خطبة تعالع إشكالية مقاطعة المساجد بعد رمضان وأول الضحايا صلاة الفجر - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

خطبة تعالع إشكالية مقاطعة المساجد بعد رمضان وأول الضحايا صلاة الفجر


أئمة مروك إعداد :عبدالله بنطاهر

الحمد لله المستحق لحق التقاة والطاعة، إليه وحده سبحانه ترفع أكف الدعاء والضراعة، وأشهد أن لا إله إلا الله فضل على صلاة الفرد صلاةَ الجماعة، وحذرنا في الصلوات الخمس من الإضاعة، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله أكرمه الله بالرحمة والشفاعة، فكان رسول العفاف والقناعة، وكانت رسالته الحصانةَ والمناعةَ، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ذوي الإقدام والشجاعة، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الساعة.

أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون؛ أوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله وطاعته...
يجب أن نكون ربانيين لا رمضانيين؛ فإن أول الضحايا عندنا بعد رمضان هي صلاة الفجر، وصلاة الفجر أمرها عظيم، والغفلة عنها ذنب جسيم، وتضييع صلاة الفجر يعد من الفجور؛ لقد كنا في رحاب رمضان نرى المساجد تغُصُّ بروادها، ولكن مع الأسف صباح العيد فجأة ينزل المستوى إلى النصف أو أقل، أين أصحاب تلك الصفوف التي ألفناها في رمضان؟

 أتُراهم قد استسلموا للشياطين الذين صفدوا في رمضان؟ فقد أطلق اليوم سراحهم، وعادوا من إجازتهم بعد شهر من الغياب ليواصل عملهم في الغواية، ولاستدراك ما فاتهم من الضلالة، هل كنا حقا من عِبَاد الرحمان أو من عُبَّاد رمضان؟ فمن كان يعبد رمضان فإن رمضان قد انتهى، ومن كان يعبد الله فإن الله حي أبدا، ما ذا دهانا يا رواد المساجد؟! 

يا أصحاب القيام والركوع والسجود؟! لماذا تقلصت صفوفنا عن صلاة الفجر في اليوم الأول بعد رمضان؟!
فبالمقارنة بين الصلوات الخمس نجد رواد المساجد يتقلص عددهم في صلاة الفجر أكثر من غيرها، ويزداد هذا التقلص حدة في الوقت الذي يطول فيه النهار ويقصر الليل؛

فكلما زحف الفجر نحو الرابعة تقلص رواد المساجد عن صلاة الصبح بشكل واضح، فاستلموا للنوم العميق بشكل فاضح؛ كأن عقارب الساعة مؤشرات بها تقاس حرارة الإيمان في قلوبنا، بها تقاس صفوف المصلين في مساجدنا؛ فكثير منا قد انهزم كل يوم أمام صلاة الصبح دون عذر، وكثير منا يكون فجره بعد طلوع الشمس، حيث تسبقه الشمس إلى الظهور كل يوم، أي خسران أعظم ممن حرم نفسه من نفحات الفجر وقرآنه المشهود، فعرض نفسه للفحات غضب الله الشديد.

أيها الإخوة المؤمنون؛ المحافظة على الصلوات الخمس واجبة في أمور أربعة:
1) في شروطها؛ من طهارة الخبث، وطهارة الحدث، وستر العورة، واستقبال القبلة. 

2) في أركانها؛ من تكبيرة الإحرام، وقراءة الفاتحة والاعتدال والقيام، والطمأنينة والركوع والسجود والسلام.
3) في وقتها المحدد شرعا، {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}، وقد سئلﷺ: «أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة لوقتها» رواه البخاري ومسلم.   

4) في النية وحضور القلب المستلزم للخضوع والخشوع والخوف والرجاء؛ يقول الله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ}، ويقول سبحانه: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}.
وأي خلل يطال واحدا من هذه الأربعة (شروطها وأركانها ووقتها وحضورها) هو ضياع للصلاة كلها؛ ومن ضيع الصلاة فقد عرض نفسه في الدنيا لأربعة أمور مشينة، وفي الآخرة للأربعة أودية مهينة:

أما الأمور الأربعة المشينة في الدنيا فهي:
أولا: عُقَدُ الشيطان الثلاثة؛ فالشيطان يتولى أمر المسلم بمجرد تضييعه لصلاة الفجر، حيث يربط على قفاه ثلاث عقد فيقول: نم فإن عليك ليلا طويلا؛ روى الإمام مالك في الموطأ أن رسول اللهﷺ قال: «يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب مكان كل عقدة: عليك ليل طويل فارقُد؛ فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقده؛ فأصبح نشيطا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان». 

ثانيا: مرحاض الشيطان؛ يا ليت إبليس -لعنه الله- اكتفى بالعُقَد الثلاثة فقط؛ بل إنه يبول في أذني النائم عن صلاة الصبح؛ روى البخاري أنه: «ذُكر عند رسول اللهﷺ رجلٌ نام ليلةً حتى أصبح أو ما زال نائماً حتى أصبح: فقالﷺ: ذاك رجلٌ بال الشيطان في أذنيه»؛ يا لها من حالة يورط فيها النائم عن صلاة الفجر نفسه، تصور وضعيته حين يتخذ الشيطان أذنيه مرحاضه ومباله، إن الإنسان لا يقبل ولن يرضى أن يكون مرحاضا للإنسان؛ فكيف يقبل أن تكون مرحاضا للشيطان؟!

ثالثا: شهادة الملائكة عليه؛ فإن لله تعالى ملائكة يسجلون كل يوم في هذا الوقت الفضيل حالة الإنسان، إن خيرا فخير وإن شرا فشر؛ فقد روى الشيخان أن النبيﷺ قال: «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يَعرُج الذين باتوا فيكم فيسألهم ربُّهم وهو أعلم بكم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلُّون وأتيناهم وهم يُصلُّون». 

هذه شهادة الملائكة لصالح الذين يؤدون صلاة الفجر في وقتها، أما النائمون فتقول عنهم ملائكة الليل: تركناهم وهو نائمون يشخرون، وملائكة النهار تقول: أتيناهم وهو نائمون يشخرون.

رابعا: علامة من علامات النفاق؛ فالمتخلف عن صلاة الفجر  يُخشى عليه أن يكون في سجل المنافقين، والقرآن الكريم يقول في سورة النساء: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى}، ويقول في سورة التوبة: {وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى}، ويقول الرسولﷺ فيما روى البخاري ومسلم: «أثقل صلاة على المنافقين صلاة الفجر والعشاء» ويقولﷺ فيما روى أبو داود: «إن هاتين الصلاتين من أثقل الصلوات على المنافقين، ولو يعلمون فضل ما فيهما لأتوهما ولو حبوا»، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: «كنا إذا تخلف منا إنسان عن صلاة العشاء والصبح أسأنا به الظن أن يكون قد نافق».

أما الأودية الأربعة المهينة في الآخرة فهي في انتظاره، قد حجز بإضاعة الصلاة تذكرة السفر إليها؛ بل عزل فيها موقعه وحصَّل بقعته:
الأول: وادي الغي؛ يقول الله تعالى فيه: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}.
الثاني: وادي سقر؛ يقول الله تعالى فيه: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ}.

الثالث: وادي الويل؛ يقول الله تعالى فيه: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ}.
الرابع: وادي الدرك؛ يقول الله تعالى فيه: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ}.

إذن من ضيع الصلاة في أي واحد من الأربعة: شروطها، وأركانها، ووقتها، والحضور فيها؛ فقد اكتسب لنفسه في الدنيا حالات أربعة: عُقَدُ الشيطان على قفاه، وبول الشيطان في أذنيه، وشهادة الملائكة بالسوء عليه، وعلامة من النفاق في سلوكه، كما ضمن لنفسه بقعة أرضية في مشروع الدرك الأسفل من مدينة سقر بواد الغي والويل؛ ولهذا هم الرسولﷺ أن يحرق على من يتخلف عن الصلاة جماعة بدون عذر منزلَه، روى البخاري أنهﷺ قال: «والذي نفسي بيده، لقد هممتُ أن آمرَ يحَطَب فيُحْطبَ، ثم آمرَ بالصلاة فيُؤذَّنَ لها، ثم آمرَ رجلا فيؤمَّ الناس، ثم أُخالِف إلى رجال فأحرِّقَ عليهم بُيوتَهم». 

وهل تعلم لماذا يهم الرسولﷺ بذلك وهو رحمة للعالمين؟ لأنه على علم بما ينتظر المتخلفين عن صلاة الجماعة، من نار تلظى من النار الكبرى، فالاحتراق في الدنيا نهايته الموت، أما الاحتراق في الآخرة فلا يموت فيها ولا يحيا.
أيها الإخوة المؤمنون؛ إن المحافظة على الصلاة واجب؛ يقول الله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}. 

وروى الترمذي أن رسول اللهﷺ قال: «إنَّ أَولَ ما يُحاسَبُ به العبد يوم القيامة من عَمَلِهِ صلاَتُهُ، فإن صَلَحتْ فقد أفلح وأنجح، وإن فسدَتْ فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فريضته شيئا، قال الربُّ تبارك وتعالى: انظروا، هل لعبدي من تطوع؟ فيكمل بها ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر عمله على ذلك». 

وروى أبو داود أن النبيﷺ قال: «خمس صلوات افترضهنَّ اللهُ، مَنْ أحْسَنَ وضوؤهُنَّ، وصلاهنَّ لوقتهنَّ، وأَتَمَّ ركوعَهُنَّ وَسُجُودَهُنَّ وخُشُوعَهنَّ، كان على اللهِ عهد أن يغفر لَهُ، وَمَن لَمْ يَفْعَل فَلَيْسَ له على اللهِ عهد، إِن شاءَ غَفَرَ لَهُ، وَإِن شَاءَ عذبَهُ». 

وروى الشيخان أن النبيﷺ قال: «أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مراتٍ هل يبقى من درنه شيءٌ قالوا لا يبقى من درنه شيءٌ قال فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا»؛ فالصلاة في وقتها بمنزلة حمام رباني تغتسل فيه من ذنوبك كل يوم خمس مرات.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية 
الحمد لله رب العالمين...
أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون؛ ها هو رمضان قد مضى، فهنيئا لمن كان فيه بعمله عند الله مرتضى، وويل لمن توقف عمله وانقضى، ورمضان مدرسة عظيمة تربي في المسلم أعمالا جليلة وأخلاقا كريمة يتخرج منها المسلم فائزا بجوائز ربانية، متسلحا بترسانة من فضائل الأخلاق منسلخا عن رذائل الأذواق، من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق؛ وعلامة هذا الفوز ليس في مجرد الإكثار من التسابيح  والتراويح، ليس في مجرد الصيام والقيام،

 بل علامة النجاح هي في أمرين: النوعية، والاستمرارية؛ ففي النوعية يقول النبيﷺ: فيما روى الإمام مسلم: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء»، ويقولﷺ فيما روى البيهقي والطبراني: «إن الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه»، وفي الاستمرارية يقول الله تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}، ويقول النبيﷺ: «أحب الأعمال إلى الله أدومه وإن قل».

وإذا كنا نظن أن الصيام وأخلاق الصيام خاصة برمضان، فهذا خطأ كبير، فالصيام مشروع طيلة السنة كلها، وقد كان النبيﷺ يكثر الصيام في شعبان قبل رمضان، ويأمر بصيام ست أيام من شوال بعد رمضان، ويصوم يوم الاثنين ويوم الخميس، ويصوم أيام البيض من كل شهر، وهي الأيام الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر؛ 

وكأني بالرسولﷺ يريد أن ينبهنا بذلك إلى أمر عظيم وهو أن رمضان إذا ذهب فإن الصوم لن يرحل، وإن الصلاة لن تنقطع، وإن الصدقة لن تتوقف، وإن المصحف لن يرفع، وإن المساجد لن تغلق، والدين ليس في الصلاة والصيام فحسب؛

 بل الدين هو الحياة كلها، لا دين لمن لم يبتعد عن المحرمات، ولا ملة لمن يستحلى المنكرات، ولا حياة لمن يخل بالنوعية والاستمرارية في العبادات وفي المعاملات.
ألا فاتقوا الله عباد الله وأكثروا من الصلاة والسلام على الرسولﷺ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا