موضوع الزواج ج 2 حُسْنُ الِاخْتِيَارِ ، خَيْرُ مِعْيَارٍ
من اعداد فضيلة الأستاذ : رشـيـد الـمعاشي
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحَلَّ النِّكَاحَ، وَحَرَّمَ الْبِغَاءَ وَالسِّفَاحَ، وَخَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً، وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لَمْ يَزَلْ بِعِبَادِهِ لَطِيفًا خَبِيراً، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اِقْتَفَى أَثَرَهُمْ صَلَاةً وَتَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ:
حَدِيثُنَا سَيَتَوَاصَلُ وَإِيَّاكُمْ – بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى - فِي مَوْضُوعِ الزَّوَاجِ، وَخُلَاصَةُ مَا ذَكَرْنَا فِي الْجُمُعَةِ الْمَاضِيَةِ: أَنَّ الزَّوَاجَ مِيثَاقُ تَرَاضٍ وَتَرابُطٍ شَرْعِيٍ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ عَلَى وَجْهِ الدَّوَامِ، غَايَتُهُ الْإِحْصَانُ وَالْعَفَافُ وَإِنْشَاءُ أُسْرَةٍ مُسْتَقِرَّةٍ بِرِعَايَةِ الزَّوْجَيْنِ. وَهُوَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِلْقَادِرِ عَلَيْهِ، وَقَدْ يَكُونُ وَاجِبًا إذَا خَافَ الْمُسْلِمُ عَلَى نَفْسِهِ الْوُقُوعَ فِي الْحَرَامِ، كَمَا أَنَّهُ عِبَادَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَبَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الرِّزْقِ، وَوَسِيلَةٌ لِلتَّرَابُطِ بَيْنَ أَفْرَادِ الْمُجْتَمَعِ، وَصِيَانَةٌ لَهُ مِنَ الْأَوْبِئَةِ وَالْأَمْرَاضِ، أَمَّا الْيَوْمَ فَسَيَكُونَ عُنْوَانُ خُطْبَتِنَا لِهَذَا الْيَوْمِ الْمُبَارَكِ السَّعِيدِ هُوَ: حُسْنُ الِاخْتِيَارِ، خَيْرُ مِعْيَارٍ، وَسَنُسَلِّطُ الضَّوْءَ عَلَى هَذَا الْعُنْوَانِ مِنْ خِلَالِ ثَلَاثَةِ عَنَاصِرَ:
الْعُنْصُرُ الْأَوَّلُ: حُسْنِ اخْتِيَارِ الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ، فَقَدْ أَكَّدَ دِينُ الْإِسْلَامِ عَلَى ضَرُورَةِ اخْتِيَارِ الزَّوْجَةِ الصَّالِحَةِ، لِأَنَّهَا أَسَاسُ بِنَاءِ الْأُسْرَةِ، وَمَظِنَّةُ الْوَلَدِ الصَّالِحِ، مِنْ أَجْلِ أَنْ تَكُونَ أُمّاً مُرَبِّيَةً تَقِيَّةً طَاهِرَةً عَفِيفَةً، تُعِينُ زَوْجَهَا عَلَى تَرْبِيَةِ الْأَوْلَادِ تَرْبِيَةً صَالِحَةً، رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ.
كَمَا أَنَّ الزَّوْجَةَ الصَّالِحَةَ هِيَ أَسَاسُ سَعَادَةِ الْأُسْرَةِ بِأَكْمَلِهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً... وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: أَرْبَعٌ مِنَ السَّعَادَةِ... فَذَكَرَ مِنْهَا: الْمَرْأَةَ الصَّالِحَةَ... وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ ﷺ قَالَ: الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ. فَالْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ دُرَّةٌ ثَمِينَةٌ بَيْنَ النِّسَاءِ، يَتَمَنَّاهَا كُلُّ الرِّجَالِ الْعُقَلَاءِ، رَغْبَةً فِي خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَدَارِ الْبَقَاءِ.
الْعُنْصُرُ الثَّانِي: حُسْنُ اخْتِيَارِ الزَّوْجَةِ لِزَوْجِهَا، فَيَنْبَغِي لِلْمَرْأَةِ وَوَلِيِّهَا التَّأْكِيدُ عَلَى ضَرُورَةِ تَوَفُّرِ الدِّينِ وَالْأَخْلَاقِ فِي كُلِّ مَنْ يَتَقَدَّمُ لِخِطْبَتِهَا، لِأَنَّ صَاحِبَ الدِّينِ وَالْأَخْلَاقِ إِذَا أَحَبَّهَا أَكْرَمَهَا، وَإِذَا أَبْغَضَهَا لَم يُهِنْهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ... وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلاَّ تَفْعَلُواْ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ. فَالْمَرْأَةُ تُعْتَبَرُ أَسِيرَةً عِنْدَ الرَّجُلِ،
كَمَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ الأَحْوَصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: اِسْتَوْصُواْ بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ. أَيْ: أَسِيرَاتٌ عِنْدَكُمْ، وَهِيَ مُرْهَفَةُ الْمَشَاعِرِ وَالْأَحَاسِيسِ, لَا تَحْتَمِلُ رَجُلاً دَنِيئاً فِي الصِّفَاتِ وَالْأَخْلَاقِ، يُؤْذِيهَا فِي نَفْسِهَا وَمَشَاعِرِهَا بِالْبَذِيءِ مِنَ الْعِبَارَاتِ وَالسَّاقِطِ مِنَ الْقَوْلِ، فَجُلُّ مَا نَرَاهُ الْيَوْمَ فِي مُجْتَمَعِنَا مِنْ مَشَاكِلِ الزَّوَاجِ إِنَّمَا هُوَ بِسَبَبِ عَدَمِ اخْتِيَارِ الزَّوْجِ الْمُنَاسِبِ، حَيْثُ يَتِمُّ الِاخْتِيَارُ عَلَى أَسَاسِ الْمَالِ أَوِ الْجَاهِ أَوِ الْجِمَالِ أَو غَيْرِهَا، وَيَتِمُّ غَضُّ الطَّرْفِ عَنِ الْأَسَاسِ الْأَهَمِّ فِي تِلْكَ الْمُعَادَلَةِ كُلِّهَا، أَلَا وَهُوَ الدِّينُ وَالْخُلُقُ.
نَفَعَنِي اللَّـهُ وَإِيَّاكُمْ بِكِتَابِهِ الْـمُبِينِ، وَبِسُنَّةِ نَبِيِّهِ الْمُصْطَفَى الْكَرِيمِ، وَجَعَلَنِـي وَإِيَّاكُمْ مِنَ الذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ آمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْـحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
اَلْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَليُّ الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، سَيِّدُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرينَ، صَلَّى اللَّـهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَمَنِ اقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ:
الْعُنْصُرُ الثَّالِثُ: ثَمَرَةُ حُسْنِ الِاخْتِيَارِ، فَالِاخْتِيَارُ عَلَى أَسَاسِ الدِّينِ وَالْأَخْلَاقِ يَعُودُ بِفَوَائِدَ عَظِيمَةٍ لَيْسَ عَلَى الزَّوْجَيْنِ فَحَسْبُ، بَلْ عَلَى الْمُجْتَمَعِ وَالْأُمَّةِ بِأَسْرِهَا، فَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلزَّوْجَيْنِ فَتَتَحَقَّقُ لَهُمَا تِلْكَ الْآيَةُ الْعَظِيمَةُ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، وَهِيَ السَّكَنُ وَالْمَوَدَّةُ وَالرَّحْمَةُ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ.
وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُجْتَمَعِ وَالْأُمَّةِ فَصَلَاحُ الزَّوْجَيْنِ صَلَاحٌ لِلْأَوْلَادِ، وَصَلَاحُ الْأَوْلَادِ صَلَاحٌ لِلْمُجْتَمَعِ، وَصَلَاحُ الْمُجْتَمَعِ صَلَاحٌ لِلْأُمَّةِ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّ الْأُسْرَةِ هِيَ الْمِحْضَنُ الطَّبِيعِيُّ الَّذِي يَتَوَلَّى حِمَايَةَ الْأَوْلَادِ وَرِعَايَتَهُمْ وَتَنْمِيَةَ أَجْسَادِهِمْ وَعُقُولِهِمْ وَأَرْوَاحِهِمْ، وَمِنْهَا يَتَشَرَّبُونَ مَكَارِمَ الْخِصَالِ، فَيَكُونُونَ غَرْسًا صَالِحًا مُثْمِرًا نَافِعًا لِنَفْسِهِ وَوَالِدَيْهِ وَمُجْتَمَعِهِ، كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ، تُؤْتِي أُكْلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا، وَصَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمِ الْقَائِلُ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ: وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ.
فَاتَّقُواْ اللَّهَ – أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْأَخْيَارُ -، وَأَحْسِنُواْ عِنْدَ الزَّوَاجِ الِاخْتِيَارَ، تَسْعَدُواْ فِي الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِلْعَزِيزِ الْغَفَّارِ، وَلِلْحَدِيثِ بَقِيَّةٌ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
اَلدُّعَاءُ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا