خطبة مكتوبة:الامتحانات بين ظاهرة الغش وغياب الوازع الديني - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

خطبة مكتوبة:الامتحانات بين ظاهرة الغش وغياب الوازع الديني


محورالخطبة : ظاهرة الغش في الامتحان بين مراقبة الخالق وحراسة المخلوق

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه

الحمد لله خلق كل شيء بقدر، وأكرم الإنسان بالفكر والنظر، وشرع لتحصيل علمه وتحصين عرضه طرقا لا ضِرار فيها ولا ضَرر، وحرم الحصول على أي شيء بالغش والغرر. وأشهد أن لا اله إلا الله شهادة تجعلنا ممن وحد الله تعالى وشكر، وآمن بالقضاء والقدر، وتميزنا عمن ألحد في الله تعالى وكفر، وأشرك به فعبد الأصنام والبقر. وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله من كان له خير قول وأفضل أثر، وأصح الحديث والخبر، وأعظم شريعة تحمي الناس من الغش والخطر، صلى الله وسلم عليه و على آله وأصحابه أكرم البشر، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم يكون للمؤمن الجنة وللكافر سقر.

أما بعد فيا أيها الاخوة المؤمنون أوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله وطاعته.
قد دقت ساعة الامتحان، وجاء الموعد المرتقب، والكل قد تأهب، قد أحضر من أسلحته ما يقاوم به أسئلته، ومنها الأسلحة التقليدية، ومنها المتطورة، ومنها الجائزة، ومنها المحرمة.
فتعالوا بنا اليوم نكشف الستار عن سلاح استعمل التقليدي منه والمتطور في أيام الامتحان، وهو من الأسلحة المحرمة إسلاميا ودوليا؛ ذلكم هو الغش في الامتحانات، وعنوان خطبة اليوم: (ظاهرة الغش في الامتحانات بين مراقبة الخالق وحراسة المخلوق). وقد كثر الحديث في هذه الأيام عن الغش، وعن الوسائل المستعملة لتطبيقه والوصول إليه من طرف الطلبة، وعن الوسائل المستعملة أيضا لضبطه والحصول عليه من طرف المراقبة، الكل يبتكر ليتنكر، ويخترع ليخدع؛ فقد دخلت التكنلوجيا في هذه الساحة من كلا الطرفين، الطالب يستعملها ليَشْفي شر فشله، والمراقب يستعملها ليُفْشي سر أمره، ومع الأسف الشديد لا نسمع ببراعة المغاربة في التكنولوجيا إلا في جانبها السلبي؛ عند السرقات والاختطافات والاختلاسات، وعند الاختراقات لمواقع البنوك والدول في الشبكات، وعند الغش في الامتحانات... وهلم جرا. وجديد هذه السنة أن من الغشاشين من قُضى بسجنه ومنهم من ينتظر بسجله، وقد تفنن الشعراء بدورهم في التحذير من الغش؛ كما قال القائل في قصيدة مختطلة بتشلحيت:
إن نام لم يطب له (سُولْ إِطْسِي)***لثقل ما يحملــــــــــــه (أُرْإِنْسِي)
تراه عند الامتحـــانْ (إِرَا أَيْخْسِي) ***يطلــــــب ما تكتب (إِرَا أَكْتِكْسِي)
وحـارس الامتحـانْ  (غَارْ إِقْرْسِي) ***من يرى عنده غشا  (أَسْتِكْسِي)
وقال الآخر مبينا الأمور التي يجب تجنبها:
غُضُّوا العُيُونَ فَإِنَّ الفَرْضَ مَحْرُوسُ***وَالنَّقْلُ فِي هَــــــذِهِ الأَجْوَاءِ مَحْبُوسُ
وَيُمْنَعُ الْهَاتِفُ النَّقَّالُ أَجْمَعُـــــــــهُ***أَوْ لَوْحَةٌ فِيهَا مَا تُخْفِــــــي الكَرَارِيسُ
وَلاَ جِهَازٌ لِتَسْجِيـــــــلٍ بِهِ اتَّصَلَتْ***بَيْنَكُمُ سَمَّاعَةُ الأُذْنِ أَوْ غِشٌّ وَتَدْلِيسُ
وَالوَاجِبُ الصَّمْتُ دُونَ الْهَمْسِ إِنْ***دُقَّ لِلْمَوْعِدِ الْمَحْسُـــــــــــومِ نَاقُوسُ
وَمَنْ يُؤَمِّلُ أَحْـــــــــــــلاَماً بِنَقْلَتِهِ***أَغْرَاهُ بِالأَمَلِ الْمَوْهُـــــــــــــومِ إِبْلِيسُ
والغش حرمه الإسلام في جميع المجالات، ويكفي أن النبي صلى الله عليه وسلم قد تبرأ من الغشاش فقال صلى الله عليه وسلم: "من غش فليس منا". ولا توجد كلمة تقشعر منها جلد المؤمن مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس منا"، ويل لمن تبرأ منه صلى الله عليه وسلم ، وهل تحلو الحياة لمن تبرأ منه صاحب الشفاعة العظمى صلى الله عليه وسلم؟ ماذا تساوي الدنيا كلها بالنسبة لمسلم تبرأ منه النبي صلى الله عليه وسلم؟ أي فائدة في نجاحه وعلمه وتقدمه؟ وإذا تبرأ صلى الله عليه وسلم من الغشاش وعمله، فإن خالي القلب من الغش يكون معه صلى الله عليه وسلم في الجنة، قال صلى الله عليه وسلم: "إن قدرت أن تصبح وتمسي وليس في قلبك غش لأحد فافعل، ذلك من سنتي، ومن أحيا سنتي فقد أحبني، ومن أحبني كان معي في الجنة".
والغش جريمة تحمل في أحشائها عدة جرائم نكراء، ومفسدة في طياتها عدة مفاسد خطيرة؛ ففيه الكذب الذي يقول عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: "إياكم والكذب ؛ فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً". وفيه الخيانة التي يقول عنها الرسول صلى الله عليه وسلم: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان". وفيه المكر والخديعة التي يقول عنها الرسول صلى الله عليه وسلم: "المكر والخديعة والخيانة في النار".
وعلاوة على ذلك فالغش هو ادعاء الإنسان ما ليس له هو سرقة المعلومات والسطو على الممتلكات، والله تعالى يقول: {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
وهذا كله إذا اعترف مرتكب الغش بأنه حرام، أما إذا استحله واعتبره حلالا فارتكبه فهذا كفر بالله والعياذ بالله؛ لأن كل من استحل ما كان محرما بالنصوص الشرعية الصحيحة الصريحة فقد كفر؛ ولكن الغشاش في غفلة من هذا؛ فيظن في نفسه أنه قد نجح مرتين، وضرب بحجر واحد عصفورين؛ لأنه قد نجح في خداع الحارس كما نجح قبلُ في خداع المدرس...
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والحمد لله رب العالمين...

الحمد لله رب العالمين…
أما بعد فيا أيها الاخوة المؤمنون؛ هل تدرون ما هو الحل لمشكل هذا الغش المستشري؟ وما هو الدواء لهذا الداء؟ إن الحل هو المراقبة، ولا أعني بها مراقبة الأساتذة؛ بل أعني بها مراقبة الله عز وجل، تربية المراقبة الربانية في نفس الطالب، لأن مراقبة الأساتذة قد تنجو منها بمالك، قد ترشو أحدهم فيتغاضى عن نقولك، أو تعرف وجها يتوسط لأجل ارتفاع نقطتك؛ ولكن مراقبة الله عز وجل لن تنجو منها، لأن حسابها سيكون يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. فالطالب الأمين يراقب الله تعالى، ويعلم أن عين الله تراقبه، وأنه سبحانه وتعالى {لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين}، لا يحتاج فيه لمفتش ولا لمراقب، لأن المراقبة فضيلة تنبع من أعماق القلوب فتطهرها، وتنبثق من طوايا النفوس فتزكيها، وترتبط بالباطن أكثر مما ترتبط بالظاهر، فهي قائمة على الشعور الحي العميق بجلال الله وسلطانه، تجعله أمينا على معلوماته، فقد يستطيع أن يختلس أو يغش؛ لكنه لا يفعل، لأنه يتذكر دوما قوله تعالى: {إن الله كان عليكم رقيبا} وقوله تعالى: {وكان الله على كل شيء رقيبا} وقوله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}، وقوله تعالى: {واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أن الله غفور رحيم}، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم عند ما سأله جبريل عن الإحسان فقال: "أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك".
فمراقبة الله تعالى هي التي جعلت النبي صلى الله عليه وسلم يقول وهو في الغار، وقد أحاط به الكفار: {لا تحزن إن الله معنا}، وهي التي جعلت سيدنا موسى يقول عندما أحاطت به جيوش فرعون من كل جانب: {كلا إن معي ربي سيهدين}، وهي التي جعلت سيدنا يوسف يقول عندما أحاطته امرأة العزيز بشهوتها العارمة وبجمالها الجذاب، فقالت: {هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون}؛ إن انعدام المراقبة في نفس الإنسان تجعله شبيها بالحيوان يرتع ليبتلع، ويجمع لينتفع، ويسطو على الحقوق لينتزع، وينتهك الحرمات ليتمتع، فتفشو بذلك الرذائل، وتغيب الفضائل، فيتعامل الناس بالغش، وتسود شريعة الغاب، دون ارعواء ولا حساب...     
ألا فاتقوا الله عباد الله وأكثروا من الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم...

***  أئمة مروك_  :عبدالله بنطاهر التناني  ***

سيدي عبد الله بنطاهرالتناني إمام وخطيب بأكادير ومشرف مدرسة الإمام البخاري للتعليم العتيق
وللمزيد  من ترجمة شيخنا يرجى الضغط  :هنــا
وله خطب قيمة ولمن يريد الإستفادة منها له ذلك
بشرطين كما يقول شيخنا :
1) الدعاء لي -بعد الإخلاص- عن ظهر الغيب.
2) غض البصر -بعد الإصلاح- عما فيها من العيب.
وتابعوا نشرهاباستمرار في أئمة مروك "بحول الله وقوته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا