مقاصد وأحكام يستحضرها المومن قبل شراء الأضحية
"اعلم هذا قبل أن تشتري أضحية العيد"
من إعداد فضيلة الأستاذ :شوقي الفلالي
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه...
عباد الله تعلمون أن مع اقتراب عيد الأضحى، يصبح الهم الشاغل لمعظم الأسر المغربية هو الحديث عن خروف العيد عن “الكبش”، وتصير معظم الحوارات منحصرة في هذا الموضوع، فلا حديث في البيوتات وفي المقاهي إلا عن الأضاحي، لذلك ونظرا لكثرة الأسئلة التي أتوصل بها من بعض الأحبة عن هذا الموضوع وجب أن نقف وقفات مع أضحية العيد:
الوقفة الأولى: أضحية العيد عبادة من العبادات: كعبادة الصلاة والصيام و.... والعبادة لا تقبل الا إذا كانت بما شرع الله (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الأنعام 162والنسك هو الذبيحة وقال تعالى(فصل لربك وانحر) أي: أخلص له صلاتك وذبيحتك.
فأضحية العيد عبادة نتقرب بها الى الله، شانها كشأن الصلاة والزكاة والصيام، وليست عادة وجدنا عليها آباءنا، لهذا رفع رسول الله ﷺ من شأن هذه الأضحية وعظَّمها؛ لأنها من شعائر الله فعنْ عائِشةَ أنَّ النَّبيَّ ﷺ قال:"مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ يَوْمَ النَّحْرِ عمَلاً أحَبَّ إلى اللهِ ﷻ مِنْ هراقةِ دَمٍ، وإنَّهُ ليَأْتِي يَوْمَ القِيامَةِ بِقُرُونِها وأظْلافِها وأشْعارِها، وإنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِن اللهِ بِمَكانٍ قَبْلَ أنْ يَقَعَ على الأرْضِ، فَطِيبُوا بِها نَفْسًا" الترمذي وابن ماجه.
فلما يغيب البعد التعبدي عن الإنسان المسلم في هذا النسك والأضحية، ويظن كثير من الناس أن المناسبة هي مناسبة لحم وكباب وليس إرضاء رب الأرض والسماء، هنا يدخل ابليس على الخط لتشريع فتصبح اي وسيلة للحصول على أضحية العيد عند الناس جائزة ولا يهم هل هي حلال أم حرام.
الوقفة الثانية: الحكمة من مشروعية أضحية العيد: عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: قَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذِهِ الْأَضَاحِيُّ قَالَ سُنَّةُ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ" رواه أحمد والترمذي وابن ماجه.
لماتقدم السن بخليل الله إبراهيم عليه السلام وارتجى من الله أن يمن عليه بذرية صالحة تخلفه، وتحمل النبوة من بعده، فتضرع إلى الله بالدعاء، (رب هب لي من الصالحين)، فكانت الإجابة (فبشرناه بغلام حليم) ولما شبّ الولد واستأنس به الخليل، جاءه الأمر بذبحه، عبر رؤيا رآها، وقصها على ابنه إسماعيل،{قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى}، وبنفس الإيمان والعظمة يجيب إسماعيل: {يا أبت افعل ما تومر ستجدني إن شاء الله من الصابرين}، وتقدم الخليل لتنفيذ أمر الله، كما تلقاه، فجاءه الملك يحمل ذبحا وصف بالعظيم، وانتهت القصة بتهنئة النبي إبراهيم على ثباته وصدقه وقوة إيمانه.
هذه هي حكاية الأضحى وهذه غاياتها العليا فأين نحن اليوم من هذه المعاني؟ أين نحن من المقاصد والغايات الكبرى التي من أجلها شرعت الأضحية التي جاءت بعد تضحية إبراهيم وابنه إسماعيل، اليوم اختُزِل عيد الأضحى في الكبش، الذي تحول اقتناؤه إلى فريضة اجتماعية، وإلى همّ يؤرق الآباء، فما قيمة اللحم والشحم في غياب المعاني الإيمانية المرجوة من هذه المناسبة؟
القرآن الكريم لم يتحدث عما فعله إبراهيم عليه السلام بهذا الكبش العظيم الذي تلقاه، لأن أمر أكل اللحم ها هنا ليس مطلوبا لذاته، وإنما انصرف القرآن إلى التأكيد على المهم وهو الاستجابة لأمر الله دون تلكأ أو تردد {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}
كثير من الناس اليوم غاب عنهم المعنى التعبدي والتقرب الى الله بهذه العبادة الأضحية، فمن الناس من لا يضحي لأنه مريض بالسكر ولا يأكل لحم الغنم، ومن الناس من يقارن بين ثمن البقر وثمن الغنم ويقارن بين كثرة اللحم عند البقر وقلته في الضأن، وبالتالي عيد الأضحى إنما هو لحم وكباب، وملأ البطون وكأننا وحوش مفترسة، ومن الناس ممن لا يأكلون لحم الضأن يختار أن يتصدق بثمن الأضحية بدل ذبحها ظنا منه أنه قد فعل خيرا، كل هؤلاء نسوا قوله تعالى {لن ينال اللهَ لحومُها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم} الحج: 35
الوقفة الثالثة أيهما أفضل التصدق بثمن الأضحية أم ذبحها؟ التصدق بالثمن نقدًا على الفقراء لا يجزئ عن الأضحية؛ لأن المقصود من مشروعية الأضحية التعبد بإراقة الدم وإطعام الفقراء باللحم لا بالمال.
فالذبح أفضل من التصدق بثمن الأضحية اذبح وتصدق بالأضحية "لا تأكل لحم الضأن هذا موضوع آخر" قال سعيد بن المسيب رحمه الله: "لأن أضحي بشاة أحب إليّ من أن أتصدق بمائة درهم" صحابة رسول الله قَالُوا فَمَا لَنَا فِيهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ "بِكُلِّ شَعَرَةٍ حَسَنَةٌ قَالُوا فَالصُّوفُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ بِكُلِّ شَعَرَةٍ مِنْ الصُّوفِ حَسَنَةٌ" أحمد والترمذي وابن ماجه
ولأن فتح باب التصدق بأثمان الأضاحي بدل إراقة دمائها سيؤدي حتمًا على توالي الأيام والسنين إلى ترك الناس هذه الشعيرة الدينية، والإخلال بالتعبد بها، كما يقول اليوم بعض الجهلة بدل الحج نتصدق بهذا المال على الفقراء! الفقر كان ولا يزال وسيضل ؛ ربما يأتي يوم يقول من لا يريد الصلاة أتصدق على الفقراء عن كل صلاة، ومن لا يريد الصيام بدون عذر شرعي يتصدق على الفقراء وهكذا....
فكل شعيرة لها مكانتها في شرع الله، فالحج له مكانته والصيام والزكاة والصلاة وأضحية العيد. فتكون النتيجة إسقاط شعائر الله تباعا قال تعالى (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) الحج 32 (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) الآية 21
النبي ما تبث أنه تصدق بثمن الأضحية على الفقراء (وكان هنا فقراء أهل الصفة) بل إنه ﷺ ذبح كبشين وقال"اللهمَّ هذا عنِّي وعمَّن لم يضحِّ من أمَّتي"رواه أبو داود وأحمد والحاكم ولذلك كانت الأضحية سنة مؤكدة للقادر عليها وهنا ننتقل إلى
الوقفة الرابعة: في حكم شراء أضحية العيد: والتي هي سنَّة مؤكدة وليست بواجبة، أي يكره تركها للقادر عليها ولا شك أن تارك الأضحية مع قدرته عليها قد فاته أجر عظيم وثواب كبير فالله تعالى يثيب من فعلها ولا يعاقب تاركها، فالغاية منها التعبد بها لله سبحانه، فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنَّ النبي ﷺ قَالَ: «إِذَا دَخَلَتِ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّىَ فَلاَ يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا»، أخرجه مسلم في صحيحه.
ووجه الدلالة في هذا الحديث أن رسول ﷺ قال: «وأراد أحدكم» فجعله مُفَوَّضا إلى إرادته، ولو كانت الأضحية واجبة لاقتصر على قوله: «فلا يمس من شعره شيئا حتى يضحي" والله تعالى يقول (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)،
فالله تعالى تعبدنا بما نطيق لا بما لا نطيق، وحيثما كانت المشقة فالحرج مرفوع، هذا هو دين الإسلام، لكن الواقع اليوم شيء آخر، فأصبحت اضحية العيد تحتل مكانة ومقاما أكبر من أي فريضة أخرى من الفرائض، لا تعلو أي شعيرة أخرى فوقها، بالله عليكم أين الفرائض أولا حتى نبحث عن السنن؟ قد تجد هؤلاء لا يركعون لله ركعة، ولا يعرفون للواجبات والفرائض مكانة وأهمية، أين صدق إبراهيم وإيمانه الشامخ؟ أين فهمه العميق وأدبه الجم؟ وأين صبر إسماعيل وحسه الرفيع؟
قد يضحي كثير من الناس اليوم بأهم ما لديه مقابل توفير ثمن اضحية العيد، من الناس من يبيع أثاث منزله، منهم من يفرق أولاده وزوجته على أبواب المساجد والمقاهي متسولين وطالبين وراغبين في دريهمات لأجل الأضحية، ويصرحون بهذا قصد استعطاف الأغنياء.
قد يَقْدِمَ بعض الناس على أي فعل في سبيل الحصول على "كبش" العيد، حتى وإن اقتضى الأمر أن يسطو عليها، كما حدث السنة الفارطة بالدار البيضاء، عقب الهجوم على شاحنات الأكباش، بالله عليكم كيف يرتضي أشخاص لأنفسهم أن يُحْيوا شعيرة "سُنَّة" عيد الأضحى ذات البعد الديني، بأضاحي مسروقة، أو آخرون يستدينون خروف العيد وفي نيتهم ألا يؤدون ثمنه لبائعها، وعند الأضحية يقول سارق الأضحية "باسم الله الله أكبر، اللهم هذا منك وإليك" وبعد الفراغ من أكل لحمها يقول "الحمد لله الذي رزقنا هذا من غير حول منا ولا قوة"
كثيرا ما نسمع في مجالسنا: لن أترك "الذراري" والأولاد بلا عيد؛ أي: بلا كبش، هؤلاء "الذراري" لما عودناهم أن يحصلوا على أي شيء منذ نعومة أظفارهم كل ما يطلبون بأي ثمن هم لما يكبروا، يلزمونك أن تشتري لهم الحداء الرياضي والقميص الرياضي من الصنف الفلاني ويرغمونك أن تشتري لهم هاتفا نقالا من آخر طراز.
هل نحن أفقه وأعلم من الأئمة الكبار والعلماء الأخيار، حيث كان بعضهم لا يضحي وهو من القادرين عليها خشية أن يعتقد البعض أنها واجبة، ويعلن ذلك على الملأ من غير خجل ولا وجل، حدث ذلك من عدد من كبار الصحابة، كأبي بكر الصديق وعمر الفاروق وبلال وابن عباس وأبي مسعود البدري أجمعين.
روى الإمام البيهقي في السنن الكبرى عن الإمام الشافعي رحمه الله: قال "بلغنا أن أبا بكر الصديق وعمر كانا لا يضحّيان كراهة أن يُقتدى بهما فيظن من رآهما أنها واجبة".
وعن عكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنه أن ابن عباس: كان إذا حضر الأضحى أعطى مولى له درهمين فقال: اشتر بهما لحماً، وأخبِر الناس أنها أضحية ابن عباس.
فلم هؤلاء لم يكلفوا أنفسهم شراء أضحية العيد هل غاب عنهم ثوابها وأجرها؟ أبدا ولكنهم علموا ان ربنا رحيم و «لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا» البقرة: 286.
فما العيب أن يشتري المرء لحما إن لم يكن قادرا على شراء أضحية، فلم يكلف المرء نفسه مالا يطيق. فاللهم ارنا الحق حقا وارزقنا اتباعه ....
الخطبـــة الثانيــة:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه أما بعد عباد الله الوقفة الخامسة: حكم الاقتراض من أجل شراء أضحية العيد؟
الجواب: هوالجواز عن طريق القرض الحسن أو الاستدانة بدون فائدة، بشرط أن يكون لدى المستدين مداخيل تمكنه من الوفاء بهذا الدين، مثل التاجر الذي ينتظر نفاد تجارته مثلا أو الموظف الذي ينتظر أجرة شهره.
أما لجوءَ الإنسان المسلم إلى الاقتراض بمعاملة ربويَّة من أجل اقتناء الأضحيَة، فهذا لا يجوزُ شرعا بل ويدخل في باب الكبائر، لأنَّ المسلم غيرُ مضطرٍ فِي ذلك، ولا يختبا وراء القول "الضرورات تبيح المحظورات" فهل الإنسان إن لم يتناول الكبد يوم عيد الأضحى أو لم يتغذى بلحمها هل سيموت، أبدا...
بل المالكية يقولون لا تسن الأضحية للفقير الذي لا يملك قوت عامه ويحتاج ثمنها في ضرورياته السنوية فإن لم يكن الاقتراض من أجل اضحية العيد بطرق ربوية حرام، معنى هذا أنه لم يبق في دين الله شيء يسمى الحرام، هل يتم تحقيق أمنية الأسرة وهو أضحية العيد "سنة للقادر عليها "بما هو أضر من ذلك الا وهو الربا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ "لَعَنَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَكَاتِبَهُ" رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
وَعَنْ عبداللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ غِسِّيلِ الْمَلَائِكَةِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ "دِرْهَمُ رِبًا يَأْكُلُهُ الرَّجُلُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَشَدُّ مِنْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ زَنْيَةً" رَوَاهُ أَحْمَدُ.
الربا في شراء العقارات، الربا في شراء السيارات، الربا في شراء اضحية العيد، الربا في السفر في العطلة الصيفية، وسياتي زمان ياتي من يسأل عن حكم الاقتراض بالربا لأداء مناسك الحج والعمرة!!.
الوقفة السادسة حول الاشتراك في الأضحية ؟هنا ينبغي أن نفرق بين الإشراك والاشتراك. فالإشراك هو: إدخال المضحي غيره في ثواب الأضحية وأجرها دون أن يدفع شيئا من المال.
أما الاشتراك هو: اتفاق مجموعة من الناس سبعة فأقل على شراء أضحية، يدفع كل واحد قسطا من ثمنها ليأخذ بعد الذبح حصته منها.إذا كانت الأضحية من الغنم أفتى علماء الأمة الإسلامية بعدم جواز الاشتراك في ثمنها.
أما إذا كانت الأضحية من البقر فهي قضية خلافية بين العلماء؛ والمشهور عند المالكية أن الأضحية لا تقبل الاشتراك لأنها عبادة، والعبادة لا تقبل الاشتراك أو التبعيض، كالصلاة مثلا لا تصل أنت ركعتين والآخر يصل ركعتين أو الصيام تصوم أنت نصف الشهر ويصوم لك آخر نصفه الباقي فالعبادة عينية ولا تبعض أو تجزء.
وأخيرا من فوق هذا المنبر أوجه رسالة الى بائعي المواشي "الكسابة" نقول لهم اتقوا الله في أضاحي العيد وإياكم وبيعها إن كان بها عيب لا يعلمه المشتري، إنما هي قربان لله تعالى فكيف تطوع نفس لجوء بعض هؤلاء إلى تسمينها بواسطة فضلات الدجاج أو الرعي في المزابل، فليتق الله كل بائع لأن تلك الأضاحي إنما هي قربان لله تعالى، فلا تكونا سببا في تقرب عباد الله بأسوأ الأضاحي فتبوؤوا بإثم تلكم الأضاحي.
نسأل الله أن يرزقنا الرزق الحلال وأن يبارك لنا فيه؛ وأن يباعد بيننا وبين الحرام كما باعد بين المشرق والمغرب
الدعاء..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا