فضل الأعمال الصالحة في أيام ذي الحجة - أئمة مروك -->
أحدث المواضيع
انتظار..

فضل الأعمال الصالحة في أيام ذي الحجة

 إعداد فضيلة الاستاذ: محمد زراك

تاريخ الخطبة الجمعة 01 ذو الحجة 1443 هـ - 01 يوليوز 2022 م

الحمد لله الذي يَسَّر لمن شاء من عباده حجَّ بيتِه، وجعل جزاءَ الحجِّ المبرورِ الفوزَ بِجَنتِه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك في وحدانيته وألوهيته، سبحانه وتعالى يفتح لعباده في ذي الحِجة مزيدا من عباداته وطاعاته، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله خاتِم نبوءاته ورسالاتِه، بشَّر من حجَّ بغفران ذنوبه وسيئاته، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحابته، وعلى من تبعهم بإحسان مادام في الدنيا من يشتاق إلى حج بيته وزيارته ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾  

أما بعد فيا أيها المؤمنون والمؤمنات؛ لقد يسَّر الله تعالى لكثير من إخواننا وأخواتنا هذا العام، الذهابَ إلى حج بيت الله الحرام، واختارهم سبحانه ليكونوا ضمن وَفْدِه المبارك، الذين دعاهم فأجابوه، واستغفروه فغفر لهم، ويُدخلُهم الجنةَ برحمته، يقول رسول الله ﷺ« الحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الجَنَّةُ» 

وفي المقابل هناك كثيرون منا، لم يَتَيسرْ لهم الذهابُ إلى الحج هذا العام، فأَعْيُنُهم تَفيض من الدمع حَزَنا وشوقا إلى الحج، ولِسَان حالهم يُردد قول أحدهم:

يا سائرين إلى البيتِ العتيق لقد *** سِرْتُم جسوما وسِرْنا نحن أرواحا.

إنا أقَمْنا على عُذْر وقد رحلوا *** ومن أقام على عذر كَمَن راحا .

أخي المؤمن أختي المؤمنة! يا من لم يتيسر له الحجُّ هذا العام! يا من يَحِنُّ إلى الحج ويشتاق إليه! اعلم أننا في أيام مباركات، أفضلِ أيام الدنيا على الاطلاق، اجتمعت فيها أمهات الطاعات، مِنْ صِيَام وصَلوات، وَحَجٍّ وصدقات، وهدي وَأُضْحِيَات، وَذِكْرٍ لرب الأرض والسماوات، لو حرَصت على اغتنام هذه الأيام بالإقبال على عمل الصالحات، فإن الله تعالى يُضاعف لك الحسنات، ويَرفع لك الدرجات، ويغفرُ لك الذنوب والآثام والسيئات، وهي نفس الغاية التي من أجلها ذهب الحجاج إلى الحج، يقول النبي ﷺ«مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ»  فالله سبحانه جعل هذه الأيامَ العشر، موسماً لعبادتِه، مشتركا بين حاجِّ بيتِه، وبين القاعد في بَلدِه.

فمن العبادات التي يَعْظُم فضلها في هذه الأيام؛ المسارعةُ إلى الخيراتِ كلِّها: فقد أمرَ اللهُ جل وعلا عباده بالمسارعة الى فعل الخير، فقال سبحانه ﴿سَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ 

ومن رحمته تعالى أنه فتح لنا أبوابا للخير كثيرة، فمَن تَعذَّر عليه نوع سهُلت عليه أنواع، فيستطيعُ كلُّ مؤمنٍ أَنْ يكونَ ضمن أهلِ الفضلِ والخير والعملِ الصالِحِ، ليفوز بالجنة إن شاء الله، فهذَا أبو بكر الصديق  كان حريصا على أن يكون له سهم في كل وجوه الخير، فقد سأل النبي ﷺ أصحابه يوما فقال: «من أصبح منكم اليوم صائما؟» قال أبو بكر رضي الله عنه أنا، قال: «فمن تبع منكم اليوم جنازة؟» قال أبو بكر: أنا، قال: «فمن أطعم منكم اليوم مسكينا؟» قال أبو بكر  أنا، قال: «فمن عاد منكم اليوم مريضا؟» قال أبو بكر أنا، فقال رسول الله ﷺ « مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ، إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ»  فيا سعادة من يسارع إلى فعل الخيرات.

 ومن العبادات التي يَعْظُم فضلها في هذه الأيام؛ التقربُ إلى الله بأداء الفرائض في وقتها، فمن تَطَهر في بيته، وجاء إلى المسجد ليصليَ مع الجماعة، أو يستمع للخطبة والموعظة، فثوابه كثواب الحاجِّ، فعن أبي أمامة رضي الله عنه  أن رسول الله ﷺ قال «مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ مُتَطَهِّرًا إِلَى صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْحَاجِّ الْمُحْرِمِ»  وفي حديث آخر: «مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ لَا يُرِيدُ إِلَّا أَنْ يَتَعَلَّمَ خَيْرًا أَوْ يَعْلَمَهُ، كَانَ لَهُ كَأَجْرِ حَاجٍّ تَامًّا حِجَّتُهُ» 

ومن العبادات التي يَعْظُم فضلها في هذه الأيام؛ ذكرُ الله عز وجل؛ قال سبحانه ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ﴾  وهي أيام عشر ذي الحجة،  وعن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال «مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ، وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ، وَالتَّحْمِيدِ»  ولعظيم فضلِ هذه الكلمات، تُفتَح لها أبوابُ السماوات، فقد سمع النبي ﷺ رجلا يقول:"اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا" فقال ﷺ  «عَجِبْتُ لَهَا، ‌فُتِحَتْ ‌لَهَا ‌أَبْوَابُ ‌السَّمَاءِ»  فلْنُكْثرْ منها جميعا رحمكم الله تعالى.

ومن العبادات التي يعظم فضلها في هذه الأيام؛ الصيام: فالصيام من أفضل الأعمال في هذه الأيام المباركة، ولذلك كان رسول الله ﷺ يصومها، فعن  هُنَيْدَةَ بنِ خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي ﷺ قالت: « كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ  يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحِجَّةِ..»   ويقول الإمام النووي عن صوم هذه الأيام: " إن صومَها مستحبٌّ استحبابا شديدا"  فَاللَّهم وفقنا لاغتنام أيام العشر، وكَثِّر لنا الثواب والأجر، نفعني الله وإياكم بالقران العظيم وبحديث سيد المرسلين وغفر لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين والحمد لله رب العالمين، ادعوا الله يستجب لكم.


الخطبة الثانية

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ.....أما بعد فيا عباد الله؛ 

ومن العبادات التي يَعْظُم فضلها في هذه الأيام؛ الصدقات: فلئن عجَزت عن حج بيت الله تعالى هذا العام، فلتقصدْ رب البيت سبحانه، بالإنفاق والتصدق على الفقراء والمساكين، كان عبد الله بن عباس رضي الله عنه يقول: "لَأَنْ أَعُولَ أَهْلَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ شَهْرًا أَوْ جُمُعَةً أَوْ مَا شَاءَ اللهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حَجَّةٍ بَعْدَ حَجَّةٍ"  وذكرَ ابن كثير في كتابه البداية والنهاية؛ أن عبد الله بن المبارك، هَّيأ نفسه للذهاب للحج، وودَّع الناس، فإذا به في الطريق بامرأةٍ فقيرة في مَزْبَلَةٍ، تبحث عما تأكل هي وأولادُها الصغار، فأخذت دجاجة ميتة من المزبلة، فتأثر ابن المبارك بهذا المنظر، فجاءها بالمال الذي كان معه لنفقة حجه، وأعطاه لها ابتغاء وجه الله تعالى، وقال لأصحابه: هذا أفضل من حجِّنا في هذا العام". 

فيا من لم يتيسرْ له الطوافُ حول الكعبة هذا العام، طف على  الفقراء والمحتاجين، من أقاربك وإخوانك، وأحبابك وجيرانك، ومُدَّ لهم يد العون والمساعدة، فأغلبهم يعانون في صمت، من غَلاء أضاحي العيد وغلاء الأسعار، فصدقتك عليهم تَمْحُو ذنوبك وتُطفئُ خطاياك، كما يُطفئ الماءُ النار، ولعل الله تعالى يَتقبلُ صدقتك ويكرمُك في السنوات المقبلة، بتيسير أمرك وتحجُّ بيته الحرام، نسأل الله تعالى أن يرزقنا حج بيته الحرام، وأن يغفر لنا ذنوبنا ويتقبل صالحات أعمالنا.

هذا وأكثروا من الصلاة والسلام على النبي الأمين، فقد أمركم بذلك مولانا الكريم، ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت وسلمت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.

وارْضَ اللهم عن الأربعة الخلفاء الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة الأكرمين، خصوصا الأنصار منهم والمهاجرين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 اللهم وفق للخير جلالة الملك أمير المؤمنين محمدا السادس، اللهم انصره نصرا عزيزا تعز به الدين، وتجمع به شمل المسلمين، اللهم بارك له في ولي عهده الأمير الجليل المولى الحسن، واشدد اللهم أزره بصنوه الأمير السعيد مولاي رشيد، واحفظه اللهم في جميع الأسرة الشريفة يارب العالمين.

اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمين ، وأذِلَّ الشرك والمشركين، وأَدِمْ عَلَى بلدنا الأَمْنَ والأَمَانَ وَعلَى سَائِرِ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ.

"رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ" اللهم أنزل السكينة في قلوبنا، وزدنا إيماننا، واهدنا وأصلِح بالَنا وأدخلنا الجنة يارب العالمين، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. اللَّهُمَّ إنا نسألكَ الجنةَ لنا ولوالدينَا ولأشياخنا، ولمَن له حقّ علينَا، ولجميع المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات .

﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين﴾

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نسعد بتعليقاتكم ومقترحاتم تهمنا