مَظَاهِرُ خُلُقِ الرَّحْمَةِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

مَظَاهِرُ خُلُقِ الرَّحْمَةِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ

من اعداد فضيلة الأستاذ : رشـيــد الـمـعاشــي

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ أَرْحَمِ الرَّاحِمِينَ، أَرْسَلَ رَسُولَهُ مُحَمّدًا ﷺ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، شَهَادَةً نَنَالُ بِهَا رَحْمَتَهُ يَوْمَ الدِّينِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، رَحْمَةُ اللَّهِ الْمُهْدَاةُ لِكُلِّ الْمَخْلُوقِينَ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ، وَمَنْ تَحَلَّى بِأَخْلَاقِهِمْ حَتَّى نَلْقَاهُمْ فِي دَارِ رَحْمَتِه مَعَ النَّبِيئِينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ. 

أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ:

كُلَّمَا أَهَلَّ عَلَيْنَا هِلَالُ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، تَذَكَّرْنَا حَدَثَ مَوْلِدِ خَيْرِ الْأَنَامِ، سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَزْكَى السَّلَامِ، الذِي فَتَحَ اللَّهُ بِهِ أَعْيُناً عُمْياً، وَآذَاناً صُمًّا، وَقُلُوباً غُلفًا، وَكَثَّرَ بِهِ بَعْدَ الْقِلَّةِ، وَأَعَزَّ بِهِ بَعْدَ الذِّلَّةِ، لِذَلِكُمْ سَنُخَصِّصُ بَعْضًا مِنْ خُطَبِنَا لِلْحَدِيثِ عَنْ أَخْلَاقِهِ ﷺ، وَكَيْفَ لَا وَهُوَ الذِي وَصَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ. وَجَعَلَ مِنْهُ الْمَثَلَ الْأَعْلَى لِكُلِّ مُسْلِمٍ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ إِسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ... وَسَيَكُونُ عُنْوَانُ خُطْبَتِنَا لِهَذَا الْيَوْمِ الْمُبَارَكِ السَّعِيدِ بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ: مَظَاهِرُ خُلُقِ الرَّحْمَةِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَسَنُرَكِّزُ كَلَامَنَا عَلَى هَذَا الْعُنْوَانِ مِنْ خِلَالِ عُنْصُرَيْنِ اثْنَيْنِ:

الْعُنْصُرُ الْأَوَّلُ: مَفْهُومُ الرَّحْمَةِ، فَالرَّحْمَةُ - أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ - هِيَ: عَطْفٌ وَرِقَّةٌ وَرَأْفَةٌ فِي الْقَلْبِ تَقْتَضِي الْإحْسَانَ إِلَى الْمَرْحُومِ. وَمِنْ خِلَالِ هَذَا التَّعْرِيفِ نَفْهَمُ أَنَّ الرَّحْمَةَ لَا تُرَى بِالْعَيْنِ، لِأَنَّهَا شُعُورٌ قَلْبِيٌ، وَإِنَّمَا يُرَى أَثَرُهَا الدَّالُّ عَلَيْهَا، كَمَا جَاءَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: فَانظُرْ إِلَى أَثَرِ رَحْمَتِ اللَّهِ... وَمَا نَرَاهُ الْيَوْمَ فِي الْأَرْضِ مِنْ تَرَاحُمٍ وَتَعَاطُفٍ بَيْنَ الْمَخْلُوقَاتِ كُلِّهَا مَا هُوَ إِلَّا أَثَرٌ مِنْ آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ التِي أَوْدَعَ جُزْءًا مِنْهَا فِي قُلُوبِ الْخَلَائِقِ.

 رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وتِسْعِينَ، وَأَنْزَلَ فِي الْأَرْضِ جُزْءاً وَاحِداً، فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الْخَلَائِقُ، حَتَّى تَرْفَعَ الدَّابَّةُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ. 

الْعُنْصُرُ الثَّانِي: خُلُقُ الرَّحْمَةِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَلَنْ نَسْتَطِيعَ أَنْ نَّسْتَوْعِبَ مَظَاهِرَ الرَّحْمَةِ فِي حَيَاتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، لِأَنَّهُ هُوَ الرَّحْمَةُ بِذَاتِهَا، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُخَاطَبًا نَبِيَّهُ ﷺ: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ. وَقَال مُخْبِرًا عَنْهُ ﷺ: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ. وَلَكِنْ مَا لَا يُدْرَكُ كُلُّهُ، لَا يُتْرَكُ جُلُّهُ، وَإِلَيْكُمْ أَبْرَزَ مَظَاهِرِ رَحْمَتِهِ ﷺ:

الْمَظْهَرُ الْأَوَّلُ: رَحْمَتُهُ ﷺ بِالْوَالِدَيْنِ، فَهُوَ الذِي بَلَّغَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى قَوْلَهُ: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُواْ إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا... وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقَالَ: جِئْتُ أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَتَرَكْتُ أَبَوَيَّ يَبْكِيَانِ، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَيْهِمَا فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا.

الْمَظْهَرُ الثَّانِي: رَحْمَتُهُ ﷺ بِالْأَطْفَالِ، فَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَرْحَمَ بِالْعِيَالِ مِنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ. وَرَوَى الْحَاكِمُ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَبَّلَ حَسَنًا وَضَمَّهُ إِلَيْهِ، وَجَعَلَ يَشُمُّهُ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: إِنَّ لِي ابْنًا قَدْ بَلَغَ مَا قَبَّلْتُهُ قَطُّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ اللَّهُ نَزَعَ الرَّحْمَةَ مِنْ قَلْبِكَ فَمَا ذَنْبِي؟. 

الْمَظْهَرُ الثَّالِثُ: رَحْمَتُهُ ﷺ بِالنِّسَاءِ، فَفِي النِّسَاء ضُعْفٌ فِي بِنْيَةِ الْجِسْمِ، وَضُعْفُ الْقَلْبِ بِمَعْنَى الْعَاطِفَةِ وَرِقَّةِ الْمَشَاعِرِ وَهُدُوءِ الطِّبَاعِ، وَكَانَ الرَّسُولُ ﷺ يُقَدِّرُ هَذَا الضُّعْفَ فِيهِنَّ، وَيَحْرِصُ عَلَى حِمَايَتِهِنَّ مِنَ الْأَذَى الْجَسَدِيِّ وَالْمَعْنَوِيِّ، رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ ﷺ قَالَ: اِسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا... وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ ﷺ قَالَ: خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي. 

الْمَظْهَرُ الرَّابِعُ: رَحْمَتُهُ ﷺ بِالْحَيَوَانَاتِ، فَرَحْمَتُهُ لَمْ تَقْتَصِرْ عَلَى الْإِنْسَانِ فَحَسْبُ، بَلْ كَانَ قَلْبُهُ يَفِيضُ رَحْمَهً بِهَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ الْعَجْمَاءِ أَيْضًا، رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ ﷺ قَالَ: بَيْنمَا رَجُلٌ يَمْشِي بطَريقٍ اشْتَدَّ علَيْهِ الْعَطشُ، فَوَجَدَ بِئراً فَنزَلَ فِيهَا فَشَربَ، ثُمَّ خَرَجَ فإِذا كلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبُ مِنَ العطشِ مِثْلَ الَّذِي كَانَ قَدْ بَلَغَ مِنِّي، فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلَأَ خُفَّهُ مَاءً ثُمَّ أَمْسَكَه بِفيهِ، حتَّى رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ. قَالُوا: يَا رسولَ اللَّه إِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِم أَجْراً؟ فَقَالَ ﷺ: في كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ.

 نَفَعَنِي اللَّـهُ وَإِيَّاكُمْ بِكِتَابِهِ الْـمُبينِ، وَبِسُنَّةِ نَبيِّهِ الْمُصْطَفَى الْكَرِيمِ، وَجَعَلَنِـي وَإِيَّاكُمْ مِنَ الذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ آمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْـحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمينَ.

اَلْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

 اَلْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَليُّ الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرينَ، صَلَّى اللَّـهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَمَنِ اقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ:

الْمَظْهَرُ الْخَامِسُ: رَحْمَتُهُ ﷺ بِأُمَّتِهِ كُلِّهَا وَخَوْفُهُ مِنْ أَنْ يُعَذِّبَهَا اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ، وَلَمْ يُؤْثَرْ ذَلِكَ عَنْ نَبِيِّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ كَمَا أُثِرَ عَنْ نَبِيِّنَا وَحَبِيبِنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّهُ ﷺ تَلاَ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي إِبْرَاهِيمَ: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي}.  

وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. فَرَفَعَ ﷺ يَدَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي، وَبَكَى. فَقَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ - وَرَبُّكَ أَعْلَمُ - فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ؟ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ فَسَأَلَهُ، فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللّهِ ﷺ بِمَا قَالَ وَهُوَ أَعْلَمُ، فَقَالَ الله تَعَالَى: يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلاَ نَسُوؤُكَ. فَاتَّقُواْ اللَّهَ - أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ -، وَتَرَاحَمُواْ فِيمَا بَيْنَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ.

اَلــــدُّعَــــــــاءُ:...

هناك تعليق واحد:

  1. شكرا لكم على هذا المجهود الرائع اللهم أكتبه في سبيل الله

    ردحذف

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا