض بيده ووجهه فيصلي، فهذا القول -وإن كان من أجل الاحتياط- إلا أن الطهارة فيه بمجرد إشارة لا أصل له والله أعلم. وقد أشار بعض المالكية لهذه الأقوال فقال:
ومن لم يجد مــــــاء ولا متيمما *** فأربعة الأقوال يحكــين مذهبا
يصلي ويقضي عكــس ما قال مالك *** وأصبغ يقضـي والأداء لأ شهبا
وديَّلهما العلامة التتائي بقوله:
وللقابسي ذو الربط يومي لأرضه *** بوجه وأيد للمتيمم مطلبا(14)
والله أعلم وهو سبحانه الموفق للصواب.
ومن ادعى بأن أشهب بنى هذا القول على كون الطهارة شرطَ وجوب للصلاة فيه نظر؛ لأن الطهارة ليست شرطا في الوجوب إجماعا، وإلا لم تجب الصلاة على المحدث حتى يتوضأ وهو باطل، ولم يقل به أحد(12).
أما قياس فاقد الطهورين على الحائض فتسقط الصلاة أداء وقضاء -كما في القول الأول- فلا يصح؛ لأن الحيض أمر معتاد يتكرر، والعجز هنا عذر نادر غير معتاد فلم يسقط الفرض، كنسيان الصلاة، وقياس الطهارة وهي شرط على باقي شروط الصلاة أولى من قياسه على الحيض وهو مانع.
أما القول بالصلاة ثم إعادتها فيخالف حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول فيما روى أبو داود والنسائي عن ابن عمر: "لا تصلوا صلاة في يوم مرتين"، والحديث صححه النووي وحسنه الألباني. ولأن الصلاة الأولى إذا كانت صحيحة فلا معنى لإعادتها، وإذا كانت فاسدة فلا معنى لأدائها، ولأن الصلاة إنما توعد لسبب شرعي كفضيلة الجماعة.
أما القول بقضاء الصلاة قياسا على صيام الحائض فلا يصح؛ لأن الصوم يدخله التأخير بخلاف الصلاة، بدليل أن المسافر يؤخر الصوم دون الصلاة، ولأن فاقد الطهورين لو قام مقام الحيض لأسقط الصلاة بالكلية؛ ولأن قياس الصلاة على الصلاة أولى من قياسها على الصيام(13).
وأشار ابن غازي إلى توجيه تلك القوال الأربعة فقال:
أرى الطهرَ شرطا في الوجوب لـمُسقط *** وشرط أداء عند مـــــن بعدُ أوجبا
ويحتـاط باقيـهم؛ ومـن قال: إنــه *** لأشهب شرط دون عجز قد أغربا
وهناك قول خامس في هذه المسألة وهو للقابسي علي بن محمد المغافري دفين تونس المتوفى سنة 404ﻫ يقول: إن فاقد الطهورين يشير إلى الأرض بيده ووجهه فيصلي، فهذا القول -وإن كان من أجل الاحتياط- إلا أن الطهارة فيه بمجرد إشارة لا أصل له والله أعلم. وقد أشار بعض المالكية لهذه الأقوال فقال:
ومن لم يجد مــــــاء ولا متيمما *** فأربعة الأقوال يحكــين مذهبا
يصلي ويقضي عكــس ما قال مالك *** وأصبغ يقضـي والأداء لأ شهبا
وديَّلهما العلامة التتائي بقوله:
وللقابسي ذو الربط يومي لأرضه *** بوجه وأيد للمتيمم مطلبا(14)
والله أعلم وهو سبحانه الموفق للصواب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامــش:
(1) هو: مرقون ينتظر الطبع.
(2) سورة النساء الآية 43.
(3) صحيح البخاري: 1/63، وصحيح مسلم: 1/204.
(4) سنن أبي داود: 1/167، وسنن الترمذي: 1/9.
(5) المجموع للنووي: 2/306، و المفهم للقرطبي: 1/612، والمغني لابن قدامة: 1/251.
(6) سورة التغابن الآية:16
(7) صحيح البخاري:6/2658، وصحيح مسلم: 2/975 و4/1830.
(8) صحيح البخاري:1/28.و صحيح مسلم: 3/1219.
(9) المجموع للنووي: 2/303-307، وشرح مسلم للنووي: 3/103، وإكمال المعلم لعياض: 2/219، وبدائع الصنائع للكسائي: 1/50 51.
(10) المغني لابن قدامة: 1/251، وبدائع الصنائع للكسائي: 1/50و54، والبحر الرائق للزين: 1/172.
(11) ذكره الأبي في الإكمال شرح مسلم: 2/121.
(12) شرح مسلم للنووي: 3/103، وحاشية الطالب بن الحاج على شرح ميارة الصغير: 1/136.
(13) انظر (المغني لابن قدامة: 1/251و252).
(14) انظر حاشية الطالب بن الحاج على شرح ميارة: 1/136.
(1) هو: مرقون ينتظر الطبع.
(2) سورة النساء الآية 43.
(3) صحيح البخاري: 1/63، وصحيح مسلم: 1/204.
(4) سنن أبي داود: 1/167، وسنن الترمذي: 1/9.
(5) المجموع للنووي: 2/306، و المفهم للقرطبي: 1/612، والمغني لابن قدامة: 1/251.
(6) سورة التغابن الآية:16
(7) صحيح البخاري:6/2658، وصحيح مسلم: 2/975 و4/1830.
(8) صحيح البخاري:1/28.و صحيح مسلم: 3/1219.
(9) المجموع للنووي: 2/303-307، وشرح مسلم للنووي: 3/103، وإكمال المعلم لعياض: 2/219، وبدائع الصنائع للكسائي: 1/50 51.
(10) المغني لابن قدامة: 1/251، وبدائع الصنائع للكسائي: 1/50و54، والبحر الرائق للزين: 1/172.
(11) ذكره الأبي في الإكمال شرح مسلم: 2/121.
(12) شرح مسلم للنووي: 3/103، وحاشية الطالب بن الحاج على شرح ميارة الصغير: 1/136.
(13) انظر (المغني لابن قدامة: 1/251و252).
(14) انظر حاشية الطالب بن الحاج على شرح ميارة: 1/136.
أئمةالمغرب ـ الفقيه : عبد الله بن الطاهر
مدير مدرسة الإمام البخاري للتعليم العتيق بأكادير المغرب
مدير مدرسة الإمام البخاري للتعليم العتيق بأكادير المغرب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا