تَذْكِيرُ إِخْوَةِ الْإِسْلَامِ، بِفَضْلِ ذِي الْحِجَّةِ الْحَرَامِ - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

تَذْكِيرُ إِخْوَةِ الْإِسْلَامِ، بِفَضْلِ ذِي الْحِجَّةِ الْحَرَامِ


من اعداد فضيلة الأستاذ : رشـيـد الـمـعاشـي

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَيَّأَ لِعِبَادِهِ مَوَاسِمَ الطَّاعَاتِ، وَحَثَّهُمْ عَلَى الْإِكْثَارِ فِيهَا مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَاتِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ خَيْرُ الْمَخْلُوقَاتِ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ ذَوِي الْفَضَائِلِ وَالْمَكْرُمَاتِ، وَمَنِ اِقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ مَا دَامَتِ الْأَرْضُ وَالسَّمَاوَاتُ.

أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، أَنْ أَكْرَمَهُمْ بِالْكَثِيرِ مِنْ مَوَاسِمِ الطَّاعَاتِ وَتَنَزُّلِ الرَّحَمَاتِ، لِيَغْتَنِمُوهَا فِيمَا يَنْفَعُهُمْ قَبْلَ الْفَوَاتِ، وَالْعَاقِلُ لَا يَقْبَلُ أَنْ تَمُرَّ عَلَيْهِ هَذِهِ السَّاعَاتُ الْمُبَارَكَاتُ، دُونَ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِيهَا نَصِيبٌ مِنَ الْحَسَنَاتِ، وَمِنْ أَعْظَمِ تِلْكَ الْمَوَاسِمِ شَهْرُ ذِي الْحِجَّةِ الْمُبَارَكُ، الَّذِي نَعِيشُ أَوَّلَ أَيَّامِهِ، لِذَلِكُمْ اِخْتَرْتُ أَنْ يَكُونَ عُنْوَانُ خُطْبَتِنَا لِهَذَا الْيَوْمِ الْمُبَارَكِ السَّعِيدِ - بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى – هُوَ: تَذْكِيرُ إِخْوَةِ الْإِسْلَامِ، بِفَضْلِ ذِي الْحِجَّةِ الْحَرَامِ، وَسَنُسَلِّطُ الضَّوْءَ عَلَى هَذَا الْعُنْوَانِ مِنْ خِلَالِ ثَلَاثَةِ عَنَاصِرَ:

الْعُنْصُرُ الْأَوَّلُ: التعريف بشَهْرِ ذِي الْحِجَّةِ، فَشَهْرُ ذِي الْحِجَّةِ - أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ - هُوَ أَحَدُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ الْمُبَارَكَةِ، التِي هِيَ: ذُو الْقِعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبٌ، وَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعْظِيمَهَا وَاحْتِرَامَهَا، وَجَعَلَ الطَّاعَةَ فِيهَا أَفْضَلَ مِنْهَا فِيمَا سِوَاهَا، كَمَا جَعَلَ الْمَعْصِيَةَ فِيهَا أَقْبَحَ وَأَشْنَعَ مِنْهَا فِي غَيْرِهَا، مِصْدَاقُ ذَلِكَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ. 

رَوَى الْإِمَامُ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ الظُّلْمَ فِي الْأَشْهَرِ الْحُرُمِ أَعْظَمُ خَطِيئَةً ووِزْرًا مِنَ الظُّلْمِ فِيمَا سِوَاهَا، وَإِنْ كَانَ الظُّلْمُ عَلَى كُلِّ حَالٍ عَظِيماً، وَلَكِنَّ اللَّهَ يُعَظِّمُ مِنْ أَمْرِهِ مَا شَاءَ. وَرَوَى عَنْهُ أَيضًا أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى صَفَايَا مِنْ خَلْقِهِ؛ اِصْطَفَى مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا، وَمِنَ النَّاسِ رُسُلًا، وَاصْطَفَى مِنَ الْكَلَامِ ذِكْرَهُ، وَاصْطَفَى مِنَ الْأَرْضِ الْمَسَاجِدَ، وَاصْطَفَى مِنَ الشُّهُورِ رَمَضَانَ وَالْأَشْهُرَ الْحُرُمَ، وَاصْطَفَى مِنَ الْأَيَّامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَاصْطَفَى مِنَ اللَّيَالِي لَيْلَةَ الْقَدْرِ، فَعَظِّمُواْ مَا عَظَّمَ اللَّهُ، فَإِنَّمَا تُعَظَّمُ الْأُمُورُ بِمَا عظَّمَهَا اللَّهُ عِنْدَ أَهْلِ الْفَهْمِ وَأَهْلِ الْعَقْلِ.

الْعُنْصُرُ الثَّانِي: فَضْلُ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، فَقَدِ اخْتَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَشْرَ ذِي الْحِجَّةِ بِمَزِيدِ فَضْلٍ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ أَيَّامِ الشُّهُورِ الْحَرَامِ، حَيْثُ جَعَلَ الْعَمَلَ الصَّالِحَ فِيهَا أَفْضَلَ مِنْهُ فِي غَيْرِهَا لِمَنْ أَرَادَ الاِغْتِنَامَ، رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ - يَعْنِى أَيَّامَ الْعَشْرِ –...

 وَمَعْنَى الْحَدِيثِ: أَنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ أَكْثَرُ أَجْراً مِنْهُ فِي غَيْرِهَا مِنَ الْأَيَّامِ، لِأَنَّهَا أَيَّامُ زِيَارَةِ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ، وَالْعَمَلُ يَشْرُفُ بِشَرَفِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، وَالْمُرَادُ بِـ(الْعَمَلِ الصَّالِحِ) فِي هَذَا الْحَدِيثِ مُطْلَقُ الْعَمَلِ، فَلَا تُقَلِّلْ - أَخِي الْمُسْلِمَ – مِنْ قِيمَةِ أَيِّ عَمَلٍ صَالِحٍ فِي هَذِهِ الْعَشْرِ الْمُبَارَكَةِ، رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّه ﷺ قَالَ: كُلُّ سُلَامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ: تَعْدِلُ بيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَتحْمِلُهُ عَلَيْهَا، أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وبكُلِّ خَطْوَةٍ تَمْشِيهَا إِلَى الصَّلاةِ صَدقَةٌ، وَتُمِيطُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ.

نَفَعَنِي اللَّـهُ وَإِيَّاكُمْ بِكِتَابِهِ الْـمُبينِ، وَبِسُنَّةِ نَبيِّهِ الْمُصْطَفَى الْكَرِيمِ، وَجَعَلَنِـي وَإِيَّاكُمْ مِنَ الذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ آمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْـحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمينَ.


اَلْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَليُّ الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، سَيِّدُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرينَ، صَلَّى اللَّـهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَمَنِ اقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ: 

الْعُنْصُرُ الثَّالِثُ:  فَضْلُ صِيَامِ تِسْعِ ذِي الْحِجَّةِ، فَمِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي ارْتَبَطَتْ بِهَذِهِ الْعَشْرِ الْمُبَارَكَةِ عِبَادَةُ الصِّيَامِ، فَيُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْهَا عَلَى وَجْهِ الْخُصُوصِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ، رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحِجَّةِ...

 وَيَتَأَكَّدُ اسْتِحْبَابُ صِيَامِ الْيَوْمِ التَّاسِعِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ – وَهُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ -، رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ التِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ التِي بَعْدَهُ. وَيَتَأَكَّدُ اسْتِحْبَابُ صِيَامِهِ لِغَيْرِ الْحَاجِّ، وَأَمَّا الْحَاجُّ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِفْطَارُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِيَتَقَوَّى عَلَى الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، 

رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ نَاسًا تَمَارَوْاْ عِنْدَهَا يَوْمَ عَرَفَةَ فِي صِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ صَائِمٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ بِصَائِمٍ، فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ بِقَدَحِ لَبَنٍ - وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ – فَشَرِبَ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّهُ حَجَّ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ ثُمَّ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرَ، ثُمَّ عُثْمَانَ، فَلَمْ يَصُمْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ. فَاتَّقُــواْ اللَّهَ – أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ -، وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ.

🍀اَلدُّعَاءُ🍀

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا