حكم إلقاء السلام على المرأة الأجنبية وقبول صداقتها وقول المالكية في ذلك

لبسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه. 

سائلة كريمة تسأل: ما قول السادة المالكية في سلام الرجل على امرأة لا يعرفها؟ 

الجواب: قال ابن عبد البر: "اختلف السلف والخلف في السلام على النساء"(1)؛ وأقول: إن هذا الاختلاف يدور بين عموم النص وسد الذرائع. 

أما عموم النص فمنه ما ثبت في صحيح مسلم من حديث أم هانئ بنت أبي طالب أنها أتيت النبيﷺ وهو يغتسل فسلَّمتْ عليه(2). وما روى أبو داود والترمذي وابن ماجه عن أسماء بنت يزيد رضي اللَّه عنها قالت: «مرَّ علينا رسولُ اللَّهﷺ في نسوة، فسلَّم علينا»(3)؛ فهذا يدل بعموم النص على أن السلام على النساء جائز مطلقا. 

أما سد الذرائع فيحوم حول وجود الفتنة أو قصدها؛ لأن النبيﷺ حينما سَلَّم أو سُلِّم عليه كان مأمونا من الفتنة؛ لا يتصور منه شرعا وجودها ولا قصدها؛ لأنهﷺ معصوم من شرور النفس كما هو معصوم من شرور الناس.
أما غيرهﷺ فهو إما أن تكون الفتنة في حقه مأمونة وغير مقصودة، أو تكون غير مأمونة ولا مقصودة، أو تكون مقصودة وغير مأمونة؛ ولذلك يعتري السلامَ على المرأة الأحكامُ الثلاثة: الجواز، والكراهة، والحرام.

أولا: إذا كانت الفتنة مأمونة وغير مقصودة من كلا الطرفين فالسلام جائز وهو الأصل؛ وقد نص العلماء على هذا الجواز في الحالات التالية:

1) سلام زوجها ومحرمها عليها جائز؛ سواء أكانت جميلة أو متجالة.
2) من وثق من نفسه السلامة من الفتنة فليسلم وإلا فالصمت أسلم.
3) إن كن النساء جمعا سلم عليهن وإن كان واحدة فلا.
4) إن كانت المرأة عجوزا لا تشتهي جاز للأجنبي السلام عليها كما جاز لها السلام عليه ومن سلم منهما لزم الآخر رد السلام عليه. 

5) إن كانت بصحبة محرمها أو زوجها جاز السلام عليها(4).

ثانيا: إذا كانت الفتنة غير مأمونة وغير مقصودة من كلا الطرفين فالسلام على المرأة مكروه؛ وذلك إن كانت شابة جميلة أو عجوزا تشتهي، لم يسلم عليها الأجنبي ولم تسلم عليه ومن سلم منهما لم يستحق جوابا ويكره رد جوابه؛ قال ابن رشد الجد المالكي: "ويكره السلام على المرأة الشابة ولا بأس به على المتجالة"(5).

ثالثا: إذا كانت الفتنة مقصودة لسوء النية من الطرفين أو من أحدهما؛ سواء كانت مأمونة، أو غير مأمونة فالسلام على المرأة حرام؛ لأن ما أدى إلى الحرام فهو حرام، والله أعلم. وفي هذا يقول أمير الشعراء أحمد شوقي:
نظرة فابتسامة فسلام *** فكلام فموعد فلقاء

وهذه الأقسام الثلاثة تعتري أيضا (قبول الصداقة) بمصطلح الفيسبوكيين. بالنسبة للنساء؛ أعني أن الحرمة والكراهة والجواز تعتري قبول صداقة النساء في الفيسبوك؛ وخصوصا عند وجود الفتنة أو قصدها في الرسائل الخاصة بين الجنسين والله أعلم....
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
(1) الاستذكار لابن عبد البر: (ج8/ص466).
(2) صحيح مسلم: كتاب صلاة المسافربن: باب اسْتِحْبَابِ صَلاَةِ الضُّحَى...
(3) جامع الأصول في أحاديث الرسول لابن الأثير: (ج6/ص597).
(4) شرح النووي على مسلم: (ج14/ص149)، وفتح الباري لابن حجر: (ج11/ص34).
(5) المقدمات الممهدات لابن رشد الجد: (3/440).

عبد الله بنطاهر التناني السوسي
بعد صلاة العشاء من يوم الأحد
16 ربيع الأخير 1435هـ 16/2/ 2014م
مدرسة الإمام البخاري للتعليم العتيق أكادير المغرب.