دعوة إلى آداب الخلاف من خلال نظرة العلماء إلى الإحتفال بسيد الخلقﷺ
بسم الله وكفى والصلاة والسلام على رسوله المصطفى وبعد:
فهذه نصيحة إصلاحية، إخوتي الكرام اذا اتفقنا على أن الاجتهاد لا يلج حلبته الا من بلغ درجته ؛
فينبغي أن تكون المسائل التي تجري فيها أنظار المجتهدين خاصة بهم موكولة الى أنظارهم ، وكل منهم يُرجّح ما تجلى له من خلال ما ترسَّم من الأدلة والقواعد التي بنى عليها اجتهاده ، و يجب على المقلدة من العلماء وطلاب العلم أن يلزموا أدب الخلاف فيتقيدوا بقول من يثقون في علمه من المجتهدين دون استخفاف أو لمز أو نبز أو تشنيع أو تبديع إذ ليس لهم الحق في الترجيح كما يحرم عليهم التبديع و التجريح.
ومن المسائل الجزئية المقلقة مسألة الاحتفال بالمولد ذات الجدل المتواصل والحروب الباردة و الساخنة كل عام بين المقلدين، فمع الأسف كلما دخل ربيع الأول بدأ التحذير والتبديع من طائفة، و التخوين و التحقير من الطائفة الاخرى. فضاعت أخوة الاسلام، وشُحنت النفوس بالعداوة والخصام، وتحقق المراد للأعداء الكفرة اللئام ، وَ الحقيقة أنها مسألة دائرة لدى المجتهدين بين المنع والجواز ، فالمانعون يعتبرون الاحتفال بدعة شرعية و يطالبون بدليل خاص عليها لأنها لم تفعل في القرون المفضلة.
والمجوزون يرونها بدعة حسنة معللين أن فيها إظهارا لشكر الله على نعمة النبوة ولاشتمالها على محاسن عديدة كما سنذكر عن الحافظ ابن حجر والامام أبي شامة ، لكن بالضوابط الشرعية ، بأن يقيد هذا الاحتفال بقراءة القرءان والسيرة وأشعار المدح التي لا غلو فيها و لا إطراء شكرا لله على نعمة النبوة، وأن تُجتنب جميع المظاهر المصاحبة للاحتفال المخالفة للشرع.
وسأنقل بهذا الصدد على وجه الاختصار فتوى للإمام ابن حجر ذكرها السيوطي في حسن المقصد في ادب المولد وفي كتابه الحاوي للفتاوي (1/229) وأُثَني بأخرى للإمام أبي شامة وبثالثة منصفة لشيخ الإسلام ابن تيمية أنقلها نصيحة للفريقين لتتسع صدور الجميع، وان كان كلام العلماء المجوزين لهذه النازلة كثيرا مشهورا،
قال السيوطي : :و سئل شيخ الإسلام حافظ العصر أبو الفضل ابن حجر عن عمل المولد، فأجاب بما نصه : أصل عمل المولد بدعة ، لم تنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة، ولكنها مع ذلك قد اشتملت على محاسن وضدها، فمن تحرى في عملها المحاسن ، وتجنب ضدها : كان بدعة حسنة ؛ وإلا فلا . قال : وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت ، وهو ما ثبت في الصحيحين من أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة ، فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسألهم فقالوا : هو يوم أغرق الله فيه فرعون ، ونجى موسى ؛ فنحن نصومه شكرا لله تعالى.
قال: فيستفاد منه فعل الشكر لله على ما مَنّ به في يوم معين ، من إسداء نعمة أو دفع نقمة، ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة . والشكر لله يحصل بأنواع العبادة ، كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة ؛ وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي نبي الرحمة في ذلك اليوم ؟ ...
قال : فهذا ما يتعلق بأصل عمله .وأما ما يعمل فيه :
قال : فهذا ما يتعلق بأصل عمله .وأما ما يعمل فيه :
فينبغي أن يقتصر فيه على ما يفهم به الشكر لله تعالى ، من نحو ما تقدم ذكره من التلاوة والإطعام والصدقة ، وإنشاد شيء من المدائح النبوية والزهدية المحركة للقلوب إلى فعل الخير والعمل للآخرة .وأما ما يتبع ذلك من السماع واللهو وغير ذلك : فينبغي أن يقال: ما كان من ذلك مباحا بحيث يقتضي السرور بذلك اليوم : لا بأس بإلحاقه به، وما كان حراما أو مكروها فيمنع، وكذا ما كان خلاف الأولى.انتهى كلامه.
وقال الامام ابو شامة وهو من شيوخ الامام النووي : ومن أحسن ما ابتُدِع في زماننا ما يُفعل كل عام في اليوم الموافق ليوم مولده صلى الله عليه وسلم من الصدقات والمعروف واظهار الزينة والسرور فإن ذلك مع مافيه من الاحسان للفقراء مُشعر بمحبته صلى الله عليه وسلم وتعظيمه في قلب فاعل ذلك وشكرا لله على ما من به من ايجاد رسوله الذي أرسله رحمة للعالمين , انظرالباعث على انكار البدع والحوادث.
قلت: و مع أن شيخ الاسلام ابن تيمية يرى الاحتفال بدعة شرعية إلا أنه عوّدنا الانصاف دائما حيث يرى أن من حسُنَت نيته في ذلك محبةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيما للنبوة يكون له في ذلك أجر حيث يقول في اقتضاء الصراط المستقيم : فتعظيم المولد واتخاذه موسما قد يفعله بعض الناس ويكون له فيه أجر عظيم لحسن قصده وتعظيمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وانظر مصنفات العلماء التي كتبت في هذا الموضوع: مثلَ كتاب (حُسن المقصد في أدب المولد) للسيوطي وغيره لترى كيف يدير العلماء الخلاف بينهم في هذه النازلة.
ومقصودنا بث روح ثقافة الخلاف بين المقلدين والحرص على الأصول الكلية ومن أعظمها أخوة الاسلام وعدم تذويبها وتضييعها في دائرة المسائل الاجتهادية.
محبكم : الحسن الشنقيطي المغربي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا