خطبة الجمعة في ذكرى الإستقلال: المغاربة يتنسمون عبير الحرية وينشدون استقلالا عن التبعية - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

خطبة الجمعة في ذكرى الإستقلال: المغاربة يتنسمون عبير الحرية وينشدون استقلالا عن التبعية


أئمة مروك - إعداد: د. محمد ويلالي

الحمدلله المتفضل المنعم ، الذي ينصر عباده المومنين ويهزم الأحزاب والعديان قوته فوق كل قوة وإرادته ومشيئة تعلى على كل من طغى وتجبر وأشهد أن لا إله إلاالله ولي الصالحين وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا النبي الأمين الذي بعثه الله رحمة للعالمين وهداية للخلق أجمعين
اللهم صل وسلم على هذا النبي الأمين وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

أمابعد أيها الإخوة المؤمنون. وفاء لدماء الأجداد واعترافا بتضحيات جسام

اهتم المغاربة منذ سنة 1956م بإحياء مناسبة استقلال البلاد، وتخلصها من براثن الاستعمار الفرنسي، الذي كان جاثما على صدور المغرب ردحا من الزمن، فصار يوم الثامن عشر من كل شهر نونبر، يوم استحضار لحظة تنسم عبير الحرية، والإحساس بالهوية المغربية الحقيقية، التي سلبها المستعمر الغاشم، ليستبدلها بثقافته، ولغته، ومبادئه، ومعتقداته.

لا يزال المغاربة يذكرون كيف انبرى المجاهدون للاحتلال الفرنسي، عبر معارك متعددة، توجت بالمطالبة بالاستقلال في 11 يناير 1944، ولا يزالون يذكرون تلك الانتفاضة العارمة في كل نواحي البلاد، التي كانت سبيلا لعودة ملك البلاد "محمد الخامس" - رحمه الله - مع أسرته من المنفى في 16 نونبر 1955 إلى أرض الوطن.

ولا يزالون يذكرون كيف كان التحام الملك بالشعب، وتوثيق الأواصر بينهما قوة في يد المغاربة، استطاعوا بها - بعد توكلهم على الله - أن يدحروا المستعمر، ويعلموه أن هذا الشعب لا تلين قناته، ولا تكسر شوكته، وأن المسلمين أهل عزة وكرامة، لا يقبلون أن يسوسهم الغرباء، ولا أن يتحكم في مصيرهم الدخلاء.

ولا يزالون يذكرون كيف شرع المغرب في بناء بيته، اعتمادا على سلامة عقيدته، وقوة شبابه، وسياسة  ملكه، التي جعلت تحقيق الازدهار والعيش الكريم من الأولويات، فتوالت المنجزات، وتعاظمت المنشآت، واستطاع المغرب - بفضل الله - أن يبرهن للعالم أنه قادر على تدبير أموره، وإصلاح شؤونه، والسعي للاستقلال في موارده ومصادره.
وهي الخطى التي عمقها الملك "الحسن الثاني" - رحمه الله -، حيث تم في عهده استرجاع سيدي إفني سنة 1969م. وفي سنة 1975م تم تنظيم المسيرة الخضراء، حيث تم استرجاع الصحراء المغربية. وفي 14 غشت سنة 1979 تعزز استكمال الوحدة الترابية باسترجاع إقليم وادي الذهب.

وعلى هذا النهج سار ملك البلاد محمد السادس -حفظه الله-، الذي دفع بالتنمية البشرية إلى أقصى مداها، حيث بلغ عدد المشروعات التي تندرج في إطار "المبادرة الوطنية للتنمية" مند انطلاقها سنة 2005، وإلى حدود 2008: 21 ألف مشروع على المستوى الوطني، بغلاف مالي يصل إلى 10 ملايير من الدراهم.

إن استقلال الأفراد والجماعات أمر مركوز في النفوس، أكَّده شرعنا، وأمر به ربنا - عز وجل - فقال تعالى: ﴿ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 92]. وقال تعالى: ﴿ لا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾

[آل عمران: 28]. ولما قالت اليهود: "انظروا إلى محمد، إنه يصلي إلى قبلتنا - بيت المقدس -، ويدين بغير ديننا"، أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - يرنو إلى الاستقلال عن تبعيتهم، وجعل يقلب نظره في السماء، فنزل القرآن يحقق هذه الاستقلالية، فقال تعالى: ﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾ [البقرة:

وحذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من التبعية المطلقة لغير المسلمين فقال: "لتتبعن سَنن من كان قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لاتبعتموهم" متفق عليه.
ولقد فطن الملك محمد الخامس إلى هذا المعنى، فقال قولته الشهيرة: "لقد خرجنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر". فلا نكتف بمجرد الخروج البدني للمستعمر، ما لم نستقل بذواتنا. ومن اكتفى بالشيء نقص.

فلنا أن نتساءل بعد نعمة الاستقلال الأصغر، هل حقق المسلمون الاستقلال الأكبر، المتمثل في الاستغناء عن غيرهم، في سياستهم، واقتصادهم، وثقافتهم، وطرائق تعليمهم، ووسائل حكمهم؟ أم إن التبعية لا زالت متحكمة، والانبهار بما عند غيرهم  لا يزال يأخذ بلبهم؟

إن "الاستقلال" في لغة العرب، مأخوذ من السير والمشي المعتدل المستقر. ويتضمن معنى الارتفاع والعلو. قال في لسان العرب: "استقل الطائر في طيرانه: نهض للطيران وارتفع في الهواء.. واستقلَّت الشمس في السماء: ارتفعت وتعالَتْ.. واستقل القوم: ذهبوا واحتملوا سائرين وارتحلوا".

فالاستقلال الحقيقي هو إعلان الرحيل عن تبعية الغير، والارتفاع بمبادئ ديننا عن أن تدنس وترتكس باعتقاد الصلاح والفلاح في غيرها.
ويبدأ الاستقلال الحقيقي بأن يضع الشعب يده في يد قائده، فيتماسكان بقوة البناء والتحدي، والإصرار على الإنجاز، وتجاوز المصاعب، ويتفانيان جميعا في خدمة الوطن المسلم، التي سالت دماء أجدادنا الزكية في سبيل تحريره من ربقة الاستعمار.
الاستقلال الحقيقي، أن لا تَستعمر الأغنياءَ ثرواتُهم، فلا يرون إلا مصالحهم.

الاستقلال الحقيقي، ان لا يستعمر العلماءَ غرورُهم بعلمهم، فلا ينصحون لأمتهم، ولا يزيلون عقبات الجهل والأمية التي تتخبط فيها مجتمعاتهم.
الاستقلال الحقيقي، أن لا يستعمر الرجالَ كبرياءُ قِوامتهم، فيعتبروا المرأة أَمَةً عدمية، أو يروها سلعة دنية تباع وتشترى، أو مجرد راقصة ومغنية، تحيي الليالي الحمراء، وتسهم في نشر الرذيلة والفساد.

لا يستقل البلد إلا بوجود رجال يحبهم ويحبونه، يختارهم لخدمته، فيؤثرون مصلحته على مصالحهم، ويرومون إغناءه ولو افتقروا، وقوته ولو ضعُفوا، وصحته ولو مرِضوا، وراحته ولو سهروا وأَرِقوا، يحملون البلد، ولا يحملهم البلد. يشعرون جميعا أنهم في خدمته، لتحقيق عزته ومنعته،

 ولن يتأت ذلك إلا بأن نجعل المسؤولية فيه تطلبنا، ولسنا نحن الذين نطلبها، أو نتصارع من أجلها، ويطعن بعضنا في كرامة بعض من أجل الظفر بها، وكأنها غنيمة نتسابق إلى الاستغناء بها، والاستقواء بمقدَّراتها.
الاستقلال الحقيقي، أن نكون يدا واحدة، لا تفرقنا الأهواء، ولا تمزقنا النزغات، ولا تُذهب ريحَنا الاختلافات.
إن أخاك الصدق من كان معك 
ومن يضر نفسه لينفعك 
ومن إذا ريب الزمان صدعك 
شتت فيك شمله ليجمعك .

الخطبة الثانية
الحمدلله ..
إخوة الإيمان. .
إن الاستقلال الحقيقي، أن نعد من القوة الذاتية، ما لا يجعل لأحد مطمعاً فينا.
الاستقلال أن نرى سلعا، ومنتوجات صناعية وإلكترونية، مكتوبا عليها: "صنع في المغرب، أو مصر، أو أندونيسيا..
الاستقلال الحقيقي، أن نرى ناطحات سحاب ابتكرتها عقول مهندسينا، الذين تخرجوا في جامعاتنا، وتشبعوا بروح عمارتنا الإسلامية، ليكون منتوجا إسلاميا محضا، ليس عليه شعارُ غرب أو شرق، ولا شاراتُ شمال أو جنوب.

 وما تجاوز الصعاب على الصادقين الصالحين بمستحيل.
الاستقلال الحقيقي، أن يتضافر المسلمون في كل مكان، فيتعاونوا فيما بينهم، ويحققوا اكتفاءهم بما أفاء الله به عليهم من الثروات والخيرات.

عَجَبٌ أن تعقد بعض الدول العربية تحالفات مع دول لا ترتبط بها بتاريخ، ولا لغة، ولا عقيدة، ثم تراها تتنكب جيرانها، وتتنكر لمن يربطها معها التاريخ، والدين، واللغة، والجغرافيا.

عجبٌ أن ترى دولة عربية تمتلك أكبر خزان للبترول، ثم تجد هذه المادة في دولة عربية أخرى تضاهي الذهب ندرة وغلاء.
وكنت كذي رجلين رجلٍ صحيحة 
ورجلٍ مشى فيها الزمان فَشُلتِ .

وعجبٌ أن نجد الوطن العربي لا تزيد استثماراته الزراعية عن 1% بالمقارنة مع الاستثمارات العالمية، ليستورد 45% من الحبوب، و67% من السكر، و51% من الزيوت، و30% من الألبان، ولتبلغ قيمة الغذاء المستورد 13 مليار دولار، في الوقت الذي يعتبر فيه بلد عربي كالسودان كنزا مفقودا؛ فإذا كان العرب مجتمعين لا تزيد مساحتهم المزروعة عن 65 مليون هكتار، فإن المساحة القابلة للزراعة في السودان وحده، تبلغ أربعة وثمانين مليون هكتار.

لقد فطنت القوى الخارجية لهذه الطاقة الكامنة في بلاد المسلمين، فحاولت إجهاضها عن طريق القروض الممنوحة من طرف صندوق النقد الدولي، الذي أصبح من أكثر الوسائل الاستعمارية نجاعة وفعالية، ولن يتحقق حلم المسلمين في الاستقلال الكامل، إلا بالتخلص من هذه المثبطات الخارجية، وحينئذ تتحقق العزة المرجوة، والسيادة المنشودة.

والختم بالدعاء بصلاح الأحوال في البلاد والعز والتمكين لأمير المومنين حامي الوطن والملة والدين والنصر لأمة الإسلام قاطبة. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا