بحث حول مسألة اجتماع العيد والجمعة وتوجيه المالكية فيها
أئمة مروك - إعداد : د. قاسم اكحيلات
الحمدلله لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وسلم
وبعد :
اختلف العلماء إذا اجتمعت الجمعة والعيد، هل تسقط الجمعة؟. خلاف على أكثر من ثمانية أقوال أشكلها ثلاثة :
القول الأول : لا تسقط الجمعة وهي واجبة في حق كل مسلم، وهذا قول الحنفية، قال ابن عابدين:"أما مذهبنا فلزوم كل منهما. قال في الهداية ناقلا عن الجامع الصغير: عيدان اجتمعا في يوم واحد فالأول سنة والثاني فريضة ولا يترك واحد منهما".(الرد المختار).
وهو أيضا مذهب مالك، جاء في المدونة:"ما قول مالك إذا اجتمع الأضحى والجمعة أو الفطر أو الجمعة فصلى رجل من أهل الحضر العيد مع الإمام ثم أراد أن لا يشهد الجمعة، هل يضع ذلك عنه شهوده صلاة العيد ما وجب عليه من إتيان الجمعة؟. قال: لا وكان يقول: لا يضع ذلك عنه ما وجب عليه من إتيان الجمعة".
واستدلوا :
- قال ربنا{يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله}. وهذا الأمر عام بدليل قطعي ولا دليل على تخصيصه.
ورد عليهم أن هذا الدليل قد خصص بما سيأتي، قال الصنعاني:" يصلح للتخصيص فإنه يخص العام بالآحاد".(سبل السلام).
ورد عليهم أن هذا الدليل قد خصص بما سيأتي، قال الصنعاني:" يصلح للتخصيص فإنه يخص العام بالآحاد".(سبل السلام).
-قال صلى الله عليه وسلم:"الجمعة حق واجب على كل مسلم".(صحيح رواه أبو داود).
فالجمعة واجبة وصلاة العيد سنة فيقدم الواجب على المسنون، وما ذكرتم لا نظير له في الشرع.
فالجمعة واجبة وصلاة العيد سنة فيقدم الواجب على المسنون، وما ذكرتم لا نظير له في الشرع.
ورد عليهم بأنه على فرض القول بسنية صلاة العيد فلا بد لكم من دليل يمنع تخصيص سقوط الجمعة بالعيد. أما النظير فقد قال ابن تيمية:"ولا يجوز إثبات مالا نظير له إلا بنص".(الصارم المسلول). والنص ظاهر.
- عن النعمان بن بشير قال:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيدين، وفي الجمعة ب{سبح اسم ربك الأعلى}، و{هل أتاك حديث الغاشية}. قال: وإذا اجتمع العيد والجمعة، في يوم واحد، يقرأ بهما أيضا في الصلاتين".(مسلم).
فهذا حديث صحيح، بين الدلالة أن الجمعة والعيد كانا إذا اجتمعا في يوم واحد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، صلى الصلاتين كليهما، كل واحدة منهما في وقتها، ولم يترك واحدة منهما بفعله الأخرى.(اللمعة ببيان أن صلاة العيد لا تجزئ عن صلاة الجمعة.أبو محمد السكندري).
ورد عليهم بأن غاية ما في الرواية فعله صلى الله عليه وسلم، ونحن لا نختلف معكم في فعلها وإنما الخلاف في سقوطها.
- هما صلاتان واجبتان-على القول بوجوب صلاة العيد- لم تسقط إحداهما كالظهر مع العيد. ورد عليهم بان هذا منقوض بالظهر مع الجمعة فتسقط الظهر بالجمعة.(راجع:التنديد بمن أسقط الجمعة عن من صلى العيد.أبو الفضل الفلسطيني).
القول الثاني : لا حرج في ترك الجمعة وصلاة العيد تغني عنها لكن الإمام يقيمها لمن رغب في صلاتها وهو قول الحنابلة، قال ابن قدامة:"وإن اتفق عيد في يوم جمعة، سقط حضور الجمعة عمن صلى العيد".(المغني).
واستدلوا :
- عن إياس بن أبي رملة الشامي قال:"شهدت معاوية بن أبي سفيان، وهو يسأل زيد بن أرقم، قال: أشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا في يوم؟ قال: نعم، قال: فكيف صنع؟ قال: صلى العيد، ثم رخص في الجمعة، فقال: من شاء أن يصلي، فليصل".(رواه أبو داود وسكت عنه وصححه الحاكم والألباني وأحمد شاكر وجود إسناده حسين سليم وصححه الأرنؤوط، وحسنه النووي).
ورد عليهم بأن الحديث ضعيف.
قلت : الحديث رواه الطيالسي، وابن أبي شيبة، وأحمد، والدارمي، والنسائي، وابن ماجه والبزار، وابن خزيمة، ويعقوب بن سفيان، والطحاوي، والطبراني، والحاكم، والبيهقي، وابن الجوزي(تحقيق الخلاف). من طرق عن إسرائيل ثنا عثمان بن المغيرة عن إياس بن أبي رملة بمثله.
إياس بن أبي رملة، مجهول، كذا قال ابن االمديني و ابن القطان الفاسي والذهبي وابن حجر، وذكره ابن حبان في الثقات وليس يفيد هذا فسنده ضعيف.
- عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"اجتمع عيدان في يومكم هذا، فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مجمعون إن شاء الله".(رواه ابن ماجة وصححه الحاكم وقال الذهبي صحيح غريب، وصححه الألباني والحويني). والظاهر أن الحديث عن أبي هريرة لا عن ابن عباس.
ورد بأن عليهم بأن الحديث ضعيف.
قلت : الحديث رواه ابن ماجة، وأبو داود، والبزار، وابن الجارود، من طريق بقية بن الوليد، وهو مدلس.
إلا أن الحاكم قال"بقية بن الوليد لم يختلف في صدقه إذا روى عن المشهورين..".(المستدرك).
إلا أن الحاكم قال"بقية بن الوليد لم يختلف في صدقه إذا روى عن المشهورين..".(المستدرك).
ومن أجل هذا الكلام حسنه أبو إسحاق الحويني، وفي هذا نظر.
فبقية كان يدلس تدليس التسوية، قال ابن حجر:"فما بقي فيه إلا التسوية".(التخليص الحبير).قال ابن حبان:"كان بقية يروي عن كذابين وثقاة ويدلس، وكان له أصحاب يسقطون الضعفاء من حديثه ويسوونه فيشبه أن يكون سمع هذا من بعض الضعفاء عن ابن جريج ثم يدلس عنه".(انظر الموضوعات لابن الجوزي).
فالمشكل أن بقية قد يدلس على مشهورين ولم يرو عنهم. فسند الحديث ضعيف.
-عن ابن عمر قال:"اجتمع عيدان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس، ثم قال: من شاء أن يأتي الجمعة فليأتها، ومن شاء أن يتخلف فليتخلف".(رواه ابن ماجة).
ورد بان الحديث ضعيف.
قلت : الحديث رواه ابن ماجة (السنن):"حدثنا جبارة بن المغلس ، حدثنا مندل بن علي ، عن عبد العزيز بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ..".
جبار ذاك هو جبارة بن المغلس الحماني، كذبه ابن معين قال البخاري:"حديثه مضطرب".قال الدراقطني:"متروك".قال ابن حجر:"روى عن كثير بن سليم الرازي نسخة موضوعة".
جبار ذاك هو جبارة بن المغلس الحماني، كذبه ابن معين قال البخاري:"حديثه مضطرب".قال الدراقطني:"متروك".قال ابن حجر:"روى عن كثير بن سليم الرازي نسخة موضوعة".
ومندل هو مندل بن علي العنزي، ضعفه ابن المديني والدارقطني وابن حجر ، وقال ابن حبان:"كان مرجئا من العباد إلا أنه كان يرفع المراسيل ويسند الموقوفات ويخالف الثقات في الروايات من سوء حفظه فلما سلك غير مسلك المتقنين مما لا ينفعك منه البشر من الخطأ وفحش ذلك منه عدل به غير مسلك العدول فاستحق الترك".
وللحديث طريق آخر عند الطبراني في (الكبير):"عن محمد بن يوسف التركي، عن عيسى بن إبراهيم البركي، عن سعيد بن راشد السماك، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عمر".
قلت : عيسى بن إبراهيم بن سيار، قال ابن معين:"لا يساوي شيئا أو ليس حديثه بشيء" ووثقه بعضهم ولعله صدوق يهم كما قال ابن حجر.
وسعيد السماك قال يحيى :"سعيد السماك الذي يروي من أذن فهو يقيم ليس بشيء".وقال البخاري:"منكر الحديث".(راجع الكامل في الضعفاء). فالحديث سنده ساقط.
-عن وهب بن كيسان قال:"اجتمع عيدان على عهد ابن الزبير فأخر الخروج حتى تعالى النهار، ثم خرج فخطب فأطال الخطبة، ثم نزل فصلى ولم يصل للناس يومئذ الجمعة، فذكر ذلك لابن عباس فقال: أصاب السنة".(النسائي).فقول ابن عباس:"أصاب السنة". هذا له حكم المرفوع.
ورد عليهم بأن الحديث مضطرب.(راجع التمهيد). ثم هب أنه صحيح، ففيه أنه ترك حتى صلاة الظهر ولم يصلها، ولم تقولوا بهذا.
ورد عليهم بأن الحديث صحيح ولا وجه إعلاله.
قلت : فعلا في إعلاله نظر فإن أصح الطرق لا اضطراب فيها بل أكثر الطرق صحيحة غير مضطربة فإعلالها سندا لا يظهر.(راجع:اجتماع العيدين.أبو سليمان الصومالي).
قلت مرة أخرى : الحديث روي من طريق عبد الحميد بن جعفر عن أبيه عن وهب. وروي من طريقه عن وهب.
وهذا لا اضطراب فيه، فيكون قد رواه مرة عن والده ومرة عن وهب مباشرة. ثم رواية الذين رووه عن عبد الحميد عن وهب مقدمون على رواية عبد الله بن حمران عن عبد الحميد عن وهب عن أبيه، فهم أكثر عددا.
وهذا لا اضطراب فيه، فيكون قد رواه مرة عن والده ومرة عن وهب مباشرة. ثم رواية الذين رووه عن عبد الحميد عن وهب مقدمون على رواية عبد الله بن حمران عن عبد الحميد عن وهب عن أبيه، فهم أكثر عددا.
أما القول أن ابن الزبير أسقط الظهر:" فإنه لا يجوز أن يحمل إلا على مذهب من يرى تقديم صلاة الجمعة قبل الزوال".(معالم السنن.الخطابي).
أو أنه صلى الظهر في بيته، قال الصنعاني:"ولا يخفى أن عطاء أخبر أنه لم يخرج ابن الزبير لصلاة الجمعة، وليس ذلك بنص قاطع أنه لم يصل الظهر في منزله فالجزم بأن مذهب ابن الزبير سقوط صلاة الظهر في يوم الجمعة يكون عيدا على من صلى صلاة العيد لهذه الرواية غير صحيح لاحتمال أنه صلى الظهر في منزله".(سبل السلام).
أو أنه صلى الظهر في بيته، قال الصنعاني:"ولا يخفى أن عطاء أخبر أنه لم يخرج ابن الزبير لصلاة الجمعة، وليس ذلك بنص قاطع أنه لم يصل الظهر في منزله فالجزم بأن مذهب ابن الزبير سقوط صلاة الظهر في يوم الجمعة يكون عيدا على من صلى صلاة العيد لهذه الرواية غير صحيح لاحتمال أنه صلى الظهر في منزله".(سبل السلام).
القول الثالث : أن سقوطها خاص بأهل البوادي وهو قول الشافعية،وهو وراية عن مالك، قال الشافعي:"وإذا كان يوم الفطر يوم الجمعة صلى الإمام العيد حين تحل الصلاة ثم أذن لمن حضره من غير أهل المصر في أن ينصرفوا إن شاءوا إلى أهليهم، ولا يعودون إلى الجمعة والاختيار لهم".(الأم).
واستدلوا :
- عن عثمان رضي الله عنه، خطب وقال:"يا أيها الناس، إن هذا يوم قد اجتمع لكم فيه عيدان، فمن أحب أن ينتظر الجمعة من أهل العوالي فلينتظر، ومن أحب أن يرجع فقد أذنت له".(البخاري).
ورد عليهم بأن "ظاهر الحديث في كونهم من أهل العوالي أنهم لم يكونوا ممن تجب عليهم الجمعة لبعد منازلهم عن المسجد".(الفتح). ثم قوله "أذنت" لا دليل فيه إذ لو كان مباحا ما احتيج لإذنه.
-عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه قال:"اجتمع عيدان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من أحب أن يجلس من أهل العالية فليجلس في غير حرج".(الشافعي في المسند).
ورد عليهم بان الحديث ضعيف.
قلت : هو ظاهر فعمر بن عبد العزيز لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم.
ورد عليهم بان الحديث ضعيف.
قلت : هو ظاهر فعمر بن عبد العزيز لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم.
وبهذا فقد ظهر لك مذهبك إن كنت مقلدا، وإن كنت مرجحا فقد وقفت الأدلة، فلا يحتاج الأمر لا إلى تبديع أو تفسيق ولا حتى تعصب.
والذي نراه جواز التخلف عن الجمعة، وأن المستحب حضورها، وذلك للأحاديث المتقدمة وإن كانت ضعيف فهي ترتقي لدرجة الحسن، ويشهد لها حديث ابن الزبير فهو قوي، والمسلم لا يضيع الجمعة فقدحضرها النبي صلى الله عليه وسم فالسنة أولى بالاتباع. وإن تخلف فلا حرج.
والله الموفق.
(د. قاسم_اكحيلات)
(د. قاسم_اكحيلات)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا