خطبة جمعة مكتوبة جريمة قتل إمام مسجد - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

خطبة جمعة مكتوبة جريمة قتل إمام مسجد

أئمة مروك ــ عبدالله بنطاهرالتناني

 حبدا لوخصصناموضوع خطبة الغد ان شاء الله تضامنا مع سي سعيد بلحسن المرحوم 
الذي سقط ضحية الإجرام والسرقة بنواحي تارودانت هذا الأسبوع  خطبة بعنوان: جريمة قتل إمام مسجد

خطبة من تأليف سيدي عبد الله بنطاهر التناني
تاريخ إنشائها وليس إلقائها:
21
ربيع الأخير 1436 هـ 11 / 02 / 2015 م 
هذه خطبة بالمناسَبة، طلبها مني بعض الأئمة بنواحي مدينة تارودانت، لعلها تكون مناسِبة لمن أحب أن يستأنس بها، أو يوظفها بعد أن ينظفها، فينقحها من أخطائي ليلقحها بأفكاره والرجاء منه أمران:
1)
الدعاء لي -بعد الإخلاص- عن ظهر الغيب.
2)
غض البصر -بعد الإصلاح- عما فيها من العيب.

الحمد لله الذي أكرم هذا الإنسان في الدنيا بالمحافظة على الأمن والأمان، فطوبى لمن أحسن في ذلك وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان، وويل لمن ضيعه فباء بالخيبة والخسران، وأشهد أن لا إله إلا الله الكريم المنان، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المبعوث ليتمم مكارم الأخلاق فكان خلقه القرآن، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الذين بشروا بهذا الدين حتى انتشر في كل زمان ومكان، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم القسط والميزان.
أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون! أوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله وطاعته.
تناقلت وسائل الإعلام هذا الأسبوع خبر جريمة نكراء ذهب ضحيتها إمام مسجد بنواحي تارودانت؛ حيث تم العثور على جثته في مسجده مشدوخة الرأس، قد تعرض لطعنات بالسلاح الأبيض وآثار العنف ظاهرة عليه، وهو إمام يتيم الأبوين، وقد أخبرنا من عرفه بأنه يعرف بالصمت والحكمة، لم يكن ثرثارا ولا يجادل، كلامه فيه كثير من الهدوء.
ففي صبيحة يوم السبت حيث يعقد اللقاء المعلوم بتأطير الأئمة مرتين في الشهر، وهو اللقاء العلمي الذي يؤطر الأئمة ويساعدهم لتأدية مهامهم، وتشرف عليه وزارة الأوقاف، وكان المرحوم يخرج إلي هذا اللقاء بعد صلاة الصبح مباشرة لبعد المسافة التي يقطعها إلي المكان الذي يعقد فيه؛ إلا أنه هذه المرة قد تأخر في الخروج فقصد المجرمون مسجده ليسرقوا ما عنده في البيت، فلما دخلوا وجدوه لم يخرج بعد، ولما خافوا أن يفضحهم وضعوا حدا لحياته. حسبنا الله ونعم الوكيل، إنا لله وإنا إليه راجعون...
إن هذا الحدث الإجرامي البشع، لتعد سلوكا أرعن، وعملا مستهجنا ومدانا ومرفوضا شرعا وعقلا وعرفا، لا يتصور صدوره إلا عن أنفس شريرة شرهة شاردة، مشبعة بالحقد وكراهية الحياة والخير، ولا يمكن إلا أن توسم بالبغي والعدوان، وتدرج في خانة الإجرام والإفساد؛ فقد ذهب ضحيته نفس بريئة معصومة، وانتهكت فيها حرمات محفوظة مصونة لبيت من بيوت الله... إنها جريمة تحمل في أحشائها عدة جرائم نكراء، ومفسدة في طياتها عدة مفاسد خطيرة؛ فقد كانت في البداية جريمة سرقة، ثُم أفضت إلى جريمة قتل، وقتل إنسان أي كان كافرا أو مسلما جريمة نكراء، وأكبر منها جريمة قتل المسلم، وأكبر منها جريمة قتل المسلم الحامل لكتاب الله، وأكبر منها جريمة قتل المسلم الحامل لكتاب الله وهو إمام مسجد، وأكبر منها جريمة قتل المسلم الحامل لكتاب الله وهو إمام مسجد يستعد للخروج لطلب العلم في اللقاء التأطيري المعروف؛ هؤلاء المجرمون لم يقتلوا شخصا فقط؛ بل قتلوا الإنسان المسلم الحامل لكتاب الله وهو إمام مسجد وطالب علم.
وديننا الحنيف ينظر إلى حياة الإنسان نظرة قداسة واحترام، فيعظم قتل النفس وإحياءها في القلوب؛ ترهيبا عن التعرض لها وترغيبا في حفظها، ويعتبر قتل نفس واحدة ظلما وعدوانا جريمة ضد الإنسانية جمعاء، كما يعتبر إحياء نفس واحدة واستنقاذها من الهلاك بمثابة إحياء للبشرية جمعاء، قال تعالى: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الارْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}، ولا غرو فإن قتل النفس من أفحش الذنوب الموبقات، ومن أشنع المعاصي المهلكات؛ بل إنها من أكبر الكبائـر، وفي الحديث قال رسول الله: «اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات».
وإذا كان قتل النفس عموما بغير حق أمرا منكرا ومحرما في ديننا، فإن قتل النفس المسلمة أشد حرمة وأعظم نكـرا! إنهـا ليست جريمة قتـل نفس معصومة فقط؛ بل إنها أيضا جريمة قتل للوشيجة القوية العظيمة بين المسلم وأخيه المسلم! إنها تنكر للعقيدة والقيم! توعد الله سبحانه مرتكبها بعقوبات شديدة، فقال: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}، وقال الرسول: «لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم»، وقال: «لو أن أهل السماوات وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن، لأكبهم الله في النار»، ونظر ابن عمر يوما إلى الكعبة المشرفة فقال: «ما أعظمك وأعظم حرمتك! والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك».
وهذا أسامة بن زيد رضي الله عنهما كان في ساحة المعركة، ولحق بأحد أفراد جيش العدو، وكان مشركا، فلما ظفر به قال المشرك: "لا إله إلا الله"؛ ومع ذلك طعنه أسامة فقتله، متأولا بأنه ما نطق بكلمة التوحيد إلا خوفا. فلما بلغ ذلك النبي قال لأسامة مستنكرا: «أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟!» ولم يقبل عذره، وإنما صار يكرر عليه ذلك، قال أسامة: «حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم».
بل ديننا الحنيف يحرص كل الحرص على قطع جميع أسباب سفك الدماء المحقونة، وعلى القضاء على كل السبل التي قد تفضي إلى إزهاق الأرواح المعصومة، فينهى عن تشهير السلاح في وجه المسلم، وعن ترويعه وتخويفه بأية وسيلة ولو على سبيل المزاح؛ قال النبي: «لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح؛ فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزغ في يده فيقع في حفرة من النار» وفي رواية «من أشار إلى أخيه بحديدة، فإن الملائكة تلعنه...»، ونام رجل من الصحابة فأفزعه أحدهم فاستيقظ فقال النبي: «لا يحل لمسلم أن يروع مسلما». ونهى عن حمل السلاح في المساجد، أو في الأسواق، أو في مجامع الناس إلا بعد تأكد صاحبه من عدم وجود ضرر على الغير بحمله، خشية أن يؤذي مسلما.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين والحمد لله رب العالمين.



الحمد لله رب العالمين
أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون؛
إن الشهيد في الإسلام على ثلاثة أقسام: الأوّل شهيد الدّنيا والآخرة، والثّاني شهيد الدّنيا فقط، والثّالث شهيد الآخرة فقط.
أما شهيد الدّنيا والآخرة؛ فهو الّذي يُقْتَل في قتال مع الكفّار المعتدين الظالمين، -مثل الصهاينة والاستعمار- لتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الّذين كفروا هي السّفلى، دون غرض من أغراض الدّنيا؛ فهذا لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه؛ لأنه حي بنص القرآن الكريم: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الله أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}.
وأمّا شهيد الدّنيا فقط؛ فهو من قُتل في قتال ضد عدو ظالم كافر؛ لكنه قاتل وفي نيته تحقيق غرض من أغراض الدنيا، فهذا أيضا لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه؛ لأننا نحكم عليه حسب الظاهر من عمله وسيرته في الدنيا، أما أمر نيته وسريرته فهي إلى الله في الآخرة.
وأمّا شهيد الآخرة فقط؛ فهو المقتول ظلما وعدوانا من غير قتال، أو من قتل غدرا، وكذلك كل من مات بمرض مزمن كالطاعون أو السرطان أو غيرها، أو مات بالغرق أو بالحرق أو بالزلازل، أو مات في حادثة سير، أو مات في الغربة كطالب العلم إذا مات في طلبه العلم، أو المرأة التي ماتت أثناء الولادة، فكل هؤلاء يعتبرون في الإسلام شهداء الآخرة فقط، فهم يغسلون ويكفنون ويصلى عليهم، يقول رسول الله: «الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغرق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله»؛ ويقول: «مَنْ قُتلَ دُونَ مالهِ فهو شهيد، ومَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فهو شهيد، ومن قتلَ دون دِينه فهو شهيد، ومن قُتلَ دُونَ أهْلهِ فِهو شهيد».
وإذا علمنا أن الموت لا بد منه، وأنه باب كل الناس داخله، وأن كل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوم على آلة حدباء محمول، وأن من لم يمت بالسيف مات بغيره تعددت الأسباب والموت واحد، وإذا كان حسن الخاتمة هو الهدف الأسمى المنشود في حياة المسلم؛ فإن هذا الإمام قد لقي ربه بعد أدائه لصلاة الفجر، وهو يستعد لطلب العلم في اللقاء التأطيري، والرسول يقول: «مَن سَلَكَ طريقا يَلْتَمِسُ فيه علما سهَّلَ الله له طريقا إِلى الجنة»، رحمه الله رحمة واسعة وإنا لله وإنا إليه راجعون...
ألا فاتقوا الله عباد الله وأكثروا من الصلاة والسلام على رسول الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا