وسائل إصلاح الأولاد والرضاعة الطبيعية - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

وسائل إصلاح الأولاد والرضاعة الطبيعية

 من إعداد فضيلة الأستاذ ( محمد زراك)

الجمعة 19 شوال 1443 هـ - 20 ماي 2022 م

الحمد لله الكريم الجواد، منَّ علينا بنعمة الأولاد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المضِلِّ الهاد، خلق الإنسان من نطفة وجعل له السمع والبصر والفؤاد، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله خير العباد، كان يدعو لأبنائه بالصلاح والسداد، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أولي الهدى والرشاد، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم التناد ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ 

أما بعد فيا أيها المؤمنون والمؤمنات؛ إنه ما من أحد في هذا الجمع المبارك، إلا ويتمنى أن يكون أولاده صالحين، ومن خيرة أبناء مجتمع المسلمين، ذلك أن صلاح الأبناء والبنات، ينتفع به الآباء والأمهات، في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا ينتفعون بطاعتهم وإحسانهم، وفي الآخرة ينتفعون بصلاحهم ودعواتهم، وحُقَّ لنا أن نتساءل؛ كيف نربي أبنائنا تربية صالحة؟

أيها الإخوة؛ إن من أهم وسائل إصلاح الأبناء، تربيتُهم على الإيمان بالله ومعرفتِه، وتعظيمِه ومراقبته؛ فَيَعْرِفُ الأبناءُ منذ الصغر، أن الله تعالى هو خالقنا ورازقنا، وهو يرانا أينما كنا، وسيحاسبنا يوم القيامة على أعمالنا، فهذا عبد الله بن عباس رضي الله عنه  يخاطبه النبي ﷺ، وهو طفل صغير لم يتجاوز عمُرُه عشْرَ سنوات، ويرشِده إلى تعظيم الله قائلا « يَا غُلاَمُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ...» 

وهذا أحد العلماء يقدِّم لتلاميذه درسا عمليا في الإيمان بالله ومراقبته، لَمَّا أعطى كل واحد منهم دجاجة وأمره أن يذبحها في مكان لا يراه فيه أحد، ففعلوا ذلك كلُّهم إلا واحدا، فسأله: ما لك لم تذبح دجاجتك كما ذبح أصحابك؟ فقال له: أينما ذهبت وجدت أن الله يراني، فقرَّبه إليه ودعا له بالخير والبركة"  فكان هذا درسا عمليا عظيما لهؤلاء التلاميذ، أن خير الناس من يعيش حياته كأنه يرى الله، فإن لم يكن يراه فإن الله يراه، فتَمْنعُه هذه المراقبة من أن يراه الله مقصِّرا في طاعة، أو مرتكبا لمعصية.

ثانيا؛ تنشِئَتُهم على شعائر الإسلام وآدابه، ومبادئه وأخلاقه، فينشؤون على الصلاة في سن مبكرة، وعلى قراءة القران، والكلام الحسن واحترام الآخرين، ويُعلَّمون آداب النوم والأكل واللباس وغيرها، فمن اعتادها في الصغر أحبَّها في الكبر.

 وإن أعظم وسيلة تُعين الآباء على تنشئة أبنائهم على الإسلام وأخلاقه، أن يكونوا قدوة صالحة لهم، لكي يقتدي أبناؤهم بصلاحهم، فقد أوصى الإمام الشافعيُّ معلِّمَ أولاد هارونَ الرشيد، قائلا: " لِيَكُنْ أَوَّلُ مَا تَبْدَأُ بِهِ مِنْ إِصْلَاحِ أَوْلَادِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِصْلَاحُ نَفْسِكَ، فَإِنَّ أَعْينَهُمْ مَعْقُودَةٌ بِعَيْنِكَ، فَالْحَسَنُ عِنْدَهُمْ مَا تَسْتَحْسِنُهُ وَالْقَبِيحُ عِنْدَهُمْ مَا تَرَكْتَهُ " 

وعندما تحدث الله تعالى عن صفات عباد الرحمان ذكر من صفاتهم، أنهم يقولون في دعواتهم﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾  والمعنى أنهم يسألون الله أن يوفقهم ليقتدوا بالصالحين من هذه الأمة، ويقتدي بهم أبناؤهم في صلاحهم.

إلا أن كثيرا من الناس -إلا من رحم الله- كانوا قدوة سيئة لأبنائهم، فهذا أبٌ يضيِّع الصلاة ويتهاون بها، وهذا آخر يكذب أمام أبنائه، وآخر يدخن أمامهم، وآخر يسب ويشتُم، فيتأثر بهم أبناؤهم، إذ نشؤوا في بيت لا يتورع أهله عن ارتكاب المحرمات، فساءت أخلاقهم وفسدت سيرتهم، مثلهم كمثل قصة طائر الطاووس، التي تُروى في هذه الأبيات الشعرية، جاء فيها:

مَشَى الطاووسُ يوماً باعْوجاجٍ*** فقلدَ شكلَ مِشيتهِ بنوهُ

فقالَ علامَ تختالونَ؟ قالوا***بدأْتَ به ونحنُ مقلّدوهُ

وينشَأُ ناشئُ الفتيانِ منا *** على ما كان عوَّدَه أبوه.  

فكم من الأبناء يرتكبون كثيرا من المخالفات، وما ذلك إلا لأنهم رأوا آبائهم يرتكبونها.

ثالثا: من وسائل صلاح الأبناء؛ إطعامُهم الحلال؛ كثير منا يحرص على توجيه أبنائه ونصحهم، وتربيتهم وإرشادهم، لكنه قد يتساهل في جانب النفقة، فينفق على أولاده من المال الحرام، من مُستخلَصات الرشوة أو الغش في التجارة، أو بيع المحرمات أو السرقة، أو مال الورثة ونحو ذلك، ناسيا أو متناسيا قول رسول الله ﷺ « مَنْ نَبَتَ لَحْمُهُ مِنْ سُحْتٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ»  

فما سُقِي بالحلال الطيب ينشأ طيبا، وما سُقي بالحرام الخبيث لا ينشأ إلا خبيثا "لما حضرت الوفاة والد الإمامِ البخاري، أخبر من حوله أنه لم ينفق على ولده إلا من الحلال قائلا: لا أعلم من مالي درهمًا من حرام، ولا درهمًا من شبهة" 

فكافأه الله تعالى ببركة نفقته الحلال، أن جعل ولده واحدا من أعظم علماء الإسلام -عبر التاريخ إلى يومنا هذا- إنه الإمام البخاري صاحبُ الجامع الصحيح.

فهناك علاقة بين المال الحلال وصلاح الأبناء، وبين المال الحرام وفسادهم، فلنتق الله جميعا أيها الإخوة ولنحرص على أن نطعم أبناءنا من الحلال الطيب؟ 

رابعا: دوام الدعاء لأبنائنا بالصلاح والهداية؛ إن المؤمن يجتهد في الوسائل التي يصلح بها أبنائه، ثم يتوجه إلى الله تعالى بالدعاء أن يصلح له ذريته، اقتداء بالأنبياء والمرسلين - صلوات ربي وسلامه عليهم اجميعن- فهذا سيدنا إبراهيم عليه السلام يقول في دعائه:﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ﴾  

 وحياة نبينا محمد ﷺ تزخر بدعوات طيبات لأبنائه وأحفاده، فمن ذلك أنه كان يحمل سيدناالحسن رضي الله عنه  ويقول «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ»  فدعاء الوالدين من أعظم الوسائل النافعة، لسعادة الأبناء في الدنيا والآخرة.

فاللهم اهد أبنائنا وأبناء المسلمين جميعا يارب العالمين، نفعني الله وإياكم بالقران العظيم وبحديث سيد المرسلين وغفر لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين والحمد لله رب العالمين، ادعوا الله يستجب لكم.

الخطبة الثانية

الحمد لله....أما بعد فيا عباد الله؛

تَمُر بنا في هذه الأيام، الأيام الوطنية للتشجيع على الرضاعة الطبيعية، ومشاركةً لمنبر الجمعة في هذه التوعية، نقول:

إذا كانت الهيئات الصحية تُصدر دائما توصياتٍ تلو الأخرى، تدعو الأمهاتِ إلى أن يرضعن أولادهن رضاعة طبيعية، فإن دين الإسلام قد سبق إلى ذلك بمئات السنين، وقرر حق الأطفال في الرضاعة، وأوجب على الأمهات إرضاع أولادهن، لما تعود به الرضاعة الطبيعية، من فوائد على صحة الأطفال وذكائهم، وحمايتهم ونمو أجسامهم، يقول الله تعالى: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ﴾

ورغم توجيه القران الكريم للاهتمام بالرضاعة الطبيعية، إلا أن من الأمهات من تتخلى عن واجب الرضاعة الطبيعية، وتلجأ إلى الرضاعة الصناعية، بسبب انتشار أفكار خاطئة، حول إضرار الرضاعة الطبيعية بصحة المرأة.

فيا معشر النساء اتقين الله في أولادكن، فان امتناع الأم عن رضاعة طفلها بدون عذر مقبول، مخالفةٌ صريحةٌ لتوجيهات القران الكريم، وتضييعٌ لحق من حقوق الأولاد. فاللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

 هذا وأكثروا من الصلاة والسلام على النبي الأمين، فقد أمركم بذلك مولانا الكريم، ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت وسلمت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.

وارْضَ اللهم عن الأربعة الخلفاء الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة الأكرمين، خصوصا الأنصار منهم والمهاجرين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 اللهم وفق للخير جلالة الملك أمير المؤمنين محمدا السادس، اللهم انصره نصرا عزيزا تعز به الدين، وتجمع به شمل المسلمين، اللهم بارك له في ولي عهده الأمير الجليل المولى الحسن، واشدد اللهم أزره بصنوه الأمير السعيد مولاي رشيد، واحفظه اللهم في جميع الأسرة الشريفة يارب العالمين.

اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمين ، وأذِلَّ الشرك والمشركين، وأَدِمْ عَلَى بلدنا الأَمْنَ والأَمَانَ وَعلَى سَائِرِ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ.

"رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ" اللهم أنزل السكينة في قلوبنا، وزدنا إيماننا، واهدنا وأصلِح بالَنا وأدخلنا الجنة يارب العالمين، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

 اللَّهُمَّ إنا نسألكَ الجنةَ لنا ولوالدينَا ولأشياخنا، ولمَن له حقّ علينَا، ولجميع المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين﴾

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا