حكم سَوْق الذبائح للأضرحة في المواسم - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

حكم سَوْق الذبائح للأضرحة في المواسم


بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه.
سائل يسأل: ما حكم ما نراه عندنا في المغرب من سوق الذبائح إلى الأضرحة لتذبح فيها؟
الجواب والله الموفق للصواب

من المسائل التي يصح التعبد بها لله تعالى شرعا الذبائح؛ وهي باعتبار التعبد تنقسم إلى قسمين:
الأول: الذبائح المطلقة غير المرتبطة بمكان معين؛ سواء كانت مرتبطة بالزمن؛ مثل الأضحية والعقيقة والوليمة، أو مطلقة عن الزمن؛ مثل مجرد الصدقة؛ فالتعبد بها جائز شرعا باتفاق العلماء؛ قال الله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}(1)، وقال النبيﷺ: «الغلام مرتهن بعقيقته، تذبح عنه يوم السابع ويسمّى ويُحلَق رأسُه»(2)، وقالﷺ: «أوْلِمْ ولو بشاة»(3).

الثاني: الذبائح المرتبطة بالمكان ويقصد التعبد بذبحها، وتسمى: الهدي؛ أي: ما يُهدى من النعم إلى فقراء الحرم المكي، على وجه الوجوب، أو التطوع تقربا إلى الله تعالى، وهو خاص بمكة سوقا وذبحا، ولا يجوز سوق الهدايا لغير مكة لأنه ضلال؛ لقوله تعالى: {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}(4)، وقوله تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ}(5)؛ وفي "المدونة" قال الإمام مالك: "سوق البدن إلى غير مكة من الضلال"(6).

ومن خلال هذا يتبين لنا أن كل سوق للهدايا والذبائح؛ قصد أن تذبح في مكان معين لا في غيره ما هو إلا الضلال؛ لأن التعبد بالسوق والذبح معا خاص بمكة؛ إذ لولا هذا التخصيص لسيقت آلاف الهدايا لمدينة الرسولﷺ ولقبره الشريف، ولم يقع ذلك عبر التاريخ.

وأما إذا قصد لحم الذبيحة، وفي أي مكان ذبحت فيه في موسم أو غيره، وذبحت باسم الله فلا حرج فيها، وإن كانت المسألة أيضا بهذا الشكل ترعى حول الحمى؛ فهي لا تنفك عن الشبهة على كل حال، والورع اجتنابها ما دام فيها السوق والذبح الخاصان بمكة؛ فالمسألة موكولة للقصد والنية، ولا يعلم ما تخفي الصدور إلا الله تعالى، ولهذا يصعب فيها الإنكار المطلق والإباحة المطلقة، والله تعالى يقول: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا}(7)، والنبيﷺ يقول: «إنما الأعمال بالنيات»(8).

والخلاصة: أن هذا السؤال يشتمل على مسألتين: مسألة الذبح، ومسألة سوق الذبيحة.
أما مسألة الذبح فإن كل ذبيحة لمسلم ذكر عليها اسم الله تعالى فهي حلال بغض النظر عن المكان الذي ذبحت فيه.
أما مسألة سوق الذبيحة لتذبح في مكان معين مثل ضريح أو شبهه -ما لم يكن مجزرة خاصة للذبح عادة- فهذا الفعل هو الضلال كما قال الإمام مالك رضي الله عنه؛ ولكن هذا الفعل الضلال لا يحرم أكل الذبيحة إذا ذكر عليها اسم الله تعالى.

وهكذا يجب أن نفرق بين الذبح والسوق ولكل حكمه، فمن فعل ذلك صحت ذبحه بذكر اسم الله عليها؛ ولكنه عصى بسوقه الذبيحة؛ وفي مثله يقول الفقهاء: "وعصى وصحت".
وهذا هو الوسط وأظنه الإنصاف؛ ولكن الإنصاف صعب والإجحاف سهل، حين تخضع النقول والعقول لمقتضيات الأهواء والبطون، وأنقل لكلا الطرفين؛ من المحرمين بإطلاق، والمجيزين بإطلاق قوله تعالى: {لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ}(9).

والله أعلم؛ هذا فإن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فسبحان الله.
الهامش:
(1) [الكوثر: 2]
(2) رواه أبو داود والنسائي والترمذي وصححه واللفظ له. انظر: جامع الأصول لابن الأثير: (7/ 497).
(3) رواه البخاري: كتاب النكاح: باب الوليمة ولو بشاة: رقم (5167)، ومسلم: كتاب النكاح: باب الصداق وجواز كونه تعليم قرآن وخاتم حديد: رقم (1427) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

(4) سورة البقرة، الآية: 195.
(5) سورة المائدة، الآية: 97.
(6) المدونة لمالك: 2/479، و3/91، ومواهب الجليل للحطاب: 3/340 ونقله الشيخ الدردير في شرحه الكبير: (2/171) بلفظ: "سوق الهدايا لغير مكة ضلال".
(7) سورة الإسراء الآية: 84.

(8) صحيح البخاري: كتاب بدء الوحي: باب كان بدء الوحي...: (1/3)، وصحيح مسلم: كتاب الإمارة: باب قولهﷺ: «إنما الأعمال بالنية» وأنه يدخل فيه الغزو وغيره من الأعمال، عن عمر رضي الله عنه: : (3/1515).
(9). [المائدة: 77].
خادمكم: عبد الله بنطاهر
26 جمادى الأخيرة 1439هـ 15 / 3 / 2018م.
مدرسة الإمام البخاري للتعليم العتيق أكادير المغرب.

هناك تعليقان (2):

  1. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الله من ذبح لغير الله وقال تعالى وما اهل لغير الله به

    ردحذف
    الردود
    1. صدق رسول الله صلى الله عليه عليه وسلم

      حذف

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا