"خذوا زينتكم عند كل مسجد" خطبة الجمعة مكتوبة الفقيه السوسي عبدالله بنطاهر - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

"خذوا زينتكم عند كل مسجد" خطبة الجمعة مكتوبة الفقيه السوسي عبدالله بنطاهر



الحمد لله المستحق لجميل المدائح وطيب المحامد، شرع للمسلمين التعبد في أحب البقاع إليه المساجد، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المعبود بحق في البيوت والمعابد، جعل لنا النظافة من وسائل تحقيق العبادة وهي أفضل المقاصد، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله صاحب أطيب الروائح وأفضل المشاهد، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الذين بنوا للإسلام أقوى الأسس والقواعد، وعلى التابعين لهم بإحسان ما دام الإصلاح يأتي على المفاسد. {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}...

أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون؛ أوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله وطاعته.
إن علاقة المسلم بالمسجد هي علاقة حقوق يقدمها، ووجبات يؤديها، هذه العلاقة التي تُكَوِّن له عمارة المساجد التي دعا إليها الإسلام، وحث عليها سيد الأنام عليه الصلاة والسلام؛ روى الترمذي أن النبيﷺ قال: «إِذَا رَأَيْتُمْ الرَّجُلَ يَعْتَادُ الْمَسْجِدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بِالْإِيمَانِ، قَالَ الله تَعَالَى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ}»، والمساجد ليست مجرد أماكن للتجمع واللقاء؛ بل هي أماكن لزرع المحبة والألفة والوفاء، يلتئم فيها صف الأمة، فيجب أن تكون منزهة عن كل لغو وضرر، محفوظة من كل شر وشرر، ملكها مشاع بين أهل الإسلام، وحقها عليهم المحبة والإكرام، وحسن الأدب والاحترام، وكيف لا وهي من أحب البقاع إلى الله, وأشرفها منزلة؟ من أحبها كان حبه لها دينا وعبادة, وربحا وزيادة, ومن تعلق قلبه بها كان تحت ظل عرش الله تعالى يوم القيامة، وفي الحديث الصحيح: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله» وعد منها: «رجل قلبه معلق في المساجد»؛ فصيانتها عن الأوساخ والروائح الكريهة واجب شرعي، وتنظيفها من الأدناس طاعة مفروضة, وتطييبها بالروائح الطيبة عبادة لازمة، ولها آداب ينبغي مراعاتها، وأحكام يجب الالتزام بها.

ولكن في الواقع نرى كثيراً من المساجد اليوم تشكو حالها, وتبكي سوء حظها ومآل أمرها، لقلة وعي أكثر روادها بأحكامها، وعدم التزامهم بآدابها؛ فهذا بلباس نومه يرتادها, وذاك بثوب حرفته المتسخ يصلي فيها, وآخر بسروال ضيق يسجد ويركع فيها, وآخر برائحته الكريهة يعتادها...
أيها الإخوة المؤمنون؛ إن كثيرا من المصلين يشتكون من الروائح الكريهة عند بعض الناس، ويختلف مصدر هذه الروائح الكريهة حسب ما يلي:

- قد يكون مصدرها الحلال كأكل الثوم والبصل غير المطبوخ، والكل يعلم أن رائحة الثوم مؤذية رغم ما فيها من الدواء، فمن تناولها يجب عليه أن يستعمل ما يزيل رائحتها، مثل تناول عصير الليمون مع النعناع الأخضر، أو تناول أوراق البقدونس (المعدنوس)، أو تناول الحليب الرائب، وغير ذلك مما وصف بأنه يزيل رائحة الثوم من الفم.
- وقد يكون مصدرها المرض؛ كالمرضي بمرض البَخَر، وهو رائحة الفم الكريهة التي لا تحتمل، والمريض يؤذي بها من يخاطبه أو من يصلي بجانبه، فيجب عليه أن يذهب إلى الطبيب للمعالجة، والرسولﷺ يقول: «إن الله عز وجل أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء؛ فتداووا ولا تداووا بحرام». 

- وقد يكون مصدر هذه الروائح الكريهة الإهمال وذلك مثل رائحة الجوارب المسماة بالتقاشير، ورائحة الأحذية، والكل يعلم أن الساجد في الصف يضع أنفه بقرب رجلي من كان في الصف قبله، فكيف يكون إذا كانت رجله منتنة بتقاشيرها، ومثلها روائح الآباط إذا لم يتعهد الإنسان نفسه بالغسل على الأقل كل أسبوع وخصوصا يوم الجمعة؛ قال رسول اللهﷺ: «غُسل الجمعة واجب على كل مُحْتَلِم»، وفي رواية: «...على كل مسلم».

- وقد يكون مصدر هذه الروائح الكريهة الحرام، مثل رائحة التدخين المنتنة الذي لا يجوز للمسلم تناوله، فلو لم يكن في التدخين إلا رائحته النتنة لكفت في تحريمه؛ علاوة على عدم وجود أي فائدة فيه، مع مضاره الكثيرة ومفاسده الوفيرة، فيجب على المدخن الإقلاع من هذا الداء الحرام؛ لأنه مضر بجسد وماله ودينه، وبالناس من حوله.

ولا يجوز لكل من فيه رائحة كريهة أن يذهب إلى المسجد للصلاة؛ فإذا كانت بسبب المرض أو بسبب أكل الثوم للعلاج والدواء فلا حرج على من تخلف عن الجماعة من أجل ذلك، وأما إذا كانت الرائحة بسبب الإهمال والأوساخ، أو كانت من الحرام كالتدخين فالمتخلف بسببها آثم زيادة على إثم الإهمال وارتكاب الحرام؛ روى البخاري ومسلم أن النبيﷺ قال: «من أكل الثوم والبصل فلا يقربن مسجدنا؛ فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم»، وكفى بالمرء إثما أن يؤذي إخوانه المصلين، وملائكة الله المقربين، هذا في رائحة الثوم والبصل الحلال؛ فكيف برائحة التقاشير والآباط بسبب الإهمال؟ فكيف بروائح التدخين الحرام؟

أيها الإخوة المؤمنون؛ إن من آداب المساجد عموما أن يختار لها المسلم الألبسة الجميلة النظيفة، والروائح الطيبة الأليفة، وخصوصا يوم الجمعة؛ فلا بد من تنظيف الأرجل وتنشيفها، واستبدال تقاشيرها، والاستحمام المنتظم على الأقل أسبوعيا، والعناية بالملابس وتعطيرها، من أجل توفير فضاء نظيف للتعبد في مساجدنا، ومن أجل المحافظة على فراش المساجد جديدا نقيا، فالمسلم الأنقى هو أجدر بالأتقى عملا، والأبقى أجرا؛ يقول الله سبحانه وتعالى: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد}، ومن أخلاق النبيﷺ التطيب, يحبه ويكثر منه، ففي الحديث: عن أَنَسِ رضي الله عنه قال: «كانت لِلنَّبِيِّﷺ سُكَّةٌ يَتَطَيَّبُ منها»، والسكة: وعاء أو صندوق صغير اتخذهﷺ يجعل فيه الطيب الذي يتطيب به يوميا، وكَانَﷺ يُعْرَفُ بِرِيحِ الطِّيبِ إذَا أَقْبَلَ قيل أن يراه الناس؛ يعني يصل طيب ريحه قبل أن يصل طيب جسدهﷺ، ومن خصائصهﷺ طيب الرائحة، فجسمه يفوح طيباً كما جاء عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: «ما شممت عنبراً قط ولا مسكاً ولا شيئاً أطيب من ريح الرسولﷺ». وقالﷺ: «إنما حبب إلي من دنياكم ثلاث: النساء، والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة»، وسئلت عائشة رضي الله عنها: «أكان رسول اللهﷺ يتطيب؟ قالت: نعم، بذِكَارَةِ الطيب: المسك والعنبر»، وذِكَارَةِ الطيب ما له رائحة ولا لون له. 

والصحابة رضوان الله عليهم استناروا بسيرة المصطفىﷺ، فساروا على دربه ومنواله, واهتدوا بهديه وسنته، حتى إن بعضهم صار يعرف برائحته الزكية في ذهابه وإيابه، لتطيبه بأطيب الطيب حينما يقصد الصلاة والمسجد، وهذا بعض من أحوالهم:
«كان عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- يتطيب بطيب فيه مسك، وكان يُعرف بريح الطيب، فكان من أطيب الناس ريحاً، وأنقاهم ثوباً أبيض». 

وعبد الله بن جعفر -رضي الله عنه-  «كان يسحق المسك ثم يجعله على يَافُوخِه». وَالْيَافُوخُ: وَسَطُ الرَّأْسِ.
وعبد الله بن عباس -رضي الله عنه- «كان إذا خرج إلى المسجد عرف جيران الطريق أنه مر من طيب ريحه».
وقال عثمان بن عبيد الله مَوْلًى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: «رأيت ابن عمر، وأبا هريرة، وأبا قتادة، وأبا أُسَيْد الساعدي يمرون علينا ونحن في الكُتّاب فنجد منهم ريح العبير وهو الخلوق».

والمساجد أحب البقاع إلى الله تعالى، تؤدى فيها أعظم عبادة الله تعالى, فكانت بحاجة إلى رعاية خاصة، وعناية دائمة مستمرة، حتى يؤدي المسلم عبادته فيها دون أن يصادف خشونة تشوش على خشوعه، أو طامة تُرْبِك طمأنينته، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: «أمر رسولﷺ ببناء المساجد في الدور, وأن تنظف وتطيب»، ويتأكد تطييب المساجد يوم الجمعة وكان سيدنا عمر -رضي الله عنه- يطيب مسجد الرسولﷺ كل جمعة قبل الصلاة. وسار على هذه السنة بقية الصحابة، حتى إن معاوية -رضي الله عنه- أجرى وظيفة الطيب للكعبة عند كل صلاة, وقالت عائشة -رضي الله عنها-: «لأن أطيب الكعبة أحب إلي من أن أُهدي لها ذهباً وفضة»، وكان عبد الله بن الزبير -رضي الله عنه- يبخر الكعبة في كل يوم، ويضاعف الطيب يوم الجمعة.
هكذا كان الصحابة رضي الله عنهم، يعرفون حق المعرفة قيمة الصلاة، وقيمة المسجد، وقيمة الإنسان المصلي، وقيمة الملائكة؛ فوجب علينا الاقتداء بهم حتى نعطي لمساجدنا ما تسحق من النظافة وطيب الرائحة، ولصلواتنا ما تستحق من الحضور والخشوع والطمأنينة، ولإخواننا المصلين معنا ما يستحقون من التقدير والاحترام، وللملائكة الذين يحفون المصلين والذاكرين ما يستحقون من التعظيم والتبجيل؛ فنمتنع عن إيذاء المصلين وإيذاء الملائكة المقربين...
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين والحمد لله رب العالمين.  


الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين...
أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون؛ هكذا كانت المساجد في الإسلام محل عناية ورعاية، وتطهير وتطييب، وعلى هذا الطريق سار صالح الأمة صغارهم وكبارهم، فلا ترى في سيرهم إلا كلَّ حسن وجميل, وقد استمر هذا الأمر حتى ضعفت العقول، وتأثرت بقبيح المنقول، فغلب الجهل، وقلَّ الفهم، فتجد من الصغار من تأثر بالكبار فجاء إلى المسجد على أسوأ حال في هيئته ورائحته، وأحيانا بالسراويل القصيرة (الشرط) متأثراً بمن حوله كأبيه وأخيه في عدم الاهتمام بشأن الصلاة والمصلين والملائكة المقربين، كما قيل:
وينشأ ناشئ الفتيــان منــا  ***  على مـا كـان عـوده أبـوه
فاختلت الموازين والمفاهيم، واحتلت الأوساخ والروائح الكريهة المساجد، نتيجة لقلة الوعي بأحكامها وآدابها عند كثير من المصلين اليوم.
وإن إحياء أهمية الصلاة, ومكانة المسجد لدى الناس مسئولية الجميع، لا يمكن أن تغرس في النفوس إلا بتظافر جهود المخلصين من مربين ومعلمين, ودعاة ومرشدين, عبر الكلمة الصادقة, والتوجيه السديد, والقصة المؤثرة، وحتى الحوافز المادية بالنسبة للصغار، ولمن له عقل الصغار من الكبار.
ألا فاتقوا الله عباد الله وأكثروا من الصلاة والسلام على الرسولﷺ...



أئمة مروك_ عبد الله بنطاهرالتناني السوسي ,


المطلوب بعدالإستفادةمن الخطبة 

يقول شيخنا  أمران:
1) الدعاء لي -بعد الإخلاص- عن ظهر الغيب.
2) غض البصر -بعد الإصلاح- عما فيها من العيب.

تاريخ ومكان إلقائها 
: 11 صفر 1438هـ االموافق لـ 11 / 10 /2016م. المسجد التابع لمدرسة الإمام البخاري / اكادير_المملكة المغربية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا