توديع الحجاج والمسافرين بين السنة النبوية والعادات المهيمنة - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

توديع الحجاج والمسافرين بين السنة النبوية والعادات المهيمنة

العنوان الأصلي للخطبة : 《 توديع الحجاج والمسافرين

 بين السنة النبوية المُهْمَلة والعادات السيئة المُهَيْمِنة 》

من إعداد فضيلة الفقيه : عبدالله بنطاهر

تذكير :وكعادته دائما في خطبه ومنشوراته جزاه الله خيرا

 يطلب منا أمرين: 1) الدعاء له -بعد الإخلاص- عن ظهر الغيب.2) غض البصر - بعد الإصلاح- عما فيها من العيب.

تاريخ الخطبة : 24 ذو القعدة 1443هـ 24 / 6 / 2022م

الحمد لله الذي شرع لنا في الأسفار سنة الوداع، حينما يُقبل المسلم على السفر إلى بعيد النواحي والأصقاع، وأشهد أن لا إله إلا الله جعل متعة الأسفار من خير المتاع، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الواجب الاتباع، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الذين هاجروا وآووا ونصروا الإسلام بالحماية والدفاع، وعلى التابعين لهم بإحسان مادام الحجاج يسافرون لزيارة خير البقاع.

أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون؛ أوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله وطاعته.

الدنيا في إطار الحلال كلها متاع، ومن مُتَع الدنيا متعة السياحة والأسفار، من أجل الوقوف على المناظر الطبيعية الخلابة، والمآثر التاريخية الجلابة، والسياحة أمر مشروع، وهدفها علاوة على الاستجمام والتمتع، هو أيضا التدبر والتأمل والتعبد، وأصلها في القرآن الكريم في مثل قوله تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ}، وقوله سبحانه: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ}...

والسياحة على نوعين: السياحية الدينية، والسياحة الدنيوية؛ وقد صادَفْنَا في هذه الأيام مناسبةَ النوعين معا: السياحة الدينية لأننا في هذه الأيام سنودع الطلائع الأولى للحجاج المسافرين لأداء فريضة الحج وزيارة الحبيب المصطفىﷺ، ثم السياحة الدنيوية لأننا قريبا سنكون في عطلة وكثير من الناس في العطلة إما مسافرون أو مستقبلون للمسافرين. 

ولتوديع الحجاج والمسافرين سنة نبوية أهملناها، في الوقت الذي انتشرت فينا عادات سيئة وجب إهمالها. 

أيها الإخوة المؤمنون؛ من العادات السيئة التي نمارسها في توديع المسافرين عموما وتوديع الحجاج خصوصا ما يلي:

منها توديع الحجاج في بعض المناطق بحفلات موسيقية غنائية مختلطة بالشكل الذي يوجد في الأعراس، وكذلك يفعلون عند استقبال الحجاج؛ وهذا لا يجوز في الأعراس؛ فكيف بتوديع واستقبال الحجاج؟

منها حمل الحجاج بسيارات مزينات بشرائط من الأقمشة والملصقات والرايات، والنفخ بصفاراتها في الساحات والطرقات، كأنها تعلن حمل العروسة لعريسها، إلى غير ذلك مما يدل على الرياء والسمعة، والمطلوب من الحاج الإخلاص والسرية في الأعمال. 

منها مصاحبة الحاج إلى المطار بأعداد هائلة من عائلته، حيث يشكل ذلك فوضى لا تليق في التعامل الحضاري مع مؤسسات الدولة مثل المطارات، حتى إن رجال الأمن ليستعدون لذلك ويعتبرونه من أصعب اللحظات؛ تصوروا لو كانت الطائرة ستُقِلُّ 400 حاج، وكل حاج صاحبه إلى المطار على الأقل 10 فردا من عائلته؛ ليكون المجموع أزيدَ من 4000 شخص، خليط من "حيص بيص"،

 أعداد هائلة تسد الآفاق؛ بينهم نساء ورجال وأطفال؛ بل من بينهم حتى الأطفال الرُّضع، والشيوخ الركع، لم يبق لهم إلا البهائم الرتع، حتى إن الأجانب الذين تصادف رحلتُهم رحلةَ الحجاج ليتعجبون ويستغربون من مثل هذا، وفي غالب الأحيان يصورون وينشرون بالمباشر وغير المباشر، مستهزئين قصد تشويه الإسلام بأفعال المسلمين، والحاج سفير يجب أن يُمَثِّل السلوك الحضاري لبلاده، وأن يَمْتَثِل المقتضى الأخلاقي لوطنه، قبل أن يَمْتَثِل واجبات دينه ويُمَثِّل أخلاق حجه. 

منها تبرج الـمُودِّعات للحاج في المطار من نسائه وأخواته وبناته وجاراته وزميلاته في العمل، وتوديعهن بالمعانقة والتقبيل وهن أجنبيات عنه، بكيفية لا يجوز للمسلم أن يفعله حتى مع زوجته أمام الناس؛ فكيف بالحاج مع بنته أو أخته؟ وكيف بالحاج مع جاراته في السكن والدار، ومع زميلاته في الوظيف والعمل؟

 وهل هذا من تعظيم شعيرة الحج؟ بل إنه لمنكر ونكير، وشر مستطير، يفعله بعض الناس عند توديع الحجاج؛ ويفعلونه أيضا عند استقبال الحجاج بشكل أفظع وأفجع، حيث يأتي الحاج حاملا البركة، يوزعها على المستقبلات الأجنبيات في المطار بالمعانقة بالأحضان، وبتقبيل خدود الأخدان(1)...؛ علما بأن المرأة لا تذهب للمطار في التوديع والاستقبال إلا بعد أن تُسَوِّيَ نفسها، وترتب كل ما يتعلق بجمالها، في صالونات (الكوافِّر) من أم رأسها إلى أخمص قدميها. 

منها استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير من كلمات الوداع؛ بدلا أن نقول: "السلام عليكم استودعكم الله" أي: استحفظكم الله، نقول ونردد كلمات جافة جوفاء لا علاقة لها بحفظ الله تعالى؛ مثلا: "وداعا" أو "إلى اللقاء" أو "مع السلامة"، فأغرب بعضهم واغترب أكثر فكان وداعه: "باي باي" 

فالعرب في الجاهلية قبل الإسلام كان بعضهم يحيي بعضاً بقوله: "عمت صباحاً" و"عمت مساءً"؛ فلما جاء الإسلام عوضهم بتحية خير منها وهي: "السلام عليكم"، ثم جعل إفشاءها من أسباب المودة والمحبة، ومن أسباب دخول الجنة فقالﷺ: «لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم»،

 وفيما روى الترمذي: «أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام»؛ وليست تحية السلام خاصة باللقاء والاستقبال فقط؛ بل أيضا هي صالحة عند التوديع والانتقال؛ قال النبيﷺ: «إذا أتى أحدكم المجلس فليسلم، فإذا قام فليسلم، فليست الأولى بأحق من الثانية»؛ أليست المحبة والجنة أفضل من كلمة "باي باي"؟ قال الله تعالى: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ}؟

صدق الله العظيم وغفر لي ولكم ولسائر المسلمين، والحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية 

الحمد لله رب العالمين…

أما بعد فيا أيها الاخوة المؤمنون؛ الرسولﷺ يودع المسافر بخمسة أمور: 

أولا: تقديم الوصية له؛ روى الترمذي أن رجلا قال: يا رسول الله؛ أريد أن أسافر فأوصني. فقالﷺ: «عليك بتقوى الله والتكبير على كل شرف»؛ أي وذكر الله أكبر عند كل نزول وركوب.

ثانيا: جعل المسافر وديعة وأمانة في يد الله تعالى؛ وقد كانﷺ إذا ودع أصحابه في السفر يقول فيما روى الترمذي: «أستودع الله دينك وأمانتك وخواتم أعمالك» وفي روية: «أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه»، ومعنى أستودعكم الله أطلب منه لكم الحفظ والحماية.

ثالثا: الدعاء للمسافر؛ روى الترمذي أن رجلا جاء إلى النبيﷺ فقال: يا رسول الله؛ إني أريد سفرا فزودني. قالﷺ: «زودك الله بالتقوى، وغفر ذنبك، ويسر لك الخير حيثما كنت»، وفي رواية: «فلما ولى الرجل قالﷺ: اللهم اطو له البعد وهون عليه السفر».

رابعا: طلب الدعاء من المسافر لأن دعاءه مستجاب، روى الترمذي أن النبيﷺ قال: «ثلاث دعوات مستجابة: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده»، وخصوصا عندما يكون هدف المسافر أداء مناسك الحج والعمرة، روى أبو داوود والترمذي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: استأذنت النبيﷺ في العمرة فأذن وقال: «لا تنسنا يا أُخَيَّ من دعائك»، وفي رواية: «أشركنا يا أُخَيَّ في دعائك»؛ فقال عمر رضي الله عنه معلقا على هذا الالتماس النبوي: إنها كلمة ما يسرني أن لي بها الدنيا.

خامسا: صلاة ركعتين في المنزل قبل المغادرة؛ لما ورد أنّهﷺ قال: «ما خَلَّفَ عبدٌ عِنْدَ أَهْلِهِ أفْضَلَ منْ رَكْعَتَيْنِ يَرْكَعُهُما عنْدَهُمْ حينَ يُرِيدُ سَفَراً»، وعن أنس قال: «كان النبيﷺ لا ينزل منزلا إلا ودَّعه بركعتين». 

وكذلك من السنة صلاة ركعتين في المسجد عند الرجوع؛ فقد روى الشيخان عن كعب بن مالك قال: «كان النبيﷺ إذا قدم من سفر ضُحى، دخل المسجد فصلى ركعتين قبل أن يجلس»، وفي رواية عن جابر قال: «كنت مع النبيﷺ في سفر، فلما قدمنا المدينة قال لي: اُدخل المسجد فصل ركعتين».

ألا فاتقوا الله عباد الله، وأكثروا من الصلاة والسلام على رسول اللهﷺ…


ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الأخدان: الأصدقاء في الفاحشة قال الله تعالى: {مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ}.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا