خطبة الجمعة في شكرالمولى الجليل على نعمة المركب والسبيل
ذ . رشيد المعاشي
الحمد لله رب العالمين،الذي كرم بني آدام وحملهم في البر والبحر ورزقهم من الطيبات ، نحمده سبحانه وتعالى وبه نستعين، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله المصطفى الكريم، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى التابعين لهم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد فيا أيها الإخوة المسلمون:
أما بعد فيا أيها الإخوة المسلمون:
سيكون عنوان خطبتنا لهذا اليوم المبارك السعيد بحول الله تعالى: شكر الله الجليل، على نعمة المركب والسبيل. وذلك تزامنا مع تخليد المغاربة هذا الشهر لــ[اليوم الوطني للوقاية من حوادث السير] الذي يصادف الثامن عشر من فبراير كل سنة، وسنتناول هذا العنوان من خلال ثلاثة عناصــــر:
العنصر الأول: تكريم الله للإنسان، يقول الله تبارك وتعالى: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ. ويقول سبحانه: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا.
فمن وجوه التكريم أن الله تبارك وتعالى خلق بني آدام في حسن تقويم، وحَمَلَهم في البَرِّ على ظهور الدوابّ من الإبل والبغال والحمير والمراكب البرية، وفي البحر على ظهور السفن والمراكب، وخصهم بما خصهم به من المطاعم والمشارب والملابس والمساكن، وخصهم بما خصهم به من المناقب، وفضلهم بما فضلهم به من الفضائل التي ليست لغيرهم من أنواع المخلوقات، والتأكيد في قوله تعالى: "تَفْضِيلًا" يدل على عِظَم هذا التفضيل، وأنه بمكان مكين، ومن الآيات التي أجملت مظاهر تكريم الله للإنسان قوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.
العنصر الثاني: بيان نعمة المراكب والطرق، يقول الله تعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا. ومن أجل نعم الله تعالى على عباده:
أولا: نعمة المراكب التي يركبها الإنسان، ويقطع بها المسافات الطوال في راحة تامة لقضاء أغراضه، يقول في معرض الامتنان على عباده: وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ. ويقول سبحانه: {وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ } .
وروى الإمام أحمد أن رسول الله ﷺ قال: مِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ: الْجَارُ الصَّالِحُ، وَالْمَرْكَبُ الْهَنِيءُ، وَالْمَسْكَنُ الْوَاسِعُ.
ثانيا: نعمة الطرق والسبل التي يسلكها الإنسان بمركبته، فلن يتمكن الإنسان من السير والجولان بمركبته إلا بوجود الطرق والسبل الصالحة للسير، يقول الله تعالى في معرض الامتنان على عباده: {وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }. ويقول سبحانه:
{ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مِهَادًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }. ويقول عز من قائل:{ وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ}.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين، سيدنا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى التابعين لهم ومن تبعهم وسار على نهجهم واقتفى أثرهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد فيا أيها الإخوة المسلمون:
العنصر الثالث: وجوب شكر نعمة المراكب والطرق، يقول الله تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ. ويقول سبحانه: وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ.
ومن أعظم النعم التي تستوجب شكر الله تعالى: نعمة المراكب والطرق، وذلك بتسخيرها في طاعة الله ونفع العباد، والالتزام بآدابها وقوانينها، واجتناب التهور والتلاعب فيها، فلا يُفرطُ في السرعة، ولا يزعجُ مستعملي الطريق، عملا بقول الله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ هَوْنًا}. وقوله تعالى: {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}.
ولا يفسدُ الطريق برمي الأزبال ونحوها، عملا بقول الله تعالى: وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا. وقول رسول الله ﷺ فيما رواه مسلم: اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ، قَالُوا: وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ: الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ فِي ظِلِّهِمْ. وكل ذلك من أجل المحافظة على النفوس والمراكب والطرق، ليستمر بها نفع العباد والبلاد، إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ، ومن يطع الله ورسوله ويخشى الله ويتقه فأولئك هم الفائزون.
هذا وخير ما نختتم به الكلام، ونجعله مسك الختام، أفضل الصلاة وأزكى السلام، على خير الورى سيدنا محمد ﷺ فإن الله وملائكته يصلون عليه، وقد أمركم الله عز وجل بالصلاة والتسليم عليه فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}. أَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي الْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. [الدعاء]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا