أنواع الشهداء عند الفقهاء ومنهم الذي لايغسل ولايكفن ولايصلى عليه؟ - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

أنواع الشهداء عند الفقهاء ومنهم الذي لايغسل ولايكفن ولايصلى عليه؟

فضيلة الفقيه:عبدالله بنطاهر
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هديه ورشده.
وبعد؛ فقد وقع هذا الأسبوع حادث مؤلم في الطريق الوطنية (رقم7) الرابطة بين مراكش وتارودانت بمنطقة "إجوكاك" دائرة أسني إقليم مراكش، (يوم الأربعاء21ذي القعدة1440هـ 24/07/2019م)، 

بسبب فيضانات فاجأت أهل المنطقة، فانجرفت بسببها الأتربة وانهار جزء من جبل على عدد من الناس، فطمرتهم أوحال بلغ علوها في بعض الأماكن عشرين مترا تقريبا، خصوصا بين النقطتين الكيلومتريتين: (226 و233)، فماتوا شهداء، ويقدر عددهم قريبا من عشرين شخصا؛ أكثرهم نساء، ومن بينهم رجال وأطفال، نسأل الله تعالى أن يرحمهم ويتقبلهم  شهداء، وأن يرزق أهلهم الصبر والسلوان.

وبعد هذه الواقعة المؤلمة جاءني سؤال من بعض أئمة المساجد من تلك المنطقة المنكوبة يسألون: هل يعد هؤلاء من الشهداء؟ وهل يغسلون ويكفنون ويصلى عليهم؟ أو يدفنون بألبستهم من غير الصلاة عليهم مثل الشهداء؟
والجواب والله الموفق للصواب:

قسم فقهاء المالكية الشهداء إلى ثلاثة أنواع: شهيد الدنيا والآخرة، وشهيد الآخرة فقط، وشهيد الدنيا فقط.
الأول: أما شهيد الدنيا والآخرة؛ فهو: من مات في معركة لإعلاء كلمة الله ولم يتلبس بمعصية، وحكمه: أنه لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه وهو حي عند ربه يرزق بكيفية لا نشعر بها، الله أعلم بكنهها.

قال الله تعالى فيه: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ}(1)، وقال سبحانه: {وَلَا تَحْسِبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}(2)؛ قال العلامة الجزولي ابن عفان: "حياة الشهداء حياة غير مُكَيَّفَةٍ ولا معقولة للبشر، يجب الإيمان بها على ما جاء به ظاهر الشرع"(3).

وروى البخاري عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن النبيﷺ قال عن شهداء أحد: «أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة»، وأمر بدفنهم في دمائهم، ولم يُغَسَّلُوا، ولم يُصَلَّ عليهم(4). وفي رواية للنسائي عن عبد الله بن ثعلبة -رضي الله عنه- أنهﷺ قال: «زمِّلوهم بدمائهم»(5).
الثاني: أما شهيد الآخرة فقط؛ فهو: كل من مات بسبب حادث ولم يتلبس بمعصية، فله في الآخرة أجر الشهيد، ولكن في الدنيا ليس له أحكام الشهيد؛ فيغسل ويكفن ويصلى عليه؛ وذلك مثل شهداء منطقة "إجوكاك" المذكورة. 

روى أبو داود والترمذي وصححه، عن سعيد بن زيد -رضي الله عنه-: قال: سمعتُ رسولَ اللهﷺ يقول: «مَنْ قُتلَ دُونَ مالهِ فهو شهيد، ومَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فهو شهيد، ومن قتلَ دون دِينه فهو شهيد، ومن قُتلَ دُونَ أهْلهِ فهو شهيد»(6).
وروى الإمام مالك والترمذي عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول اللهﷺ قال: «الشهداءُ خَمْسَةٌ: الْمَطْعُونُ، والْمَبْطُونُ، والغَرِقُ، وصاحبُ الَهدْمِ، والشهيدُ في سبيل الله»(7).

و«المطعون»: الذي مات بمرض الطاعون وهو الداء المعروف، و«المبطون»: الذي مات بمرض في بطنه، و«صاحب الهدم»: الذي وقع عليه بناء أو حائط فيموت تحته(8). والعدد الوارِد في هذا الحديث للدلالة على الكثرة؛ وليس على معنى التحديد؛ قال ابن حجر: "وقد اجتمع لنا من الطرق الجيدة أكثر من عشرين خصلة" أي من الشهداء(9).
وروى البزار عن أبي هريرة، وأبي ذر قالا: قال رسول اللهﷺ: «إذا جاء الموت لطالب العلم وهو على هذه الحال مات وهو شهيد»(10).

قال العلامة النفراوي: "فُهِمَ من تخصيص الحياة والرزق بشهيد الحرب أو من معه أن شهيد الآخرة كالغريق والميت بالطاعون أو بالإحراق أو بالإسهال، أو كالمقتول دون أهله أو دينه، أو مات غريبا أو متلبسا بطلب العلم وغيرهم من شهداء الآخرة ليس مثله في الحياة والرِزق وإن ألحق به في مطلق الأجر"(11).
الثالث: أما شهيد الدنيا فقط؛ فهو: من مات في حال تلبسه بمعصية، وسمي شهيدا حسب الظاهر تجاوزا فقط؛ وهو على قسمين:

1) من مات في معركة في سبيل الله وهو متلبس بالغلول(12) من الغنيمة؛ وفي حكم الغلول من مات وهو متلبس بالاختلاس من المال العام؛ قال الله تعالى: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}(13)، وروى البخاري عن عبد الله بن عمرو: قال: «كان على ثَقَل (أي: متاع) النبيﷺ رَجُلٌ يُقَال له: كِـَرْكَرْةُ(14)، فماتَ (أي: شهيدا في المعركة)، فقال رسول اللهﷺ: هو في النارِ؛ فذهبوا ينظرون إليه، فوجدوا عباءة قد غَلَّهَا»(15)؛ فهذا كركرة؛ اختلس من الغنيمة (المال العام) عباءة ثم استشهد؛ فلم تشفع فيه الشهادة أمام هذه الجريمة المالية؛ بل دخل النار في تلك العباءة التي تشتعل عليه نارا عقابا له؛ فكيف بعقاب من يبتلع الملايين بغير حساب؟!
وروى الإمام مالك في الموطأ مرسلا، أن النبيﷺ قال: «...فإن الغلول عار ونار وشنار على أهله يوم القيامة»، ووصله النسائي(16).

2) من مات بسبب حادث وهو متلبس بمعصية؛ وذلك مثل من مات بغرق في شاطئ مختلط فيه العري والعار، أو مثل من مات في حادث سير وقد سافر ليسرق أو يزني مثلا؛ فنحكم له في الدنيا بالظاهر وقد مات غرقا أو في حادث سير؛ فيغسل ويكفن ويصلى عليه ونكل أمره في الآخرة إلى الله.
الخلاصة: قال الإمام الحطاب: "الشهداء ثلاثة:
الأول: شهِيدُ حربِ الكفارِ؛ له أحكام الشهيد في الدنيا وفي ثواب الآخرة.
والثاني: شهيد في الثواب دون أحكام الدنيا وهم المَبْطُونُ ومن ذُكِرَ معه.
والثالث: من غَلَّ في الغنيمة وشبهُه؛ فله حكم الشهيد في الدنيا وليس لهم الثواب الكامل"(17).

ـــــــــــــــــــــــــــ
الهامـــش:
(1) [البقرة: 153].
(2) [آل عمران: 169، 170].
(3) الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني للنفراوي: (1/95).
(4) صحيح البخاري: كتاب الجنائز: باب الصلاة على الشهيد.
(5) سنن النسائي: كتاب الجنائز: باب مواراة الشهيد في دمه.
(6) سنن أبي داود: كتاب السنة: باب في قتال اللصوص، وسنن الترمذي: كتاب الديات: باب ما جاء فيمن قتل دون ماله فهو شهيد.
(7) الموطأ: كتاب صلاة الجماعة: باب ما جاء في العتمة والصبح، وسنن الترمذي: كتاب الجنائز: باب ما جاء في الشهداء من هم.
(8) جامع الأصول لابن الأثير: (2/740).
(9) فتح الباري لابن حجر: (6/43).
(10) مسند البزار البحر الزخار: (15/191)، الحديث ضعيف؛ ضعفه المنذري في الترغيب (1/54) فأورده على اصطلاحه بصيغة التمريض: "رُوِيَ"، ورمز السيوطي لضعفه، كما في فيض القدير للمناوي: (1/325)، وقال الهيثمي في المجمع (1/124): "فيه هلال بن عبد الرحمن الحنفي وهو متروك".
(11) الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني للنفراوي: (1/96).
(12) الغلول من غَلَّ يَغِلُّ وَيَغُلُّ بالكسر والضم؛ فهو غالٌّ؛ قال ابن عرفة: "هو أخذ ما لم يُبَحْ الانتفاعُ به من الغنيمة قبل حَوْزِهَا" انظر: المختصر الفقهي لابن عرفة: (3/139)، وشرح مختصر خليل للخرشي: (3/116)، والشرح الكبير للدردير: (2/179).
(13) [آل عمران: 161].
(14) كركرة أصله نوبي من السودان؛ واختلف العلماء في ضبطه؛ فذكر عياض أنه بفتح الكافين وبكسرهما معا، وقال النووي: إنما اختلف في كَافِهِ الأولى وأما الثانية فمكسورة اتفاقا والله أعلم. شرح مسلم للنووي: (2/129 و130)، وشرح الموطأ للزرقاني: (3 49)، ونزهة الأفكار في شرح قرة الأبصار لعبد القادر المجلسي الشنقيطي: (2/169).
(15) صحيح البخاري: كتاب الجهاد: باب القليل من الغلول.
(16) الموطأ: كتاب الجهاد: باب ما جاء في الغلول، وسنن النسائي: كتاب الهبة: باب هبة المشاع.
(17) مواهب الجليل للحطاب: (2/249).
يوم الجمعة 23 ذو القعدة 1440هـ 26 / 07 / 2019م.
عبد الله بنطاهر التناني السوسي
خطيب مسجد الإمام البخاري
أكادير المغرب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا