خطبة بمناسبة يوم العمال ، أرباب العمل والعمال بين الحقوق والواجبات - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

خطبة بمناسبة يوم العمال ، أرباب العمل والعمال بين الحقوق والواجبات


وعنوان الخطيب:
«العمال في إطار الحقوق والواجبات: بين حقوق العمال وحقوق أرباب العمل»بماسبة اليوم العالمي للعمال للفقيه سيدي عبدالله بنطاهر.


الحمد لله الذي ذي العزة والجلال، أمر المسلمين بإتقان الأعمال، وحذرهم من التكاسل والإهمال، لينالوا أعظم الثواب في الحال والمآل، وأشهد أن لا إله إلا الله الكبير المتعال، شرع للعمال حقوقا تحميهم من الظلم وسوء الأفعال، وواجبات تحقق لهم الأماني والآمال، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الكريم المفضال، أول من حرر العمال من وطأة العبودية والاستغلال، إلى فضاء الحرية والاستقلال، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الجزاء على الأفعال والأقوال. 
أما بعد؛ فيا أيها الاخوة المؤمنون! أوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله وطاعته.

لقد جرت عادة مجتمعنا في هذا العصر على أن يجعل أول يوم من شهر "مايو" عيدا للعمل والعمال، وهي عادة طارئة ومستوردة، من القائمة التي اتبعنا فيها غيرنا، وليست نابعة من صميم ديننا، فإلى متى نقلِّد ولا نقلَّد؟ فإلى متى نَتبِع ولا نُتبَع؟ فإلى متى سنرجع في عاداتنا إلى ديننا وشريعتنا؟ ورغم ذلك فإن من مبادئ الإسلام اغتنامَ الفرص، وأن الحكمة ضالة المؤمن فأنى وجدها فهو أحق بها، وأن الذكرى تنفع المؤمنين؛

وعلى هذه الأسس كان لا بد للإسلام أن يدلي بدلوه في كل نشاط هدفه تحقيق الأماني والآمال في التقدم والرقي والازدهار؛ لأن الإسلام كله مبني على نفع ودفع: جلب للمنفعة ودفع للمضرة؛ والآمال لن تتحقق إلا على يد العمال وأرباب الأعمال معا، ولن تتحقق إلا بالعمال الأنقياء وأرباب الأعمال الأتقياء، ولن تتحقق بعمال ضاعت حقوقهم، كما لا تتحقق بعمال ضيعوا واجباتهم، لن تتحقق بالفراغ والبطالة، كما لا تتحقق بالغش والخيانة.

ولهذا فإن الإسلام لا ينادى بيوم واحد عيدا للعمال، يطالبون فيه بحقوقهم ويجوبون فيه الشوارع والساحات، بل عيد العمال في الإسلام لا ينتهي بيوم أو أسبوع، لأنه جعل السنة كلها عيدا لهم، يكرمهم ويمجدهم، ويفرض لهم حقوقا تكريما لهم، كما يفرض عليهم واجبات أيضا تكريما لهم.


فإذا كان للعمال في الإسلام حقوق، فإن لأرباب العمل أيضا حقوقا، أرباب العمل الذين استثمروا أموالهم، وكوَّنوا بها شركات يشتغل بها ما أمكن من اليد العاملة، هؤلاء الذين يخففون عن المجتمع من وطأة أخطبوط البطالة، هؤلاء الذين تنزل عليهم الضرائب بالضرب المبرح من جهة، ومن جهة أخرى تستنزفهم وتستفزهم نقابات العمال. أليس لهؤلاء حقوق؟ فالإسلام لا يفرض على المسلم في كل مجال الحياة حقوقا من طرف واحد؛ بل كل ما هو حق لك فهو الواجب على غيرك، وكل واجب على غيرك فهو حق لك، فحقوق العمال هي واجبات أرباب العمل، وحقوق أرباب العمل هي واجبات العمال...


والناس للناس من بدو وحاضرة***بعض لبعض وإن لم يشعروا خدموا
ونكتفي هنا بثلاثة حقوق مقابل ثلاث واجبات:
الأول: من حقوق العمال إيجاد فرص الشغل لهذا الجيش من العاطلين؛ فالرسولﷺ لم يعرف في شبابه الفراغ، ولم تنل منه البطالة أي منال، فهو يعرف كيف يحول فراغه إلى كد وعمل، وإلى جد وأمل، ولقد علمناﷺ كيف نحول اليد العاطلة الى اليد العاملة، حين جاءه ذات يوم سائل يتسول؛ فقال له النبيﷺ: «أما في بيتك شيء؟ قال: كساء وإناء؛ فباعهما الرسولﷺ بدرهمين، فاشترى فأسا وقال: اذهب فاحتطب ولا أراك خمسة عشر يوما، فجاءه بعد ذلك وقد أصاب عشرة دراهم»؛


إن هذا الحديث يحتوي على خطوات سباقة، سبق بها الإسلام كل النظم، إنهﷺ لم يعالج المشكلة بالعون المدى المؤقت، ولا بالوعظ والإرشاد، ولا بالوعود والتسويفات، ولا بالسير في الشوارع والساحات، ولا بالتجمعات والاعتصامات، ولا بالإضراب عن الطعام والمأكولات، وإنما أخد بيده فحوله من شخص متسول متوسل فارغ، إلى شخص عملي معطاء؛ ومن هذه المدرسة النبوية العملية تخرج الصحابة رضوان الله عليهم فكوَّنوا النواة الأولى للحضارة الإسلامية، التي امتدت إلى أقصى الشرق وأقصى الغرب؛


فالصحابة رضوان الله عليهم لم تمنعهم مناصبهم مهما كانت، عن تعاطي الأعمال اليدوية، وفي الصدارة منهم الخلفاء، ولا سيما عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي مارس التجارة وهو أمير المؤمنين وخليفة رسول اللهﷺ، يتربع حكمه على منطقة وزعت اليوم إلى ثلاثَ عَشْرَةَ دولة، ورغم ذلك كان يقول: «لأن يأتيني الموت وأنا أبيع وأشترى، خير من أن يأتيني الموت وأنا ساجد لربي»، وكان يقول أيضا: «لا يقف أحدكم عن طلب الرزق فيقول: اللهم ارزقني. وقد علم أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة».


إن مشكل البطالة هو مشكل عويص، ذاق ويلاتها الشيب والشباب، وعانى منها المثقفون وحاملو الشهادات، كما عانى منها الأمييون ومتوسطو الثقافات؛ فعلى المسؤولين أن يجِدُّوا في إيجاد فرص الشغل للشباب العاطل، والبحث عن الحلول لهذا المشكل النازل، لا بالكلام والوعود والأوراق، بل بالمعامل والمصانع والأسواق، فإن مقياس النجاح للحكومات اليوم في العالم، إنما هو بمقدار تقليصها لأخطبوط البطالة والفراغ، وبقدر إيجادها لفرص الشغل والعمل.

ومقابل هذا الحق يأتي واجب إتقان العمل وهو واجب على الأجير وحق لرب العمل؛ لأن الإسلام لم يدع إلى العمل المجرد فحسب، وإنما دعا إلى العمل المتقن، يقول النبيﷺ «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه»، وعدم الإتقان مرض خطير غزا منتوجاتنا وبضاعتنا نحن المسلمين، فاصبح لدينا التاجر إذا أراد أن يروج لسلعته، فلا يسعه إلا أن يقول: «هذه من الخارج» الشيء الذي جعلنا في مؤخرة الركب الحضارى، فأصبحنا من الدول النامية أو النائمة عالة على غيرنا، نستورد ما نأكل وما نلبس، حتى قيل فينا: "لو قلنا لكل شيء عد إلى أصلك لخشيت أن يبقى المسلمون حفاة عراة"؛ وكيف تتنصر أمة تأكل ما لا تزرع، وتلبس ما لا تصنع؟!       


فإذا كنت أخي الأجير تطالب بحق إيجاد فرص الشغل فهذا من حقك، ولكن من الواجب عليك إتقان الشغل إذا وجدت فرصته وهذا من حق صاحب العمل.
الثاني: من حقوق العمال أن يتسلموا رواتبهم فور انتهاء عملهم، أو في الوقت المحدد بالعدل والإنصاف، دون تأخير ولا إجحاف، وأن تكون هذه الرواتب محترمة تغطي حاجاتهم وتفي بأشيائهم، والله تعالى يقول: {ولا تبخسوا الناس أشياءهم}، والرسولﷺ يقول: «أعطوا الأجير حقه قبل أن يجف عرقه»، ولم يرض الله عز وجل محاميا من أي مخلوق مهما كان، إذا ضاعت رواتب العمال وأجورهم؛ بل تولى بنفسه المحاماة والدفاع؛ ففي الحديث القدسي قال الله تعالى: «ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يوفه أجره» رواه البخاري.


ومقابل هذا الحق يأتي واجب الأمانة في العمل، وهو واجب على الأجير، والأمانة في العمل تقتضي الابتعاد عن الاختلاس والسرقة؛ فالأجير لا يجوز له أن يأخذ من مقر عمله أي شيء دون إذن صاحب العمل، ولو كان كافرا، لأن ذلك في الإسلام اختلاس وسرقة، تستوجب الطرد والعقوبة الشرعية دنيا وأخرى، والعقوبة القانوينة أيضا؛ ويدخل في هذا الاختلاسات للمال العام؛ سواء كان عاما في شركة خاصة، أو عاما في أموال الدولة عامة،

وكل من يستغل الأشياء الخاصة بالشركة دون إذن صاحبها،
 أو الأشياء الخاصة بالدولة دون الإذن في ذلك؛ مثل الاستخدام الشَّخصي للممتلكات العامَّة لنفع نفسه وقرابته، كالسيارات، وخطوط الهاتف، والمواد، والعمال، وإعطاء الامتيازات والعطاءات والوظائف والمِنح لغير مستحقيها، بناءً على القرابة والزبونية والمحسوبية؛ من أشباح الموظفين حيث لا وظيفة، وأشباه العمال حيث لا عمل.
أتدرون ماذا يسمى هذا الفعل في الإسلام؟ إنها الغُلول والغُلول من الذنوب  الكبائر، والله تعالى يقول: {وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ}، ويقول النبيﷺ: «لا تقبل صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غُلول».


فإذا كنت أخي الأجير تطالب بحق الراتب المحترم فهذا من حقك، ولكن من الواجب عليك المحافظة على الأمانة في العمل وعدم الاختلاس والسرقة، وهذا من حق صاحب العمل.

الثالث: من حقوق العمال التي شرعها الإسلام أن تكون لهم أيام الراحة والعطل وتعويضات المرض والتقاعد والشيخوخة؛ والرسولﷺ يقول: «إن لنفسك عليك حقا، وإن لأهلك عليك حقا»، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يفرض العطاء لكل قاصر، طفلا كان أو شيخا أو مريضا أو معوقا.

ومقابل هذا الحق يأتي واجب إتمام أوقات العمل، وأداؤه في ساعاته المحددة على الوجه الأكمل وهو واجب على الأجير؛ وأي خلال أو إخلال في ذلك هو غش وخيانة؛ فإذا قالﷺ: «أعطوا الأجير حقه قبل أن يجف عرقه» فقد تبرأ من الغشاش فقال: «من غشنا فليس منا»، والويل لمن تبرأ منه المصطفىﷺ، فحق الأجير  مبنى على عرق جبينه، لا على غشه وخيانته؛ فالعامل أو الموظف الذي يتعطل عن عمله بساعة، أو يغادر مقر عمله قبل الوقت بساعة، ويكون هذا دأبَه كل يوم، دون سبب شرعي مقبول، فقد ضيع الأمانة، وخان الثقة، ما هو في الحقيقة إلا علامة من علامات الساعة،

والرسولﷺ يقول: «إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة» والله تعالى يقول: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} .
ومن الغريب أن يضيع بعضهم أمانة العمل بالصلاة، أن يضيع عبادة العمل بعبادة الصلاة، فوقت أداء الصلاة مهما كانت لا يتجاوز ربع ساعة، وبعض العمال يبقى متذرعا بأداء الصلاة ساعة، فيطيل فيها الركوع والسجود والخضوع، ولو أنه صلى في منزله لأتم في خمس دقائق، فيضيع بصلاته دينه ودنياه. وإذا كان من الواجب على رب العمل أن يسمح لعماله بوقت الصلاة، لأن الذي يصد عن ذكر الله وعن الصلاة هو شيطان،

فإن من الواجب على العمال أيضا أن يكتفوا بوقت الصلاة فقط ، لأن الذي يستغل الصلاة لمآربه الشخصية الدنيوية منافق.
فإذا كنت أخي الأجير تطالب بحق أيام الراحة والعطل فهذا من حقك، ولكن من الواجب عليك المحافظة على إتمام ساعات العمل، وهذا من حق صاحب العمل.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والحمد لله رب العالمين

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين…
أما بعد فيا أيها الاخوة المؤمنون؛
هكذا تعلمنا من هذه الخطبة أن الله تبارك وتعالى كما فرض للعمال حقوقا فرض عليهم واجبات هي حقوق أرباب العمل:

أولا: تعلمنا أن من حقوق العمال إيجاد فرص الشغل، ويقالبه واجب إتقان العمل وهو من حقوق أرباب العمل.

ثانيا: تعلمنا أن من حقوق العمال أن يتسلموا رواتبهم كافية وافية فور انتهاء عملهم، ويقالبه واجب الأمانة في العمل وعدم الاختلاس منه، وهو من حقوق أرباب العمل.

ثالثا: تعلمنا أن من حقوق العمال أن تكون لهم أيام الراحة والعطل وتعويضات المرض والتقاعد والشيخوخة، ويقالبه واجب إتمام أوقات العمل، وأداؤه في ساعاته المحددة على الوجه الأكمل، وهو من حقوق أرباب العمل.
ألا فاتقوا الله عباد الله، وأكثروا من الصلاة والسلام على رسول اللهﷺ...


أئمة مروك - الخطيب عبدالله بنطاهر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا