خطبة الجمعة حول الدخول المدرسي 2017 - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

خطبة الجمعة حول الدخول المدرسي 2017

أئمة مروك - عبد الله بنطاهر 

هذه الخطبة سوف تلقى إن شاء الله يوم الجمعة 17 ذي الحجة 1438هـ 8 / 9 / 2017م.

الحمد لله نبدأ السنة الدراسة الجديدة بسم الله الرحمن الرحيم، {سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}، {نَرْفَعُ دَرَجَاتِ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ}.
وأشهد أن لا إله إلا الله العظيم الكريم، جعل التربية روح التعليم، كما جعل التعليم أساس العمل والحضارة والتقدم العظيم، {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}. 

وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المبعوث مربيا ومعلما بالتطبيق والتحكيم، من علمه نستنبط علوم التحليل والتحريم، {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.
اللهم صلى وسلم على سيدنا ونبينا محمد المصطفى الكريم، وعلى آله وأصحابه الذين هم لنا القدوة في التربية والتسليم، وعلى التابعين لهم بإحسان على مدار الأيام والأعوام.

أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون؛ أوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله وطاعته.
اللهم اجعلنا من الذين يعلمون فيقولون، ويقولون فيعملون، ويعملون فيتقنون، ويتقنون فيخلصون، ويخلصون فيقبلون.

ها هي المدارس تفتح من جديد أبوابها، لتحتضن تلاميذها احتضان الأم الحنون لأولادها، فيتقدم المجد المجتهد يجني ثمار الاجتهاد في العمل، تاركا وراءه الراسب وقد باء بالفشل، وذاق مرارة التهاون والكسل، ليعيد الكرة مرة أخرى عله يستدرك فيحقق الأمل، والسقوط في المدرسة مرتان؛ فاجتهاد بمعروف، أو طرد بغير إحسان.

والمدارس ليست مؤسسات تعليمية فقط؛ بل هي مؤسسات تربوية وتعليمية؛ فالتعليم هو: تلقين العلوم والحرف والمهن والفنون بمختلف أشكالها للطالب حتى يتقنها، أما التربية فهي: تنشئة الطالب على السلوك والمبادئ والأخلاق حتى ينضبط بها؛ فكلاهما تلقين؛ إما تلقين العلوم والفنون، وإما تلقين الأخلاق والسلوك.

ولهذا فإن التعليم هو أساس العمل؛ بيد أن التريبة هي الأمل الحافز على هذا العمل، وإن التعليم أرزاق يأخذ منه الإنسان ما كُتِب له، ولكن التربية هي الأخلاق المهذبة لهذه الأرزاق، وإن التعليم تخزين للمعلومات في الأذهان، 

والتربية تزكية لهذه المعلومات في واقع الإنسان؛ وقد جمع الله بينهما فجعل التربية أساس التعليم، فقال في كتابه الحكيم: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}، وقال سبحانه في مهمة رسولهﷺ: {يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ}. 

فإن أعظم معلم في التاريخ هو الحبيب المصطفىﷺ وهو الذي قال عن نفسه: «إن الله لم يبعثني مُعَنِّتًا؛ ولكن بعثني مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا» رواه مسلم، ودخل ذات يوم المسجد فوجد فيه حلقتين: حلقة للتعليم وحلقة للذكر؛ فقالﷺ: «كل على خيرٍ؛ هؤلاء يقرءون القرآن ويدعون اللهَ، فإن شاء أعطاهم، وإن شاء منعهم، وهؤلاء يَتَعَلَّمُونَ وَيُعَلِّمُونَ، وإنما بُعِثْتُ مُعَلِّمًا» فجلس في حلقة التعليم. رواه ابن ماجه. 

والصحابة كلهم تلامذة المعلم الأولﷺ، وقد قال عنه أحدهم: «بأبي هو وأمي؛ ما رأيتُ معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه، والله ما كهرني (أي: ما نهرني) ولا شتمني ولا ضربني» رواه مسلم؛ فالتعليم هو وظيفة النبيﷺ، وكل من وقف لتعليم الناس يجب عليه أن يستحضر كونه نائبا عن رسول اللهﷺ، وفي هذا يدخل أيضا الأئمة الذين يعلمون الناس في المساجد.

أيها الإخوة المؤمنون؛ حينما نلق نظرة لمكونات العملية التعليمية التربوية نجد ثلاثة عناصر: الأستاذ، والطالب؛ والاحتكاك العلمي بينهما ينتج المتخرج بشهاداته السفلى والعليا (الأستاذ والطالب والمتخرج).

أما الأستاذ؛ فيجب أن يعلم أن الاستفادة منه لن تتحقق إلا بالتربية؛ لا يكون الإنسان معلما حتى يكون مربيا بحضور أخلاقه قبل تحضير محاضرته، بآدبه قبل دروسه، بعمله قبل علمه؛ فعدم الالتزام بالأقوال والأفعال في التعليم غير مقبول، وعدم الاتزان بين العلم والعمل في التربية غير معقول، والله تعالى يقول: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}،

ويقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}؛ قال أبو الأسود الدؤلي:

يا أيهـا الرجــلُ المعلـمُ غيـرَهُ ** هلا لنفسِكَ كــــان ذا التعليمُ
وإذا عتَبتَ على السفيه ولُـمْتَه ** في مثل ما تأتي فأنت ظلوم
لا تنـهَ عن خلـقٍ وتأتـي مثلـهُ ** عارٌ عليكَ إِذا فعْلـــتَ عظيمُ
وابدأ بنفسِـكَ فانَههـا عن غَيِّها ** فإِذا انتهتْ منه فأنـــتَ حكيمُ
فهنـاكَ يُسمع ما تقول ويُقتدى ** بالقول منك وينفــــــع التعليم

أما الطالب؛ فيجب أن يعلم أن التعليم نور رباني نحفظ به النصوص والمباني، ونفهم به المقاصد والمعاني؛ لكن بشرط التربية وهي ترك الذنوب والمعاصي؛ لأن المعاصي ظلام والعلم نور، والنور والظلام لا يجتمعان ولا يلتقيان. 

وهنا نتذكر الإمامين الجليلين؛ الأمام مالكا، والإمام الشافعي رحمهما الله حين كانا صغيرين من طلبة العلم:
أما الإمام مالك فيُحْكَى أن أمه جاءت به وهو طفل صغير إلى إمام التابعين ربيعة الرأي فقالت له: أريد منك أن تتعلم من أدبه قبل علمه؛ والإمام مالك قبل أن يكون عالما كان صالحا بعيدا عن المعاصي والفسوق.

أما تلميذه الإمام الشافعي فقد أفصح عن ذلك بدوره في حكاية أخرى، حين كان يعاني من سوء الحفظ وقلة الفهم وهو طالب، فاشتكى ذلك لشيخه الإمام الحافظ وَكِيع بن الجرَّاح، فنصحه بترك المعاصي، فسجل هذا في شعره فقال:

شكوت إلى وكيع سوء حفظي ** فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأنّ العلم نــــــــــور ** ونور الله لا يُهــــدى لعاصي

وهكذا ينبغي أن يكون عليه طالب العلم تقيا نقيا، لأن مفتاح العلم هو تقوى الله تعالى؛ فالعلم هبة من الخالق سبحانه، والتربية هي التقوى والطاعة من المخلوق؛ فإذا كان الطالب عاصيا يمارس الفسق في الشوارع ويتعاطى المحرمات؛ فلا تنظرن منه إلا كسادا في الأخلاق، وفسادا في الأذواق، ومعلومات مهلهلة ممزقة، وأعمالا فاسدة فاسقة، حيث لا ثقة من العاصي ولا تقوى من الفاسق.

أما المتخرجون؛ فهم كما قال النبيﷺ فيما روى الإمام مسلم: «الناس معادنُ كمعادن الفضة والذهب، خِيَارُهم في الجاهلية خِيَارُهم في الإسلام إذا فَقُهُوا، والأرواح جنود مُجَنَّدَة؛ فما تَعَارَفَ منها ائْتَلَفَ، وما تَنَاكَرَ منها اخْتَلَفَ»، نعم هكذا المتخرجون حسب منفعتهم للناس؛ معادن منهم الذهب والألماس، ومنهم الفضة والنحاس، ومنهم الحديد والقَزْدير والْـمِيكَا والتراب والأرجاس؛ ويمكن أن نُصنفهم إلى نوعين:

النوع الأول: تخرَّجوا وتحَرَّجُوا؛ أي: تجنبوا الحرج؛ لأنهم جمعوا بين حسن التربية وقوة التعليم؛ فكانوا في المجتمع أصفياء أنقياء أتقياء أوفياء؛ منهم خيرة الوزراء والنواب، وخيرة الأساتذة والمعلمين، وخيرة الأطباء والممرضين، وخيرة العمال والموظفين، وخيرة القضاة والأئمة. 

إنهم {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ}، ولكن في المقابل: لا يخافون في الله لَوْمَةَ لَائِمٍ، إنهم {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}، ولكن في المقابل: لا تأخذُهم العزة بالإثم، أخلصوا عملهم لله فأحبهم الله وأحبهم الناس؛ فصدق فيهم قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا}. 

بيد أنهم قلة غرباء، «فطوبى للغرباء» كما قال النبيﷺ، يكاد من يحدث عنهم يعيش في الأحلام، ويسبح في الأوهام؛ وهذه هي الحقيقة الواقعية التي نطق بها القرآن: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ}، {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}، {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ}.

النوع الثاني: تخرَّجوا ولم يتحَرَّجُوا؛ أي: لم يتجنبوا الحرج مع قلة التربية، فكانوا حرجا على البلاد، وبلاء على العباد؛ فهم الذين حذرنا من فسادهم جلالة الملك -نصره الله- أكثر من مرة، في خطاباته التربوية؛ بدا من الوزراء والبرلمانيين إلى أصغر المسؤولين. 

فهم الذين أفسدوا المنظومات التعليمية في البلاد، وهم الذين أفسدوا القضاء بعلاقات النفوذ وبرشوة النقود، وهم الذين صنعوا الأسواق لشراء الذمم والأصوات في مواسم الاستحقاقات، وهم الذين أفسدوا المجال الصحي في المستشفيات. 
ومنهم الـمُخْرِجون الذين هلكوا الحرث والنسل بأفلام العري والعار والفسق والشنار، أفلام يختلط فيه الحابل بالنابل، ويقع الناس في حيص بيص، حيث لا حلال ولا حدود ولا قيود.
ومنهم الأساتذة الذين يدخنون أمام التلاميذ في المدارس والكليات، ويربطون العلاقات المشبوهة بالتلميذات والطالبات.
ومنهم الذين تحولوا إلى عمالقة الفساد وأباطرة المخدرات، والمتسكعون في الشوارع والطرقات، والمشرملون للمارين والمارات، ويكررون جرائهم مع سبق الإصرار والترصد عديدا من المارات.
ومنهم المتبرجات في الساحات المتحرشات بمفاتنهن بالشهوات، الموقعات الكثير من الرجال في براثين المحرمات والشبهات.

ومنهم حتى الأئمة الذين نسمع عنهم اليوم يرتكبون أخطاء فادحة في السلوك والأخلاق، وأغلاطا فاضحة في المعاملات واكتساب الأرزاق، الذين يتنفسون التملق وهم يعيشون الإملاق، ويتعاطون النفاق إلى حد الإرهاق...
ومنهم ومنهم ومنهم... إلى غير ذلك من المصائب التي نسمعها هنا وهناك، والتي تعج بها وسائل الاتصال الحديثة، وقد تكون صحيحة وقد تكون كذبا؛ ولكن لا دخان بدون نار، ولا تُغَطَّى الشمس بالأصبع والغربال.

أيها الإخوة المؤمنون؛ بقلة التربية وسوء التعليم ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس، وإنما تضيع الأمم بقلة التربية وسوء التعليم؛ والتعليم وحده لا يمنع الرشوة ولا الاختلاسات، والتعليم وحده قد يأتي بالخير وقد يأتي بالشر؛ فبه صنع الإنسان الطائرات النفاثة، وبه أيضا صنع القنابل الفتاكة.

 والتعليم وحده قد يتحول إلى قنبلة الدمار الشامل، ولكن التربية تجعل منه قبلة الأمن والسلام؛ وهذا العصر اليوم يشهد على هذا، فمع تقدم العلم تقدما باهرا، وتخلف الأخلاق تخلفا سافرا، أنتج العلماء لهذا الكوكب خرابا ودمارا؛ ولله در من قال:

سموك يا عصر الظلام سـفاهــة ** عصر الضياء وأنت شر الأعصر
وتقدمت فيك الحضارة حسب ما ** قـالوا فـيا وحشية المتحضــــــــــر
وتنورت فيك العقـول وإنـمــــــا ** يقع الخـراب بـزلة الـمتنـــــــــــــور
فالعلم قد يأتـي بكـل بليـــــــــــة ** ويصير نحو الموت بالمستبصــــــــر
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والحمد لله رب العالمين....

الخطبة الثانية 

الحمد لله رب العالمين…
أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون؛ إذا كان التعليم جسدا فإن التربية هي الروح، والتعليم بلا تربية جسد بلا روح، والتربية بلا تعليم روح بلا جسد، والجسد بلا روح جيفة وخراب، والروح بلا جسد خيال وسراب؛ والتربية بدون علم تخلف وانتكاس، والتعليم بدون التربية انحراف والتباس.

فبالتربية دون العلم ربى الآباء أبناءهم على عبادة الأحجار والأصنام، وعلى عبادة القبور بالأوهام، وشعارهم: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ}.
وبالتربية دون العلم نشأ فينا التطرف والإرهاب، وفرخ الدواعش الجهلاء والدراويش الحمقى، وكثرت البدع والمحدثات، وسادت الجهالة والخرافات، وانتشرت فينا المشعوذات والمشعوذون، والسحرة المفسدون، وأصحاب ما يسمى بالرقية الشرعية المحترفون.

من أجل محاربة كل هذا الخليط من الفساد، ومن أجل التقدم وإصلاح العباد؛ لا بد من ازدواجية التربية والتعليم؛ كجناحي طير لا يمكن الاستغناء عن أحدهما بالآخر، والتعليم وحده قد ينتج الفساد؛ لكن مع التربية يسمو بالعباد؛ فلا تكفي قلة التربية مع كثرة التعليم؛ فكيف بقلة التربية وسوء التعليم؟! 

فلا ينبغي أن نقول كما قال الشاعر:
حَصِّل العلم وإن لم تعمل به ** واترك الجهل ولا تعمـــــل به
ولكن يجب أن نقول كما قال آخر:
حياة بلا علم حياة ذميمــــــة ** والعلم بلا تقوى فعمر مضيع

{وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}.
ألا فاتقوا الله عباد الله، وأكثروا من الصلاة والسلام على رسول اللهﷺ؛ فقد أمركم بذلك ربكم فقال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا