منهجية إعداد خطبة الجمعة - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

منهجية إعداد خطبة الجمعة

جمعها احمد البعمراني

الحمدلله الذي أنزل الكتاب وفصل في الخطاب أرسل رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم على العباد يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة  اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما .

وبعد: معاشر القراء الكرام تعد خطبة الجمعة من الأهمية بمكان وأثرها ووقعها في نفوس السامعين كبير لاسيماإذاخالطها إخلاص وإتقان من صاحبها ذاك الخطيب الناحج الذي يقدر جسامة الموقف وعظم المسئولية فهي تتكرر مرةكل أسبوع واربع مرات في الشهر غير أن إغفال جانبها الفني والتقني والعملي والتعبدي وضوبطها المنهجية وطرق إعدادها وإلقائها قديؤثر على إدائها ومردوديتها ليجعلها خطبة مملة باردة أبرد من فصل الشتاء لسبب أن من الخطباء من لايولون خطبهم عناية كبيرة " ومنهم من لايكتبون خطبهم التي يلقونها على الناس، ويكتفون بالارتجال ـ وبعضهم يضع عناصر أو رؤوس أقلام في ورقة صغيرة ـ أو يأخذ خطبة لغيره؛ وذلك باستعارتها أو تصويرها من كتبهم.

ومن سيئات الإرتجال أن الخطبة تُنسى وتَدْرس بانتهاء إلقائها، وبعض الخطباء المتميزين تُسجَّل خطبهم وتباع في التسجيلات، وهذا أيضاً يحفظها مدة معينة، ثم تضيع بعد ذلك، ولو سألت عن محاضرات أو خطب سجلت وانتشرت، وطارت في الآفاق قبل عشر سنوات لما وجدت لها أثراً لا عند الناس، ولا في التسجيلات إلا عند بعض من يهتمون بحفظ مقتنياتهم، وهم قليل، ومع قلتهم أنّى لك العثور عليهم؟ لكنك لو سألت عن كتاب طُبِعَ قبل خمسين سنة أو أكثر؛ فالظن أنك ستجده في المكتبات العامة، ومكتبات الجامعات، وعند أناس كثيرين.

وهذا يدلنا على أهمية الكتابة في حفظ جهود المحاضرين والخطباء؛ بل وطلاب العلم والعلماء؛ فكم من عالم طار صيته في الآفاق، إذا قرأت ترجمته عجبت من ثناء العلماء عليه، ليس له من التأليف إلا القليل؛ فكان أكثر نفعه مقصوراً على من حضروا زمنه، وتلقوا عنه! وكم من عالم أكثرَ من التأليف مع دقته وتحقيقه، وجودة ما يكتب؛ فنفع الله ـ تعالى ـ الأمة بكتبه سنين عدداً؛ بل قروناً متتابعة. وهذه كتب الأئمة: مالك، والشافعي، وأحمد، والبخاري، ومسلم، وغيرها انتفعت بها الأمة منذ أن كتبوها في المائة الثالثة والرابعة إلى اليوم؛ بل وإلى ما يشاء الله تبارك وتعالى.
إن الخطيب قد يُعِدُّ خطبة فيتقنها، ثم تؤخذ منه فتُصوَّر وتوزع أو تطبع في كتاب، أو تُدخل في الشبكة العالمية (الإنترنت)؛ فيخطب بها مائة خطيب، أو ألف خطيب، أو أكثر في أنحاء مختلفة من الأرض؛ فينتفع بها خَلْق لا يعلم عددهم إلا الله تعالى، لم يكن الخطيب وقت إعدادها يتصور انتفاع هذا العدد الهائل بها.

ولعل ما سبق ذكره يدفع الخطباء إلى كتابة خطبهم، والعناية بإعدادها، مثل عناية المؤلف بكتابه؛ بل هم مطالبون بما هو زيادة على ذلك؛ فإن المؤلف لا يستطيع أن يقرأ كتابه على عشرة ينصتون إليه باهتمام. والخطيب يقرأ خطبته التي كتبها على مئاتٍ يتعبدون الله ـ تعالى ـ بالإنصات إليه؛ وذلك من فضل الله ـ تعالى ـ على الخطباء، وهو ما يوجب عليهم أن يشكروا الله ـ تعالى ـ على هذه النعمة العظيمة؛ وذلك بالإخلاص في إعداد الخطبة، والاجتهاد فيها، واحترام عقول من ينصتون إليهم، وإفادتهم قدر المستطاع."(1)

ولأجل هذا "ينبغي على الخطيب أن يتعلمَ كيفية تحضيرالخطبة، ويهتم بها اهتمامًا عظيمًا، ويستشعرَ عِظَم الأمانة المُلقاة على كاهِله، ولا يحتقر أحدًا من المستمعين، ويقول: قد مرت الخطبة، وستمر غيرُها.
"ولا يظن أن تحضير الخطبة يدل على عجز الخطيب، أو على ضعفه العلمي؛ بل يفتخر بعض الخطباء إذا سُئل عن موضوع الخطبة قبلها - بقوله: الذي يفتح الله به! بل إن لتحضير الخطبة فوائد عظيمة؛ منها:
♦ أنه يكسب الخطيب الثقة الجيدة بنفسه، وبقدرته العلمية والخطابية، بخلاف ما لو لم يكن معدًّا لها إعدادًا جيدًا، فربما ارتبك وأرتج عليه، أو خشي منَ الخطأ أو نقص المعلومات.
♦ ومنها: كسب ثقة المستمعين وإعجابهم بالخطيب؛ لأنه أشعرهم بتقديره لهم واحترامهم، وحرصه على إفادتهم من خلال العناية الفائقة بالموضوع، اختيارًا وإعدادًا لمادَّتِه العلميَّة.
♦ ومنها: أن الإعدادالجيِّدَ للخطبة يتيح له فرصة العمق العلمي في تناول الموضوع.
♦ ومنها: أنه يتيح له تحديد وحصر أفكاره في نقاط وعناصر معينة تفيد الجميع، وهو أمر يساعده على عدم التشتت، وتَكرار العبارات من غير حاجة، فيستطيع أن يلمَّ بالموضوع دون إطالة ولا إرهاق للسامعين؛ مما يبعث في نفوسهم المَلَل والسآمة والضَّجَر.
وهذه طريقة مختصرة - أحسبها نافعة، بإذن الله - لتحضير خطبة واي خطاب مشابه:" (2)
نبدأ بأسسها وهي طريقة البناء 
" تبنى الخطبة عادة من ثلاثة أجزاء – المقدمة – والموضوع – والخاتمة .
وهي عناصر لايصرح بها الخطيب اثناء الكتابة والإلقاء 
كما أنها عناصر متداخلة متناسقة يبلغ الترابط بينها جودته حسب مقدرة الخطيب وغزارة علمه وتجربته فتننظم أجزاء الخطبة ويحكم تركيبها 
 وهذا الإنتظام والإحكام يجعل المعاني واضحة والمقاصد ظاهرة ويضمن للمتحدث حسن الإصغاء من سامعيه وكمال الثناء من جالسيه. "(3) فيعطي الغرس ثمرته ويبلغ القاصد المنى والمبتغى بتوفيق من الله ثم بتفانيه وإخلاصه 

" 1- الاستعداد النفسي والبدني، وتفريغ الذهن، وتوحيد الهَمِّ، والتركيز فيما سيلقيه على عباد الله المسلمين.
2- اختيار الموضوع المناسب الذي يهم المسلمين، ويحتاجون إليه بمشورة الإخوة والناصحين العالمين بواقع أمتهم.
3- جمع الآيات في هذا الموضوع، ومراجعة تفسيرها من التفاسير المعتمَدة عند أهل السنة؛ كتفسير الطبري، وابن كثير - رحمهما الله تعالى - وغيرهما، والرجوع إلى ما يحتاجه من تفاسير الأحكام، والمعاني مع الاحتراز مما يخالف اعتقاد الصدر الأول، والقرون الثلاثة المفضلة؛ وهو أمر لازم.
4- جمع الأحاديث في الموضوع ، وتخريجها تخريجًا مُخْتَصَرًا، ومعرفة الصحيح منَ الضعيف؛ المقبول منها والمردود، فلا يلقي على المسلمين إلا الأحاديث المقبولة، ويتجنَّب المردود إلا في النادر؛ للطيفة معينة، ولا بد أن يبيِّن ضعفها.
5- جمع الآثار من اقوال السلف الصلح، والعبارات الذهبية، والانتقاء من أطايب كلامهم، كما يُنتقى أطايبُ الثَّمَر.
6- جمع الأمثلة والمواقف العملية والنماذج الحية التي تترجم الموضوع ترجمة حية؛ ليرتبط العلم بالعمل؛ فَهُما - العلم والعمل - وجهان لعملة واحدة، ولا ينفصلان في دين الله - تبارك وتعالى - ألبتة.
7- وعليه أن يحرص على الإفادة من مراكز المعلومات، والموسوعات العلمية، المطبوعة والإلكترونية، فهي توفِّر الجهد والوقت، وتساعد الخطيب على جمع مادة علميَّة متنوعة ومتميزة.
8- القَصَص النافع الهادف الذي يزيد الموضوع وضوحًا وترجمة، ويُسلي القوم مع الإفادة منه؛ ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [يوسف: 111].
9- التعريف بالوسائل المعينة، والترغيب فيها، والحثّ عليها.
10- التعريف بالمعوقات، والترهيب منها، والحثّ على اجتنابها.
11- إن كان يتحدث عن مشكلة ما، فلا بد أن يبينَ مظاهرها في الواقع، وأن يذكر أسبابها، وأن يعرضَ الحل المناسب، ويُفَصِّل فيه بطريقة عملية مناسبة؛ فهو المقصود.
12- مراجعة القواميس العربية؛ كـ"لسان العرب"، و"القاموس المحيط"، و"مختار الصحاح"، و"المعجم الوسيط.
13- لا بد من توثيق كل معلومة، ونسبة كل قول إلى قائله قدر المستطاع.
14- إجمال الخطبة في كلمات معدودة، وتلخيص ما تحدَّث عنه؛ ليحفظه السامع ويتذكره؛ فمن البلاغة رد العَجُزِ على الصدر.
والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل، والحمد لله رب العالمين."(2)

المصادر:
(1) موقع صيد الفوائد .
(2) شبكة الالوكة.
(3) يراجع كتاب منهج في إعداد خطبة الجمعة : تأليف الدكتور صالح بن عبد الله بن حميد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا