سنيةالدعاء عند رؤية الهلال خطبة في ظل الحجرالصحي - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

سنيةالدعاء عند رؤية الهلال خطبة في ظل الحجرالصحي

فضيلة الفقيه: عبدالله بن طاهر
الحمدلله الذي ذهب بشهر شعبان وجاء بشهر رمضان، فجعله شهر الرحمة والغفران، واليمن والإيمان، والسلامة والأمان، ونشهد أن لا إله إلا الله الواحد الديان، فتح لنا في رمضان أبواب الجنان.

 وأخص بالذكر والتذكير باب الريان،، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المبعوث ليتمم مكارم الأخلاق فكان خلقه القرآن، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أهل الصدق والإيمان، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم القسط والميزان.
أما بعد فيا أيها الاخوة المؤمنون؛ أوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله وطاعته.
ها نحن على عتبة شهر رمضان، شهر الصيام والقيام، شهر الطمأنينة والاطمئنان، شهر الذكر وتلاوة القرآن، شهر الاستراحة الإيمانية في رحاب صلوات التراويح، شهر الصدقات مواساة للفقراء والمحتاجين، شهر الصدق في الأقوال والأعمال، شهر الصبر على الطاعات والصبر عن المعاصي، والحجر الصحي الذي نحن فيه هذه السنة لا يمنع من هذا؛ وجزاء كل ذلك عند الله سبحانه لا يعلم قيمته إلا هو، وثواب كل ذلك عند الله تعالى لا يعرف قمَّته إلا هو.

والصبر هو روح الصيام، حتى جاء في القرآن الكريم باسمه فقال عز من قائل: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}؛ قال المفسرون: المراد بالصابرين هنا الصائمون.
وقد شرع لنا الإسلام في آخر كل شهر مراقبة الهلال، حتى نتأكد من رؤيته وثبوته؛ فإذا ثبتت لنا رؤيته وضبطنا حسابه سارعنا بالدعاء فابتهلنا وهللنا... 

ترى فما هو الدعاء الذي كان النبيﷺ يردده عند رؤية الهلال؟ وما هو الذكر الذي كان يقوله عند بداية الشهور؟
هذا هو موضوع خطبتنا اليوم؛ فقد روى أبو داود أن النبيﷺ كان إذا رأى الهلال قال: «هلال خير ورشد، هلال خير ورشد، هلا خير ورشد، آمنت بالذي خلقك -ثلاث مرات-، ثم يقول: الحمد لله الذي ذهب بشهر كذا، وجاء بشهر كذا». وروى الترمذي وحسنه أَن رسولَ اللهﷺ كان إذا رأى الهِلال، قال: «اللَّهمَّ أَهِلَّهُ علينا باليُمْنِ وَالْإِيمَان، والسلامة والإسلام، رَبِّي ورَبُّكَ الله» وفي رواية ابن حبان والطبراني: «اللَّهمَّ أَهِلَّهُ علينا بالأمْنِ وَالْإِيمَان...، والتوفيق لما تُحِبُّ وَتَرْضَى».
• أما قولهﷺ: «هلال خير ورشد» ثلاث مرات؛ فمعناه: التفاؤل والرجاء من الله تعالى أن يجعله هلال خير ورشد، والتفاؤل بالخير سنة نبوية؛ روى ابن ماجه أن النبيﷺ «كان يُعجبه الفأل الحسن ويكره الطِّيَرَةَ»، ومعنى الطِّيَرَة: التشاؤم؛:
كانﷺ يحب التفاؤل، ويكره التشاؤم؛ فما أحوجنا -ونحن في الحجر الصحي- بسبب "كورونا" للتفاؤل والرجاء، حتى يرفع الله تعالى عن الإنسانية هذا الوباء، ويزيل هذا البلاء؛ فالتشاؤم واليأس والقنوط مرض أخطر على نفسية الإنسان من "كورونا".  
•  أما قولهﷺ: «آمنت بالذي خلقك»؛ فإنه لما كانﷺ يستقبل الهلال بهذا الشكل ويدعو بهذا الدعاء خاف أن يراه أحد ممن كان حديث العهد بالإسلام من المسلمين الجدد، فيظن أنهﷺ يعبد القمر ويدعو الهلال حين يخاطبه؛ وقد كانﷺ يحب أن يكون كل شيء صحيحا وواضحا، كما كانﷺ يكره أن يوقع أتباعه في الشكوك والإشكال والإيهام، أو يراهم يتخبطون في مواقع الشرك والأوهام؛
ولذلك أزالﷺ هذا الإشكال ورفع هذه الإيهام؛ فقال مخاطبا الهلال: «آمنت بالذي خلقك» مؤكدا أيضا ثلاث مرات بأن استقباله للهلال بهذا الدعاء ليس عبادة لهذا الهلال المخلوق، أو زلفى وتقربا لهذا القمر الأنيق، وإنما هو عبادة لله العظيم الذي خلق هذا الهلال بهذا الحجم الرهيب، فجعله يدور حول الأرض بهذا السير الغريب، وبهذا النسق العجيب؛ وأكد هذا المعنى في الرواية الأخرى فقال مخاطبا القمر: «ربي وربك الله»...

• أما قولهﷺ: «الحمد لله الذي ذهب بشهر كذا، وجاء بشهر كذا» فهو الحمد والثناء على الله تعالى، وشكره سبحانه على ما أولانا وأعطانا بسبب هذا الانتقال القمري وهذا التحول الشهري من النعم مما لا يعد ولا يحصى؛ ومنها:
1) نعمة الوقت والزمان، فيجب على المسلم أن يملأ وقته وفراغه بالخير، ونحن في الحجر الصحي؛ والله تعالى يقول: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ}، ولم يقل فإذا فرغت فالتجأ إلى الرقاد، أو فضيع وقتك فيما لا يفيد، والنبيﷺ يقول فيما روى البخاري: «نِعمتان مَغْبون فيهما كثير من الناس: الصِّحة، والفَرَاغ»؛ ومعنى مغبون: إذا باع التاجر سلعته بأقل من ثمنها.
2) نعمة التسخير؛ فقد تحدث القرآن الكريم عن تسخير الله تعالى القمر لمنفعة البشرية، والمشتغلون في البحر يعرفون جزءا من ذلك، وخصوصا عند المد والجزر؛ ففي سورة الأعراف: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ}، وفي سورة إبراهيم: {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ}، وفي سورة النحل: {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}.
3) نعمة معرفة الأيام والشهور والسنوات؛ ففي سورة يونس: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ}، وفي سورة يس: {وَالْقَمَر قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ}، والعرجون هو: الغلاف الذي يحمل البلح في بدايته، حيث يشكل نصف دائرة مثل الهلال في بدايته.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر.
المسلمين والحمد لله رب العالمين...
الخطبةالثانية
الحمد لله رب العالمين …
أما بعد فيا أيها الاخوة المؤمنون؛
• أما قولهﷺ: «اللَّهمَّ أَهِلَّهُ علينا باليُمْنِ وَالْإِيمَان (أو بالأمن والإيمان)، والسلامة والإسلام، والتوفيق لما تحب وترضى»؛
فهو الدعاء ومن المعلوم أن الله تعالى إنما خلقنا من أجْل أن نُخْلِص له في عبادتنا، والعبادة في هذه الدنيا هي من أجَلّ وظائفنا، والله تعالى يقول: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}؛ فإذا كان الأمر كذلك فإن الدعاء هو مخ هذه العبادة، وروح هذه الوظيفة؛ لأنه ربط الحوار المباشر في مناجاة مع رب العالمين، وفي مناشدة خالق السموات والأرضين؛ روى أبو داود وأحمد أن النبيﷺ قال: «إن الدعاء هو العبادة» وفي رواية: «مخ العبادة».
ولذلك كان النبيﷺ يلازم الدعاء في كل أحيانه، ويردد لسانه ذكر الله تعالى في كل أحواله؛ روى مسلم عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنها: «كان رَسُول اللَّهِﷺ يذكر اللَّه على كل أحيانه»؛
وكانﷺ يلازم الأذكار المخصصة بأوقات معينة، كالأذكار في الصباح والمساء، وعند النوم والأكل والشرب واللباس، وعند الدخول والخروج بالنسبة للمسجد والمنزل والكنف، وعند الركوب والسفر، وعند سماع صوت الرعد وهبوب الرياح ونزول المطر؛ فلا تكاد حالة تمر بالنبيﷺ إلا وله فيها ذكر مخصوص ودعاء منصوص.
والنبيﷺ يدعو عند رؤية الهلال بأمور خمسة: اليُمْن، والإِيمان، والأمن (وهو السلامة)، والإسلام، والتوفيق.
أولا: أما اليُمْن فهو البركة؛ وقيمة الحركة هي في بركتها، وقمَّة الأعمال هي في يُمْنها؛ فكثرة الحركة مع قلة البركة مجرد أثقال وأتعاب، وكثرة الأعمال مع قلة اليُمْن رماد وسراب.
ثانيا: أما الإِيمان فالمراد هنا ثباتُه، ودوامُه، وزيادته؛ بحيث يثبت ولا يتزعزع، ويستمر ولا ينقص ولا ينقطع؛ فالإيمان يثبت ويدوم ويزيد بالطاعات؛ كما يتزعزع وينقطع بالمعاصي.
ثالثا: أما السلامة فهي الأمن من كل ما فيه شر وضرر؛ من سوء الأمراض، وسوء الأعراض، وسوء الأغراض؛ ولا يتحقق ذلك إلا إذا كان المسلم في أمن وسلام واستقرار في أمور ثلاثة: في مجتمعه، وفي اقتصاده، وفي صحته.
والنبيﷺ يقول فيما روى الترمذي: «مَنْ أصبَحَ منكم آمِناً في سِرْبه، مُعافى في جَسَدِهِ، عندهُ قوتُ يومِه، فكأنَّما حِيزَتْ له الدنيا بحذافيرها»؛ أي: أي: بأسرها. ومرض "كورونا" بات اليوم يهدد المجتمع بالبلاء والاقتصاد بالغلاء، والصحة بالوباء، والبشرية رغم تقدمها لا تسطيع لحد الآن أن نجد لهذا الداء الدواء؛ فوجب علينا أن تلتجئ إلى الله تعالى طالبين منه السلامة والأمان.
رابعا: أما الإسلام؛ فالمراد به الزيادة فيه كما وكيفا نوعا وعددا؛ فمن صام رمضان فأتقنه؛ فعليه أن يزيد في غيره من النوافل حتى يُستقبَل في الجنة من باب الريان، ومن صلى الفرائض فأتقنها؛ فليزد من النوافل ما استطاع، وكذلك الزكاة والحج وبر الوالدين وتربية الأولاد وصلة الأرحام، وغيرها من الحقوق والواجبات في العبادات والمعاملات؛
فإن خسران المسلم يوم القيامة لا يأتيه من نقصان الإسلام في عباداته، مثل ما يأتيه من نقصان الإسلام في معاملاته؛ فالنبيﷺ يوضح ذلك إذ يقول فيما روى الإمام مسلم: «...إن المفْلسَ مَنْ يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شَتَمَ هذا، وقذفَ هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا؛ فيُعطَى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فَنيَتْ حَسَناتُهُ قبل أن يُقْضى ما عليه، أُخِذَ من خطاياهم فطُرِحَتْ عليه، ثم يُطْرَحُ في النار». 
خامسا: أما التوفيق لما يحب ربنا ويرضى؛ فهو الشامل لكل ما سبق من اليُمْن، والإِيمان، والسلامة، والإسلام...
إذن دعاء النبيﷺ إذا رأى الهلال هو:
«هلال خير ورشد هلال خير ورشد هلا خير ورشد، آمنت بالذي خلقك آمنت بالذي خلقك آمنت بالذي خلقك، الحمد لله الذي ذهب بشهر كذا (شعبان)، وجاء بشهر كذا (رمضان)، اللَّهمَّ أَهِلَّهُ علينا باليُمْنِ والأمن وَالْإِيمَان، والسلامة والإسلام، والتوفيق لما تحب وترضى، رَبِّي ورَبُّكَ الله»...
ألا فاتقوا الله عباد الله وأكثروا من الصلاة والسلام على رسول اللهﷺ…

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا