تَذْكِيرُ إِخْوَةِ الْإِسْلَامِ، بِبَعْضِ مَا لِلْأُضْحِيَّةِ مِنَ الْأَحْكَامِ
من إعداد فضيلة الأستاذ: رشـيد الـمعاشي
اَلْحَمْدُ لِلهِ الذِي شَرَعَ لِعِبَادِهِ التَّقَرُّبَ إِلَيْهِ بِذَبْحِ الْقُرْبَانِ، وَقَرَنَ النَّحْرَ لَهُ بِالصَّلَاةِ فِي مُحْكَمِ الْقُرْآنِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ ذُو الْفَضْلِ وَالِامْتِنَانِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمُصْطَفَى عَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ومَن تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ.
أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ:
هَا هُوَ عِيدُ الْأَضْحَى الْمُبَارَكُ السَّعِيدُ قَدْ قَرُبَ أَوَانُــــهُ، وَالْعِيدُ فِي الْإِسْلَامِ لَهُ شَعَائِرُهُ وَشِعَارُهُ، وَالِاحْتِفَالُ بِهِ لَا يَشْغَلُ الْمُؤْمِنَ عَنِ الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ، بَلْ هُوَ فِي حَدِّ ذَاتِهِ هُوَ قُرْبَةٌ إِلَى رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ، وَذَبْحُ الْأُضْحِيَّةِ هُوَ أَفْضَلُ مَا يَحْتَفِلُ بِهِ الْمُسْلِمُ مِنَ الْقُرُبَاتِ، رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَةَ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ يَوْمَ النَّحْرِ عَمَلاً أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ عزَّ وجلَّ مِنْ هِرَاقَةِ دَمٍ، وَإنَّهُ لَيَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَظْلَافِهَا وأشْعَارِهَا، وإنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ، فَطِيبُواْ بِهَا نَفْسًا. لِذَلِكُمْ سَيَكُونُ عُنْوَانُ خُطْبَتِنَا لِهَذَا الْيَوْمِ الْمُبَارَكِ السَّعِيدِ - بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى – هُوَ: تَذْكِيرُ إِخْوَةِ الْإِسْلَامِ، بِبَعْضِ مَا لِلْأُضْحِيَّةِ مِنَ الْأَحْكَامِ، وَسَيَنْتَظِمُ كَلَامُنَا حَوْلَ هَذَا الْعُنْوَانِ فِي عُنْصُرَيْنِ اثْنَيْنِ:
الْعُنْصُرُ الْأَوَّلُ: الْأُضْحِيَّةُ وَحُكْمُهَا، فَالْأُضْحِيَّةُ فِي اللُّغَةِ: اِسْمٌ لِمَا يُضَحَّى بِهِ، أَيْ: مَا يُذْبَحُ، وَجَمْعُهَا: الْأَضَاحِيُّ. وَالْأُضْحِيَّةُ فِي الِاصْطِلَاحِ الشَّرْعِيِّ هِيَ: مَا يُتَقَرَّبُ بِذَكَاتِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ جَذَعِ الضَّأْنِ وثَنِيِّ غَيْرِهِ مِنَ النَّعَمِ، مَعَ السَّلَامَةِ مِنَ الْعُيُوبِ وَالِاشْتِرَاكِ فِي الثَّمَنِ، نَهَارَ عَاشِرِ ذِي الْحِجَّةِ وَتَالِيَيْهِ، بَعْدَ ذَبْحِ إِمَامِ صَلَاةِ الْعِيدِ.
وَهِيَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ التِي يَجِبُ تَعْظِيمُهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ. وَسُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ الرَّسُولِ ﷺ التِي يَتَأَكَّدُ الِالْتِزَامُ بِهَا لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهَا، مِصْدَاقُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ. قَالَ عِكْرِمَةُ وَقَتَادَةُ: يَعْنِي صَلِّ صَلَاةَ الْعِيدِ ثُمَّ اذْبَحِ النُّسُكَ.
وَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: ضَحَّى النَّبِيُّ ﷺ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بيَدِهِ، وَسَمَّى وكَبَّرَ، ووَضَعَ رِجْلَهُ علَى صِفَاحِهِمَا. وَمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنْ وَجَدَ سَعَةً فَلَمْ يُضَحِّ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلاَّنَا.
الْعُنْصُرُ الثَّانِي: شُرُوطُ الْأُضْحِيَّةِ، فَقَدِ اشْتَرَطَ الشَّرْعُ الْحَكِيمُ فِي الْأُضْحِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْلِمِ شُرُوطًا لَا تُجْزِئُ إِلَّا بِهَا، وَتِلْكَ الشُّرُوطُ هِيَ كَالْآتِي:
🟢الشَّرْطُ الْأَوَّلُ: أَنْ تَكُونَ الْأُضْحِيَّةُ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ الثَّلَاثَةِ خَاصَّةً، وَ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ هِيَ: الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ الذِي يَشْمَلُ (الضَّأْنَ وَالْمَعْزَ). يَقُولَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ...
🟢الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ تَبْلُغَ الْأُضْحِيَّةُ السِّنَّ الْمُحَدَّدَةَ شَرْعاً، فَأَمَّا الْغَنَمُ فَلَا يُجْزِئُ فِيهَا إِلَّا الْجَذَعُ فَمَا فَوْقُ، وَالْجَذَعُ هُوَ: مَا أَكْمَلَ سَنَةً عَلَى الْأَصَحِّ وَالْأَشْهَرِ. وَأمَّا الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْمَعْزُ فَلَا يُجْزِئُ فِيهَا إِلَّا الثَّنِيُّ فَمَا فَوْقُ, وَالثَّنِيُّ مِنَ الْإِبِلِ هُوَ: مَا أَكْمَلَ خَمْسَ سِنِينَ.
وَمِنَ الْبَقَـــــــرِ: مَا أَكْمَلَ سَنَتَيْـــــنِ. وَمِنَ الْمَعْــــــزِ: مَا أَكْمَـــــــلَ سَنَةً. رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِــــــــرِ بْنِ عَبْــــــدِ اللَّهِ رَضِــــــــيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُــــــــولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لَا تَذْبَحُـــــــواْ إِلَّا مُسِنِّةً – يَعْنِي ثَنِيَّــــــةً -، إِلَّا أَنْ يَعْسُــــــرَ عَلَيْكُمْ فَتَــــــذْبَحُواْ جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ.
🟢الشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ الْأُضْحِيَّةُ خَالِيَةً مِنَ الْعُيُوبِ التِي تُؤَثِّرُ سَلْباً عَلَى قِيمَتِهَا وَجَوْدَةِ لَحْمِهَا، فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: أَرْبَعٌ لاَ تُجْزِئُ فِي الأَضَاحِي: الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا – أَيْ عَرَجُهَا -، وَالْكَسِيرَةُ التِي لاَ تُنْقِي – أَيْ: الْهَزِيلَةُ التِي لَا شَحْمَ لَهَا -. وَيُقَاسُ عَلَى هَذِهِ الْعُيُوبِ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا أَوْ أَقْبَحَ مِنْهَا، كَالْعَمَى وَقَطْعِ الرِّجْلِ وَشِبْهِهِ...
نَفَعَنِي اللَّـهُ وَإِيَّاكُمْ بِكِتَابِهِ الْـمُبِينِ، وَبِسُنَّةِ نَبيِّهِ الْمُصْطَفَى الْكَرِيمِ، وَجَعَلَنِـي وَإِيَّاكُمْ مِنَ الذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ آمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْـحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
اَلْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَليُّ الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، صَلَّى اللَّـهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَمَنِ اقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ:
🟢الشَّرْطُ الرَّابِعُ: أَنْ تُذْبَحَ الْأُضْحِيَّةُ فِي وَقْتِهَا، وَيَبْدَأُ وَقْتُهَا بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ وَذَبْحِ الْإِمَامِ لِأُضْحِيَّتِهِ، وَيَنْتَهِي بِغُرُوبِ شَمْسِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ، مَعَ الْعِلْمِ أَنَّ ذَبْحَ الْأُضْحِيَّةِ يَكُونُ بِالنَّهَارِ لَا بِاللَّيْلِ، رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، مَنْ فَعَلَهُ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلُ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لِأَهْلِهِ، لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ.
🟢الشَّرْطُ الْخَامِسُ: أَنْ تَكُونَ الْأُضْحِيَّةُ سَالِمَةً مِنَ الِاشْتِرَاكِ فِي الثَّمَنِ، وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ بِأَنْ يَتَّفِقَ شَخْصَانِ أَوْ أَكْثَرُ عَلَى أَنْ يَدْفَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قِسْطًا مِنْ ثَمَنِهَا، لِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ عِبَادَةٌ، وَالْعِبَادَةُ لَا تَتَجَزَّأُ وَلَا تَتَبَعَّضُ، وَأَمَّا الِاشْتِرَاكِ فِي ثَوَابِهَا فَهُوَ جَائِزٌ، رَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: ضَحَّى النَّبِيُّ ﷺ بِكَبْشَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ: أَحَدُهُمَا عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَالْآخَرُ عَنْهُ وَعَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِهِ. فَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَشْرَكَ أَهْلَ بَيْتِهِ فِي ثَوَابِ أُضْحِيَّتِهِ...
فَاتَّقُوا اللَّهَ – أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ – وَاحْرِصُواْ عَلَى أَنْ تَتَوَفَّرَ هَذِهِ الشُّرُوطُ فِي الْأُضْحِيَّةِ، حَتَّى تَكُونَ مَقْبُولَةً عِنْدَ رَبِّ الْبَرِيَّةِ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّـهَ وَيَتَّقِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ.
اَلـــدُّعَـــاءُ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا