ما هو تعريف الحضانة وعلى من تجب؟ - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

ما هو تعريف الحضانة وعلى من تجب؟

أجمع العلماء على وجوب حضانة الطفل الصغير على الأبوين ما داما متزوجين، فإن فقدا فعلى الأقرب فالأقرب...


أئمة مروك :سؤال موجه لسيدي عبدالله بنطاهر جزاه الله عناوعن المسلمين خيرا

الأخ علي رقبان يسأل: السلام عليكم
ما هو تعريف الحضانة وعلى من تجب؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم عليكم السلام سيدي؛
الحضانة لغة بفتح الحاء وكسرها والفتح أشهر: اسم من حضَن يحضُن حَضنا وحِضانا من باب قتل، يقال: حضن الطائر بيضه: ضمه تحت جناحيه، وحضنت المرأة ولدها: ضمته إلى حضنها، فهي حاضنة والرجل حاضن، لأنه وصف مشترك فاحتاج للقرينة، والحضن: الصدر مما دون الإبط إلى الكشح(1)، والجمع أحضان، مثل: حِمْلٍ وَأَحْمَالٍ(2).
وشرعا هي: مراعاة الولد وحفظه في نفسه، ومبيته، ومؤنة طعامه، ولباسه، وتنظيف جسده(3)، وغير ذلك مما يحقق إيواءه وكفالته وتربيته والقيام بجميع احتياجاته ومصالحه(4). وعرفتها مدونة الأسرة في المغرب في المادة 163 بأنها: "حفظ الولد مما قد يضره، والقيام بتربيته ومصالحه". وجاءت في القرآن بلفظ الكفالة في أكثر من آية منها قوله تعالى: { إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ}، وقوله تعالى: {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ}، وقوله تعالى: {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا}.
وأجمع العلماء على وجوب حضانة الطفل الصغير على الأبوين ما داما متزوجين، فإن فقدا فعلى الأقرب فالأقرب من ذوي قرابتهم، وإن انعدمت فعلى الحكومة، أو جماعة المسلمين؛ فهي فرض كفاية، بحيث لا يحل أن يترك الصبي بغير كفالة، لأنه خلق ضعيف يفتقر لكافل يربيه حتى يقوم بنفسه، فإذا قام بها قائم سقطت عن الباقين(5).
ولا تكون فرض عين إلا على شخصين:
1) على أبيه إذا كان موجودا.
2) على أمه في الحالتين التاليتين:
أ) إن لم يكن له أب أو كان له ولا مال له.
ب) إن لم يقبل الرضيع غير أمه(6).
ويعاقب عند المالكية(7) كل من تخلى عن واجب الحضانة، وتزداد العقوبة كلما نتج عن ذلك ضرر بالمحضون، حسب ما في الفصل 459-467 من القانون الجنائي المغربي.
والعلماء وإن أجمعوا على وجوب حضانة الطفل الصغير على الأبوين، لكنهم اختلفوا بالنسبة لغيرهما(8) هل هي حق فتطلب أو واجب فتحمل؟ وإذا كانت حقا فهل هي حق الحاضن، أو حق المحضون؟ وإذا كانت واجبا فهل تجب على الأبوين فقط، أو على كل من تعينت عليه؟ وفي ذلك عند المالكية خمسة أقوال:
1) المشهور: أن الحضانة حق للحاضن، وعليه فلا تجب عليه بحيث لو أسقطها عن نفسه سقطت؛ لأن كل من له حق يسقط إذا تنازل عنه، وهو رواية عن مالك.
2) عكس السابق: أن الحضانة حق للمحضون، فتجب على الحاضن ولا يملك إسقاطها، وهو رواية عن مالك أيضا، وبه قال ابن الماجشون(9).
وفي هذين القولين قال ابن عاصم:
الْحَقُّ لِلْحَاضِنِ فِي الْحَضَانَة وَحَالُ هَذَا الْقَوْلِ مُسْتَبَانَة
لِكَوْنِـهِ يُسْقِطُـهَا فَتَسْقُـطُ وَقِيلَ بِالْعَكْسِ فَما أَنْ تَسْقُطُ(10)
3) الجمع بين القولين الأولين؛ أن الحضانة حق مشترك بين الحاضن والمحضون معا، وعليه فإنها تجب على الحاضن ولا يملك إسقاطها، وهو اختيار الباجي وابن محرز(11).
قال ابن عرفة: «في كون الحضانة حقا للحاضن، أَوْ المحضون، أَوْ لَهُما: ثلاثة: الأولان روايتان، والثالث اختيار الباجي وابن محرز»(12).
قال ابن معجوز: «هذا هو الصواب، وهو الذي يؤيده النظر؛ لأنه لو اعتبرنا الحضانة حقا للحاضن، فربما تعسف في استعمال حقه هذا لمجرد إعنات خصمه الذي يطالب بالحضانة ممن هو أرغب منه فيها، وأقدر على الاعتناء بالولد، ولو اعتبرنا الحضانة حقا للمحضون فقط، فربما نلزم شخصا بحضانة ولد وهو لا يرغب في القيام بهذه المهمة، وذلك في غير صالح الولد»(13).
4) أنها من حق الله تعالى أي الحق العام، وعليه فإنها تجب على الحاضن أيضا ولا يملك إسقاطها.
5) تعتبر في ذلك مصلحة المحضون؛ فإن اقتضت المصلحة أن تكون من حق المحضون أخذ به، وإن اقتضت أن تكون من حق الحاضن أخذ به، وإليه ذهب العلامة ابن الفخار المشاوَر من المالكية إذ قال: «ينظر بالأرفق بالصبي»(14)، ومدونة الأسرة هنا خالفت المشهور في المذهب فجنحت لاعتناق هذا القول، فقررت الحضانة على أساس مصلحة المحضون بإشراف فعلي للقضاء، مستعينا بالنيابة العامة(15)، كما في المواد: 166 و169 و170 و178؛ بل قررت في آخر مادة في الحضانة: 186: "أن المحكمة تراعي مصلحة المحضون في تطبيق مواد هذا الباب".
والذي يظهر أن الخلاف في الأقوال الثلاثة الأخيرة صوري فقط؛ لأنه يرجع إلى قولين:
1) القول بعدم وجوب الحضانة، وبسقوطها عن الحاضن إذا أسقطها؛ لأنها حق له.
2) القول بوجوب الحضانة، وبعدم سقوطها عن الحاضن إذا أسقطها؛ سواء كانت من حق المحضون، أو من حقهما معا، أو من حق الله تعالى أي الحق العام.
والراجح لدى المحققين من العلماء أن الحضانة تتعلق بها ثلاثة حقوق: حق الحاضنة، وحق المحضون، وحق الأب أو من يقوم مقامه؛ فإن أمكن التوفيق بين هذه الحقوق وجب المصير إليه، وإن تعارضت قدم حق المحضون على غيره، فيجب على ولي الطفل، كما يجب على القضاة أن يراعوا دائما في باب الحضانة مصلحة الطفل فقط، بدون الالتفات إلى أي اعتبار آخر، إذ صيانة الطفل في جسمه وعقله وروحه هي الغاية المقصودة للشارع من الحضانة(16).
ــــــــــــــــ
الهوامش:
(1). الكَشْح بوزن الفَلْس: ما بين الخاصرة إلى الضِّلَع الخَلْف. مختار الصحاح لأبي بكر الرازي، مادة: (كشح).
(2). انظر: مادة: (حضن) في كل من: لسان العرب لابن منظور، والقاموس المحيط لفيروزأبادي، ومختار الصحاح لأبي بكر الرازي، والمصباح المنير للفيومي، وانظر أيضا: حاشية العدوي على كفاية الطالب: 2/167.
(3). شرح حدود ابن عرفة للرصاع: 1/324، ومادة: (حضن) في القاموس الفقهي لسعدي أبو جيب.
(4). كفاية الطالب لأبي الحسن: 2/167.
(5). كفاية الطالب شرح الرسالة لأبي الحسن: 2/167، ومواهب الجليل للحطاب: 4/214.
(6). نفس المصدر.
(7). حاشية العدوي على الرسالة: 2/167.
(8). وجوب الحضانة على الأب وعلى الأم بشرطها لا يتأتى على القول بأنها حق للمحضون، ولا على القول بأنها حق للحاضن؛ إذ على الأول يستوي الجميع في التعيين، وعلى الثاني يستوي الجميع أيضا في عدم التعيين؛ ولهذا خص الخلاف بمن لم تتعين عليه من الأب والأم بشرطها. انظر: حاشية العدوي على الرسالة: 2/168.
(9). مواهب الجليل للحطاب: 4/219.
(10). شرح ابن عاصم للتاودي: 1/404.
(11). مواهب الجليل للحطاب:4/215، وشرح ابن عاصم لميارة:1/268 و269، وشرح ابن عاصم للتاودي:1/404.
(12). التاج والإكليل للعبدري: 4/216.
(13). أحكام الأسرة لمحمد بن معجوز: 2/62.
(14). مواهب الجليل للحطاب: 4/215، وشرح ابن عاصم للتاودي: 1/404.
(15). أحكام الحضانة لمحمد الكشبور ص: 51.
(16). الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي: 7/719، ومنهاج المسلم لأبي بكر الجزائري ص: 430.
عبد الله بنطاهر التناني السوسي
بعد صلاة الظهر يوم الأربعاء 2 جمادى الأخيرة 1435هـ 2/4/ 2014م
مدرسة الإمام البخاري للتعليم العتيق أكادير المغرب.
التماس ورجاء: أرجو من سادتي الفقهاء: إن تبين لكم خطأ فيما كتبت فنبهوني؛ فهو بالنسبة لي أحسن هدية؛ وقديما قيل: "المتصفح للكتاب أبصر بمواقع الخلل فيه من مُنشئه"....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا