كورونا والنورالذي يتراء في آخرالنفق هذه أربعة لمواجهة الداء - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

كورونا والنورالذي يتراء في آخرالنفق هذه أربعة لمواجهة الداء


" أمل يلوح في الأفق وضوء يتراء في آخر النفق
اليوم مواجهة "كورونا" في أربع: الإلحاح في الدعاء، وجودة الغذاء والوقاية من الداء،وأخيرا تناول الدواء"
  
بقلم فضيلة الفقيه عبدالله بنطاهر لخطبة يوم الجمعة 18 ربيع الأخير 1442هـ 4 / 12 / 2020م
 
الحمد لله الذي جعل سلاح المؤمن الدعاء، وهو لروحه الغذاء والدواء، وأشهد أن لا إله إلا الله المستحق لكل مدح وإطراء، وهو سبحانه المنعم علينا بنعم فاقت الإحصاء والاستقراء، وأشهد أن سيدنا محمدا أرسله الله هاديا حين زاغت الأبصار وضلت الآراء، وهو الذي أزال بنوره عن العقيدة الشك والمراء، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الذين حاربوا الضلال والافتراء، وعلى التابعين لهم بإحسان في السرّاء والضرّاء…
أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون، أوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله وطاعته.      
عاش العالم في هذه السنة رعبا لم يشهد له التاريخ مثيلا بالإجماع، سبب للجميع الهلع والصداع، ونشر في الأقطار الأمراض والأوجاع، وأهلك الحرث والنسل والآباء والأجداد، وأنهك الأسواق والاقتصاد؛ منذ أن ظهر ڤيروس "كورونا" في الصين، ليجتاح العالم نازلا بثقله على الدول المتقدمة المتحضرة وخصوصا في قارة "أوربا"، فمات بسببه مئات الآلاف، ومنعت التجمعات والجماعات والجمعات، وتوقفت المدارس والمصانع والمطارات، وأغلقت الكنائس والجوامع والجامعات، وعجزت المختبرات المتطورة عن الابتكارات، فلم يستطيعوا إيجاد دواء ينفع، ولا وقاية تدفع!

 فكان المرض سيد الساحة، منفردا بالسياحة، يسافر عبر القارات من غير إذن ولا تأشيرة، لا تمنعه حواجز الحدود، ولا يردعه النقض و"الڤيتو"، لم يظهر مثله في التاريخ، وانهزم أمامه من ادعى الوصول للقمر والمريخ، وقال بعض الخبراء: لو جمعت فيروسات كورونا التي أصابت العالم وحطمت كل شيء ما تجاوز حجمها ملء ملعقة صغيرة، أو بقدر قبضة ملح كتلك التي توضع في الطعام؛ سبحان من يهزم أقوى الأقوياء بأضعف الضعفاء.

ومواجهته في أربعة أمور: الإلحاح في الدعاء، وجودة الغذاء، والوقاية من الداء، وأخير بإذن الله تعالى تناول الدواء.
●أما الإلحاح في الدعاء؛ فلأنه استعانة من عاجز ضعيف بالقوي اللطيف، واستغاثة من عبد ملهوف برب رحيم رؤوف؛ ليزيل العلة، ويرفع المحنة، ويكشف الغمة؛ فقد أمر بالدعاء ووعد بالإجابة فقال تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ}، وقال سبحانه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}، وقال النبيﷺ: «الدعاء سلاح المؤمن...»، وقالﷺ: «إن الدعاء هو العبادة»، وفي رواية: «الدعاء مخ العبادة»، وقال ابن عطاء الله في حكمه: "لا يكن تأخر أمد العطاء مع الإلحاح في الدعاء موجبا ليأسك، فالله تعالى قد ضمن لك الإجابة فيما يختار هو، لا فيما تختار أنت لنفسك، وفي الوقت الذي يريد، لا في الوقت الذي تريد".

●أما جودة الغذاء؛ فالخبراء يقولون: من قويت مناعة جسمه يستطيع أن ينجح في المواجهة، والمناعة القوية مصدرها الغذاء الجيد المتنوع في نظام غذائي متوازن؛ لحوما حمراء وبيضاء، وحليبا وعسلا، وخضرا وفواكه وقطاني {مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا}، في غير إسراف ولا تقتير عوان بين ذلك؛ فلو رجعنا إلى القرآن الكريم لتعلمنا كيف نأكل أكلا متنوعا؛ فقد حث الله تعالى على تنوع الغذاء وتنظيمه؛ فقال سبحانه: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}، 

وقال سبحانه في اللحوم الحمراء: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ}، وقال سبحانه في اللحوم البيضاء: {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا}، وقال سبحانه في المنتوجات الفلاحية: {فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ}، {وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حِصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}، وأقسم سبحانه ببعضها تنبيها على أهميتها الغذائية فقال: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ}، وقال سبحانه في الحليب ومشتقاته: {نَسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ}، 

وقال سبحانه في العسل: {يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ}، وقال سبحانه في المياه الصالحة للشرب: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ آنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ}، {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ}.

●أما الوقاية من الداء؛ فتتحقق بأمرين:
1) الطهارة؛ وقد دعا إليها الإسلام وأسسها لنا بالوضوء اليومي والغسل عند الحاجة؛ واالله تعالى يقول: {يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ}؛ وروى البخاري ومسلم أن النبيﷺ قال: «إذا اسْتَيْقَظَ أحدُكم من نومه فلا يَغْمِسْ يدَه في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً، فإنه لا يَدري: أين بَاتَتْ يدُه؟» وفي رواية أبي داود: «أين كانت يَدُه تطوفُ؟»؛ فيجب تعاهد اليدين بالغسل في كل الأحوال.
2) الحجر الصحي؛ فقد سبق الإسلام كل النظم والهيئات في علاج الوباء بالحجر الصحي، فقد جاءت في ذلك أحاديث كثيرة منها:     
- ما روى البخاري وأحمد أن رسول اللهﷺ قال عن الطاعون: «كان عذابا يبعثه الله على من يشاء، وأن الله جعله رحمة للمؤمنين؛ فليس من أحد يقع الطاعون، فيمكث في بلده صابرا محتسبا؛ يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر الشهيد». 
- ما روى الشيخان أن النبيﷺ قال: «إذا سمعتم بالطَّاعُون بأرضِ فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرضِ وأنتم بها، فلا تخرجوا منها».
- ما روى الإمام مسلم أنه: «كان في وفد ثقيف رجل مجذوم، فأرسل إليه النبيﷺ: إنا قد بايعناك فارجع».

●أما تناول الدواء؛ فقد أمرنا نبيناﷺ بذلك فقال فيما روى أبو داود: «إن الله أنْزَلَ الدَّاءَ والدَّوَاءَ، وجعل لكلِّ داء دواء، فَتَدَاوَوْا، ولا تَدَاوَوْا بحرام»، ولا بد هنا من اتباع نصائح الأطباء والأخذ بوصفاتهم الطبية بعيدا عما يروج من أدوية وأعشاب يتناولها الناس دون استشارة الأطباء؛ فقد كنا لا نسمع في مواجهة "كورونا" إلا ثلاثة: الإلحاح في الدعاء، وجودة الغذاء، والوقاية من الداء؛ وها هو خبر سار في هذه الأيام -ولله الحمد- يلوح في الأفق، يتراء لنا فيه ضوء في آخر النفق، يزرع الأمل ويحقق الرجاء، يتعلق بتلقيح سيغير -إن شاء الله- مسار المواجهة، وسيحقق الهجوم المعاكس على جيش هذا الفيروس، نسأل الله تعالى أن يجعل فيه الشفاء العاجل للجميع.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين والحمد لله رب العالمين
 
الحمد لله رب العالمين…
أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون؛ سأل الصحابي الجليل عقبة بن عامرٍ النبيﷺ فقال: يا رسول الله؛ ما النجاةُ؟ فقالﷺ: «أمسك عليك لسانكَ، وليسعك بيتُك، وابك على خطيئتك». 

أما قولهﷺ: «أمسك عليك لسانكَ» فالمراد به الابتعاد عن نشر الإشاعات، والإشاعات أضر للإنسان من كورونا نفسه، لقد ألهبت المشاعر، وحطمت المشاريع، وانتشر مثل النار في الهشيم عبر المواقع والشوارع؛ فطالت مرض "كورونا" بكل جوانبه: في وجوده وحقيقته، وفي أصله وتكوينه، وفي انتشاره وتمدده، وفي علاجه ودوائه، بل وحتى في نهايته وزواله، ومرض "كورونا" يمضي في طريقة ولا يبالي؛ وكثير من الإشاعات إنما تبث اليأس والجهل والإحباط؛ ومواجهة "كورونا" يحتاج للوعي والأمل والاحتياط.

أما قولهﷺ: «وليسعك بيتُك»؛ فإن العالم اليوم كله ينادي بهذا النداء النبوي الشريف؛ فيقول للمرضى والمصابين: ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم كورونا بفيروساته.    
أما قولهﷺ: «وابك على خطيئتك»؛ فإنه اللجوء إلى الله تعالى بالاستغفار والدعاء...
ألا فاتقوا الله عباد الله وأكثروا من الصلاة والسلام على رسول اللهﷺ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا