حكم الصلاة في الجلوس على الكراسي

الفقيه : عبدالله بنطاهر                                                

الحمدلله والصلاة والسلام على مولانا الكريم و آله وصحبه أجمعين وبعد: 

انتشرت ظاهرة الصلاة على الكراسي داخل المساجد بالنسبة للمرضى والعجزة وأصحاب السمنة الزائدة والشيخوخة؛ والبعض يصلي جالسا وهو يستطيع القيام لأنه أساسا قد دخل المسجد ماشيا على قدميه حاملا معه كرسية، الشيء الذي دفع ببعض الأئمة إلى أن يستنكر هذه الظاهرة بشدة، حتى إني سمعته يشبه بسببها المسجد بالبرلمان أو الكنيسة؛ 

فاحتاج ذلك لبيان حكم الشرع فيها؟

فأقول وبالله التوفيق: من رحمة الله تعالى بالأمة أن جعل الأوامر تؤتى بقدر الاستطاعة؛ فاتقوا الله ما استطعتم، كما شرع بجانب كل عزيمة رخصة، فأحب أن تؤتى رخصه عند أسبابها كما يحب أن تؤتى عزائمه، رفعا للحرج عن الناس.

وفي هذا يدخل الصلاة على الكراسي في المسجد للضرورة؛ إلا أن الضرورة هنا يجب أن تقدر بقدرها؛ فمن استطاع القيام فلا يجوز له أن يصلي جالسا، فليقم فإذا أراد أن يركع أو يسجد حينئذ يجلس؛ لأن القيام من فرائض الصلاة لقوله تعالى: {وقوموا لله قانتين}(1) حسب الاستطاعة، أما إذا شق عليه القيام أيضا فلا بأس بالجلوس ولا حرج في ذلك إن شاء الله.

وقد جاء تفصيل ذلك في الرسالة لابن أبي زيد القيرواني مع شرحها فيما يلي:
وقد جاء تفصيل ذلك في الرسالة لابن أبي زيد القيرواني مع شرحها فيما يلي:

• «(صلاة المريض) الصلاة المفروضة (إن لم يقدر على القيام) فيها لقراءة جميع الفاتحة لا مستقلا ولا مستندا (صلى جالسا)، والأفضل أن يجلس متربعا في موضع القيام على المشهور (إن قدر على التربع) لينبىء جلوسه على هذا الوجه عن البدلية عن القيام، ولفعله عليه الصلاة والسلام ذلك.

• (وإلا) أي: وإن لم يقدر المريض الذي فرضه الجلوس على التربع (ف) إنه يجلس (بقدر طاقته) من الجلوس.
• (وإن لم يقدر) المريض الذي فرضه الجلوس (على الركوع والسجود) أيضا (فليومىء بالركوع والسجود) برأسه وظهره، فإن لم يقدر بظهره أومأ برأسه، فإن لم يقدر برأسه أومأ بما يستطيع، ويضع يده على ركبتيه إذا أومأ للركوع، وإذا رفع منه رفعهما عنهما، وإذا أومأ للسجود وضع يديه على الأرض، وإذا رفع منه وضعهما على ركبتيه (ويكون سجوده أخفض من ركوعه) استحبابا ويكره له رفع شيء يسجد عليه، فإن فعل جهلا لم يعد.

• (وإن لم يقدر) أن يصلي جالسا استقلالا ولا مستندا ولا متربعا ولا غير متربع (صلى على جنبه الأيمن إيماء)، ويجعل وجهه إلى القبلة كما يوضع في لحده.
• (وإن لم يقدر) أن يصلي (إلا) مستلقيا (على ظهره فعل ذلك) أي: صلى مستقليا على ظهره إيماء ورجلاه إلى القبلة.

• (ولا يؤخرالصلاة إذا كان في عقله وليصلها بقدر ما يطيق) من قيام وجلوس وإيماء واضطجاع، ويصلي المريض على قدر ما يستطيع ودين الله يسر، ويوميء برأسه ولا يدع الإيماء وإن كان مضطجعا ومعه شيء من عقله.

• (وإن لم يقدر على مس الماء لضرر به، أو لأنه لا يجد من يناوله إياه تيمم، فإن لم يجد من يناوله ترابا تيمم بالحائط إلى جانبه إن كان طينا أو عليه طين)»(2).

وأقول لمن يستنكر الظاهرة ويصف المسجد بسبها بالبرلمان والكنيسة: لا داعي لهذا -سيدي الكريم- فالمسألة من الناحية الفقهية واضحة لاتحتاج لهذا، واطلب من الله تعالى أن يحافظ على صحتك واشكره على ذلك، فإنها تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى، واسأله سبحانه ألا يصيبك بمرض يحوجك إلى الكرسي. 

والمسألة مرتبطة بالاستطاعة؛ وأنا أتحدث عمن لا يستطيع الجلوس على الأرض ولا القيام ولا الا الركوع ولا السجود إلا الجلوس على الكرسي، وأنا الآن مريض(3) وأعيش هذه الحالة بالضبط؛ وكنت أستنكرها ولما عشتها تراجعت عن الاستنكار؛ هل أترك الصلاة جماعة وخصوصا الجمعة وأصلي وحدي؟

ثم ألا يكفي هذا المريض أجرا حين تحمل وتجشم عقبات مرضه وعجزه ليحافظ على الصلاة جماعة بكرسيه؟ رغم أنه لا يستطيع القيام أو الركوع والسجود، وقد يستطيع المشي وهو أعلم بحاله، فقد كان له العذر الذي سوغ له الصلاة في بيته، إلا أنه اقتحم العقبة في أعذاره بكرسيه فاستحق منا التشجيع والتنويه؛ وذلك في الوقت الذي تخلف فيه عن الصلاة كثير من الأصحاء وهم على أبواب المساجد ومن جيران بيوت الله، وهم الذين يستحقون منا الاستنكار إذا كنا نحمل هم الدعوة إلى الله تعالى...
والله أعلم وهو سبحانه الموفق للصواب.

المراجع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة البقرة/238.
(2)  كفاية الطالب شرح الرسالة لأبي الحسن المالكي:1/436- 439.
(3) الجواب حررته يوم كنت على فراش المرض بعد عمليتين: جراحية وإشعاعية. وأنا الآن ولله الحمد في صحة جيدة. 

عبد الله بنطاهر
مدرسة الإمام البخاري للتعليم العتيق
يوم السبت 6 ذي القعدة 1436هـ
الموافق: 22 / 8 / 2015م.
المصدر كتابي: (أجوبة وفتاوى فيما استجد في العصر من الظواهر والقضايا) مرقون ينتظر فرصته للطبع إن شاء الله