خطبة الجمعة نوعية الجزاء على الأعمال في رمضان :عبدالله بنطاهر
الحمدللهالذي فتح في رمضان أسواقا ممتازة للتجارة، فعرض فيها سلعته الغالية بأثمنة مناسبة ومنخفضة لا خسرن فيها ولا خسارة، وأشهد أن لا إله إلا الله جعل الصيام لذنوبنا مغفرة وكفارة، ومضاعفة في الأجر والأجرة والإجارة، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله صاحب الشفاعة والبشارة، له في ساحات الأعمال الإيثار والإثارة، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ذوي الشجاعة السيارة، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم تكون فيه إلى القبور آخر الزيارة.
أما بعد فيا أيها الاخوة المؤمنون أوصيكم ونفسي بتقوى الله حق تقاته، وسارعوا إلى مغفرة ربكم ورضوانه وجناته.
هذه الجمعة هي أول جمعة من شهر رمضان المبارك، وسأتناول في خطبة اليوم إن شاء الله
: "تخفيضات في أثمنة السلع الرمضانية، في الأسواق الممتازة الربانية"، فما أحلى أن نسمع تخفيضات الأثمنة في الأسواق، ترتاح لها القلوب وتطمئن لها النفوس، فنسارع؛ بل ونتصارع ونتزاحم ونتدافع من أجل اغتنام فرص التخفيضات قبل فواتها، ونتأسف حينما نتغافل عنها حتى تفوت.
ولعلكم –إخواني- تنتظرون أن أدخل بكم إلى الأسواق العادية والممتازة، وأن أتحدث إليكم عن المشتريات المادية السائدة في رمضان، تلك المكونة عندنا "لشربة الحريرة وأكلة البغريرة"، كلا؛ ليس هذا هو المراد؛ لأن تخفيضات السلع في هذه الأسواق مهما انخفضت ففوائدها محدودة بحدود الدنيا الفانية...
دعونا من هذا إذن وتعالوا بنا للتسوق في أسواق رمضان الربانية الممتازة، نستعرض مشتريات ثمينة غالية، أثمانها جد مرتفعة، لا تشترى إلا بالعملة الصعبة، وهي سهلة الاقتناء على من يسرها الله عليه!
أتدرون ما هي العملة الصعبة هنا؟ إنها عملة الصيام والقيام، إنها عملة مدارسة القرآن، إنها عملة الجود والإحسان، إنها عملة الصلوات والتهجد والتراويح، إنها عملة الأذكار والتسابيح، إنها عملة الجد والجهاد والاجتهاد، وأحد طرفي البيع هنا هو الله سبحانه؛
يقول سبحانه في الحديث القدسي الجليل: «كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به والصيام جنة»، فالعمل مع الله تجارة رابحة؛ ألم يقل الله تعالى: {إِنَّ الله اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}؟ ألم يقل سبحانه: {الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ}؛ أي يبيع دنياه ويشتري الآخرة؟
ألم يقل سبحانه: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ الله وَالله رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}؟ ألم يقل سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ الله وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ}؟ ألم يقل سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بالله وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ الله وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}؟
من خلال هذه النصوص الكريمة نستخرج السلع الربانية المعروضة بأثمنة منخفضة في سوق رمضان الممتاز، والسوق لا يكون ممتازا إلا بأمور ثلاثة: بوفرة السلع فيه، وبجودتها، وبرخص ثمنها، وكل ذلك متوفر في رمضان؛ بل أكثر نكتفي منه بما يلي:
أولا: الآخرة بصفة عامة سلعة ربانية؛ {الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ}، وتكون لمن يبيع الدنيا وهي دار ممر من أجل اقتناء الآخرة وهي دار مقر، ولا شك أن التخلي عن شهوات الأكل والشرب طيلة النهار هي بيع للدنيا بالآخرة.
ثانيا: الجنة يقول النبيﷺ: «ألا إن سلعة الله غالية الا إن سلعة الله الجنة»، وأنتم تعلمون أن للجنة بابا يسمى الريان منه يدخل الصائمون، وتكون الجنة الغالية العالية مقابل عبادة الصيام الحالية.
ثالثا: مرضاة الله تعالى؛ وهي أغلى ما يتمنى المسلم من سلعة الله تعالى، لا تنال إلا بالتقوى؛ بل هي قرينتها ومقصدها، وقد قال الله تعالى: {أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أمن أسس بنيانه على شفا جرف هار}، وقال سبحانه في الصيام: {كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}.
رابعا: نصر من الله وفتح قريب؛ {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ الله وَفَتْحٌ قَرِيبٌ}؛ والنصر لا يتحقق إلا بالصبر، والصبر من وسائل اكتسابه الصيام؛ بل الصيام هو الصبر بعينه، لا يتحمله الإنسان -خصوصا في أيام الصيف الطويلة- إلا بالصبر، ولهذا فُسِّر {الصابرون} في القرآن بالصائمين؛ يقول تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}؛ أي: الصائمون كما قال جل المفسرين؛ فرمضان هو شهر العزة والقوة، شهر الحق والحرية والانعتاق، يتحرر فيه الإنسان من الشهوات والأهواء؛
ولكنه أصبح لدينا شهر النزوات والشهوات ومن انهزم أمام شهوات نفسه وهواه، فلسوف يكون أكثر انهزاماً أمام أعداء أمته، ومن لم يطق الصبر في رمضان ساعات وأياما، فلسوف يكون عاجزاً عن التصدي للأعداء شهوراً وأعواما. والمنهزمون في الميدان الصغير مع أنفسهم، ليسوا أهلاً لأن يحرزوا النصر لأمتهم في ميدانها الكبير، ومن أعلن استسلامه في معركته مع شهوة نفسه المحدودة، فكيف لا يستسلم في معركة النصر المنشودة؟
إن الأمة لا يعتدي القوي على الضعيف فيها، ولا تنتشر الفوضى في مجتمعها، ولا يسود الظلم الاجتماعي في أرجائها، إلا حين تصبح عبادات الصيام فيها رسوماً خالية عن روحها وأسرارها، فيعيش الفرد لنفسه وبطنه، لا لإخوانه وأمته. ولا يعرف معنى الدين إلا من صدق إيمانه، وصح لله تعبده، ولا يدرك سر الصوم إلا من عرف قيمته، فالصائم الحق قوي لا ينهزم، ولأهوائه ورغباته لا يستسلم، بريء من الأنانية وحب الذات، يعيش مع أمته بقلبه وروحه، يفرح لفرحها ويحزن لحزنها، يجوع ويفطر معهم، ويتذكر حاجاتهم.
خامسا: مغفرة الذنوب من سلعة الله تعالى الغالية العالية؛ وذلك لأنه لا يوجد إنسان معصوم من الخطأ غير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وكيف يكون الإنسان معصوما وجوارحه التي أحيطت به قد تخونه في أية لحظة؟ فإن نجا من هذه تصيدته تلك: فإن نجا من فرجه تصيده لسانه، وإن نجا من لسانه فخائنة الأعين له بالمرصاد،
والإنسان مهما بلغ ومهما كان! تكون له فترة سوداء من حياته ارتكب فيها المنكرات، وانقاد وراء ما تستحلي النفس الأمارة من الشهوات، وهو طيلة حياته ما لبث تكون له عثرات وكبوات، ولكل جواد كبوة كما يقال. فلو سأل كل واحد منا نفسه، في حديث صادق مع نفسه: أليس الأمر كذلك؟ فسيجد الجواب: نعم إنه كذلك! والرسولﷺ يقول فيما روى الترمذي: «كل ابن آدم خطاء وخير الخطاءين التوابون».
وهل تدرون لماذا؟ لأن الإنسان مخلوق ضعيف، يشتمل على غرائز شتى، لا يملك أن يضبط نفسه أمام منظر مثير من مفاتن الحسن والجمال، أو أمام نظرات مشحونة بالإغراء، أو حركات مشبعة بالإثارة، تستهويه المناظير الخلابة وإن كانت حراما، ويحلو له إشباع غرائزه غير مبال بالحلال منها والحرام، ومن الصعب أن يتمالك نفسه عندما يسمع المليون والمليار، وله أعداء كثيرة، من شياطين الإنس، وشياطين الجن، والنفس الأمارة بالسوء، والهوى المتبع، فكان بذلك مهيأ لارتكاب الذنوب، فاحتاج إلى محوها وإزالتها.
والرسولﷺ يقول: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه»، ويقولﷺ: من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه».
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين، والحمد لله رب العالمين
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين، والحمد لله رب العالمين
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين…
أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون؛ كل هذه السلع الربانية تشترى بعملة الصيام ولذلك لا بد أن يكون الصيام كاملا ومن النوع الممتاز، ومن الجودة الجيدة، لا يقبل منه المزور ولا المغشوش؛ فمن هو إذن الصيام الكامل؟
أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون؛ كل هذه السلع الربانية تشترى بعملة الصيام ولذلك لا بد أن يكون الصيام كاملا ومن النوع الممتاز، ومن الجودة الجيدة، لا يقبل منه المزور ولا المغشوش؛ فمن هو إذن الصيام الكامل؟
إن الله عز وجل عندما خلق الإنسان خلقه شبيها بدولة صغيرة، فيها الرئيس وفيها المرؤوس، فالرئيس هو القلب والمرؤوس هي الجوارح والصيام لا يصان إلا بصيام مكونات هذه الدولة كلها، فصيام القلب بالإخلاص، وصيام اللسان بإمساكه عن عورات الناس، وصيام الفرج عن الزنا والمقدمات، وصيام العين عن النظر إلى المحرمات، وصيام البطن عن أكل الحرام.
والله تعالى يقول: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} والرسولﷺ يقول: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه»، ويقول فيما روى ابن أبي شيبة: «ما صام من ضل يأكل لحوم الناس»
ويقولﷺ: «إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ولا يجهل ولا يجادل»، وإذا كان الصيام هكذا فإننا به نكوِّن ونبني مسلما قوي الإرادة وقوي العزيمة، يستطيع أن يصبر على البلاء، ويعمل لدينه في السر والخفاء، بالإخلاص والمثابرة.
والفرد هو خلية الأمة فإذا صلح الأفراد صلحت الأمة، والرسولﷺ يعتبر قيمة إصلاح فرد واحد خير من الدنيا وما فيها فيقولﷺ: «لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير مما طلعت عليه الشمس وغربت»،
ورحم الله ابن رجب الحنبلي حين قال:
يا ذا الذي ما كفاه الذنـب في رجب***حتى عصى ربه في شهر شعبان
لقد أظلك شهر الصــوم بعدهمــا***فلا تصيره أيضا شهــر عصيان
واتل القران وسبح فيه مجتهــــــدا***فإنه شهر تسبيـــــــح وقرآن
فاحمل على جسد ترجو النجاة لـــه***فسوف تضرَم أجســـاد بنيران
كم كنت تعرف ممن صام في سلف***من بين أهـــل وجيران وإخوان
أفناهم الموت واستبقاك بعـــــدهم***حيا فما أقرب القاصي من الداني
ومعجب بثياب العيد يقطعـــــها***فأصبحت في غد أثـواب أكفان
حتى متى يعمر الإنســـان مسكنه***مصير مسكنه قبــــر لإنسان؟
ألا فاتقوا الله عباد الله وأكثروا من الصلاة والسلام على رسول اللهﷺ...
يا ذا الذي ما كفاه الذنـب في رجب***حتى عصى ربه في شهر شعبان
لقد أظلك شهر الصــوم بعدهمــا***فلا تصيره أيضا شهــر عصيان
واتل القران وسبح فيه مجتهــــــدا***فإنه شهر تسبيـــــــح وقرآن
فاحمل على جسد ترجو النجاة لـــه***فسوف تضرَم أجســـاد بنيران
كم كنت تعرف ممن صام في سلف***من بين أهـــل وجيران وإخوان
أفناهم الموت واستبقاك بعـــــدهم***حيا فما أقرب القاصي من الداني
ومعجب بثياب العيد يقطعـــــها***فأصبحت في غد أثـواب أكفان
حتى متى يعمر الإنســـان مسكنه***مصير مسكنه قبــــر لإنسان؟
ألا فاتقوا الله عباد الله وأكثروا من الصلاة والسلام على رسول اللهﷺ...
أئمةمروك - الخطبة من إنجاز الفقيه عبدالله بنطاهر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا