"حب الوطن"الخطبة التي عممتها الوزارة على مساجد المملكة - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

"حب الوطن"الخطبة التي عممتها الوزارة على مساجد المملكة

خطبة الجمعة المقبلة ان شاء الله تعالى التي عممتها الوزارة على مساجد المملكة

الحمد لله حق حمده , والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا ومولانا محمد نبيه ورسوله وعبده , وعلى آله وصحابته الذين حملوا راية الإسلام , وذبوا عن حوزته , ونشروا دعوته في الأرض من بعده , وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له , القائل في محكم كتابه : ( هو الذي أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب ) , وأشهد أن سيدنا وشفيعنا محمدا عبده ورسوله , الرحمة المهداة إلى خلقه , والنعمة المسداة إلى عباده , بعثه على فترة من الرسل , ودروس من السبل , ففتح به أعينا عميا , وآذانا صما , وقلوبا غلفا .

أما بعد :أيها المؤمنون , إن المولى عز وجل خلق الإنسان , وحبب إليه الأوطان , وامتن عليه بتذليل الأرض التي أسكنه فيها لمعاشه , والتزود منها بالأعمال الصالحة لدار معاده , فقال عز من قائل : ( هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور ) , وجعل سبحانه بين الإنسان وبين الأرض التي نشأ على ترابها , وأكل من غذائها , وشرب من معين مائها , وشم من طيب هوائها , رابطة من المشاعر العميقة , والمحبة الوثيقة , هي بمثابة أواصر الدم والرحم التي تصله بوالدته التي حملته في بطنها , وولدته من أحشائها , وغذته بلبنها , وتربى في حجرها , ونما وترعرع بين أحضانها , وهذه المعاني كلها أواصر مشتركة بين الأم الوالدة والأرض المولود فيها , تستوجب من الحقوق فوق كل الحقوق , بعد توحيد الخالق عز وجل , ولذلك غرس الله محبة الوطن في أعماق الفطرة الإنسانية , وجعلها الشرع الحنيف من صميم القيم الدينية السامية , والدلائل الفطرية الإيمانية على رقي إنسانية الإنسان , ولذلك جاء في المأثور الأثر المشهور : " حب الوطن من الإيمان " قال الإمام السخاوي في كتاب المقاصد الحسنة : " لم أقف عليه , ومعناه صحيح " ثم ذكر عن كتاب المجلس للدينوري من طريق الأصمعي قال سمعت أعرابيا يقول : " إذا أردت أن تعرف الرجل فانظر كيف تحننه إلى أوطانه , وتشوقه إلى إخوانه "  . ولما اشتاق النبي صلى الله عليه وسلم , إلى مكة المكرمة , بعد أن هاجر منها إلى المدينة المنورة , بشره الله تعالى بقرب العودة إليها زمن الفتح , فأنزل عليه : ( إن الذي فرض عليك القران لرادك إلى معاد ) قال السخاوي : لأن مكة محل مولده ومنشؤه عليه الصلاة والسلام , وثبت في كتب السيرة النبوية العطرة في أخبار هجرته عليه الصلاة والسلام أنه لما أخرجته قريش من مكة , بعد أن اشتد عليه وعلى أصحابه الأذى , خرج متخفيا بالليل , ومعه رفيقه في هجرته أبو بكر الصديق رضي الله عنه , فوقف صلى الله عليه وسلم على مشارف مكة , وولى وجهه جهتها , وقال مخاطبا لها ومتحننا : " والله إنك لأحب البلاد إلى , ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت أبدا " .

ولما هاجر صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أحبها ودعا الله أن يرزقه حبها فقال : " اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد " فاستجاب الله تعالى دعاءه , فصار يحب المدينة حبا عظيما , وكان يسر عندما يرى معالمها التي تدل على قرب وصوله إليها , فعن أنس بن مالك قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر , فأبصر درجات المدينة , أوضع ناقته – أي أسرع بها - وإن كانت دابة حركها " وفي رواية البخاري أيضا : " حركها من حبها " أي من التشوق إلى المدينة .

معشر المسلمين , إن حب الوطن من أفضل الخصال , وأحد أوصاف أهل الكمال , بل به تقاس منازل النساء والرجال . وهكذا جاءت نصوص الشرع كتابا وسنة مجمعة على أن حب الوطن من سليم الفطرة , وأنه معروف في سير الرسل , وهم أكمل رجال أزمانهم , وفطرتهم أنقى فطرة وأبعدها عن كل شائبة .

وليس أمر المواطنة والوطنية إلا من مقتضيات هذه الفطرة السليمة , والسنة النبوية القويمة , إذ ليست الوطنية إلا غيرة دينية شرعية , تستلزم الدفاع عن حرمة الوطن وحوزته , بحماية الأنفس والأعراض والأموال .

إن الوطنية الصادقة , والانتماء الحقيقي للوطن لا يقتصر على المشاعر والأحاسيس فقط , بل يتجلى في الأقوال والأفعال , فالوطني الصادق يسهم في تطور وطنه وبناء حضارته وتقدمه , ويحافظ على أمنه واستقراره , ويسترخص الغالي والنفيس لإعلاء شأنه وشأن أهله .

فاللهم اجعلنا لنعمك شاكرين , ولوطننا وأهلنا حامين , ولعروة بيعتنا لأمير المؤمنين حافظين , وعلى صراطك المستقيم سائرين , غير مبدلين ولا مغيرين , آمين والحمد لله رب العالمين .

الخطبة الثانية :
الحمد لله الذي لا ينبغي الحمد إلا له , والشكر له سبحانه شكرا نستوجب به عطاءه ونواله , والصلاة والسلام على سيدنا محمد نبيه المصطفى , القائم على أمر الله بالصدق والوفاء , وعلى آله وأصحابه وأتباعه أهل الاقتفاء .

معشر المسلمين , إن أجمل ما يتجلى به حب الوطن الدعاء له , فالدعاء تعبير صادق عن مكنون الفؤاد , لا يخالطه كذب أو مبالغة أو نفاق , لأن له صلة مباشرة بالله , فهذا سيدنا إبراهيم عليه السلام , لما أحب مكة أثمر حبه دعاء صادقا لها بالأمن والرزق الوافر : ( وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر ) . وكان رسولنا صلى الله عليه وسلم دائم الدعاء للمدينة بالخير والبركة والصلاح , فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : اللهم اجعل بالمدينة ضعفي ما جعلت بمكة من البركة " , وصح عنه أيضا عليه الصلاة والسلام أنه قال : " اللهم بارك لنا في تمرنا , وبارك لنا في مدينتنا , وبارك لنا في صاعنا , وبارك لنا في مدنا , اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك وأنا عبدك ونبيك وإنه دعاك لمكة , وأنا أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك لمكة ومثله معه " ودعاء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يظهر منه ما يفيض به قلبه من حب لبلده ومستقر عبادته وموطن أهله .

وقد أورث الله هذه الأمة المغربية حمل راية الإسلام , والدفاع عن حوزته , وصون حرمته , بقيادة من تعاقب على تولي أمرها من أمراء المؤمنين , القائمين على حماية الدين , مؤازرين في ذلك بعلماء الأمة , وفقا لمقتضيات عقد البيعة الشرعية , التي قام على أساسها أمر هذه الأمة وانتظم , وعلا به صرح بنائها والتأم , فبنوا صرح أمة موحدة الكلمة , مجتمعة الأمر , معتصمة بحبل الله الوثيق , الذي من اعتصم به أفلح ونجح , وسعد وربح .

فاللهم أدم على هذه الأمة نعمة الأمن والطمأنينة , والسلامة والسكينة , ووحدة الصف والكلمة , وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد نبي الرحمة , وهادي الأمة وكاشف الغمة , صلاة متوالية دائمة بدوامك , باقية ببقائك , لا منتهى لها دون علمك , صلاة ترضيك وترضيه وترضى بها عنا يارب العالمين , وارض اللهم عن صحابته الأئمة المهتدين , خصوصا من الخلفاء الراشدين , ساداتنا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي , وباقي الصحابة من الأنصار والمهاجرين .
وانصر اللهم من قلدته أمر عبادك , عبدك الخاضع لجلالك , أمير المؤمنين مولانا محمدا السادس , نصرا عزيزا تعز به الدين , اللهم أصلح شأنه كله , ظاهره وباطنه , وأصلح به وعلى يديه , ووفقه للخير وأعنه عليه , وأقر عينه بولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولاي الحسن , وشد أزر جلالته بشقيقه صاحب السمو الملكي الأمير المجيد مولاي رشيد , واحفظه في سائر أفارد أسرته الشريفة .

وتغمد اللهم برحمتك الواسعة الملكين الفقيدين المصلحين جلالة الملك مولانا محمد الخامس وجلالة الملك مولانا الحسن الثاني , اللهم اجعلهما في مقعد صدق عندك , واجزهما عن هذه الأمة بما أنت أهله .
اللهم ارحمنا وارحم والدينا وارحم جميع المسلمين والمسلمات , ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار , سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين

أئمةمروك_وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا