الإسلام دين الرحمة
من إعداد فضيلة الاستاذ: محمد زراك
الجمعة 26 جمادى الأولى 1443هـ الموافق لـ 31 ديسمبر 2021
الحمد لله الذي شمل برحمته كل الوجود، وخص بمزيد من الرحمة صاحب القلب الرحيم الودود، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الإله المعبود، إليه سبحانه وتعالى نرجع ونعود، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله صاحب الخلق المحمود، كان يرحم أصحابه ويعطف عليهم ويجود، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أهل التراحم المنشود، وعلى من تبعهم بإحسان إلى اليوم الموعود { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}
أما بعد فيا أيها المسلمون والمسلمات؛ إن دين الإسلام دين الرحمة، يدعو إليها ويثيب عليها أجرا عظيما، وينهى عن القسوة ويعذب عليها عذابا شديدا.
والمتمسك بالإسلام حقا وصدقا يفيض رحمة وعطفا، على كل من حوله، بدءا بأقرب الناس إليه من الوالدين والزوجة والأولاد والإخوة والأقارب والجيران، ومرورا بالأباعد من الأصحاب والفقراء والمساكين وسائر الناس، وانتهاء حتى برحمته للبهائم والطيور وغيرها.
وهذه الرحمة التي يفيض بها المتمسك بدينه منبعها إيمانه وقربه من الله تعالى، فكلما كان الإنسان قريبا من الله تعالى، رق قلبه وفاض رحمة وإحسانا، وعطفا وحنانا، كيف لا؟ وربنا سبحانه وتعالى رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما، ورحمته تسبق غضبه وعقابه، ولا يعجل للمخطئين العذاب، ولو أن ربنا يتعامل معنا بمبدئ العقوبة على كل معصية ما بقي واحد منا على هذه الأرض، يقول الله تعالى{ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى } فمن رحمة الله بنا أن يؤجل العقوبة ويؤخرَها، لعنا نرجع ونتوب، ونستغفره من كل المعاصي والذنوب.
وأقرب الناس على الإطلاق إلى الله تعالى رسول الله ﷺ ولذلك كانت علاقاته بالاخرين مبنية على الرحمة فيرحم كل الناس من حوله.
ولقد جاءه يوما قومٌ حُفاةٌ عُراة فقراء، فحزَن رسول الله ﷺ وتأثر وتغير وجهه؛ لِمَا رَأَى بهم من الفقر، فقام فخطب في الناس وأمرهم بالصدقة والإحسان وتلا قوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ } فقام رجلٌ من الأنصار فجاء بمال كثير، ثم تتابع الناس، حتى جمعوا الكثير من الطعام والثياب، ففرح رسول الله ﷺ وتهلَّل وجهه من الفرح والسرور.
هكذا ينبغي أن يكون عليه المؤمن يرحم الفقراء والمحتاجين، ويتألم إذا رأى أخاه في شدة وحاجة، ويسعى في قضاء حاجته، وعونه ومساعدته، ويفرح إذا رأى حاجته قد قضيت.
وكان لأهل بيته ﷺ حظ ونصيب من رحمته، فزوجات النبي ﷺ رضي الله عنهن أجمعين، من خير نساء العالمين، لكن طبيعتهن البشرية تدفعهن إلى الوقوع في الخطأ، بل قد تخطئ أحيانًا الواحدة منهن خطأ كبيرا أمام الناس، خطأ يؤذي رسول الله ﷺ ويسبب له الإحراج، كما فعلت احداهن لما أخذت إناء الطعام وضربت به الأرض أمام الضيوف خطأ كبير! لو حدث لواحد من عامة الناس فلن يتحمل ولن يصبر، بل سيغضب ويلومها، وربما قد يعاقبها بطلاقها؛
أما النبي ﷺ فرحمته بأهل بيته جعلته يرحم زوجته ويسامحها، ويقدر غيرتها ويعفو عن خطئها، وبهذا الموقف العظيم يعلمنا النبي ﷺ أن العلاقة الزوجية لابد أن تبنى على الرحمة، يتحمل أحد الزوجين الآخر، ويرحمان ويعفوان عن بعضهما، وأما السعي الى حساب الطرف الثاني على كل صغيرة وكبيرة، فحياة زوجية فاشلة لا تدوم ولا تطول.
عباد الله: رحمة النبي ﷺ شملت حتى الأعداء، فعندما ذهب إلى أهل الطائف يدعوهم إلى الإسلام، أغروا به سفهائهم وصبيانهم يضربونه بالحجارة حتى أصيب في رأسه ورجلاه تسيلان دما، فأرسل الله إليه ملك الجبال فقال له يا محمد:... إن شئت أن أُطْبِقَ عليهم الأخشبين [الجبلين ] فقال النبي ﷺ: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئا فتخيلوا -معاشر الصالحين- لو أن إنسانا أسيء إليه وأوذي بهذه الكيفية، ثم استؤذن أن يطبق على أعدائه الجبلين، لاختار أن يطبق عليهم الجبلين والشمس والقمر والسماء والأرض والبحار والانهار، بسبب نار الانتقام؛
أما رسول الله ﷺ «فإنه مَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ .. قَطُّ حَتَّى تُنْتَهَكَ حُرُمَاتُ اللَّهِ، فَيَنْتَقِمُ لِلَّهِ» ونحن لو كنا على هدي النبي ﷺ حقا وصدقا لطهرنا قلوبنا من الحقد والعداوة والانتقام، ورحمنا من آذانا وعفونا عمن ظلمنا ووصلنا من قطعنا.
عباد الله؛ رسول الله ﷺ هو قدوتنا في تطبيق تعاليم الإسلام، إلا أن كثيرا من الناس بعيدون عن هذه القدوة، انتزعت الرحمة منهم وقست قلوبهم فهي كالحجارة او أشد قسوة، كل من حولهم يشتكي منهم، الزوجة.. الابناء.. الجيران.. الاقارب.. وهذا النوع من الناس إذا مات »يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب» فإذا كان غير مرغوب فيه بين الناس في الدنيا، فإنه غير مرحب به في الجنة أيضا-
نسأل الله السلامة- فقد «عذبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت جوعا، فدخلت فيها النار» دخلتها بسبب قوسة قلبها على هذا الحيوان، فماذا بقي بعدها أن نقوله في حق من قسا قلبه على أبيه وامه، وزوجته وبنيه والضعفاء واليتامى والمساكين؟ لم يبق سوى أن ندعو لهم أن يغيث الله قلوبهم بالرحمة والإيمان، اللهم اجعلنا جميعا من عبادك الرحماء. نفعني الله وإياكم بالقران العظيم وبحديث سيد المرسلين وغفر لي ولكم ولسائر المسلمين اجمعين والحمد لله رب العالمين، ادعوا الله يستجب لكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين.
أما بعد فيا عباد الله؛ إن أول من ينتفع بالرحمة صاحبها فهو الذي ينتفع بها في الدنيا والآخرة.
فأما انتفاعه بها في الدنيا فإن الله يرحم من عباده الرحماء، ويرزقه محبة الناس فيحبه كل من حوله، لأن من طبيعة الناس أنهم يحبون الإنسان الرحيم، اللين العطوف الرقيق، ويكرهون الفظ الشديد، القاسي الغليظ، ولذلك امتن الله تعالى على رسوله ﷺ بأن جعله لينا رحيما مع الناس، فأحبوه واجتمعوا حوله، ولو كان فظا غليظا وليس في قلبه رحمة ولا شفقة، لكرهه الناس ولتفرقوا عنه، قال الله تعالى{ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}
وأما في الاخرة فإن الله تعالى يكرم الرحماء من عباده بدخول الجنة، يقول النبيُّ ﷺ «أَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلاَثَةٌ» - وذَكَرَ منهم: «رجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم» أي في قلبه رحمة ولين و شفقة على كل قريب وعلى كل مسلم. اللهم اجعلنا من اهل الجنة يارب العلمين.
هذا وأكثروا من الصلاة والسلام على النبي الأمين، فقد أمركم بذلك مولانا الكريم، {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت وسلمت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.
وارْضَ اللهم عن الأربعة الخلفاء الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة الأكرمين، خصوصا الأنصار منهم والمهاجرين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم وفق للخير أمير المؤمنين محمدا السادس، اللهم انصره نصرا عزيزا تعز به الدين، وتجمع به شمل المسلمين، اللهم بارك له في ولي عهده المولى الحسن، واشدد اللهم أزره بصنوه مولاي رشيد، واحفظه اللهم في جميع الأسرة الشريفة يارب العالمين. اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمين ، وأذِلَّ الشرك والمشركين، وأَدِمْ عَلَى بلدنا الأَمْنَ والأَمَانَ وَعلَى سَائِرِ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ.
اللّهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر. اللّهم إنّا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحبّ المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا، ونسألك حبّك، وحبّ من يُحبّك، وحبّ كل عمل يقربنا إلى حبّك.اللَّهُمَّ إنا نسألكَ الجنةَ لنا ولوالدينَا، ولمَن له حقّ علينَا، وللمسلمينَ أجمعينَ.
{ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين }
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا