وقفات مع ذكرى تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

وقفات مع ذكرى تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال

إعداد فضيلة الاستاذ:محمد زراك

الجمعة 4 جمادى الآخرة 1443هـ الموافق لـ 7 يناير 2022

الحمد لله الذي من علينا ببلد من خيرة البلاد، وأنعم علينا بنعمة السلام والخير زرقا للعباد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكريم الجواد، نسأله سبحانه وتعالى النصر في الحياة الدنيا ويوم التناد، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله خير العباد، كان أشجع الناس في ساحة الحرب والجهاد، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أولي الهدى والرشاد، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم المعاد { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}

أما بعد فيا معشر المسلمين والمسلمات؛ إننا نعيش في بلدنا السعيد هذا، في خير وأمن وأمان، وطمانينة وسلام -والحمد لله- ولو رجعنا بالزمان إلى الوراء قليلا، لوجدنا أن هذا الخير بسبب تضحيات السابقين وجهادهم بأموالهم وأنفسهم، عرف حقهم من عرفه وجهله من جهله.

وإننا في هذه الأيام تحل بنا ذكرى جليلة، من تاريخ بلادنا السعيدة، ذكرى  تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، ذكرى تشتمل أحداثها على الكثير من الدروس والعبر، نحن في حاجة إلى التذكير بها والاستفادة منها.

فقبل عشرات السنين شاءت إرادة الله تعالى أن يُبتلى المغرب بالاستعمار الظالم، الذي سلب للناس حقوقهم وأموالهم، وأرضهم وأملاكهم واعتدى على حرماتهم،مما دفع الناس إلى المقاومة والجهاد، فتتابعت الحروب والمعارك في شتى أنحاء المغرب، في جبال الريف والأطلس المتوسط والكبير، والصحراء المغربية، معارك سقط فيها الشهداء تلو الشهداء.

وفي تاريخ 11 يناير 1944 انتقل الجهاد من ساحة المعارك إلى الساحة السياسية، حيث تقدمت الحركة الوطنية، إلى سلطات الاستعمار بوثيقة تضمنت المطالبة بحصول المغرب على الاستقلال، تحت سيادة ملك البلاد آنذاك محمد الخامس طيب الله ثراه، وقام بتوقيعها ستة وستون شخصية مغربية، منهم العلماء والأطباء والإداريون، والأساتذة والتجار والحرفيون ، وثيقة مهدت الطريق لتتمتع الدولة المغربية بعد سنوات بحريتها وسيادتها الوطنية.

عباد الله نقف بكم أربع وقفات مع هذا الحدث التاريخي العظيم. 

الوقفة الأولى؛ نتعلم منها درس عدم قبول الظلم: لاحظنا أن المستعمر غايته استغلالُ خيرات البلاد، وهذا ظلم وعدوان لم يقبله الآباء والأجداد، بل واجهوه بكل ما أوتوا من قوة وايمان، لأن تعاليم الإسلام تنهى عن الاستسلام للظلم والسكوت عنه، وتدعو الى رفعه ونصرة المظلوم والأخذ على يد الظالم، فعن أنس  قال: قال رسول الله ﷺ «انصر أخاك ظالما أو مظلوما» فقال رجل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلوما، أفرأيت إذا كان ظالما كيف أنصره؟ قال: «تحجزه، أو تمنعه، من الظلم فإن ذلك نصره» 

الوقفة الثانية؛ نتعلم منها درس الجهاد في سبيل الله: فأسلافنا جاهدوا الأعداء دفاعا عن الدين والوطن، لكن أعداء الوطن ما زالوا حتى اليوم ينشرون الفتنة تشويشا على مصالح البلد، كل ذلك بسبب الحقد والحسد، غير أن عامة المغاربة غيرُ مطالبين بالجهاد يصدق عليهم قول الله تعالى{ وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ}  فالدولة اليوم قوية بإداراتها وأجهزتها واستخباراتها وجيوشها، لكن لا ينبغي أن ننسى أن هناك جهاداً آخرَ مطلوب من الجميع بل هو أفضل أنواع الجهاد، ألا وهو جهاد النفس لأن النفس تحب النوم والراحة، وتحب المال حبا شديدا، وتحب الشهوات والملذات، فأنت تجاهدها وتلزامها طاعة الله تعالى، وتقف على أخطائك فتصلحها، وعلى ذنوبك فتستغفر الله منها، يقول رسول الله ﷺ «المجاهد من جاهد نفسه في سبيل الله» 

الوقفة الثالثة؛ نتعلم منها  درس التضامن والتعاون: رأينا  التعاون في أسمى صوره عند توقيع وتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، تعاونا يُفرح الصديق ويحزن العدو، تعاونا يُذكرنا بتعاون الصحابة الكرام بقيادة رسول الله ﷺ في حفر الخندق، دفاعا عن المدينة من كيد أعدائهم من الأحزاب، وحمايةً لدينهم وأرضهم واموالهم وحرماتهم، حيث قسم النبي  الحفر بين الصحابة وجعل لنفسه نصيبا، لينتهي حفر الخندق في وقته المحدد، ومنع الأعداء من دخول المدينة، حتى جاءهم نصر الله تعالى وشتت شمل الظالمين قال تعالى { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا }

 وميادين التعاون لا تقتصر على ميادين حرب الأعداء فقط، بل تتسع لتشمل كل جوانب حياتنا، فكل عمل فيه مرضاة الله تعالى، وتتحقق به مصلحة خاصة أو مصلحة عامة، فهو من التعاون على البر والتقوى، كالصلح بين المتخاصمين والتعاون على قضاء حاجات الاخرين، وعلى نصرة مظلوم، وعلى تعليم العلم، وعلى العناية بالمساجد وغيرها، وكل عمل فيه اعتداء على الآخرين كالظلم وشهادة الزور وترويج المخدرات في المجتمع لإفساد شباب الأمة  فهو من التعاون على الاثم والعدوان، والله تعالى يقول {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}

 فاللهم انا نسألك أن تجعلنا جميعا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، نفعني الله وإياكم بالقران العظيم وبحديث سيد المرسلين وغفر لي ولكم ولسائر المسلمين اجمعين والحمد لله رب العالمين، ادعوا الله يستجب لكم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين.أما بعد فيا عباد الله؛

الوقفة الرابعة؛ نتعلم منها  درس حب الوطن،  فحب الوطن هو الذي دفع المجاهدين للتضحية بأموالهم وانفسهم تحريرا للوطن من الاستعمار، وحب الوطن فطرة الله التي فطر الناس عليها، وليس غريبا أن يحب الإنسان بلده الذي ولد فيه ونشأ على أرضه وعاش من خيراته، فهاهو رسول الله ﷺ لما أخرجه قومه من مكة بلده نظر إليها وقال «ما أطيبكِ من بلد، وأحبَّكِ إليَّ، ولولا أن قومي أخرجوني منكِ ما سكنتُ غيركِ»  

وإن المؤمن يحب بلده ويتعلق به ويخدمه بكل صدق وإخلاص رجاء الأجر والثواب عند الله تعالى يقول رسول الله ﷺ« سَبْعٌ يَجْرِي لِلْعَبْدِ أَجْرُهُنَّ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ، وهُو فِي قَبْرِهِ: مَنْ عَلَّمَ عِلْمًا، أَوْ كَرَى نَهْرًا، أَوْ حَفَرَ بِئْرًا، أَوْ غَرَسَ نَخْلا، أَوْ بَنَى مَسْجِدًا، أَوْ وَرَّثَ مُصْحَفًا، أَوْ تَرَكَ وَلَدًا يَسْتَغْفِرُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ» 

ولوتأملنا هذه الأعمال لوجدنا أنها اعمال تخدم مصلحة البلاد والعباد، هناك أعمال حسية كحفر الآبار وبناء المساجد وغرس الأشجار.

وهناك أعمال معنوية كتعليم العلم، وتربية أبنائنا تربية حسنة، من أجل إعداد جيل صالح للمستقبل، ومن عمل عملا من هذه الأعمال من الناس، فإن أجرها لا ينقطع بموتهم، فالحسنات تتوالى عليهم وهم في قبورهم، يرفع الله لهم بها الدرجات، ويحط عنهم الخطيئات.

عباد الله؛ فإذا وقفنا على دور الآباء والأجداد في خدمة الوطن فلا ننسى التذكير بجهود أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس، في مواصلة مسيرة أسلافه المنعمين، في الدفاع عن الوطن والدين، والسعي في كل وقت وحين، للنهوض بهذا البلد الأمين، في مختلف الميادين لنعيش في سلام وطمأنينة، ونَنْعم بحياة طيبة سعيدة،  فنسأل الله تعالى أن يديم له النصر والعز والتمكين.

هذا وأكثروا من الصلاة والسلام على النبي الأمين، فقد أمركم بذلك مولانا الكريم، إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت وسلمت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.

وارْضَ اللهم عن الأربعة الخلفاء الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة الأكرمين، خصوصا الأنصار منهم والمهاجرين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 اللهم وفق للخير أمير المؤمنين محمدا السادس، اللهم انصره نصرا عزيزا تعز به الدين، وتجمع به شمل المسلمين، اللهم بارك له في ولي عهده المولى الحسن، واشدد اللهم أزره بصنوه مولاي رشيد، واحفظه اللهم في جميع الأسرة الشريفة يارب العالمين.

اللهم أمطر شآبيب رحمتك وغفرانك، على الملكين المجاهدين المصلحين، محمد الخامس والحسن الثاني، اللهم قدس روحهما في أعلى عليين في جوار النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين.

اللهم ارحم جميع الشهداء وأسكنهم فسيح جناتك يارب العالمين

 اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمين ، وأذِلَّ الشرك والمشركين، وأَدِمْ عَلَى بلدنا الأَمْنَ والأَمَانَ وَعلَى سَائِرِ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ.

اللهم اسقِ عبادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت

اللّهم إنّا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحبّ المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا، ونسألك حبّك، وحبّ من يُحبّك، وحبّ كل عمل يقربنا إلى حبّك.

 اللَّهُمَّ إنا نسألكَ الجنةَ لنا ولوالدينَا، ولمَن له حقّ علينَا، وللمسلمينَ أجمعينَ.

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين 

هناك تعليقان (2):

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا